الدرة (( إني رأيتُ وقوفَ الماء يفسدهُ، إِنْ سَاحَ طَابَ وَإنْ لَمْ يَجْرِ لَمْ يَطِبِ )) الامام الشافعي
الأربعاء، 30 سبتمبر 2020
أبرز المحطات في حياة أمير الكويت الراحل صباح الأحمد جابر الصباح
شارلي إبدو؟ يا لها من خديعة.. مرة أخرى!
شارلي إبدو؟ يا لها من خديعة.. مرة أخرى! أ. د. زينب عبد العزيز أستاذة الحضارة الفرنسية |
في الحادي عشر من يناير 2015 كتبت النص التالي: "نعم، وبكل أسف، يا لها من خديعة، لأنه منذ اللحظات الأولى والرائحة الكريهة لمختلف التفاصيل الدالة على الخديعة كانت تحجب السماوات والأبصار!
|
ثورة الأطراف تحاصر السيسي
لم يعد أمام عبد الفتاح السيسي الكثير من الوقت للبقاء في الحكم مع تصاعد الحراك الشعبي القادم من القرى والأطراف، وتفكك الطوق الأمني المفروض على العاصمة بخروج المظاهرات في بعض أحيائها رغم القبضة البوليسية، وفشل كل المحاولات لامتصاص الغضب وتهدئة المظاهرات التي أصبح مطلبها الرئيسي هو إسقاط النظام.
اتساع خريطة المظاهرات التي بدأت في بعض المحافظات منذ يوم 20 سبتمبر بدعوة من المقاول محمد علي ووصولها إلى معظم المحافظات يوم جمعة الغضب الأولى 25 سبتمبر يشير إلى أننا أمام ثورة جديدة تشبه ثورة يناير التي أطاحت بحسني مبارك ولكنها تختلف في الأسلوب وطريقة الحركة.
الثورة المصرية الحالية ثورة من جذور المجتمع، من أعماق الريف المصري والمواطنين البسطاء الذين سحقتهم سياسات الحكومة، في القرى والنجوع، وليست ثورة نخبة في العاصمة والمدن كما كانت في يناير، يشارك فيها كل المجتمع بكل فئاته من كبار وصغار، رجال ونساء.
تكشف الهتافات التي تتردد في المظاهرات أن الدوافع ليست فقط بسبب المعاناة الاقتصادية أو ضد قانون التصالح في مخالفات البناء رغم أهمية تأثيرها؛ فالشعور العام أن السيسي ينفذ أجندة إسرائيلية لهدم مصر، وتخريبها وتهجير المصريين وتشريدهم، ويحارب الدين ويهدم المساجد، فالهتاف الأكثر انتشارا هو “لا إله إلا الله، السيسي عدو الله”، وهو هتاف يحمل الكثير من المعاني ويؤكد أن رصيد السيسي قد نفد.
كسر حاجز الخوف
يتميز الثوار الجدد في الشوارع بالجرأة، وكسروا حاجز الخوف الذي يعتمد عليه السيسي في فرض سطوته، ونتج عن انهيار هذا الحاجز تحول كبير في الوعي الجمعي وتغيير الواقع المصري المفروض بالقمع والتخويف، منذ مذبحة رابعة في 2013 ووضع النهاية لحلم السيسي في البقاء والاستمرار.
من الوقائع المهمة التي تكشف عن الجرأة والروح الجديدة ما حدث في الوراق التي يريد السيسي تهجير سكانها لبيع الجزيرة للمستثمرين الأجانب، حيث ردوا على اعتقال أجهزة الأمن لأربعة من شبابها باعتقال 3 من أفراد الأمن كرهائن، ورفضوا إطلاق سراحهم إلا بعد الإفراج عن أبنائهم، وقد تحقق لهم ما أرادوا، وهذا حدث كاشف للوضع الجديد وهو ضعف السلطة أمام صمود وقوة الشعب الصاعدة.
الواقعة الثانية ذات الدلالة هي توجه المتظاهرين في أسوان إلى استراحة الرئاسة وحرقها وكانوا من قبل يتوجسون من مجرد المرور بجوارها، وواصل أبناء أسوان التظاهر اليومي ولم تستطع قوات الأمن التصدي لهم، وعندما اعتقلت الشرطة طفلين حوصرت مديرية الأمن مما اضطر الأجهزة الأمنية لترحيلهما إلى القاهرة؛ لكن بسبب الخوف من الغضب الشعبي، تم الإفراج عنهما وإعادتهما إلى مدينتهما.
ورغم وجود بعض الاشتباكات في بعض نقاط التظاهر واستشهاد 3 متظاهرين في قرية البليدة بالجيزة، واستخدام قنابل الغاز في أماكن أخرى فإن السياق العام يؤكد عدم وجود إجماع في دوائر السلطة على استخدام أسلحة القتل في مواجهة المتظاهرين، وهذا مكسب كبير يؤكد رفض الجيش وقطاع من الشرطة الصدام مع الشعب، ورفض دوائر داخل السلطة للتورط في الدم من أجل السيسي.
جرأة وشجاعة الجيل الجديد
الملاحظة الأهم على المظاهرات غياب الحركات السياسية التي توجد بشكل أساسي في المدن، فالقرى تتسم بالتماسك والعصبية القبلية التي تجعل هذه المجتمعات أقوى من الدولة، وهي محصنة من الناحية الأمنية حيث لا تستطيع مدرعات الشرطة دخولها في غالب الأحوال، وإذا ما وقعت الاشتباكات تكون على مداخلها، وهذا يشكل استنزافا وإجهادا للقوات الأمنية.
أبطال ثورة القرى هم الأجيال الشابة والصغيرة، فالشباب تحت العشرين كانوا صغارا أثناء ثورة يناير 2011 وحسهم الثوري لم ينطفيء، لكن المفاجيء هو مشاركة الأطفال في المظاهرات بحماس وشجاعة، وهي ظاهرة جديرة بالتأمل، فهؤلاء الصغار تركوا اللهو واللعب وانخرطوا في ممارسة السياسة في أعلى درجاتها، وهذه الأجيال الجديدة أصبحت أكثر وعيا وهم في سن مبكر، مما يشير إلى أن لهم دورا مستقبليا كبيرا في تشكيل النظام السياسي الجديد.
لقد فشلت الحملات الإعلامية الرسمية في اتهام حركة الإخوان المسلمين بالوقوف خلف المظاهرات، وتبخرت اتهامات الإعلام الحكومي للمتظاهرين بالإرهاب، وهذا الفشل يرجع إلى أن الثائرين هذه المرة من ملح الأرض، يمثلون كل طوائف الشعب وفئاته وفي كل المحافظات، ومن تأخر في الخروج الأيام الماضية سيخرج فيما بعد، لأن لديه نفس الأسباب ونفس المبررات التي أخرجت من سبقوه.
إلا أن عدم ظهور الأحزاب السياسية في المشهد خادم للحدث في بدايته لقطع الطريق على من يريدون شيطنة الثورة؛ فالسيسي يعتمد منذ الانقلاب على الرئيس محمد مرسي ومذبحة رابعة على الترويج لمعركة ضد عدو داخلي له امتداد خارجي، وتم شيطنة الإخوان واتهام كل من يعارض بانتمائه للإخوان حتى لو كان شيوعيا.
ورغم غياب الأحزاب والسياسيين في الحراك الداخلي فإن سياسيي الخارج بكل ألوانهم يلعبون دورا محوريا في الدعم الإعلامي للثورة. ففضائيات المعارضة التي تبث لقطات الفيديو لحظة بلحظة نقلت الثورة نقلة كبيرة، حيث تحول التصوير بالموبايل من أهم أدوات الثائرين لتوثيق حركتهم وبثها للرأي العام في مصر والخارج، كما يشارك السياسيون وغير السياسيين من المصريين المقيمين بالخارج على قلب رجل واحد في دعم الثورة، بل ويتدخلون في توجيه الثائرين وتشجيعهم.
السيسي والانفضاض من حوله
السيسي في حيرة وارتباك أمام الثورة فإما يدفع بالقوات الأمنية إلى الأطراف فيسقط القلب وإما يحافظ على القوات في القلب ويخسر الأطراف وفي كلا الحالتين تتآكل هيبته وتسقط شرعيته، وستمتد النار في النهاية إلى القلب الذي يغلي وينتظر لحظة الانفجار ورسم مشهد النهاية.
كل يوم يمر في صالح الثورة فالنار المشتعلة لن تتوقف، والمدن الهادئة اليوم ستشتعل غدا لأن أسباب الثورة موجودة في كل بيت، وقد أصاب الضرر كل مصري حتى أصبحت الحياة مستحيلة لغالبية الشعب المصري.
ليس أمام السيسي أي فرصة للاستمرار، فلا أحد في مصر يريده، فهو لم ينقلب فقط على الرئيس محمد مرسي وإنما قام بأكثر من انقلاب ليحكم بمفرده؛ فانقلب على الجيش وأطاح بكل أعضاء المجلس العسكري الذين شاركوا معه، وحبس الفريق سامي عنان رئيس أركان القوات المسلحة الأسبق لأنه فكر في خوض انتخابات الرئاسة ضده، ووضع الفريق أحمد شفيق في الإقامة الجبرية عندما فكر في الترشح واختطفه من الإمارات بالاتفاق مع محمد بن زايد.
لقد انقلب السيسي على الأمن القومي المصري ببيع تيران وصنافير وتسليم مضيق تيران لـ “إسرائيل”، وفرط في نهر النيل ووقع على اتفاق التنازل عنه لإثيوبيا، وباع حقوق مصر في البحر المتوسط، وتحالف مع إسرائيل وقبرص واليونان ضد دول الجوار العربي والمسلم.
وانقلب السيسي على القوى السياسية الليبرالية واليسارية التي شاركت معه في 30 يونيو 2013 ووضع قادتهم في السجن، وكان الانقلاب الكبير على دين الدولة المصرية بزعم تجديد الاسلام! وكانت أخطر قراراته هدم المساجد بكل جرأة وتحدي لعقيدة المسلمين في مصر والعالم بزعم أنها بنيت على أراضي غير مرخصة!
قام السيسي بتدمير الاقتصاد بتبديد الأموال في مشروعات غير انتاجية ليست ضرورية وليس لها أي أولوية وليس لها عائد، وأغرق البلد في القروض، واتخذ إجراءات تدميرية مثل تعويم الجنيه الذي أفقد قيمة ما يمتلكه كل مصري بما يزيد عن النصف، وسعى لتصفية أصول الدولة وبيعها من خلال صندوق خاص تحت إدارته المباشرة، والأخطر هو تفكيك القاهرة من المقطم حتى النيل وبيعها بالمشاركة مع الإمارات ومنظمات دولية تحت شعار القاهرة التاريخية وتحويل العاصمة إلى ممتلك للتراث العالمي تديره اليونسكو (اقرأ مقالنا السابق).
وكانت شرارة الثورة التي ستنهي حكمه هي الانقلاب على الشعب بالإفقار المتعمد والدخول على الناس في بيوتهم لهدمها، في سلوك غير إنساني، وضد كل الثوابت والقوانين التي تحمي حق الإنسان في السكن والعيش بكرامة؛ ولكن يبدو أن التسلط أعماه حتى اندفع في سرداب مظلم لا خروج منه.
عجلة التغيير دارت، والثورة تتمدد، وفقد السيسي مناصريه حتى في دوائر السلطة، وظهر ذلك بوضوح في خطابه الأخير الذي هدد فيه الجميع، ولن ينقذه اعتماده على الإسرائيليين والدوائر الصهيونية والدعم الخارجي، لأن المواجهة الآن مع الشعب ولن ينتصر المكر المعادي على أمة تنتزع حقها في الحرية، وستدوس على كل من يقف في طريق التحرر والاستقلال.
تفكيك القاهرة وبيعها: هل هدم المساكن جزء من الخطة؟
سياسات ممنهجة: تهجير وتشريد المصريين!
ماذا حدث للأرمن وللمسلمين أثناء الحرب العالمية الأولى
ماذا حدث للأرمن وللمسلمين أثناء الحرب العالمية الأولى؟
إعداد أحمد عبد الوهاب الشرقاوي
تركة «رجل أوروبا المريض»
حاولت الدولة في بعض الأوقات حلها، لكن كانت تركة «رجل أوروبا المريض» − كما سماها القيصر الروسي − محل تنازع من الدول الكبرى الطامعة في الأملاك العثمانية الممتدة على ثلاث قارات وتتحكم في مراكز إستراتيجية من العالم وطرق مواصلاته ومواقعه العسكرية ومصادر ثرواته الاقتصادية = وسعت هذه القوى لهدم الدولة العثمانية من الداخل عن طريق اللعب على وتر الأقليات وبزر بذور الشقاق بين عناصر السكان لتتصدع الدولة بالكامل، وكانت البداية عبر الامتيازات الأجنبية التي منحت رعايا تلك الدول ميزات جعلتهم أحيانًا فوق القانون وبعيدًا عن طائلة الخضوع للسيادة العثمانية، ثم تفاقمت مشكلة الامتيازات في صورة أخرى عبر المعاهدات الدولية التي منحت الدول الأوروبية وروسيا حق التدخل في الشأن الداخلي العثماني، وعلى سبيل المثال معاهدة كوتشوك قينارجه والتي أبرت مع روسيا عام 1774، إذ بموجب هذه المعاهدة اعترفت الدولة العثمانية بحق الحكومة الروسية التدخل في شئون السلطان الداخلية، واعتبار قيصر روسيا رئيساً روحياً للكنيسة الأرثوذكسية في الدولة العثمانية.
حق حماية نصارى الشرق
لكن روسيا لم تلجأ إلى المصانعة والاسترضاء كما فعلت فرنسا، وإنما كانت تسعى عقب كل انتصار حربي تحرزه على تركيا، لأن تزيد في حقوقها وامتيازاتها المادية والروحية[2].
وحصلت فرنسا على «حق حماية نصارى الشرق» في الدولة العثمانية، وعملت جاهدة على توثيق صلتهم بها؛ بل وربطهم بها ثقافيًا ومعنويًا، وأصدرت تعليمات دورية إلى سفرائها وقناصلها في أرجاء الدولة من أجل تقديم كافة المساعدات للنصارى − خاصة الأرمن، وكانت هذه التعليمات تصدر من نابليون بونابرت مباشرة إلى سفيره في إستانبول[3].
وفي معاهدة خونكار أسكله سي (1249هـ-1833م)، حصلت روسيا على حق حماية جميع المسيحيين في الدولة العثمانية، وليس التابعين لمذهبها فقط[4].
ولكن الاهتمام بالعناصر المسيحية كان منصبًا كله على الأرمن، إذ كان بعض الأرمن قد زودوا الجيش الروسي بمعلومات عن تحركات الوحدات العثمانية وأوضاع الجبهة، كما أنهم اصطنعوا اضطرابات في أردهان وأرضروم وقارص، وسهلوا على الجيش الروسي الاستيلاء عليها في حربهم ضد الدولة العثمانية عامي 1828 – 1829م[5].
ثم تابعت الأمر نفسه في اتفاقية باريس، فمن خلال المادة التاسعة من الاتفاقية طبقت إنجلترا الامتيازات التي تم التعهد بها في فرمان الإصلاح 1856م، وعملت من خلال قنصلياتها على تتبع أحوال الرعايا المسيحيين في كل أرجاء الدولة العثمانية، وكذلك من خلال معاهدة برلين، وضعت إنجلترا ممثلين لها في كل أرجاء الأناضول للتتابع عن كثب أحوال الأرمن[6].
الكنيسة والمنقذ الروسيكما أن الامتيازات كانت مدخلاً معنويًا أقوى إلى نفوس الرعايا الأرمن الذين «آمنوا» بالمنقذ الروسي؛ تبعًا لنصائح القساوسة الأرمن، وها هو القنصل الإنجليزي ج. ج. تايلور J. G. Taylor في أرضروم في تقريره المؤرخ في 18 مارس/آذار 1869 يصف هذه الأحوال:إن الرهبان الأرمن الذين يقدمون النصائح يوصون بالوقوف جانب الروس يتم إدارتهم من «إتشميادزين» (الكنيسة الرئيسية للأرمن في روسيا، ومقر البطريرك الأرميني)، إن القساوسة الموجودين في هذه المنطقة لديهم القدر الكافي من التأثير حتى تتبعهم الجموع الجاهلة الغنية والفقيرة. ويقولون: بينما تدفع عائلة مسيحية مكونة من عشرة أشخاص ضريبة سنوية قدرها تسعة روبل، فإن الموجودة في تركية تدفع ثلاثة أضعاف هذا المبلغ، يقولون بأن سبب عدم الهجرة العامة هو أن الأراضي في تركيا واسعة، أما الأراضي في روسيا قليل منها ما يصلح للزراعة، كما أنها قليلة المحصول وغير خصبة.إن الأرمن في كل مكان في هذه المنطقة يشتكون بألم وحسرة في الحكومة التركية كما أنهم يمدحون روسيا دون شرط أو قيد، ويعترفون أنهم قرروا الرحيل إلى هناك، وهذا ما رأيته بعيني، وأن هذا الحال كان بسبب التحريض الدائم للقساوسة.[7]
ثم صارت المسألة أكثر وضوحًا في معاهدة آياستفانوس في المادة 16، وتعديلها في معاهدة برلين 1878م بالمادة 61 بشأن عمل إصلاحات في المناطق التي يسكنها الأرمن، وعقبت هذه المادة بعبارة تقول: «أما الحقوق الممنوحة لفرنسا، فلا تزال مرعية…». والجدول التالي يعطي تصورًا عن تنامي أعداد الممثلين الدبلوماسيين في الدولة العثمانية في الفترة من 1839 إلى 1912م[8]:جدول يوضح التنامي في أعداد الدبلوماسيين الأجانب لدى الدولة العثمانية (1839-1912)
وعن طريق هذه الامتيازات التي كانت ذريعة قانونية قوية، وعن طريق هؤلاء القناصل والسفراء الذين كانوا بمثابة المدافعين الأوائل عن حقوق المسيحيين الأرمن، قويت شوكة المعارضة الأرمينية التي شكلت جمعيات سرية مسلحة في الداخل والخارج، واتخذت سبيل العنف المسلح سبيلًا لها ضد الدولة العثمانية، ليس فقط للمطالبة بإصلاح أوضاعهم وأوضاع الدولة كلها، وإنما للانفصال بشكل كامل عن الدولة العثمانية والمطالبة بحكم ذاتي تحت رعاية الدول الكبرى[9].وحدات المتمردين الأرمن ضد الدولة العثمانية في الحرب العالمية الأولى
وحدات المتمردين الأرمن ضد الدولة العثمانية في الحرب العالمية الأولى
المأساة في الحرب العالمية الأولى
وخلال السنوات من 1914–1922، كان الصراع الأساسي في شرق الأناضول والجبهة القوقازية ليس بين القوات العثمانية والقوات الروسية فحسب، وإنما كان على وجه أكبر وأخطر بين الجماعات الأرمينية المسلحة والسكان المدنيين المسلمين.
وقد حدثت أسوأ المذابح والتدمير للقرى المسلمة التي ارتكبها الأرمن ضد المسلمين خلال فترتين: بداية الحرب العالمية الأولى، ونهايتها.
بدأت الفترة الأولى مع دخول الإمبراطورية العثمانية في الحرب وظهور طلائع ثورة أرمينية منظمة ضد العثمانيين. وقد انتهت تلك الفترة مع الاحتلال الروسي لشرقي الأناضول في عام 1916م. ثم بدأت الفترة الثانية مع انحلال الجيش الروسي أو انسحابه من شرقي الأناضول، وانتهت مع هزيمة القوات الأرمينية المسلحة التي حلّت محل الروس في الميدان[10].
ومن الواضح − نظرًا للعدد الكبير من لاجئين المسلمين − أن الأوضاع كانت مروِّعة، لكنها لم تكن أسوأ من تلك التي سادت بعد أن انهار الجيش الروسي في عام 1917م.
جلبت الثورة الروسية معها فرارًا جماعيًا للجنود الروس من الخدمة على الجبهة الأناضولية، إذ هجر مجندون وبعض الضباط وحداتهم وعادوا ببساطة إلى مساكنهم؛ سارقين قوتهم (وكل شيء آخر كان متاحًا) من القرى التي اجتازوها. جرى إحلال الجنود والعصابات الأرمينية محل السلطة الروسية في شرقي الأناضول، في البداية حدث ذلك اسميًا تحت سيطرة «الاتحاد عبر القفقاسي» من أرزنجان في الشرق إلى حدود بلاد فارس، وشمالاً إلى طرابزون وحدود أرمينيا الروسية[11].
وقد حدثت أسوأ المذابح والتدمير للقرى المسلمة التي ارتكبها الأرمن ضد المسلمين خلال فترتين: بداية الحرب العالمية الأولى، ونهايتها.
بدأت الفترة الأولى مع دخول الإمبراطورية العثمانية في الحرب وظهور طلائع ثورة أرمينية منظمة ضد العثمانيين. وقد انتهت تلك الفترة مع الاحتلال الروسي لشرقي الأناضول في عام 1916م. ثم بدأت الفترة الثانية مع انحلال الجيش الروسي أو انسحابه من شرقي الأناضول، وانتهت مع هزيمة القوات الأرمينية المسلحة التي حلّت محل الروس في الميدان[10].
ومن الواضح − نظرًا للعدد الكبير من لاجئين المسلمين − أن الأوضاع كانت مروِّعة، لكنها لم تكن أسوأ من تلك التي سادت بعد أن انهار الجيش الروسي في عام 1917م.
الضحايا المسلمون عشرة أضعاف الضحايا الأرمن
بعيدًا عن الدعايات الإعلامية المغرضة تم نشر كتاب
بعنوان «مذابح الأرمن ضد الأتراك في الوثائق العثمانية
والروسية والأمريكية» تحتوي هذه الوثائق على شهادات
وتقارير ضباط وقادة الجيش الروسي في برقياته المتبادلة
مع قيادات الجيش العثماني إبان الهدنة.
وقد استطاعت هذه الوثائق إحصاء أكثر من نصف مليون
ضحية من المسلمين المدنيين − وليس العسكريون وجنود
الجيش − ولم تتمكن من إحصاء جميع القتلى إذ حدثت
الكثير من المذابح وأبيدت قرى بكاملها، ولم ينج منها أحد
ليروي الحادثة.
وعلى الجانب الآخر تحصي الوثائق الرسمية العثمانية
عدد الضحايا الأرمن بما يتراوح بين 52 و53 ألف ضحية،
بينما تروج الآلة الإعلامية الغربية منذ قرن كامل أنهم
يزيدون على 3 ملايين ضحية، أي أكثر من عدد الأرمن
جميعًا الذين ضمتهم الدولة العثمانية!
بينما الضحايا المسلمون الذين لاقوا مصيرهم على يد
الأرمن لم يسمع بهم أحد إلا نادرًا، رغم أن أعدادهم نحو
عشرة أضعاف الضحايا الأرمن. ومن تلك الكتابات النادرة
عن ضحايا المسلمين، كتاب «أرمينيا: الخداع الكبير»
لصامويل ويمز الذي يقول فيه:
آلاف من الأرمن قد ماتوا أثناء الحرب، كما قد حدث أيضًا للأتراك بشكل أكثر. الإمبراطورية العثمانية كانت في مرحلتها الأخيرة من الحياة. الآلاف من الناس الأبرياء قد فقدوا حياتهم بسبب جشع وأنانية الأرمن الذي أرادوا أن يقيموا مملكتهم الخاصة الصغيرة. الحقيقة الخالصة في القضية هي أن عدة آلاف من الأتراك كانوا معرضين لمذابح رهيبة في الأماكن حيث كان الأرمن قد انضموا إلى القوات الروسية.
ويواصل صامويل ويمز كلماته منتقدًا كتابات البروفيسور ر. هوفانسيـان، أحد أشهر الكتاب الأرمن المعاصرين عن المسألة الأرمنية، فيقول:تجاهل الشهادات والأدلة العديدة التركية، والتي ما زالت حية، من الذين تعرضوا للأعمال الوحشية الأرمينية الرهيبة. البروفيسور، لو كان قد تعرض للتاريخ كان سيتضمن بلا شك أهمية واعتبار مئات الآلاف من الأبرياء الأتراك الذين خضعوا لوحشية الحرب. الحقيقة أن معاناة المسلمين، وفي المقام الأول معاناة الأتراك تم تجاهلها بالكامل، وهذا يثبت تحامل البروفيسور والأساس المتداعي الذي تركن إليه الإدعاءات الأمنية عن الإبادة الجماعية.[12]
ويقول مكارثي:
في المقاطعات حيث كانت الحرب في المقام الأول، قاتلت فان (وان) وبتليس وأرضروم على الأقل 40% من المسلمين قد ماتوا في نهاية الحرب. وبالطبع لم يكن المسلمون فقط هم الذين ماتوا. معدل موت الأرمن كان في النهاية ضخمًا، والخسائر الأرمينية لا يمكن إغفالها. ولكن العالم لديه معرفة كبيرة بالمعاناة الأرمينية. ولقد حان الوقت لكي يضع العالم في اعتباره معاناة المسلمين في الشرق والرعب الذي كان. مثل الأرمن، المسلمون قد ذُبحوا أو ماتوا من المجاعة، والأمراض بأرقام مذهلة. ومثل الأرمن فإن موتهم يستحق الذكرى.[13]
كلفت الحكومة الأمريكية كلاً من إموري نايلز Emory Niles وآرثر سزلاند Arther Sutherland بالتجول في شرقي الأناضول بعد الحرب العالمية الأولى، وتقديم تقرير حول الأوضاع هناك لتقوم إحدى لجانها الخيرية بتقديم معونة للاجئين. وعلى عكس كل الأمريكيين في الأناضول، فقد تجول الرجلان في الأناضول فعلاً، وقدما صورة حقيقية للوضع بعيدًا عن أي أحكام مسبقة أو عداوة دينية، إذ كشفا الأوضاع المأساوية للمسلمين هناك. لذا لم ينل تقريرهما الاهتمام المطلوب، ولم يلتفت إليه شأن التقارير الأخرى، وكان مصيره متاهة الأرشيفات[14].
وقد جاء في تقريرهما:
(المنطقة الممتدة من بتليس عبر وان إلى بايزيد) أُخبرنا بأن الضرر والتدمير في كل هذه المنطقة كانا من فعل الأرمن الذين استمروا في احتلال البلد بعد أن انسحب الروس، والذين دمّروا كل شيء يخصّ المسلمين مع تقدم الجيش التركي علاوة على ذلك اتُّهم الأرمن بارتكاب أعمال قتل واغتصاب وإحراق عمد للممتلكات وأعمال وحشية رهيبة من كل وصف ضد السكان المسلمين. كنا في البداية في ريب كبير بشأن تلك الروايات، لكننا توصلنا في النهاية إلى تصديقها؛ لأن الشهادات كانت بالإجماع بكل ما في الكلمة من معنى، وجرى تأييدها بالأدلة المادية. على سبيل المثال، كانت الأحياء الوحيدة التي ظلت سليمة في مدينتي بتليس ووان أحياء أرمينية، كما كان جليّا من الكنائس والكتابات على البيوت، بينما كانت الأحياء المسلمة مدمرة على نحو كامل. لا تزال القرى التي قيل إنها كانت أرمينية قائمة، بينما كانت القرى المسلمة مدمرة كاملة.[15]
ولم يكن نايلز وسذرلاند مراقبين مؤيدين للأتراك أو المسلمين؛ بل على العكس، إذ جاءا إلى شرقي الأناضول مشحونين بالتطرف الأمريكي المعهود. ومع أنهما لم يشاهدا أدلة على مجازر المسلمين ضد الأرمن، فإنهما كانا على يقين من حدوثها ومن أنها كانت بالبشاعة نفسها التي كان الغرب يتصورها. علّقا قائلين: «نظن على نحو لا يقبل الجدل أن الأرمن مذنبون في جرائم ضد الأتراك ذات طبيعة مماثلة لتلك الجرائم التي ارتكبها الأتراك بحق الأرمن». إن الفرق طبعًا هو أنهما شاهدا أدلة الجرائم الأرمينية لا التركية؛ تهمة مبنية على أدلة وأخرى على شائعة. لكن هذا يجعل الأمر ذا مصداقية أكبر بخصوص ما شاهداه بالفعل؛ لأنهما مع تطرفهما نقلا الشرور التي ارتكبها الأرمن.
كتب الأمريكان عن حالة شرقي الأناضول بعد الحرب. كانت الصورة التي رسماها صورة مكان مُقفر أتلفت فيه المحاصيل والبيوت وأرواح البشر[16]:إن الوضع العرقي في هذه المنطقة − بايزيد وأرضروم − متفاقم بشدة بسبب قرب جبهة أرمينيا التي يأتي اللاجئون منها بروايات عن مجازر ووحشية وفظاعات ترتكبها الحكومة الأرمينية والجيش والشعب ضد السكان المسلمين. ومع أن بضع مئات من الأرمن يعيشون فعلاً في إقليم وان، إلا أنه من المستحيل أن يستطيع الأرمن العيش في المناطق الريفية لإقليم أرضروم، حيث يُبدي الجميع ذروة الكراهية لهم. وهنا أيضًا، خرّب الأرمن القرى قبل أن ينسحبوا، وارتكبوا المجازر وكل أنواع الأعمال الوحشية ضد المسلمين، وأعمال الأرمن هذه على الجانب الآخر من الجبهة تُبقي الكراهية للأرمن حية ومؤثرة، كراهية تبدو أنها على الأقل ترغي وتزبد في منقطة وان. أكد على وجود فوضى وجرائم في أرمينية لاجئون من جميع مناطق أرمينية وضباط بريطانيون في أرضروم[17].
ويؤكد بروس فين:
عندما وجد الأرمن الفرصة، ذبحوا الأتراك بلا رحمة، كما حدث في فان وأرضروم، الحرب أشعلت موجة عنف بين الفئتين، فالأرمن يصارعون من أجل أهداف ثورية، والأتراك يناضلون من أجل الحفاظ على وحدة وسلامة وطنهم، كلاهما دفعته التجربة المرعبة إلى السبيل الذي لا توقف فيه، حيث لا ينتظر الخاسر أي رحمة.[18]
وأخيرًا يقول المؤرخ التركي سوسلو:
يوجد لدينا حتى الآن مقابر جماعية تبلغ أكثر من مائة مقبرة، للأتراك الذين قتلوا على يد الأرمن في المنطقة الممتدة عبر موش وبتليس وفان وقارص وأرضروم حتى أنقرة وقيصري وسيواس. وقد تم استخراج آلاف الجثث من المقابر الخمسة الأولى فقط التي تم فتحها.[19]
* حول الأوضاع القانونية والسياسية للأرمن في الدولة العثمانية يمكن مراجعة كتاب:
كمال السعيد حبيب: الأقليات والسياسة في الخبرة الإسلامية من بداية الدولة النبوية وحتى نهاية الدولة العثمانية، مكتبة مدبولي، القاهرة، 2001م، ص207-276.
(المصدر: موقع إضاءات)
بعيدًا عن الدعايات الإعلامية المغرضة تم نشر كتاب
بعنوان «مذابح الأرمن ضد الأتراك في الوثائق العثمانية
والروسية والأمريكية» تحتوي هذه الوثائق على شهادات
وتقارير ضباط وقادة الجيش الروسي في برقياته المتبادلة
مع قيادات الجيش العثماني إبان الهدنة.
وقد استطاعت هذه الوثائق إحصاء أكثر من نصف مليون
ضحية من المسلمين المدنيين − وليس العسكريون وجنود
الجيش − ولم تتمكن من إحصاء جميع القتلى إذ حدثت
الكثير من المذابح وأبيدت قرى بكاملها، ولم ينج منها أحد
ليروي الحادثة.
وعلى الجانب الآخر تحصي الوثائق الرسمية العثمانية
عدد الضحايا الأرمن بما يتراوح بين 52 و53 ألف ضحية،
بينما تروج الآلة الإعلامية الغربية منذ قرن كامل أنهم
يزيدون على 3 ملايين ضحية، أي أكثر من عدد الأرمن
جميعًا الذين ضمتهم الدولة العثمانية!
بينما الضحايا المسلمون الذين لاقوا مصيرهم على يد
الأرمن لم يسمع بهم أحد إلا نادرًا، رغم أن أعدادهم نحو
عشرة أضعاف الضحايا الأرمن. ومن تلك الكتابات النادرة
عن ضحايا المسلمين، كتاب «أرمينيا: الخداع الكبير»
لصامويل ويمز الذي يقول فيه:
ويواصل صامويل ويمز كلماته منتقدًا كتابات البروفيسور ر. هوفانسيـان، أحد أشهر الكتاب الأرمن المعاصرين عن المسألة الأرمنية، فيقول:آلاف من الأرمن قد ماتوا أثناء الحرب، كما قد حدث أيضًا للأتراك بشكل أكثر. الإمبراطورية العثمانية كانت في مرحلتها الأخيرة من الحياة. الآلاف من الناس الأبرياء قد فقدوا حياتهم بسبب جشع وأنانية الأرمن الذي أرادوا أن يقيموا مملكتهم الخاصة الصغيرة. الحقيقة الخالصة في القضية هي أن عدة آلاف من الأتراك كانوا معرضين لمذابح رهيبة في الأماكن حيث كان الأرمن قد انضموا إلى القوات الروسية.
تجاهل الشهادات والأدلة العديدة التركية، والتي ما زالت حية، من الذين تعرضوا للأعمال الوحشية الأرمينية الرهيبة. البروفيسور، لو كان قد تعرض للتاريخ كان سيتضمن بلا شك أهمية واعتبار مئات الآلاف من الأبرياء الأتراك الذين خضعوا لوحشية الحرب. الحقيقة أن معاناة المسلمين، وفي المقام الأول معاناة الأتراك تم تجاهلها بالكامل، وهذا يثبت تحامل البروفيسور والأساس المتداعي الذي تركن إليه الإدعاءات الأمنية عن الإبادة الجماعية.[12]
ويقول مكارثي:
في المقاطعات حيث كانت الحرب في المقام الأول، قاتلت فان (وان) وبتليس وأرضروم على الأقل 40% من المسلمين قد ماتوا في نهاية الحرب. وبالطبع لم يكن المسلمون فقط هم الذين ماتوا. معدل موت الأرمن كان في النهاية ضخمًا، والخسائر الأرمينية لا يمكن إغفالها. ولكن العالم لديه معرفة كبيرة بالمعاناة الأرمينية. ولقد حان الوقت لكي يضع العالم في اعتباره معاناة المسلمين في الشرق والرعب الذي كان. مثل الأرمن، المسلمون قد ذُبحوا أو ماتوا من المجاعة، والأمراض بأرقام مذهلة. ومثل الأرمن فإن موتهم يستحق الذكرى.[13]
كلفت الحكومة الأمريكية كلاً من إموري نايلز Emory Niles وآرثر سزلاند Arther Sutherland بالتجول في شرقي الأناضول بعد الحرب العالمية الأولى، وتقديم تقرير حول الأوضاع هناك لتقوم إحدى لجانها الخيرية بتقديم معونة للاجئين. وعلى عكس كل الأمريكيين في الأناضول، فقد تجول الرجلان في الأناضول فعلاً، وقدما صورة حقيقية للوضع بعيدًا عن أي أحكام مسبقة أو عداوة دينية، إذ كشفا الأوضاع المأساوية للمسلمين هناك. لذا لم ينل تقريرهما الاهتمام المطلوب، ولم يلتفت إليه شأن التقارير الأخرى، وكان مصيره متاهة الأرشيفات[14].
وقد جاء في تقريرهما:
ولم يكن نايلز وسذرلاند مراقبين مؤيدين للأتراك أو المسلمين؛ بل على العكس، إذ جاءا إلى شرقي الأناضول مشحونين بالتطرف الأمريكي المعهود. ومع أنهما لم يشاهدا أدلة على مجازر المسلمين ضد الأرمن، فإنهما كانا على يقين من حدوثها ومن أنها كانت بالبشاعة نفسها التي كان الغرب يتصورها. علّقا قائلين: «نظن على نحو لا يقبل الجدل أن الأرمن مذنبون في جرائم ضد الأتراك ذات طبيعة مماثلة لتلك الجرائم التي ارتكبها الأتراك بحق الأرمن». إن الفرق طبعًا هو أنهما شاهدا أدلة الجرائم الأرمينية لا التركية؛ تهمة مبنية على أدلة وأخرى على شائعة. لكن هذا يجعل الأمر ذا مصداقية أكبر بخصوص ما شاهداه بالفعل؛ لأنهما مع تطرفهما نقلا الشرور التي ارتكبها الأرمن.(المنطقة الممتدة من بتليس عبر وان إلى بايزيد) أُخبرنا بأن الضرر والتدمير في كل هذه المنطقة كانا من فعل الأرمن الذين استمروا في احتلال البلد بعد أن انسحب الروس، والذين دمّروا كل شيء يخصّ المسلمين مع تقدم الجيش التركي علاوة على ذلك اتُّهم الأرمن بارتكاب أعمال قتل واغتصاب وإحراق عمد للممتلكات وأعمال وحشية رهيبة من كل وصف ضد السكان المسلمين. كنا في البداية في ريب كبير بشأن تلك الروايات، لكننا توصلنا في النهاية إلى تصديقها؛ لأن الشهادات كانت بالإجماع بكل ما في الكلمة من معنى، وجرى تأييدها بالأدلة المادية. على سبيل المثال، كانت الأحياء الوحيدة التي ظلت سليمة في مدينتي بتليس ووان أحياء أرمينية، كما كان جليّا من الكنائس والكتابات على البيوت، بينما كانت الأحياء المسلمة مدمرة على نحو كامل. لا تزال القرى التي قيل إنها كانت أرمينية قائمة، بينما كانت القرى المسلمة مدمرة كاملة.[15]
كتب الأمريكان عن حالة شرقي الأناضول بعد الحرب. كانت الصورة التي رسماها صورة مكان مُقفر أتلفت فيه المحاصيل والبيوت وأرواح البشر[16]:
إن الوضع العرقي في هذه المنطقة − بايزيد وأرضروم − متفاقم بشدة بسبب قرب جبهة أرمينيا التي يأتي اللاجئون منها بروايات عن مجازر ووحشية وفظاعات ترتكبها الحكومة الأرمينية والجيش والشعب ضد السكان المسلمين. ومع أن بضع مئات من الأرمن يعيشون فعلاً في إقليم وان، إلا أنه من المستحيل أن يستطيع الأرمن العيش في المناطق الريفية لإقليم أرضروم، حيث يُبدي الجميع ذروة الكراهية لهم. وهنا أيضًا، خرّب الأرمن القرى قبل أن ينسحبوا، وارتكبوا المجازر وكل أنواع الأعمال الوحشية ضد المسلمين، وأعمال الأرمن هذه على الجانب الآخر من الجبهة تُبقي الكراهية للأرمن حية ومؤثرة، كراهية تبدو أنها على الأقل ترغي وتزبد في منقطة وان. أكد على وجود فوضى وجرائم في أرمينية لاجئون من جميع مناطق أرمينية وضباط بريطانيون في أرضروم[17].
ويؤكد بروس فين:
عندما وجد الأرمن الفرصة، ذبحوا الأتراك بلا رحمة، كما حدث في فان وأرضروم، الحرب أشعلت موجة عنف بين الفئتين، فالأرمن يصارعون من أجل أهداف ثورية، والأتراك يناضلون من أجل الحفاظ على وحدة وسلامة وطنهم، كلاهما دفعته التجربة المرعبة إلى السبيل الذي لا توقف فيه، حيث لا ينتظر الخاسر أي رحمة.[18]
وأخيرًا يقول المؤرخ التركي سوسلو:
يوجد لدينا حتى الآن مقابر جماعية تبلغ أكثر من مائة مقبرة، للأتراك الذين قتلوا على يد الأرمن في المنطقة الممتدة عبر موش وبتليس وفان وقارص وأرضروم حتى أنقرة وقيصري وسيواس. وقد تم استخراج آلاف الجثث من المقابر الخمسة الأولى فقط التي تم فتحها.[19]
* حول الأوضاع القانونية والسياسية للأرمن في الدولة العثمانية يمكن مراجعة كتاب:
كمال السعيد حبيب: الأقليات والسياسة في الخبرة الإسلامية من بداية الدولة النبوية وحتى نهاية الدولة العثمانية، مكتبة مدبولي، القاهرة، 2001م، ص207-276.
(المصدر: موقع إضاءات)
الثلاثاء، 29 سبتمبر 2020
رحيل أمير عربي وحدوي وجدار صلب ضد التطبيع
كان عروبيا في زمن صهيوني، بوصلته كانت باتجاه جميع القضايا العربية وعلى رأسها قضية فلسطين.
كان أحد صمامات الأمان التي ضبطت محاولات الخروج عن المسار والبوصلة العربية. ووقف سدا منيعا ضد التطبيع مع العدو الصهيوني، كما حاول الحفاظ على وحدة العرب، وسعى إلى الإصلاح فيما بينهم.
عرف بلقب عميد الدبلوماسية العربية لأربعة عقود، قام خلالها بأدوار دبلوماسية هامة لحل مشاكل المنطقة.
الشيخ صباح الأحمد الصباح، المولود عام 1929 في مدينة الجهراء شمال غرب الكويت العاصمة، كان تحت رعاية والده المباشرة، فقام بإيفاده إلى بعض الدول للدراسة، واكتساب الخبرات والمهارات السياسية، وليتعرف كذلك على طبيعة الأنظمة والعمل والإدارة في عدد من الدول الأوروبية والآسيوية.
كانت بدايته مع الشأن العام والسياسي عام 1954، بعد تعيينه عضوا في "اللجنة التنفيذية العليا"، وهي بمكانة مجلس الوزراء في يومنا هذا، وقد عهد إليه بمهمة تنظيم دوائر الدولة، ووضع خطط عملها ومتابعة التخطيط فيها، وبعد انتهاء هذه اللجنة من عملها عين الشيخ صباح عام 1955 رئيسا لـ"دائرة الشؤون الاجتماعية والعمل" (وزارة فيما بعد).
عين عام 1956 عضوا في الهيئة التنظيمية للمجلس الأعلى، وهو المجلس الذي كان يساعد أمير الكويت في إدارة شؤون الحكم في البلاد، وأضيفت عام 1957 إلى مهامه رئاسة "دائرة المطبوعات والنشر".
من خلال موقعه هذا ترك بصمات ثقافية كبيرة، فقد كان صاحب المبادرة في إصدار مجلة "العربي" عام ١٩٥٨ ودعا لإتمام هذه المهمة المفكر المصري الدكتور أحمد زكي ليكون رئيسا لتحريرها، وقد وصفها صباح الأحمد عند صدور عددها الأول بأنها "هدية الكويت للعرب". وأصدرت في عهده الجريدة الرسمية للكويت تحت اسم "الكويت اليوم" لتسجيل كافة الوقائع الرسمية.
عين في منصب وزير الإرشاد والإنباء (الإعلام) في الحكومة الأولى التي شكلت بعد استقلال الكويت.
وبصفته عضوا في الحكومة، أصبح عضوا في "المجلس التأسيسي" الذي باشر بعملية وضع الدستور، ونتيجة لعضويته في المجلس عين في ثاني حكومة تشكل في الكويت بمنصب وزير الخارجية. ومن خلال منصبه كان أول من رفع علم الكويت فوق مبنى هيئة الأمم المتحدة بعد قبولها انضمام الكويت عام 1963.
اقرأ أيضا: هل تتغير سياسة الكويت الخارجية مع رحيل أميرها؟
صبغت مبادراته ووساطته مسيرته الدبلوماسية من البدايات فقد كان وسيطا ومفاوضا ورجل "حل" للكثير من النزاعات العربية والدولية، من بينها الوساطة بين مصر والسعودية لحل الصراع العسكري بسبب اليمن، ولحل قضية المطالبة الإيرانية بالبحرين، وبذل جهودا واضحة في التوسط لحل النزاع الحدودي بين العراق وإيران حول السيادة على شط العرب، وشارك في جهود تسوية أزمة أيلول/ سبتمبر بين الحكومة الأردنية ومنظمة التحرير الفلسطينية، وسعى إلى حل النزاع بين باكستان وإقليم البنغال، وبين شطري اليمن، وقام بوساطة بين سلطنة عمان وجمهورية اليمن الديمقراطية، وقاد عملية وساطة بين ليبيا والسعودية، وقاد وساطة بين بغداد وطهران لوقف الحرب العراقية الإيرانية.
وخلال الحرب الأهلية في لبنان، كانت الكويت الطرف الأكثر قبولا لدى كافة الأطراف المتنازعة في الساحة اللبنانية، واختارته جامعة الدول العربية ليترأس "اللجنة السداسية" التي شكلتها لتحقيق التوافق بين مختلف الأطراف المتنازعة في لبنان لوقف الحرب الأهلية اللبنانية.
وعقب توقيع الرئيس المصري محمد أنور السادات لـ"اتفاقية كامب ديفيد"، التزمت الكويت بقرار جامعة الدول العربية بقطع العلاقات العربية مع النظام المصري، واكتفت بتطبيق القرار، دون أن تمارس ضغوطا اقتصادية على مصر، ودون أن تنجر لحرب إعلامية وسياسية مع النظام المصري، إذ امتازت سياسة الكويت الخارجية التي تولاها صباح الأحمد آنذاك بهامش كبير من المناورة والمرونة السياسية.
وبعد دخول القوات العراقية إلى الكويت علم 1990 أدى صباح الأحمد حينذاك دورا كبيرا في حشد التأييد الدبلوماسي العربي والدولي لمصلحة دعم ومساندة الشرعية الكويتية، ونجحت جهوده الدبلوماسية في كسب الكويت مساندة عالمية وأممية من خلال توافق الإرادة الدولية مع قيادة قوات التحالف الدولي لطرد القوات العراقية وتحرير الكويت.
وكان وقتها يشغل منصب نائب رئيس مجلس الوزراء، بالإضافة إلى وزارة الخارجية حتى عام 1991، ثم ابتعد عن المنصب نحو عام، قبل أن يعود إلى موقعه السابق، ويستمر فيه حتى عام 2003 عندما عين رئيسا للوزراء.
طيلة نحو 40 عاما، أسس صباح الأحمد السياسة الخارجية للكويت على أسس ومبادئ وثوابت رئيسية في مقدمتها: التوازن الإستراتيجي، والحياد الإيجابي، والدفاع عن الثوابت القومية، والابتعاد عن الأحلاف العسكرية.
وعقب وفاة الأمير جابر الأحمد الصباح، وبعد تنازل سعد العبد الله الصباح، ولي العهد السابق، بسبب المرض تولى صباح الأحمد منصب أمير الكويت عام 2006.
ونظرا لجهوده الكبيرة في العمل الإنساني فقد كرّمته منظمة الأمم المتحدة عام 2014 بلقب "قائد العمل الإنساني"، كما جرت تسمية الكويت "مركزا للعمل الإنساني" تقديرا من المنظمة الدولية لجهودها وأميرها في خدمة الإنسانية.
كما قاد الأمير الراحل وساطة لحل الأزمة الخليجية التي بدأت عام 2017، حيث قطعت كل من السعودية والإمارات والبحرين ومصر علاقاتها مع قطر، وفرضت عليها حصارا. وقام بجولات مكوكية رغم مرضه لتقريب بوجهات النظر ولرأب الصدع في الجدار الخليجي.
وقد عانى في السنوات الأخيرة من المرض، وقضى فترة طويلة عام 2019 في العلاج في الولايات المتحدة، وكان الأمير صباح يعاني من متاعب في القلب، حيث سبق أن خضع لعملية جراحية في القلب، كما خضع لعملية جراحية أخرى في الولايات المتحدة.
وترجل الشيخ صباح الأحمد الجابر الصباح الحاكم الخامس لدولة الكويت منذ استقلالها عام 1961 عن عمر ناهز 91 عاما، تاركا فراغا في الشارع الكويتي والخليجي والعربي لمناقبه وآثاره وغيرته على وحدة الصف العربي.
اقرأ أيضا: الكويت تسمّي نواف الأحمد الصباح أميرا للبلاد.. تعرّف إليه
وعملا بأحكام الدستور، فقد نادى مجلس الوزراء الكويتي بولي العهد الشيخ نواف الأحمد الجابر الصباح أميرا للبلاد.
ولد أمير الكويت الجديد عام 1937 في مدينة الكويت، وهو الابن السادس لحاكم الكويت الشيخ أحمد الجابر المبارك الصباح، الذي حكم البلاد في الفترة ما بين عامي 1921 و1950.
تولى الشيخ نواف العديد من المناصب المهمة، لتبدأ رحلته في العمل السياسي عام 1962، عندما تولى منصب محافظ حولي، حيث تمكن من تحويل حولي من قرية إلى مدينة حضارية وسكنية تعج بالنشاط التجاري والاقتصادي، وتولى مسؤولية محافظة حولي لمدة 16 عاما.
وتولى عام 1978، حقيبة وزارة الداخلية ثم تولى منصب وزير الدفاع عام 1988، وفي عام 1991 كلف بحقيبة وزارة الشؤون الاجتماعية والعمل، كما تولى منصب نائب رئيس الحرس الوطني.
وعلى مدار 9 سنوات بذل الشيخ نواف جهودا كبيرة للوصول إلى أرقى المستويات والمعدلات في المؤسسات الأمنية المماثلة في أكثر دول العالم تطورا، وعمل على تطوير المنظومة العسكرية للحرس، وجعله الذراع اليمنى للقوات المسلحة.
وفي عام 2003، عاد إلى حقيبة وزارة الداخلية، حيث يعتبر الأب الروحي والمؤسس الحقيقي لوزارة الداخلية بشكلها الحديث وإدارتها المختلفة، وفي عام 2003، صدر مرسوم أميري بتعيين الشيخ نواف نائبا أول لرئيس مجلس الوزراء ووزيرا للداخلية.
وفي عام 2006، أصدر أمير الكويت الراحل أمرا أميريا بتزكية الشيخ نواف وليا للعهد، وجرت مبايعته من قبل مجلس الأمة وليا للعهد.
ولا تزال برقيات التعزية والثناء على مناقب الأمير الراحل تطغى على المشهد في حالة أصبحت نادرة عربيا بعد حالة الانقسام والاستقطاب العربي، التي أمضى الأمير الراحل أكثر من نصف عمره وهو يحاول ردم الهوة، وإصلاح الصدع والتشققات في الجدار العربي.
نظرات وعبرات الطريق إلى الدولة الواحدة
نظرات وعبرات الطريق إلى الدولة الواحدة
محمود عبد الهادي
الطريق إلى الدولة الواحدة ليس وهما ولا محض خيال، وإنما هو الطريق الأقصر والأسهل والأقل كلفة للوصول إلى حل نهائي للقضية الفلسطينية يقوم على سلام شعبي حقيقي في فلسطين والمنطقة العربية والعالم الإسلامي، غير قابل للانفجار في وجه أصحابه عند حدوث تحولات مستقبلية في موازين القوة في العالم لصالح العرب والمسلمين، أو داخل الأنظمة العربية التي تضطرها الظروف الداخلية والضغوط الأميركية إلى إبرام اتفاقيات سلام مصطنعة مع دولة الاحتلال الصهيوني، وإن أي جهود تُبذل في اتجاه الدولة الواحدة، مهما كانت قليلة، فإنها ستنمو بمرور الأيام والسنين وتصنع المستحيل.
هذا هو المقال الـ6 في سلسلة المقالات التي تناولت فيها مشروع الدولة الواحدة للقضية الفلسطينية، والتي أوضحت فيها عبثية الاستمرار في حل الدولتين بعد أن أصبح من سابع المستحيلات، واستعرضت الحصاد المر السياسي والعسكري والاقتصادي والاجتماعي والنفسي الذي حصده الشعب الفلسطيني -وما زال- منذ أكثر من 70 عاما، ثم أشرت إلى حتمية الانتقال إلى حل الدولة الواحدة، واستعرضت الفرص المترتبة عليه والتحديات التي تواجهه فلسطينيا ويهوديا وعربيا ودوليا.
هذا المقال يتناول تصورات أولية للتحرك في طريق حل الدولة الواحدة، هذه التصورات مجرد أفكار إضافية لما سبق وتناوله العديد من المفكرين والكتاب، بهدف إثارة المزيد من التداول والحراك في الأوساط الفلسطينية على وجه الخصوص بشتى مستوياتها وتخصصاتها، آخذين بعين الاعتبار أن السير في هذا الطريق يمر بعدة مراحل، ويتوزع على عدة مجالات، وهو مسؤولية فلسطينية بالدرجة الأولى تفرضها مصلحة الشعب الفلسطيني، بغض النظر عن الموقف الحالي للشعب اليهودي ودولة الاحتلال الصهيوني والدول العربية والمجتمع الدولي، وبغض النظر عن الخوض في تفاصيل الحل التي مكانها طاولة المفاوضات.
إن تبني القيادة الفلسطينية لحل الدولة الواحدة يعدّ أقوى ورقة سياسية يمكن أن ترفعها في وجه دولة الاحتلال الصهيوني العنصرية وحكومتها المتعجرفة، وليس من مصلحة القيادة الفلسطينية التأخر في إعلان تبنيها لهذا الحل بعد إنهاء الانقسام، وإنجاز الاتفاق على مشروع وطني للتحرر من الاحتلال يقوم على تحقيق كافة الآمال والتطلعات الفلسطينية.
أولا: المراحل الرئيسية للحل
فيما يلي تصور مبدئي للمراحل التي من المفترض أن يمر بها السير في طريق الدولة الواحدة، ونسوقها من باب عرض الأفكار، وليس من باب تقديم مقترح لخطة ذات مشروع سياسي محدد، فهذا العمل يحتاج إلى لجان متخصصة لها من الوقت والقدرات والمساحة ما لا تتسع له ظروف كتابة هذا المقال.
المرحلة الأولى: المصارحة
على القيادة الفلسطينية الاستعجال في مصارحة الشعب الفلسطيني بالعقبات التي تواجهها في مسيرة عملية السلام مع دولة الاحتلال الإسرائيلي، وتوضيح أنها لا تستطيع الاستمرار في هذه المسيرة أكثر من ذلك، لما يترتب عليها من انتكاسات متكررة، ولما يتكبده الشعب الفلسطيني من تضحيات مستمرة.
المرحلة الثانية: المصالحة الوطنية
لا مفر أمام القيادة الفلسطينية من إبرام المصالحة الفلسطينية الشاملة بين السلطة الفلسطينية في رام الله ونظيرتها في غزة من جهة، وبين حركتي "فتح" و"حماس" من جهة ثانية، وبينهما وبين جميع القوى والفصائل الفلسطينية في الداخل والخارج من جهة ثالثة، مصالحة تتم تحت مظلة منظمة التحرير الفلسطينية، بعد تطوير نظامها الداخلي الخاص بالتمثيل، وانتخاب القيادة الفلسطينية التي تمثل جميع الفلسطينيين في الداخل والخارج، دون الحاجة إلى إجراء انتخابات لا معنى لها لشبه دولة ما زالت تحت الاحتلال.
المرحلة الثالثة: التوافق على مشروع تحرر وطني مشترك
قيام القيادة الفلسطينية الجديدة بإعداد مشروع تحرر وطني مشترك لجميع الشعب الفلسطيني في الداخل والخارج، بما في ذلك فلسطينيو 48، يقوم على تعليق العمل باتفاقية أوسلو، وإعلان فشل حل الدولتين، وتبني حل الدولة الواحدة، ومن ثم إقرار المشروع فلسطينيا ضمن النظام الجديد لمنظمة التحرير، ثم تعميمه ليتم تبنيه على كافة المستويات الفلسطينية في الداخل والخارج، وإعلانه رسميا من طرف واحد، على المستويين الإقليمي والدولي.
المرحلة الرابعة: نشر حل الدولة الواحدة على المستوى الفلسطيني
التحرك المنظم على المستوى الفلسطيني في الداخل والخارج لنشر تفاصيل حل الدولة الواحدة وتوضيح مبرراته، وشرح أسباب فشل حل الدولتين وتعليق العمل باتفاقية أوسلو، وإقامة الفعاليات والبرامج لكل المستويات والشرائح المجتمعية، وتعبئتها لصالح الحل.
المرحلة الخامسة: التحرك العربي والإسلامي والدولي
تحرك القيادة الفلسطينية الجديدة على المستويات العربي والإسلامي والدولي، حكومات ومنظمات؛ لشرح الموقف الفلسطيني وتوضيح دواعيه، بهدف تحقيق ما يأتي:
1. التأكيد على صدق التوجه الفلسطيني في المشروع.
2. التأكيد على أن الفلسطينيين لن يعودوا مطلقا إلى حل الدولتين مهما بذل المجتمع الدولي من تعهدات، ومهما قدم الكيان الصهيوني من إغراءات وتنازلات.
3. الزيادة التدريجية لتوسيع دائرة المؤيدين للحل.
المرحلة السادسة: التحرك على المستوى الشعبي عربيا وإسلاميا ودوليا
قيام القيادة الفلسطينية بتنظيم أنشطة وفعاليات على المستوى العربي والإسلامي والدولي تهدف إلى:
1. شرح الموقف الفلسطيني ومبرراته ومنطلقاته السياسية والدينية، وتصوراته النهائية للحل، أسوة بما حدث في عدد من دول العالم.
2. كسب تأييد الشعوب العربية والإسلامية والعالم ومنظماتها المدنية والحقوقية وكوادرها النخبوية للموقف الفلسطيني، ومطالبتها بالضغط على حكوماتها، لتأييد الموقف الفلسطيني ومطالبة دولة الاحتلال الصهيوني بالتجاوب مع الحل.
3. تشكيل مجموعات مناصرة شعبية في كل دول العالم، تؤيد الموقف الفلسطيني، وتواصل الفعاليات الضاغطة على المجتمع الدولي للتجاوب مع الحل وتبنيه.
المرحلة السابعة: التحرك على المستوى اليهودي
قيام القيادة الفلسطينية بمد جسور التواصل مع المؤسسات والكوادر اليهودية المؤيدة لهذا الحل داخل دولة الاحتلال الصهيوني وخارجه، بهدف تحقيق ما يأتي:
1. شرح الموقف الفلسطيني ومبرراته.
2. تأكيد الموقف الفلسطيني بصورة قطعية نهائية غير قابلة للعودة.
3. تطمين الشعب اليهودي بصدق توجه القيادة الفلسطينية في هذا الحل، ومن ورائها الشعب الفلسطيني والشعوب العربية والإسلامية.
4. تحريك الأوساط اليهودية داخل دولة الاحتلال الصهيوني وخارجها لتبني الحل وتوسيع دائرة التعريف في الأوساط اليهودية.
5. تشكيل لجان فلسطينية مشتركة تتحرك عربيا وإسلاميا ودوليا، تدعو إلى مناصرة الحل، والضغط على دولة الاحتلال الصهيوني للقبول بالحل، والدخول في مفاوضات جادة مع الطرف الفلسطيني حول التفاصيل.
ثانيا: مجالات العمل
يقع هذا المشروع بصورة أساسية على كاهل القيادة الفلسطينية الجديدة القوية المتماسكة صاحبة الإرادة المسنودة من كافة قوى وشرائح الشعب الفلسطيني في الداخل والخارج؛ لكنه بالتأكيد لا يقتصر عليها، فالشعب الفلسطيني على وجه الخصوص، بكل فئاته وشرائحه، يتحمل مسؤولية تاريخية كبيرة في تأييد هذا الحل ومناصرته، بالتوازي مع المراحل السابقة في عدة مجالات حيوية، من أبرزها:
1. المجال السياسي
- توحيد الرؤية السياسية للحل لدى كافة القوى السياسية الفلسطينية في الداخل والخارج.
- إصدار بيانات تأييد وتبني من القوى السياسية الفلسطينية ومؤسساتها في الداخل والخارج.
- عقد لقاءات بين قيادات القوى السياسية وقواعدها؛ لشرح المشروع ودوافعه ومراحله والسيناريوهات المتوقعة له، وعرض للفرص التي يتيحها والتحديات التي يواجهها.
- تخصيص لجان من القوى السياسية تنشط في شرح الرؤية السياسية للحل لدى القواعد الحزبية وفي الفعاليات الحزبية الشعبية.
- القيام بمسيرات ووقفات متواصلة داخلية وخارجية، في جميع دول العالم وبكل اللغات، تدعو إلى إسقاط حل الدولتين وتبني حل الدولة الواحدة.
2. المجال الديني
- تشكيل لجان شرعية من كبار العلماء الفلسطينيين المشهود لهم بالعلم والاستقلالية؛ لبحث الحل من شتى جوانبه وتقديم التأصيل الشرعي اللازم المستند على أحكام الشريعة الإسلامية في ضوء السياسة الشرعية والمصالح المرسلة وخصوصية القضية.
- تكثيف تناول الموقف الشرعي من الحل في الخطب والدروس الدينية في المساجد والمنتديات والوسائل الإعلامية والمنصات الاجتماعية.
3. المجال الفكري
- إعداد أوراق عمل تتناول الأسس الفكرية التي يقوم عليها مشروع الحل للشعبين الفلسطيني واليهودي.
- إقامة ندوات وورش عمل ومحاضرات ولقاءات على مستوى النخب التكنوقراطية والأكاديمية والطلابية والنقابية والمجتمعية، تتناول حل الدولة الواحدة ومفهومه، والعناصر الأساسية التي يقوم عليها ومبررات تبنيه، والمدة التي قد يحتاجها ليتحقق على أرض الواقع، وعرض الفرص التي يوفرها والتحديات التي يواجهها وكيفية التغلب عليها.
- عقد مناظرات في ذات الإطار بين المؤيدين للحل والمعارضين له، وحصر الخلاف في المستوى الفكري كحق أصيل من حقوق حرية الرأي والتعبير، والحيلولة دون نشوء أي معارضة عنفية للحل.
4. المجال الإعلامي
- تقديم برامج مكثفة في شتى الوسائل الإعلامية المرئية والمسموعة والمطبوعة والرقمية حول الحل وأهميته وتوقيته والجهات المسؤولة عنه ومراحل العمل به والنتائج الإيجابية والسلبية المترتبة عليه، وغير ذلك من الجوانب الموضوعية.
- إجراء استطلاعات رأي متتابعة لكافة شرائح المجتمع تظهر مؤشر الرأي العام تجاه مشروع الحل من جوانبه المتعددة.
- تقديم إعلانات ترويجية وفواصل معلوماتية حول الحل.
- إنتاج برامج وثائقية تتناول الحصاد المر للمعاناة التي تحملها الشعب الفلسطيني؛ بسبب حل الدولتين، والدوافع التي أدت إلى تبني حل الدولة الواحدة.
- ملء منصات التواصل الاجتماعي بالحديث عن حل الدولة الواحدة، بشتى اللغات والأشكال الفنية.
- زيادة مساحة الخطاب باللغة العبرية، الموجه للشعب اليهودي داخل دولة الاحتلال الصهيوني وخارجها، للمساهمة في إثارة الحل في منصاتهم الإعلامية المختلفة.
5. المجال الفني
- إنتاج أغانٍ وطنية تعبر عن الحل وتبنيه والمستقبل المنظور، وتعد بالدولة الواحدة وإنهاء عذابات الشعب الفلسطيني.
- إنتاج مسلسلات درامية تتناول الحصاد المر وآثاره الاجتماعية والصحية والنفسية على الشعب الفلسطيني، والنفق المظلم الذي يسير فيه الشعب الفلسطيني وراء حل الدولتين، وتبشر بالخروج من النفق بتغيير المسار والانتقال إلى حل الدولة الواحدة.
ختاما.. إن تبني القيادة الفلسطينية لحل الدولة الواحدة يعدّ أقوى ورقة سياسية يمكن أن ترفعها في وجه دولة الاحتلال الصهيوني العنصرية وحكومته المتعجرفة، وليس من مصلحة القيادة الفلسطينية التأخر في إعلان تبنيها لهذا الحل بعد إنهاء الانقسام وإنجاز الاتفاق على مشروع وطني للتحرر من الاحتلال يقوم على تحقيق كافة الآمال والتطلعات الفلسطينية.
لقد حاولتُ في هذه المقالات الـ6 إعادة تشغيل المولّد والمواصلة في دفع العربة من جديد باتجاه حل الدولة الواحدة، والمطلوب من الأوساط النخبوية الفلسطينية خاصة والعربية عامة في شتى المجالات، أن تشد العزم لتصحيح مسار القضية في هذا الاتجاه دون يأس أو تعب أو ملل، والضغط على القيادات الفلسطينية لتبدأ هي الأخرى في تصحيح المسار، فقد تأخرت كثيرا.