دكتور مرسي رئيس مصر وصاحب مشروع النهضة.. كفَّيتَ ووفيتَ
قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «سيد الشهداء حمزة، ورجل قال كلمة حق عند سلطان جائر فقتله».
أسأل الله ان يكتب لك بهذه الكلمة الرُّتبة التي خبَّرنا عنها النبي صلى الله عليه وسلم في الحديث السابق، فقد وفّيتَ كلمة الحق في مؤتمرٍ أمَّل القائمون عليه ان يذبحوا الشعب السوري بمقترحٍ صَفَوي يُصدِّق عليه المُجتمعون في مؤتمر عدم الانحياز، ولكنْ يأبى الله الا ان يُتمَّ نوره.
لقد كفيتَ ووفيتَ بخطاب عربي فصيح، خرج من القلب فوصل الى القلب.
لقد كفيت ووفيت بخطاب أثلجت به صدور محبيك، ومسحت دموعهم التي خرجت حين قررتَ الذهاب الى المؤتمر.
لقد كفيت ووفيت بكلمة مُؤصّلة قائمة على وعيٍّ سياسي، وأصالة عربية وعمق اسلامي، كلمة تُكمل فيها ما اقترحْتَه في مؤتمر مكة في ليلة السابع والعشرين من رمضان في حق اخوانك في سورية.
لقد كفيت ووفيت حينما صورتَ الواقع في سورية بصورته الحقيقية، ببيان حقيقة الطغيان من حاكمٍ اجتمعت معه عصابات من الداخل والخارج لذبح شعب أصيل، تاريخه في نصرة الاسلام من بدايات الدولة الاسلامية التي انطلقت من المدينة لتكمل المشوار في الشام بعد ذلك.
لقد كفيت ووفيت برباطة جأشك وأنت تقول كلمة الحق في شأن الشعب السوري العظيم!! مع علمك ان في الصفوف الأولى هناك من يستمع اليك من القتلة الذين قارب مَنْ قتلوه بدم بارد أكثر من مائة ألف، وهدموا المنازل، ودمَّروا المآذن، وأجاعوا الشعب، وأشاعوا الفزع في النساء والأطفال.
لقد كفيت ووفيت وأنت تقول هذه الكلمة القوية في مؤتمر أمل فيه الماكرون ان يكون اجتماعهم غطاءً جماعياً لذبح شعب بكامله في سورية العربية.. في هذا الوسط انْحَبستْ الأنفاس المؤمنة خوفاً من ان تنطلق رصاصة غادرة من مجرم سفاح يجلس في الصفوف الأولى، أو بعد الكلمة.. ولكن الله سلم، نعم انها قوة الايمان بالقضاء والقدر.
لقد كفيت ووفيت وأنت تستشعر أمانة المسؤولية في رئاستك للأمة المصرية التي تتعلق بها آمال العرب في ارجاع هذه الأمة الى سُؤْددها ومكانتها وقوتها.فالتاريخ علّمنا ان العالَم لا يعرف للضعيف مكاناً، وكلمة الحق هي بداية القوة التي بدأها النبي صلى الله عليه وسلم عندما تحدَّى الشرك المتأصل في الجزيرة العربية بقوله: «قولوا لا اله الا الله تفلحوا» فهي وان كانت كلمة، الا أنها كانت مِعْوَل هدم لكل صنم وطاغوت على وجه الأرض.
لقد كفيت ووفيت حينما حمَّلت كل من في المؤتمر من زعماء دول عدم الانحياز أمانة حماية دماء المسلمين وأعراضهم في سورية الثابتة الحرة، كما قال أبو هريرة رضي الله عنه عمن قال كلمة الحق فيمن غير ترتيب الصلاة والخطبة في العيد: «أما هذا فقد أدى الذي عليه».
لقد كفيت ووفيت حينما استمعت لكلمات اخوانك المحبين بعدم الركون الى الذين ظلموا، نعم لقد حطمتَ جميع الأعراف السياسية وأسقطتها حينما كان الأمر متعلقاً بدماء المسلمين وأعراضهم في سورية، فصدعتَ بكلمة الحق وأن تعرف ان في هذا المؤتمر من يده ملوثة بكل الجرائم التي يعرفها العالم والتي حصلت على المسرح السوري: من ذبحٍ للأطفال، وهتكٍ للأعراض، وهدمٍ للبيوت، وتقتيل للشباب، وتدمير للاقتصاد.
لقد كفيت ووفيت باستعانتك بالله على مواجهة الباطل بصورة قوية حضارية، ووضَّحت المراد، ووضعت النقاط وعلامات الترقيم في كلمات وأسطر تاريخ مصر العروبة وذلك في ارجاع الحق الى أهله في سورية الجريحة.
لقد كفّيتُم معاشر الدعاة بنصيحتكم لأخيكم، ودعائكم له بظهر الغيب ان يوفقه الله ويحفظه من مزالق الفتن.وبفضل الله رأينا أثر ذلك من خلال كلمات الدكتور مرسي بقوتها ومعانيها- والله حسيبنا جميعاً.
وهكذا عندما يتمثَّل الدعاة بقيمهم الاسلامية التي أخذوا بكتابتها، طوال فترة الدعوة، وأن يقوموا بتجسيدها على أرض الواقع في مجال السياسة والممارسات الحياتية من المناصحة التي أخبر عنها النبي صلى الله عليه وسلم «الدين النصيحة»، وأخبر فيها عمر بن الخطاب- رضي الله عنه «لا خير فيكم ان لم تقولوها، ولا خير فينا ان لم نسمعها».
ان حكامنا اليوم في عالمنا العربي والاسلامي لفي حاجة ماسَّة الى هذه القيم والمناصحة معهم بها، فهي النجاة للأمة جمعاء.وما دمَّر الأمم على مر التاريخ الا النفاق السياسي والاجتماعي القائم على المصالح والدنانير.
فقرات منقولة من مذكرات بريمر الذي حكم العراق من 2003/5/12 – 2004/6/28م لعلها تُبين حقيقة المعركة في عالمنا العربي والاسلامي:
يقول في مذكراته المنشورة بعنوان (عام قضيته في العراق) والذي قام بترجمته عمر الأيوبي عام 2006 في 496 صفحة:
1 - ان القادة الصفويين، بمن فيهم آية الله العظمى....، قد شجعوا أتباعهم على التعاون مع الائتلاف منذ التحرير.
2- ويقول في ص253: (ان آية الله يخشى التهديد الذي يشكله مقتدى الصدر.. وان الخيار المفضل لآية الله.. هو ألا يبقى مقتدى.. وعلمنا أنه قد أرسل 200 مسلح الى كربلاء لمواجهة قوات مقتدى الصدر).
3 - يقول في ص 279 في مكالمة هاتفية مع وزير الخارجية الأمريكي «كولن باول»: (عليك ان تحصل على مباركة آية الله.. أرسِلْ أحدهم الى النجف، أو توجه اليه بنفسك اذا دعت الضرورة.. لا يمكن ان أطلب من حكومتي المصادقة على مسار بدون بعض الضمانات بأن النجف موافق عليه)!!
4- يقول بريمر: لقد تبادلت مع آية الله.. الرسائل بشكل منتظم حول الوضع الأمني في النجف ولاسيما في أغسطس سنة 2003 حين أصبح مقتدى الصدر يمثل تهديداً لنا).
فقرات منقولة من مقال للدكتور محمد عمارة المفكر الاسلامي:
1 - يقول الدكتور محمد عمارة: ان الاحتلال الأمريكي قد استعان بالأحزاب الصفوية التي تكونت في ايران.. والتي تدربت ميليشياتها وتسلحت في ايران.. بل والتي حاربت لحساب ايران ضد العراق لثماني سنوات (1988/1980م) أي ضد الجيش العراقي.. استعان الاحتلال «بالتشيع الصفوي» ومرجعيته العظمي ضد أهل السنة وضد «التشيع العربي» لتدمير العراق وتفتيته.. باعتبار هذا القصد هو المحقق لمخططات الفرقاء المختلفين: أمريكا.. والصهيونية.. وايران!!!
2 - وفي سنة 564هـ/ 1168م تمت الاستعانة بالصليبيين من قبل الوزير الفاطمي «شاور» (564هـ/ 1169م) الذي سمى الصليبيين بـ«الفرج» بدلاً من «الفرنجة»، ورأى فيهم «الفرج.. والانقاذ» من دخول مصر تحت سلطان الدولة السنية المجاهدة.. دولة نور الدين الشهيد (569/511هـ/ 1174/1118م).
وبعد ان انتهت هذه الصراعات وهذه الخيانات الفاطمية بزحف جيش الدولة النورية بقيادة أسد الدين شيركوه (564هـ/ 1169م) وصلاح الدين الأيوبي (589/532هـ/ 1193/1137م) على مصر، وتخليصها من مراكز الخيانة الفاطمية، وتوحيدها مع المشرق العربي.. وطيّ صفحة الدولة الفاطمية من التاريخ- شرعت بقايا هذه الدولة في التآمر مع الصليبيين ضد السلطة السنية- الأيوبية التي حكمت مصر في ذلك التاريخ.
لقد تحركت أصابع الخيانة الفاطمية- ممثلة في بقايا جند وقيادات هذه الدولة الذين كانوا «مخالفين في المذهب» لجمهور الأمة – فأرسل قائدهم «جوهر الخصى مؤتمن الخلافة» رسالة سرية الى الصليبيين يستعين بهم ويستنجد بجيوشهم ضد الدولة السنية وجيشها.وقد ضبط صلاح الدين الأيوبي هذه الرسالة، وقبض على مؤتمن الخلافة وأعدمه في 25 من ذي القعدة سنة 564هـ/ سبتمبر 1168م.. وأتبع ذلك بهزيمة جند «مؤتمن الخلافة».
3- كان ابن العلقمي (656/593هـ/ 1258/1197م) وزيراً شيعياً في دولة الخلافة العباسية.. وكان خبيراً بأدوات السياسة، ومحباً للرياسة.
ولقد ولي الوزارة (642هـ/ 1244م) وتربع عليها أربعة عشر عاماً، ثم انتهى به المطاف الى خيانة الدولة والخلافة والأمة، بل والحضارة الاسلامية كلها.. فتآمر مع التتار، وفتح أبواب بغداد لهولاكو، وذلك طمعاً في ان يحكم الشيعة بغداد والعراق بدلاً من السنة، بعد فتنة طائفية وقعت بين السنة!!
رسالة بعثتها تعليقاً على مناشدة الدكتور موفق ابن الدكتور مصطفى السباعي أرسلها الى رئيس مصر الدكتور مرسي عندما تناقلت وسائل الاعلام عزمه على الذهاب لمؤتمر عدم الانحياز في ايران، فقد قرأها عليّ في التليفون الابن العزيز أبو عبدالله المطوع متأثراً، ويريد ان نشفع رسالة ابن الدكتور السباعي ببعض الكلمات، فأمليت عليه هذه الرسالة: «جزى الله المجاهد موفق ابن المجاهد مصطفى السباعى رحمه الله على بيانه للحق المبين، يقبل من يقبل فينجو ويعرض من يعرض فيهلك ودخول الناس الى الجنة أو النار حسابٌ فردي كما قال الله تعالى: (وكلهم آتيه يوم القيامة فردا).
فان صح ان د.محمد مرسي حافظ القرآن، وابن مدرسة الاخوان انه سيذهب الى ايران فهذه جريمة اسأل الله ان يعافيه منها وان يبصره بأمر دينه والأمر كما ذكر ابن عباس (وهل الدين الا الحب في الله والبغض في الله).
وأنى لاضم صوتي لصوت ابن المجاهد وان كنت لم التق به ولم أتعرف عليه ولكنها عقيدة الولاء والبراء نجتمع معه فيها والله حسيبنا جميعا كما أنني أهيب بمن له علاقة مباشرة مع د.محمد مرسي كأمثال د.محمد بديع مرشد الاخوان الى اصغر واحد من معارفه ان يبلغه هذه الرسالة لعل الله سبحانه وتعالى ان يصرفه عن الذهاب الى ايران وعن مصافحة من قتل أكثر من مائة ألف مسلم سني في الشام وأكثر من ذلك في العراق، وسجن وتشريد ما يضعف على هذا العدد منذ ان تسلط الطاغية حافظ أسد على رقاب المسلمين.
كما أنني أدعو أهل الصلاح بأن يدعوا الله ان يصرف الدكتور محمد مرسي عن السقوط في هاوية الفتنة، قال تعالى {ولا تركنوا الى الذين ظلموا فتمسكم النار} وكما قيل فمعظم النار من مستصغر الشرر.
والفتنة لا يعرف الانسان من ان تأتي والى أين تنتهي وكلنا يعلم كيف سقط حسون مفتي سورية بوحل النصيرية والبعثية وأفتى على ذهبهم ودولاراتهم، والا كيف سقط من كتب بالفقه والسلوك والتربية وقد وصل من العمر عتيا (د.البوطي).
وصدق الرسول صلى الله عليه وسلم «ان أحدكم ليعمل بعمل أهل الجنة فيما يظهر للناس فيسبق عليه الكتاب فيعمل بعمل أهل النار فيدخلها».
نسأل الله العفو والعافية للجميع وأن يعجل بنصر اخواننا في سورية فانهم يتحملون اليوم محاربة المشروع الايراني الشيعي في المنطقة العربية والاسلامية ونحن على يقين بالنصر كما نصر الله صلاح الدين على الفاطميين ثم انتقل بعد ذلك لتحرير المسجد الأقصى وفلسطين.
والله أكبر ولله الحمد
والحمد لله رب العالمين ان جعل من سلالة العلامة المجاهد مصطفى السباعى رحمه الله من يقول كلمة الحق في زمننا هذا الذي كثر ت فيه التبريرات والمجاملات.
قال تعالى: {وَأَنَّ هَذَا صِرَاطِي مُسْتَقِيمًا فَاتَّبِعُوهُ وَلا تَتَّبِعُوا السُّبُلَ فَتَفَرَّقَ بِكُمْ عَنْ سَبِيلِهِ ذَلِكُمْ وَصَّاكُمْ بِهِ لَعَلَّكُمْ تَتَّقُونَ} (153).
وأخيراً تظل أمة الاسلام ولادة لرجال كبار يقدمون الحق على النفس، متمثلين قول الله تعالى: {قل لن يصيبنا الا ما كتب الله لنا}، حقا انها أمة الخير التي أخرجت للناس {والبلد الطيب يخرج نباته باذن ربه}.
الشيخ الدكتور جاسم بن محمد بن مهلهل الياسين
نشر في الجمعة، 31 أغسطس 2012