الخميس، 31 مارس 2011

هوامش على دفتر النصر والتغيير


هوامش على دفتر النصر والتغيير



الورقة الأولي

ليس ما وقع "ثورة".. فالإسلام لا يعرف هذا المصطلح بمعناه الدارج في العصر الحديث، والذي كان علمًا على بعض الثورات الهائجة كالثورة الشيوعية، والثورة الفرنسية، والثورة المصرية في يوليوسنة 1952م، أو الثورات البعثية التي جمعت بين التفكير المادي والتفكير العنصري.. لكنها "حركة شعبية" للقضاء على الظلم والقهر والفساد.

إن ما وقع "تعبير شعبي" عن المصريين لمنهج الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر، الذي أمرهم به الله في القرآن في قوله تعالى: {كُنتُم خَيرَ أُمَّةٍ أُخْرِجَت لِلنَّاسِ تَأْمُرُونَ بِالْمَعْرُوفِ وَتَنْهَوْنَ عَن الْمُنكَرِ وَتُؤْمِنُونَ بِاللَّهِ} [آل عمران: 110].
 وقد تجلت هذه الصورة الرائعة في ميدان التحرير.. فكانت الصلاة تُقام جماعة، وكان التكافل الاجتماعي ينتظم الجميع؛ مما يؤكد أن عصر القهر هو الذي أعاد الناس إلى فطرة الإسلام في التغيير.. {إِنَّ اللَّهَ لا يُغَيِّرُ مَا بِقَوْمٍ حَتَّى يُغَيِّرُوا مَا بِأَنفُسِهِم}[الرعد: 11].

الورقة الثانية

من آيات الله التي لا يجوز أن تُنسى أن يكون الانفجار الأول ضد الظلم والطغيان قد وقع في أعتى دولة تولَّى حكمها الطاغية الأعظم زين العابدين بن علي، ذلك الذي فرض السفور، ودمر الجامعة الزيتونية إحدى الجامعات الإسلامية الثلاث الكبرى في التاريخ الإسلامي -بعد الأزهر والقرويين في فاس- وحسبنا في ذلك أن عدد من كانوا فيها أيام الاستعمار الفرنسي ثلاثون ألفًا، فأصبحوا في أيام زين العابدين ثمانية من الطلاب والطالبات ومعظم الطالبات سافرات!!

فالله يظهر قدرته وسلطانه {أَلَم تَرَ كَيفَ فَعَلَ رَبُّكَ بِعَادٍ * إِرَمَ ذَاتِ الْعِمَادِ * الَّتِي لَم يخْلَق مِثْلُهَا فِي الْبِلادِ * وَثَمُودَ الَّذِينَ جَابُوا الصَّخْرَ بِالْوَادِي * وَفِرْعَوْنَ ذِي الأَوْتَادِ * الَّذِينَ طَغَوْا فِي الْبِلادِ * فَأَكْثَرُوا فِيهَا الْفَسَادَ * فَصَبَّ عَلَيهِم رَبُّكَ سَوْطَ عَذَابٍ * إِنَّ رَبَّكَ لَبِالْمِرْصَادِ} [الفجر: 6-14].

وعلى الجبابرة الباقين في العالمين العربي والإسلامي أن يتذكروا هذه الدروس البليغة.

الورقة الثالثة

وقد لاحظنا أن كل شخص من الحكم البائد ينحو بالانحراف على الآخرين، فكل وزير يزعُم أن الوزير السابق أو الثري فُلان "الملياردير" هو الذي كان يدعوه ويزين له الثراء الفاحش، والتحكم في البرلمان وتوجيه أعضائه بالجملة إلى ما يريده الكبار والأكبر جدًّا! وهذا يذكرنا بقوله تعالى: {قَالَ ادْخُلُوا فِي أُمَمٍ قَد خَلَت مِن قَبْلِكُم مِن الْجِنِّ وَالإِنسِ فِي النَّارِ كُلَّمَا دَخَلَت أُمَّةٌ لَعَنَت أُخْتَهَا حَتَّى إِذَا ادَّارَكُوا فِيهَا جَمِيعًا قَالَت أُخْرَاهُم لأُولاهُم رَبَّنَا هَؤُلاءِ أَضَلُّونَا فَآتِهِم عَذَابًا ضِعْفًا مِن النَّارِ قَالَ لِكُلٍّ ضِعْفٌ وَلَكِن لاَ تَعْلَمُونَ} [الأعراف: 38].

الورقة الرابعة

حاسبوا أنفسكم قبل أن تحاسبوا.. لقد أعطتنا هذه "المحنة المنحة" درسًا لا يجوز أن ننساه، فلو أن كل إنسان يشغل موقعًا حاسب نفسه قبل أن يُحاسب، وتذكر أن هناك يومًا سيأتي يحاسبه فيه الذين يأتون بعده عن أخطائه، فضلاً عن أنه سيحاسبه الله يوم القيامة وتوزن أعماله بالعدل، حيث يقول سبحانه: {وَنَضَعُ الْمَوَازِينَ الْقِسْطَ لِيوْمِ الْقِيامَةِ فَلا تُظْلَمُ نَفْسٌ شَيئًا وَإِن كَانَ مِثْقَالَ حَبَّةٍ مِن خَرْدَلٍ أَتَينَا بِهَا وَكَفَى بِنَا حَاسِبِينَ} [الأنبياء: 47].

فلو حاسب كل إنسان نفسه وقوَّمها، ورد المظالم إلى أصحابها، واستغفر الله من الذنوب التي وقع فيها، لفاز في الدنيا والآخرة؛ فمحاسبة كل إنسان نفسه درس من دروس "المحنة المنحة" التي مرت بها مصر.

الورقة الخامسة

لقد ظهر التكافل الاجتماعي في أعلى صورة، وكان ما وقع في ميدان التحرير من التكافل صورة من صور التعاون على البر والتقوى، كما كان التكافل بين القوات المسلحة والشعب صورة من صور التكامل بين الحاكم والمحكوم، وبين الجيش المسئول عن الأمن وبين الأمة، فزالت الشوائب التي كانت في النفوس، ووقع الحب بين الجميع، وكأنهم روح واحدة في جسدين ينبضان بالحياة والحب.

الورقة السادسة

الواجبات قبل الحقوق.. وقد ظهر فيها حرص كل إنسان على أداء واجبه دون النظر إلى حقوقه التي قد تأتيه عفوًا.

وهذا الشعار العظيم "الواجبات قبل الحقوق" هو الذي يجب أن يكون طريق مستقبلنا، وقد كتب العلامة المهندس الكهربائي مالك بن نبي صفحات طويلة -اعتبرها من شروط النهضة- حول هذا القانون الذي يعتبره جزءًا من نظريته، وهو أن الواجبات عنده تسبق الحقوق، وقد طبقها في مدينته التي ولد فيها "تبسة" في الشرق الجزائري، واعتبرها حقلاً لتجربة نظريته، وقاد طلاب الجامعات والمثقفين إلى أن يحملوا المكانس، وأن يعملوا معًا في تنظيف مدينته "تبسة" التي ولد فيها، وأن يزرعوا الأشجار وأن ينظموا الطرقات في الشوارع.

وكان منظرًا جميلاً أن تجد فريق عمل من المثقفين يعملون في كنس الشوارع وتجميلها لا يشعرون بالخجل ولا الاستعلاء، بل يشعرون بروح التعاون العملي، وأنه الأهم والأجدى من النصائح والوصايا الكلامية، وما وقع الخلاف بين مدرسة جمعية العلماء وعلى رأسها الشيخ عبد الحميد بن باديس زعيم النهضة الجزائرية إلا لأن الأخير سافر إلى فرنسا يطلب منها حقوق الجزائر وحريتها، فردَّ عليه مالك بن نبي: إن الحل هنا في الجزائر وليس في باريس، إن أداء واجباتنا أولى من استجداء حقوقنا.

الورقة السابعة


وكان من دروس "المحنة المنحة" ما شعرت به كثرة من المثقفين وأصحاب الوعي الحضاري والشعور الإسلامي.. من أن مصر تضع قدمها على الخطوة الأولى في الطريق الصحيح.. لقد أصبحنا نتفاءل بإمكانية أن نمشي في طريق اليابان بعد هزيمتها في 16 أغسطس 1945م، وضربها بقنابل هيروشيما ونجازاكي..

إنها لم تبك على الهزيمة الساحقة، بل انطلقت نحو المستقبل معتمدة على "الواجبات" وعلى العمل، حتى سبقت أمريكا اقتصاديًّا.. وكانت قد شرطت على أمريكا أن تظل محافظة على دينها، وعلى منهجها التربوي، وعلى لغتها اليابانية، وعلى تاريخها.. وقبلتْ أمريكا هذه الشروط مستهينة بها.. وبها انطلقت اليابان إلى النهضة.

الورقة الثامنة

ولماذا لا نمشي في طريق تركيا التي أصبحت القوة السادسة في العالم.. وماليزيا التي حققت كثيرًا من صور التقدم؟


لقد أصبحت مصر مؤهلة للتقدم على خُطا هذه الدول المتقدمة، وعلى الدفاع عن المسلمين السُّنَّة في العالم.. وعودة دورها الرائد في إفريقيا وآسيا بأزهرها العظيم وتأثيرها الكبير.
الورقة التاسعة

في بلدنا "مصر" مدينة اسمها دمياط.. هذه المدينة تشبه اليابان في جديتها في العمل.. ويلاحظ أن الطابق الأرضي من معظم البيوت في دمياط تحول إلى ورش للموبيليا.. يشترك فيها الأبناء مع الآباء.. وبهذا يحمل الأبناء خبرة الآباء، توارثًا على غرار ما عُرف في تراثنا.
الورقة العاشرة

التداول.. لقد رأى الناس بأعينهم قانون التداول والتدافع.. {وَتِلْكَ الأَيامُ نُدَاوِلُهَا بَينَ النَّاسِ} [آل عمران: 140]. إنه قانون كوني وقرآني.. والكون كتاب الله المنظور.. والقرآن كتاب الله المسطور.. وهما متكاملان.

المصدر: نقلاً عن مجلة التبيان عدد (81) - مارس 2011م.

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق