الجمعة، 6 مايو 2011

دولة من أجل المواطنين لا مواطنون من أجل الدولة .. الحقوق مكتسبة بالمواطنة والإنسانية معا

دولة من أجل المواطنين لا مواطنون من أجل الدولة ..
الحقوق مكتسبة بالمواطنة والإنسانية معا
بقلم د . عبدالله الحامد
 أن الإسلام يركز على الصفة (الإنسانية) مصدرا للحقوق والواجبات، وعلى مفهوم الكرامة الإنسانية؛ ويجعل ذلك جوهر المواطنة، وإن كان يجعل من المواطنة رباطا يقوم على الولاء للتجمع والتناصر، هذا الولاء للتجمع في مكان واحد، جعل في العهد النبوي اليهود والنصارى داخلين في مفهوم الأمة، بينما قال الله لمسلمي المدينة من ناصروا النبي صلى الله عليه وسلم؛ عن مسلمي مكة الذين لم يهاجروا لنصرة النبي"مالكم من ولايتهم من شيء".


أ- البدل الأسري حق لكل أسرة :
في البداية ينبغي التنبيه إلى أن الإسلام يركز على الصفة (الإنسانية) مصدرا للحقوق والواجبات، وعلى مفهوم الكرامة الإنسانية؛ ويجعل ذلك جوهر المواطنة، وإن كان يجعل من المواطنة رباطا يقوم على الولاء للتجمع والتناصر، هذا الولاء للتجمع في مكان واحد، جعل في العهد النبوي اليهود والنصارى داخلين في مفهوم الأمة، بينما قال الله لمسلمي المدينة من ناصروا النبي صلى الله عليه وسلم؛ عن مسلمي مكة الذين لم يهاجروا لنصرة النبي"مالكم من ولايتهم من شيء".
فأساس استحقاق الحقوق في الإسلام إنساني لكل من يقيم في الوطن، وغير المسلمين يستحقون نفس الحقوق، ماداموا غير محاربين، بخلاف مفهوم الوطنية القومي الضيق، الذي قسم به البشر جنسيات، وحرم من لا يحمل الجنسية، من الحقوق المدنية.
وقد يكون ثمة شبهة يحتج بها الذين يحرمون الحقوق السياسية من لايحمل جنسية بلد ما، ولكن حرمانه الحقوق المدنية عدوان على مفهوم الإنسانية، التي هي أساس الحقوق والواجبات.
وقد شرع الإسلام أن تعطي الدولة عطاء شهرياً أو سنوياً لكل فرد من أفراد الأمة، والمساواة بين الناس في العطاء، دون ملاحظة مراتبهم هي الأسلوب الأفضل الذي سلكه النبي صلى الله عليه وسلم، وسلكه أبو بكر وعلي رضي الله عنهما
فالأولى أن يعطي الناس سواءً ، دون تفريق بين مراتبهم ، ولا بين البارزين منهم والعاديين، كما فعل أبو بكر لما قسم المال بالسوية دون أن يؤثر أحدا على احد، ولما قال له الناس: لو فضلت أهل السوابق بسبقهم ، وأهل الفضل بفضلهم ، فقال : " إنما ذلك شيء ثوابه على الله جل ثناؤه ، وهذا معاش ، والأسوة فيه خير من الأثرة ". ولذلك سوى علي رضي الله عنه بين المهاجرين والأنصار وغيرهم ، وبين العبيد والأحرار .
وذلك تطبيق نموذجي لمبدأ المساواة وتكافؤ الفرص، في توزيع إنفاق الدولة وخدماتها استرشاداً بقوله تعالى : " كي لا يكون دولة بين الأغنياء منكم".
وقد مايز عمر رضي الله عنه بين الناس حسب قدمهم في الإسلام، أول خلافته، ثم استصوب أسلوب المساواة، في آخر خلافته الذي سبقه فيه أبو بكر وآثره علي.
فلكل مواطن حق في بيت مال المسلمين، حتى لو كان غير مسلم.
كما قال عمر : والله الذي لا اله إلا هو ما أحد إلا وله في هذا المال حق، وما أحد أحق به من احد ، وما إنا فيه إلا كأحدهم ، …، والله لئن بقيت ليأتين الراعي بجبل صنعاء حظه من هذا المال ، وهو في مكانه قبل أن يحمر وجهه"، أي قبل أن يتعب في طلب المال. وقال أيضا : " لئن كثر هذا المال؛ لأفرضن لكل رجل أربعة آلاف درهم: ألفا لفرسه ، والفاً لسلاحه ، وألفاً لسفره، وألفاً يخلفها في أهله"
ومن الأمور التي قررها الإسلام تحديد ( معاش ) للصغار أيضا، كما فعل عمر بن الخطاب رضي الله عنه:
-فقد فرض للوليد حين ولادته مئة درهم .
-فإذا ترعرع ( وفطم) زيدت إلى مئتي درهم .
-فإذا بلغ زيدت.
وكان عمر يوصي بهم خيراً ، ويجعل رضاعتهم من بيت المال ، وكان من قبل لا يفرض للوليد عطاء حتى يفطم ، فسمع أن بعض النساء تسرع في فطام طفلها، فنادى مناديه
" لا تعجلوا أولادكم عن الفطام ، فانا نفرض لكل مولود في الإسلام"
فانظر كيف قرر الإسلام حقوق الأفراد، قبل أن تقررها القوانين في الدول الغربية،بأربعة عشر قرنا، وانظر كيف تدفق المال اليوم زمن هيمنة الصهيونية والإفرنجية والأمريكية الإمبريالية ، على الدول العربية ولا سيما الخليجية والنفطية، وكيف لم تراع لا المبادئ الإسلامية ولا الإنسانية في توزيعه ، وكيف لم تتصرف به لا وفق مبدأ العدل والمساواة، ولا وفق مبدأ التراحم الإنساني، بل أنفقت في الحروب القبلية ما لو أنفقق على فقراء العالم كله، لكساهم وأشبعهم وآواهم.
من أجل ذلك تشتد الحاجة اليوم إلى إعلان حقوق الإنسان في الإسلام، الذي جاء رحمة للعالمين، ولعنة لكل فرعون وقارون.
ويمكن أن تبلور هذه مبادئ الحقوق الأسرية، تحت عنوان البدل الاسري في الإسلام كما يلي:
1-تعطي الزوجة معاشاً شهرياً أو سنوياً، إذا كنت متفرغة لبيتها وأولادها.
2-تعطى الأسرة معاشا أو بدلاً يكفي لمصروف كل مولود ، ليعين هذا البدل الفقراء على تربية أولادهم وتعليمهم ، ويغنيهم عن السؤال .
ب-من أحيا أرضا ميتة فهي له:
وفي توزيع الأراضي الزراعية والسكنية ، وضع الإسلام قواعد للتملك وهي:
قاعدة شعبية عظمى:من أحيا أرضاً ميتة فهي له، فالأرض لمن عمرها، وغرس فيها، كما قال صلى الله عليه وسلم: " العباد عباد الله، والأرض أرض الله، فمن أحيا أرضا ميتة فهي له "(رواه أحمد وأبو داوود والترمذي والنسائي وصححه ابن حبان والألباني).
و عنْ عُروةَ، عنْ عائشةَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهَا،أنَّ النبيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قالَ:"مَنْ عَمَّرَ أَرْضًا لَيْسَتْ لِأَحَدٍ فَهُوَ أَحَقُّ بِهَا".
قالَ عُروةُ: وقَضَى بهِ عُمَرُ في خِلافَتِهِ(رواهُ البخاريُّ) فليست لسلطان يحميها، ولا لمن يستحصلونها لأنهم من ذوي النفوذ من حواشيه، ثم يبيعونها على المحتاجين.
فقرن الإسلام بين الاستثمار والتملك، ولذلك رجح بعض العلماء أن الأحياء كاف للتملك ، إذا كان إحياء شرعياً ، وأنه لا يشترط له إذن الحاكم، سواء أكان إحياء أرض بور بعيدة عن العمران أم في وسطه.
اشتراط بعض الفقهاء إذن الحاكم المغتصب المستبد في إحياء الأرض الموات، واه فاسد ، يدل على جهل سائد، ولو اشترطوا إذن حاكم شوري منتخب، واشترطوا على المحيي عدم حاجة الناس إلى الأرض، وعدم وجود شبهة ملكية سابقة، واحتياج المقطع إليها، لكان كلامهم وجهة نظر ولكنها (مرجوحة) و(غير عملية).
على أن الحاكم الشوري المنتخب؛ لم يتوافر في الحكومات العربية منذ معاوية، حتى زمن الهيمنة الصهيونية والإفرنجية والأمريكية،فالحكم الشوري أمر نادر، والنادر لا حكم له، وحتى في حالات الحكم الشوري؛ كيف لبدوي أو قروي في شعب من الأرض، بعيد عن عاصمة الدولة؛ أن يستمنح أرضا يؤوي فيها أهله أو يغرس شجره ونخله؟.
والقواعد في الإسلام يراعى فيها عموم الناس، فرأي من اشترط إذن السلطان باطل حتى لو كان الحاكم شورياً منتخبا، لأن الرسول صلى الله عليه وسلم لم يقيد الإحياء بإذن منتخب فضلا عن مغتصب.
ومن الدلالة على فساد هذا الرأي صعوبة قيام البادية والرعاة والفقراء وسكان العشش والأحراش والعرائش والبدو الرحل وصغار المزارعين وفقرائهم بالاستئذان.
ويمكن أن تحدد مساحة الإحياء بما يكفي حوائج المحيي، وأن يؤخذ منها للطرق والمرافق كالمساجد والمستشفيات والمدارس والأسواق والشوارع ، ما لا يزيد عن ربعها من دون إجحاف، ولكن لا يجوز مطلقا للدولة سلب الفقراء مساكنهم و مزارعهم إلا بتعويض فوري واف.
ج= منح أراضي السكنى و العمل والزراعة:

وشرع الإسلام إقطاع المحتاجين الأرض من ساكنين ومزارعين، وينبغي أن تتوفر في الإقطاع الضوابط التالية:

أولاالفقراء قبل القراء: بأن يقدم الأحوج فالأحوج ، فلا يجوز أن تكون منحة المسكن ميزة للموظف الكبير على الصغير، ولا لأساتذة الجامعات، وذوي الشهادات العالية على الدنيا، فالأصل أنها للسكنى ، فمن استطاع أن يسكن من دون عون الدولة فهو عنها غني. وأولوية الفقراء تستوجب العناية بالطبقات الفقيرة، فالأرض تعطى لمن يحتاج إلى بيت، فلا تمنح الأرض للأمراء والوجهاء والنهابين ، وتمنع الفقراء والمحتاجين.
ثانيا أولوية المسثمرين : بأن تعطى الأرض لمن يعمل ويزرع. وأن لا تؤثر بها طبقة الأمراء والوجهاء ، والعلماء والأعيان ، الذين يؤجرونها أو يبيعونها على المستثمرين.
ثالثا المساواة: أن يراعى فيها المساواة بين الناس في منح أراضي السكن، وأن تكن الأرض قريبة من العمران ، فلا يعطى فقير معدم أرضا في مكان قصي بعيد ، ويعطى الوجيه في مكان قريب.
وأن تكون عدة أمتارها متقاربة للجميع ، فلا يعطى الأمير عشرات الملايين من الأمتار، ويعطى الموظف العادي والفقير مئاتها .
وأن تكون مرة واحدة ، فلا ينبغي أن يأخذ الإنسان أكثر من مرة واحدة ، وأن تكون في محل وظيفته وسكناه فحسب. والمساواة تقتضي أمورا خالفها اليوم كثير من الحكام.
رابعاأن تكون مشروطة بالعمل المباشر: ، أن يشترط فيها أن يسكن أو أن يزرع، فلا ينبغي بيعها ، أو التنازل عنها ، فليست هبة واهب لراغب، بل هي حق لازب لمحتاج ، فإذا كان غير محتاج إليها أعطيت من هو محتاج. فمن استقطع ارضاً ، ثم أجرها من يحييها ، فهذا المستأجر أولى بها من ذلك المؤجر، لأن الأرض أقطعت من يزرعها، ومن استقطع-لأنه من المقربين- أرضا ثم تنازل عنها بمبلغ من المال، فما أخذه حرام ، لأن الأصل في الإقطاع أن يكون لمن يعمل ، ولمن يحتاج، ولمن يباشر العمل بنفسه.



خامسا أن تكون للأسرة: ، فالبيت للأسرة ، والسكن للأسرة ، و الأولى بها هو المتزوج.
ولو تأملت واقع بعض الحكومات المنتسبة إلى الإسلام،منذ سقوط الحكم الشوري الراشدي، ولا سيما الدولة العربية البوليسية، زمن الهيمنة الأمريكية والإفرنجية والصهيونية؛ لوجدت خللاً كبيرا في هذا المجال ، فكم كبير أخذ المساحات الواسعة التي تبلغ عشرات الملايين من الأمتار، ثم عاد يقطعها على الناس، خططا صغيرة، بأسعار غير محدودة، وكم كبير أعطي أرضا تحتاجها الدولة لبناء مؤسسة أو مطار، ثم اشترتها منه نقدا أو إقساطا، فصارت الدولة مدينة له يقسط ثمن أرض الشعب عليها، وربما بلغت قيمة الأرض أرقاما خيالية.
ويروى أن أحد الأمراء فى إحدى دول الخليج علم أن الدولة ستقيم منشأة كبيرة فى أحد الشواطئ، فاستعطى الحكومة أرضا واسعة فى الموقع المتوقع إقامة المنشأة فيه، وحين قررت الدولة أن تجعلها مطاراً باعها على الدولة بثمن غال، فلم تستطع الدولة أن تسدد الثمن دفعة واحدة، فقال: أقسطها عليكم، على ثلاث سنوات فقسطها، فأعلنت الحكومة شكره في الصحف والمجالس !! وكأنه قد يسر على دولة معسرة، "ومن يسر على معسر يسر الله عليه في الدنيا والآخرة"!.


ويشيع بين الناس أن أميرا آخر فى إحدى دول الخليج علم أن الدولة ستنشئ طريق قطار يعبر الصحارى والقفار، فحاول أن يستعطي (وليَ الأمر)الأرض- ما عرضه مئة متر بطول آلاف الأكيال، وهو نفسه ولي الأمر أو نائبه، ورب حقيقة أغرب من الخيال!!.
وكم كبير يستمنح مرفقا حكوميا مخصصا لمسجد أو مدرسة ، فيمنح إياه ، ثم يبيعه على الدولة ، وكما نافذ أخذ في كل بلدة خِطة، بل واخذ لأطفاله الصغار وللأقارب والأصهار ، في كل مدينة خططا وحولهم العجزة والأيامي واليتامى والضعاف والمساكين، لا يجدون حيلة، ولا يملكون فتيلاً.
ومن أعجب العجب أن أهل العلم والفقهاء يستحلون أعطيات الطغاة، مادام المعطى لم يتطلع ولم يطلب، وينسون أنها من مال الأمة، وأن الحاكم ينيهبها من الأمة، ليرشو أعيان القوم بها، ليسكتوا على فتكه بحقوقها، وأنه لايجوز لغير فقير قبولها، ورحم الله الإمام أبا حنيفة النعمان ما افقهه وأنبهه، فقد أرسل إليه المنصور الإمام مالا فرده، فاستدعاه وسأله لم رده فقال: "ما وصلني أمير المؤمنين من ماله بشيء فرددته، ولو وصلني بذلك لقبلته، إنما وصلني من بيت مال المسلمين، ولا حق لي به".
ومن العجب العجاب أن تجد المماليك يشترون حريتهم بالمال، وأن تجد الفقهاء والعلماء والأعيان يتنازلون عنها، لجل المال
بمثل هذه التصرفات يسر الحكام الطغاة والخانعون من فقهاء الظلام، طريق الشيوعية والإمبريالية، قاتلهم الله أنى يؤفكون.
د= حق الإنسان في العلاج مجانا :
صحة الإنسان ، هي رأس ماله، والإنسان هو رأس مال الأمة، فلا تكون أمة قوية ولا ذات إرادة، ولا تنجو من الغباء والبلادة، إذا لم يكن بناؤها النفسي والجسدي والعقلي قويا، وقديما قيل: العقل السليم في الجسم السليم، ولذلك فان الإنسان لا يستطيع العمل ولا الكسب ولا سد حاجته التي بها قوام حياته، إلا إذا كان سليم الجسم ، وليس العقل السليم في الجسم السليم فحسب، بل والطبع والتصرف السليم والنشاط والحيوية أيضا. وما لا يتم الواجب إلا به فهو واجب، ولذلك جعل الفقهاء جزءاً من موارد بيت المال مخصصا للنفقة على المرضى وأدويتهم.
وهذا يوضح أن الإسلام أوجب رعاية صحية الإنسان، و ينبغي أن يتساوى الناس في هذه الرعاية، فلا تجوز ممارسات الدولة العربية البوليسية، زمن الهيمنة الأمريكية والإفرنجية؛ كيف تكون المشافي الراقية والمتخصصة للأمراء والأعيان والوجهاء مجاناً؟، وتكون المشافي العامة والمتدنية في خدمتها للفقراء وعامة الناس؟، الذين لا يصلون إلى المشافي الراقية، إلا بواسطة من ذوي السلطان ، أو بدفع مال كثير.
فالمشافي الراقية وغيرها ينبغي أن تكون مفتوحة الأبواب للجميع ، فليس الوجهاء والأمراء أولى بها من العامة والفقراء، بل إن الضعاف أولى بها، لأنهم لا يجدون مالا ولا جاهاً، يبلغهم من العلاج في غيرها من مشافي العالم. إن من أقسى ما يعاني الإنسان في الدول الجبرية أنه لا يستطيع أن يرد شبح الموت أو فتك الداء إلا بالواسطة التي لا يملكها.
فكيف تكون الدولة المواطنين وباسم المواطنين، لا بأسماء المستبدين؟
أليس بالبيعة الشرعية على كتاب الله وسنة رسوله صلى الله عليه وسلم، التي مقتضاها قوامة الأمة على ولاتها مطلبا، وبالجهاد السلمي مركبا؟.

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق