الثلاثاء، 1 يونيو 2021

قراءة في كتاب كيف سرق الغرب الديموقراطية من العرب

 قراءة في كتاب
 كيف سرق الغرب الديموقراطية من العرب


أسم الكتاب: كيف سرق الغرب الديموقراطية من العرب

الكاتبة: اليزابيث اف. تومسون

صدر:عام 2020


في كتابها الصادر حديثا تعتبر الأكاديمية والمؤرخة الأميركية إليزابيث طومسون الغرب مسؤولا عن فشل الديمقراطية عربيا 

 قراءة :عمران عبد الله 

في 8 مارس/آذار 1920، أصدر "المؤتمر السوري العام" إعلان الاستقلال باسم الشعوب التي تتحدث العربية وتعيش في سوريا الكبرى، والتي تضم دول لبنان وسوريا والأردن وفلسطين، وخلال الحرب العالمية الأولى قاتل العديد من العرب السوريين مع قوات الحلفاء، ما ساهم في وضع نهاية للحرب.


وصدر حديثا عن منشورات أتلانتيك لعام 2020 كتاب "كيف سرق الغرب الديمقراطية من العرب: المؤتمر العربي السوري لعام 1920 وتدمير التحالف التاريخي الليبرالي-الإسلامي" للمؤلفة والأكاديمية الأميركية إليزابيث طومسون.


واعتبرت طومسون في كتابها الذي أهدته ”إلى كل السوريين“ أن كثيرا من النخب العربية في بلاد الشام اعتنقت قبل قرن من الزمان مبادئ الرئيس الأميركي وودرو ويلسون في "الحرية وحق تقرير المصير للدول الكبرى والصغرى على حد سواء، وضمان الاستقلال على أساس الحقوق المتساوية، ونبذ سياسة الغزو والاستعمار".


وكان المؤتمر السوري قد وضع بالفعل دستور ملكية برلمانية ديمقراطية يمكن أن تكون نظيرا لبولندا وتشيكوسلوفاكيا ودول أخرى استقلت عن الإمبراطوريات الروسية والنمساوية والعثمانية التي هزمت في الحرب العالمية الأولى، لكن فرنسا ودولا غربية أخرى اجتمعت في مؤتمر باريس للسلام عام 1919 وكان لها رأي آخر.


الديمقراطية العربية

ويروي كتاب المؤرخة وأستاذة تاريخ الشرق الأوسط الحديث في الجامعة الأميركية، قصة لحظة محورية في تاريخ العالم الحديث، عندما أصبحت الديمقراطية التمثيلية خيارا سياسيا للعرب، بينما اعتبرها الغرب تهديدا لمصالحه الاستعمارية وتعمد تضييعها.


وصدرت المؤلفة الكتاب بخريطتين إحداهما للأراضي التي اعتبرها الأمير فيصل "بلاد الشام" أو سوريا الطبيعية عام 1919، وتضمنت القدس وحيفا وطرابلس وبيروت ودمشق ودرعا وعمان وحمص وحلب والرقة ودير الزور والجوف، وفي الخريطة الثانية عرضت تقسيم الأراضي الذي رعته بريطانيا وفرنسا لبلاد الشام والعراق في يوليو/تموز 1922 في عصبة الأمم، وهو التقسيم الذي يكاد يتطابق مع الوضع الحالي لبلاد سوريا والعراق ولبنان والأراضي الفلسطينية.


يحكي الكتاب قصة المؤتمر العربي السوري لعام 1920، الذي صاغ وصدّق على ما وصفته بالدستور الأكثر ديمقراطية حتى الآن في العالم العربي المستوحى من المبادئ الـ 14 للرئيس الأميركي وودرو ويلسون (1846-1924).


ومتأثرا بالخوف من الاحتلال من قبل فرنسا، شكّل المجلس السوري تحالفا تاريخيا بين الليبراليين والقادة المسلمين المحافظين، باسم الحرية والمساواة وبمباركة رجال الدين المسلمين.

وتجادل طومسون بأن المستعمرين الأوروبيين خشوا أن تهدد الديمقراطية العربية حكمهم في شمال أفريقيا وسهولة وصولهم إلى النفط في العراق والخليج، لذلك قرر قادة مؤتمر باريس للسلام، بالتعاون مع عصبة الأمم الجديدة، تدمير "النظام الديمقراطي" الوليد في دمشق.

وتتابع المؤلفة معتبرة أن احتلال فرنسا لسوريا أدى إلى تشويه سمعة الليبرالية في العالم العربي، وفي ظل هذه الظروف، انفصلت النخب العلمانية والإسلامية عن بعضها بعضا وانقسمت، ما رسخ استقطابا سياسيا حادا بين الإسلاميين والليبراليين استمر في إضعاف النضال ضد الدكتاتورية بعد قرن من الزمان في زمن الربيع العربي وما بعده.

إلهام الواقع

وفي حوارها مع موقع جدلية قالت طومسون إنها قررت الشروع في الكتاب في أغسطس/آب 2013 بالتزامن مع "مذبحة الإخوان المسلمين في القاهرة التي أصبحت علامة مميزة لنهاية التحالف الثوري بين الإسلاميين والليبراليين العلمانيين، والمسلمين والمسيحيين، الذي حشد ميدان التحرير وأسقط الدكتاتور حسني مبارك". وبعد ذلك تحولت الانتفاضة السورية ضد بشار الأسد لحرب أهلية، على حد تعبيرها.

وقارنت المؤلفة بين انهيار هذا التحالف بين الإسلاميين والعلمانيين، وبين ما حدث عام 1920 عندما اتحد القادة الدينيون والعلمانيون واتفقوا على استبدال نظام ديمقراطي جديد بالحكم العثماني لسوريا، بحسب وصفها.

رفض غربي

وتقول المؤلفة إن البريطانيين دعموا القوميين العرب في انتفاضة "قومية" ضد الحكم التركي، سعيا لبناء دولة مستقلة، وفي أكتوبر/تشرين الثاني 1918، دخل الأمير فيصل وضابط المخابرات البريطاني لورنس وقادة عرب دمشق، حيث أعلنوا حكومة دستورية في سوريا الكبرى المستقلة.

وفي العام التالي، وفي مؤتمر باريس للسلام، حصل فيصل على دعم الرئيس الأميركي ويلسون الذي أرسل لجنة أميركية إلى سوريا لتقصي تطلعات شعبها السياسية، ومع ذلك، فإن قادة الحلفاء الآخرين في باريس -وفي وقت لاحق مؤتمر سان ريمو- انتقدوا الديمقراطية العربية، واعتبروها تهديدًا لحكمهم الاستعماري.

وفي 8 مارس/آذار 1920، أعلن المؤتمر العربي السوري الاستقلال وتوّج فيصل ملكا بـ "ملكية تمثيلية"، ودعم رجل الدين والمفكر الإسلامي رشيد رضا هذا الخيار، وقاد الجمعية التأسيسية لتحقيق المساواة بين جميع المواطنين، بما في ذلك غير المسلمين، بموجب شرعية كاملة من الحقوق، بحسب المؤلفة.

لكن فرنسا وبريطانيا رفضتا الاعتراف بحكومة دمشق وبدلا من ذلك فرضتا نظام انتداب على المحافظات العربية في الدولة العثمانية المهزومة في الحرب، بحجة أن العرب لم يكونوا مستعدين بعد للحكم الذاتي.

وبموجب هذا الانتداب، غزا الفرنسيون سوريا في أبريل/نيسان 1920، وسحقوا الحكومة العربية، وأرسلوا قادة المؤتمر السوري العام إلى المنفى، وتم تدمير الائتلاف الهش المشكل من تحالف "الحداثيين العلمانيين والإصلاحيين الإسلاميين" الذين ربما يكونون قد أسسوا الديمقراطية الأولى في العالم العربي بحسب تعبير الكتاب.

دهشة وتعجب

وفي حوارها مع "جدلية" قالت المؤلفة إن كتابها يعد مساهمة في المناقشات التاريخية حول ضعف الديمقراطية وتأثير الحرب العالمية الأولى في الشرق الأوسط، ويتحدى الروايات الاستعمارية التي لا تزال سائدة والتي تلقي باللوم على الثقافة المحلية في الدكتاتورية والعنف السياسي وقمع الأقليات، عبر إظهار كيف قوّض الفرنسيون والبريطانيون عمدا برنامجا سياسيا شعبيا للتسامح والمساواة وسيادة القانون.

وتعتبر طومسون أن الكتاب هو مساهمتها الثالثة في الجهود لفهم الطرق التي شكّل بها الحكم الاستعماري المؤسسات والأعراف السياسية في العالم العربي المشرقي، وكيف "أدى التدخل الأجنبي إلى دق إسفين بين الأحزاب العلمانية والدينية، ما أضعف المعارضة الديمقراطية للدكتاتورية العربية منذ ذلك الحين".

وتناقش المؤلف كيف نظر البريطانيون والفرنسيون إلى العرب في ذلك الوقت، وكيف كانوا -العرب- منظمين سياسيا رغم سنوات الحرب والمجاعة والحرمان من الأدوات الأساسية اللازمة لبناء وتأمين دولة مستقلة.

وتعبر المؤلفة عن اندهاشها من أن أعضاء الجمعيات العربية في دمشق قرؤوا مبادئ الرئيس الأميركي ويلسون وتبنوها، كما عبرت في الحوار عن دهشتها كذلك من مساهمة الشيخ رشيد رضا خلال وجوده بدمشق في صياغة دستور ديمقراطي ودوره المركزي في هذه الحركة المدنية التي تبنت توجهات مدنية مختلفة عن أفكار "سحق الطبقة الدينية" التي حدثت بالحقبة الأتاتوركية في تركيا خلال وقت لاحق، بحسب تعبير المؤلفة.

قراءة حماد صبح

ما أن فرغت من قراءة كتاب ” الحرب التي أنهت السلام ” حتى بدا لي عنوان كتاب ” كيف سرق الغرب الديمقراطية من العرب ؟! ” لإليزابيث  طومسون شاهدا على التآمر ، ومتابعة بالصدفة لمضمون الكتاب الأول . ويدل العنوان الفرعي للكتاب الثاني ” … 

المؤتمر العربي السوري في 1920 وتدمير ائتلافه الليبرالي الإسلامي التاريخي ” على مضمونه دلالة مركزة . 

ولب الكتاب هو القصة التي توضح كيف هزمت القوتان الاستعماريتان ، بريطانيا وفرنسا ، مبادىء الرئيس الأميركي وودرو ويلسون التي تشكلت وفقها عصبة الأمم .

 والأمر في بساطة أن استعمار الحقبة السابقة على الحرب العالمية الأولى  أعاد ترتيب أموره في الشرق الأوسط بعد تحطيم الإمبراطورية العثمانية رغبة منه في المحافظة على مجد هيمنته القديمة ، وفي السيطرة على الأجزاء العربية الحديثة التحرر من تلك الإمبراطورية ، والفوز كذلك بالثروة النفطية التي اكتشفت حديثا في المنطقة . 

وتتداخل في هذا الحيز التاريخي الضيق أحداث كثيرة ، هي أحداث الحرب العالمية الأولى ، والوعود العديدة التي منحتها دول متنوعة لكيانات متنوعة ، وأهمها ما كان سريا مثل اتفاقية سايكس بيكو ، ومنها ما كان علنيا مثل رسالة بلفور أو وعده . وأكبر الآمال والوعود هي التي قدمتها بريطانيا للعرب بأن تكون لهم دولة مستقلة ، والأهم من كل ذلك تطبيق مبادىء وودرو ويلسون خاصة المبدأ الذي يدعو إلى حق الشعوب في حكم نفسها بنفسها  . 

ولكن ما كان لهذا أن يتم ؛ لأن الرغبة الاستعمارية في الهيمنة نجحت في منع البلدان العربية من الاستقلال ، وتدخلت في هذا المنع عوامل كثيرة إلا أن أهمها مثلما بينا كان رغبة الاستعماريين الأوروبيين في الهيمنة ، وفي سوريا خاصة تسلمت فرنسا كامل المسئولية والصلاحية .

 وبعد الحرب ، بعد طرد القوات العثمانية من المنطقة ، شكل مندوبون عرب متنوعون لجانهم الخاصة ، وصنعوا في وقت وجيز إنجازا مرموقا هو بيان  استقلالهم ، وسن دستور يصلح لأن يكون مرشدا هاديا حتى للحكومات الغربية  في ذلك الزمان إلا أن قوى أخرى أكثرها سياسي وبعضها عسكري كانت لها الغلبة  ؛ إذ استمر البريطانيون في احتلال الجزء الجنوبي من سوريا العثمانية ، أي الأراضي الفلسطينية ، وطالبوا بحصولهم على انتداب فيها زاعمين أنه سيستمر حتى يصبح الفلسطينيون قادرين على حكم أنفسهم ، وكان الهدف الحقيقي  لمطالبتهم أن يتمكنوا من إقامة الوطن اليهودي الموعود في فلسطين ، وأن يجدوا  سبيلا توصلهم إلى النفط وإيران والهند . وكان للفرنسيين قوة قليلة  في المنطقة إلا أنهم ما لبثوا أن ثبتوا وجودهم فيها اعتمادا على اتفاقية سايكس بيكو .

ومن الشخصيات الفرنسية الرئيسة في ذلك الحين روبير  دوكيه ” الزعيم القوي في اللوبي الاستعماري الفرنسي ” الذي رأى في مبادىء ويلسون وباء وخيما  ، وقال مستعملا اللغة الاستعمارية المأثورة إنه : ” بتوظيفه للشبكات الاستعمارية خلال عشرين عاما مستعينا بالدبلوماسية الفرنسية وحدها في الشرق الأوسط ؛ دمر كل أسس الديمقراطية الليبرالية العربية لمنع ازدهارها ثانية ” . وكان استعماله للمادة الثانية والعشرين من ميثاق عصبة الأمم  ” فرضا للحكم الفرنسي المباشر بالقوة ” .

ولم يسلم من هذه السياسة الاستعمارية أحد بما أن لاعبين آخرين كثيرين لم يرغبوا في وجود أي حكومة عربية مستقلة في الشرق الأوسط ( أو في كل الإمبراطورية العثمانية الآفلة ) . وتنحت الولايات المتحدة جانبا تاركة مبادىء ويلسون حطاما في حطام ، ورافضة باستهزاء معاهدة فرساي للسلام ” لخشيتها من أن تفضي إلى التوسع الاستعماري ” . 

وكانت البقية الباقية من الدولة التركية لا تزال تحتفظ بجيش كبير ، وقادرة على الوصول إلى نتيجة لنفسها أفضل كثيرا من الأقطار العربية ،  فقاتلت قواتها القوات الفرنسية وأوقفتها عند  حدودها الجنوبية ، وفرضت التطهير العرقي الخاص بها على مختلف القوميات في ما سيصبح تاليا تركيا الحالية .

وكان المنتظر من الهيئات التشريعية العربية التي تسمح للشعب بممارسة سلطته السيادية أن تمنع الملوك الفاسدين من بيع بلدانهم للأوروبيين مثلما باع شاه إيران وخديوي مصر بلديهما لهم . زد على هذا ” أن الحرية الدستورية تعبير أصيل عن القيم الإسلامية لا الفساد الغربي ” . وتقدم قراءتنا لكتاب طومسون البرهان على أن تلك القيم لا تحوي مبادىء الحرية الدستورية فحسب ، ولكنها أيضا تستطيع تنظيم الحكومة إداريا وإقامة بنيانها إقامة سليمة بخلاف الخرافات الاستعمارية لبريطانيا وفرنسا .

لقد انهزم الليبراليون الغربيون أمام منافسيهم الاستعماريين ، وهزيمتهم  تؤلف  الكثير من قصة فرصة العرب للحكم الديمقراطي التي سرقها الغرب . 

كانت الهزيمة عسكرية وسياسية ، ويقع نصيب يسير منها على القيادات  العربية التي ” لم يكن لديها وقت كافٍ لحيازة الخبرة الضرورية للتصدي للأساليب الحازمة للدبلوماسيين الأوروبيين الاستعماريين ” ، ويجب أن نضيف أنه لم تكن لتلك القيادات قوة عسكرية ذات فعالية قتالية غلابة ؛ إذ لم تملك وقتا لتسليح نفسها . 

والحقيقة أنها واجهت حظرا دوليا على إمدادها بالسلاح . 

وأفضت هزيمة الليبراليين الغربيين   إلى تفرقهم  واختفائهم في النهاية . وتقول الكاتبة : ” إن جهاز فرنسا القمعي ، وحمايتها للنخبة المعارضة للديمقراطية أقاما حواجز جديدة مضادة للسياسة الديمقراطية فأنبت هذا بذور الحكم الفردي والنزعة الإسلامية المناوئة لليبرالية ” .

أسلوب الكتاب حسن الصياغة ، ومراجعه جيدة ، ويضم في متنه بيان الاستقلال العربي ، ونص الدستور إلا أن من شأن خلفية تاريخية أرحب أن تعين القارىء على فهم السياق الأوسع للأحداث التي عرضها  . 

والحق أن إليزابيث طومسون تقدم لنا كتابا يفتح الطريق لتفصيل كثير من الجوانب الصغيرة لهذا الموضوع ، جوانب إمبراطوريات كبرى ذات غايات كبرى . 

الموضوع في لبابه هو الفترة التي أسست لمشكلاتنا الحالية في المنطقة ، ومن ثم لا يمكن فهم الوضع القائم فيها فهما صحيحا دون قراءة كتب من صنف ” كيف سرق الغرب الديمقراطية من العرب ؟! ” .

هناك تعليق واحد: