خطة إثيوبيا لتقسيم الصومال والسيطرة على سواحلها
اضغط للاستماع
مقدمة الترجمة
تحاول إثيوبيا فرض نفوذها على القرن الأفريقي، وفي
سعيها لتكون القوة المهيمنة في تلك المنطقة، قامت بعدّة
محاولات لإضعاف جيرانها بما في ذلك إرتيريا التي
استقلت عنها؛ فهي تود أن تلقن إرتيريا درسا لتعيدها تحت
جناحها، وبذلك تعود إثيوبيا دولة ساحلية مجددا. في
المقابل، تحاول إثيوبيا تعزيز استقلالية جمهورية أرض
الصومال عن دولة الصومال، وتقوم بكل ما ذُكر آنفا من
خلال ورقة لعب واحدة "ميناء بربرة".
نص التقرير
عندما أصبحت إريتريا مستقلة عن إثيوبيا في عام 1993، أضحت إثيوبيا دولة غير ساحلية، وبالتالي تعتمد على جيرانها -وخاصة جيبوتي- للوصول إلى الأسواق الدولية. وقد أعاقت هذه التبعية طموح إثيوبيا في الظهور كقوة إقليمية غير متنازع عليها في القرن الأفريقي.
مع ذلك، فقد تحوّلت الأمور على أرض الواقع في الآونة الأخيرة حين حاولت إثيوبيا الاستفادة من مشاركة مختلف دول الخليج العربي الجديدة في المنطقة الساحلية للقرن الأفريقي لتقليل اعتمادها على ميناء جيبوتي الذي يستحوذ حاليا على 95% من واردات وصادرات إثيوبيا. وقد فعلت ذلك من خلال السعي بنشاط إلى إثارة اهتمام الشركاء بتجديد وتطوير موانئ أخرى في المنطقة: بورتسودان في السودان، وبربرة في إقليم صوماليلاند (جمهورية أرض الصومال) في الصومال، ومومباسا في كينيا.
لكن ميناء بربرة -على وجه الخصوص- هو الذي سيثبت أنه الأكثر راديكالية من حيث تحدي ديناميكيات السلطة الإقليمية وكذلك القانون الدولي. وذلك لأن صفقة الموانئ التي تشمل جمهورية أرض الصومال ستطعن في احتكار جيبوتي الفعلي للتجارة البحرية. إضافة إلى ذلك، قد يرسخ الميناء بلقنة** الصومال الفعلية ويزيد من احتمالات أن تصبح إثيوبيا المهيمن الإقليمي.
سياسة إثيوبيا الإقليمية من المؤكد أن اهتمام إثيوبيا بميناء بربرة منطقي -بلا شك- من منظور إستراتيجي: فهو الأقرب إلى إثيوبيا وسيصل المنطقة الشرقية من إثيوبيا (وهي منطقة صومالية في الأصل) إلى أديس أبابا. كما سيوفر منفذا تجاريا والذي هناك حاجة شديدة إليه، خاصة في تصدير الماشية والزراعة. إن تطوير وتوسيع الميناء في بربرة يدعم ركيزتين أساسيتين للسياسة الإقليمية لإثيوبيا: الأولى هي الحفاظ على عزلة إريتريا؛ والهدف من ذلك هو إضعافها إلى درجة الانهيار فيتم إعادة لمّ شملها رسميا إلى إثيوبيا، أو تصبح إرتيريا دولة خاضعة.
أما الركيزة الثانية، تستند إلى الحفاظ على الوضع الراهن في الصومال ما بعد الحرب الأهلية. وبعبارة بسيطة، يمكّن الصومال الضعيف والممزق إثيوبيا من التركيز على إخماد الصعوبات الأمنية الداخلية المستمرة، كما يواصل الضغط على إريتريا. لقد أعاقت مشكلتان طموحات إثيوبيا في بربرة: أولا، لا تزال جمهورية أرض الصومال -وهي دولة مستقلة بحكم الواقع منذ عام 1991- غير معترف بها دوليا؛ فيخلق العمل داخلها مشاكل سياسية وقانونية. ثانيا، لا تمتلك إثيوبيا الموارد الأساسية اللازمة للاستثمار وبناء الميناء.
ما برحت إثيوبيا في محاولة إثارة اهتمام أبوظبي ودبي في ميناء بربرة لسنوات. لقد ساعدت عدة عوامل المحاولة الأخيرة لإثيوبيا؛ وشمل ذلك تحولا في التركيز العسكري لدولة الإمارات العربية المتحدة في اليمن والضمانات الإثيوبية لمزيد من التجارة وبعض التمويل لرفع مستوى الميناء. آلت محاولة إثيوبيا الدبلوماسية -التي تزامنت مع التطورات عبر خليج عدن- أخيرا إلى النتيجة التي كانت تتوق إليها. في مايو/أيار 2016، وقّعت موانئ دبي العالمية (DP World) -وهي شركة عالمية تعمل في مجال الموانئ العملاقة- اتفاقية لتطوير وإدارة ميناء بربرة لمدة 30 عاما.
صفقة ميناء بربرة
من الناحية السياسية، فقد أثارت صفقة ميناء بربرة ردود فعل متباينة في جمهورية أرض الصومال: كان هناك بعض الغضب الشعبي الذي استهدف رئيس أرض الصومال السابق، أحمد محمد محمود الملقب بـ "سيلانيو" وعائلته الذين استفادوا منه شخصيا كما أفادت التقارير. إضافة إلى ذلك، ينبع الغضب من الخصومات بين العشائر وفروع العشائر (الحمولات أو الأفخاذ) على الأرض، وخاصة في منطقة بربرة.
لكن الغضب في جمهورية أرض الصومال يتضاءل مقارنة برد الفعل في مقديشو؛ هذا لأن حكومة أرض الصومال ظلت معزولة إلى حد كبير دوليا حتى ظهرت صفقة الميناء. وقد عارض وزراء الحكومة الفيدرالية الصومالية علانية حق جمهورية أرض الصومال في إبرام اتفاقات رسمية مع أي بلد. وتعني الصفقة التي تقودها إثيوبيا أن مطالبات مقديشو بشأن الإقليم الانفصالي قد ضعفت إلى حد كبير. كما تعني هذه الصفقة أن أرض الصومال قد قامت جزئيا بكسر الحاجز غير المرئي للاعتراف الدولي بالدخول في صفقات جوهرية مع شركاء تجاريين ناجحين ودول تعمل على الساحة العالمية. ولم يعد بمقدور مقديشو التظاهر بأنها تسيطر على الحكومة في هرجيسا عاصمة أرض الصومال.
انتصارات إثيوبيا
خلاصة القول هي إن إثيوبيا نجحت في الوصول إلى ميناء آخر وعززت أمنها ومصالحها الاقتصادية الإستراتيجية. ومع ازدياد حجم الشحنات السنوية من البضائع العابرة، احتاجت إثيوبيا -منذ وقت طويل- إلى طرق بديلة عن ميناء جيبوتي. بالإضافة إلى ذلك، أكّدت إثيوبيا وجودها في إدارة الميناء من خلال الحصول على حصة تبلغ 19% في الصفقة. وبإبرام اتفاق ملزم قانونا بين جمهورية أرض الصومال ودولة أخرى، فإن إثيوبيا -في نهاية الأمر- قد مهّدت الطريق أمام الاعتراف الدولي بهرجيسا.
كما عززت إثيوبيا من قبضتها على أرض الصومال من خلال مجموعة من الضغوط والحوافز المادية. ومن خلال جلب استثمارات خارجية واعتراف كبير، يمكن لإثيوبيا أن تتدخل بشكل متزايد في شؤون أرض الصومال الداخلية. ويشكل ذلك معضلة لهرجيسا؛ إذ تجد نفسها أكثر جرأة على التصرف بشكل مستقل، لكنها لا تزال مقيدة بضرورة الحصول على موافقة أديس أبابا.
وبينما تبدأ إثيوبيا في نقل كميات متزايدة من السلع والخدمات على الطريق السريع الجديد لأرض الصومال إلى ميناء بربرة الذي تم تجديده، قد تبدأ هرجيسا في التشكيك في الجوانب الرئيسية لصفقة الموانئ. جانب واحد فقط لن يكون موضع تساؤل، ألا وهو قوة إثيوبيا المتصاعدة ونفوذها على المنطقة بأكملها.
الهوامش:
**بلقنة: مصطلح يشير إلى التجزئة القائمة على استغلال القوميات الصغيرة والتي تؤدي في النهاية إلى نشوء دول جديدة مستقلة على حساب منطقة موحدة جغرافيًّا كانت تعيش في الماضي ضمن إطار إداري وسياسي موحّد.
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق