محمود عبد الهادي
بقدر ما هي كثيرة الفرص الكبرى المترتبة على حل الدولة الواحدة للقضية الفلسطينية، بقدر ما هي كثيرة التحديات الكبرى التي تواجهها والمعوقات التي تعترضها، فلسطينيا وعربيا ويهوديا ودوليا، وغالبا ما يصاب الناظر إلى هذه التحديات باليأس والإحباط؛ لضخامتها وصعوبة التغلب عليها، ومع ذلك فإن الشعب الفلسطيني لم يعد أمامه خيارات أخرى بعد أن تأكد له استحالة نجاح حل الدولتين، وبعد سلسلة الكوارث التي ترتبت عليه فلسطينيا وعربيا. ومهما كان من أمر هذه التحديات؛ فإن الإرادة والإصرار والمثابرة والإبداع كفيلون بإيجاد الوسائل القادرة على مواجهة هذ التحديات والتغلب عليها في المدى المتوسط؛ أي بما لا يزيد عن 30 عاما.
ونستعرض فيما يأتي أبرز هذه التحديات:
على الفلسطينيين أن يكونوا صرحاء مع أنفسهم، وأن يوجهوا السهام إليها قبل أن يوجهوها إلى الواقع العربي والدولي، ومهما كانت التحديات فإن حل الدولة الواحدة في مرحلته الأولى خيار فلسطيني بالأساس، وينطلق من الملعب الفلسطيني، بغض النظر عن موافقة الطرف اليهودي أو الأطراف العربية والدولية.
أولا: فلسطينيا
قبل الحديث عن التحديات والعقبات التي تواجه حل الدولتين خارج البيت الفلسطيني، على الفلسطينيين أن يكونوا صرحاء مع أنفسهم، وأن يوجهوا السهام إليها قبل أن يوجهوها إلى الواقع العربي والدولي، فقد تسبب الاضطراب الذي يعاني منه البيت الفلسطيني بأضرار لا حصر لها لقضيته الوطنية على مدى 70 عاما الماضية، تحمّل فيها الشعب الفلسطيني من المرارة والتضحيات ما يفوق الوصف، ومهما كانت التحديات فإن حل الدولة الواحدة في مرحلته الأولى خيار فلسطيني بالأساس، وينطلق من الملعب الفلسطيني، بغض النظر عن موافقة الطرف اليهودي أو الأطراف العربية والدولية؛ لكن هذه الانطلاقة تواجه العديد من التحديات، والمعوقات التي يمكن التغلب عليها إذا تم التغلب على التحديات الأكبر منها، وهي:
1. انقسام القيادة الفلسطينية
ما يزال القرار الفلسطيني منقسما على نفسه بين السلطة الفلسطينية في الضفة الغربية، وبتعبير أدق "سلطة حركة فتح"، وبين سلطة حركة "حماس" في قطاع غزة، وقد فشلت كافة الجهود الداخلية والخارجية حتى الآن في رأب الصدع، ومهما يكن من أمر الدور الصهيوني والإقليمي والدولي في هذا الفشل، فإن السبب الرئيسي فلسطيني بامتياز، وعلى القيادة الفلسطينية بشقيها الإسراع في إنهاء الانقسام وتوحيد الصف الوطني قبل أن تتسع الكارثة، فضلا عن أن بقاء الانقسام يعني تقوية وترسيخ التحديات الفلسطينية الأخرى التي تواجه حل الدولة الواحدة.
2. تعدد الأيديولوجيات الحزبية
يمكن تقسيم الأيديولوجيات الحاكمة للأداء السياسي الفلسطيني، منذ بدء النضال وحتى الآن، إلى 3 أيديولوجيات، تتراوح بين اليسار واليمين والوسط، أما اليسار فتمثله القوى والفصائل ذات المرجعية الشيوعية وعلى رأسها الجبهة الشعبية لتحرير فلسطين، ويمثل اليمين القوى والفصائل ذات المرجعية الإسلامية وعلى رأسها حركة "حماس"، ويمثل الوسط القوى الوطنية الليبرالية وعلى رأسها حركة "فتح". وقد ظلت هذه الأيديولوجيات، حتى الآن، مسيطرة على المشهد السياسي بصورة حزبية إقصائية حادة، على حساب الأيديولوجية الوطنية، التي تتسع للجميع من أجل تحقيق الأهداف العليا للشعب الفلسطيني، وكما وقفت هذه الأيديولوجيات الثلاث عائقا في تحقيق الوحدة الوطنية والاتفاق على برنامج تحرر وطني مشترك، فإنها ستظل عائقا كبيرا في وجه مشروع الدولة الواحدة.
3. التمسك بأوسلو والشرعية الدولية
ما تزال قيادة السلطة الفلسطينية في الضفة الغربية مصرّة على حل الدولتين، وتتمسك وحدها باتفاقية أوسلو وقرارات الشرعية الدولية، على الرغم من أن جميع الأطراف أدارت ظهرها لها دون إعلان، بما في ذلك مجلس الأمن والأمم المتحدة واللجنة الرباعية والولايات المتحدة والكيان الصهيوني؛ حتى الدول العربية، أدار البعض ظهرهم لها أيضا، وسارعوا في إقامة علاقات سياسية مع الكيان الصهيوني، والبقية تنتظر. وما لم تتخذ السلطة الفلسطينية إجراءات وطنية جادة للتخلي عن هذا النهج، وتبني حل الدولة الواحدة، فإن هذا الحل سيبقى عاجزا عن التقدم إلى الأمام.
4. غياب المرجعية الوطنية الشاملة
تهيمن القيادتان الفلسطينيتان في كل من الضفة الغربية وقطاع غزة على القرار السياسي بصورة حزبية لحساب حركتي فتح وحماس، دون مرجعية وطنية حقيقية يحكمها القانون والدستور، وهذا الأمر يبقي السيطرة على المشهد السياسي حاليا لحركتي فتح وحماس، ما يجعل التخلي عن حل الدولتين والانتقال إلى حل الدولة الواحدة مرهونا بموقف هاتين الحركتين، وليس بقرار شعبي دستوري.
ثانيا: يهوديا
التحديات التي تواجه مشروع الدولة الواحدة على الصعيد اليهودي، أشد من تلك التي تواجه المشروع على الصعيد الفلسطيني، وعلى رأس هذه التحديات:
1. موقف الحركة الصهيونية
يعد مشروع الدولة الواحدة بداية النهاية للمشروع الصهيوني في المنطقة العربية والعالم، وستقف الحركة الصهيونية بكل قوة في وجه مشروع الدولة الواحدة، ومعها الوكالة اليهودية واللوبيات اليهودية في الولايات المتحدة والدول الغربية، وأكثر من 50 ألف منظمة يهودية حول العالم، وستعمل على تحريك كافة المنظمات والأطراف الدولية والإقليمية لرفض المشروع ومحاربته، والتضييق على نشطائه، وإدانة السلطة الفلسطينية والفصائل الفلسطينية في حال تبنيها للمشروع، وليس من المستبعد أن تعمل الحركة الصهيونية على سن تشريعات قانونية تجرم من يتبنى هذا المشروع على غرار قوانين تجريم معاداة السامية.
2. موقف أحزاب اليمين الصهيونية
سترفض أحزاب اليمين -بكل أصنافها المعتدلة منها والمتطرفة- مشروع حل الدولة الواحدة؛ لأنه يعني نهاية الدولة اليهودية الدينية الخالصة التي عملوا من أجلها، ويتطلعون إلى استكمال مشروعهم الديني القائم على الأساطير المزعومة للهيمنة على فلسطين والشرق الأوسط.
3. مؤسسو الدولة الصهيونية
القوى والمؤسسات والأشخاص الذين ساهم آباؤهم وذووهم بدور كبير في بناء دولة الكيان الصهيوني في شتى المجالات، واستطاعوا تأسيس دولة ديمقراطية متطورة ومتفوقة في محيط عاصف من العداء والكراهية، هؤلاء سيقفون بشدة في وجه مشروع الدولة الواحدة، ويعدّونه بمثابة نسف لكافة الجهود، التي بذلها المؤسسون من الآباء والأجداد، وبمثابة تمزيق متعمد للحلم الذي حمله بنو صهيون منذ آلاف السنين على حد زعمهم.
4. موقف المستوطنين والمقيمين في الأرض والأملاك الفلسطينية
سيعارض المستوطنون بكل حزم هذا الحل، وسيرفضون التنازل عن مستوطناتهم التي تحققت فيها آمالهم وأحلامهم، وترعرعت فيها ذكرياتهم وتربى فيها أبناؤهم، ومثلهم ستفعل العائلات والمؤسسات التي تقيم على أراضي وممتلكات الفلسطينيين التي استولي عليها بعد عام 1948.
ثالثا: عربيا
يعد الموقف العربي الأقل حدة تجاه مشروع الدولة الواحدة، وسيكون الأكثر تجاوبا معه إذا تم تبنيه من قيادة فلسطينية موحدة، ومع ذلك، فهناك العديد من المعوقات التي ستعترض المشروع، وفي مقدمتها:
1. تجاوب بعض الدول العربية مع الطلبات أو الضغوط الصهيونية والغربية لمعارضة الحل والضغط على الفلسطينيين؛ لثنيهم عنه والعودة إلى حل الدولتين.
2. قلق الدول العربية من الدولة الجديدة، ودورها الإقليمي والدولي الريادي، وتأثيرها على النظام الإقليمي العربي الثيوقراطي.
3. مصير الاتفاقيات السياسية والعسكرية والأمنية والاقتصادية والتجارية والسياحية، التي أبرمتها بعض الدول العربية مع دولة الكيان الصهيوني.
4. قلق بعض الدول العربية من انقطاع الدعم والمساعدات، التي تأتيها من الدول المانحة والمنظمات الدولية لدورها في رعاية شؤون اللاجئين الفلسطينيين.
رابعا: دوليا
من المتوقع أن تتجاوب معظم دول العالم مع حل الدولة الواحدة، بما في ذلك الدول الإسلامية، لما يقوم عليه هذا الحل من أسس سياسية ترتكز على الديمقراطية والحريات وحقوق الإنسان وسيادة القانون ورفض العدوان والعنصرية؛ إلا أن بعض الدول ستعارض بشدة هذا الحل، وهي:
1. الولايات المتحدة:
ستكون الولايات المتحدة أشد الدول المعارضة لحل الدولة الواحدة؛ لما سيلحقه هذا الحل من إضرار كبير للمصالح الأميركية في دولة الكيان الصهيوني، وفرض الهيمنة الصهيونية على الشرق الأوسط، والمحافظة على التوتر، وعدم الاستقرار في المنطقة. وسيكون للوبي الصهيوني في الولايات المتحدة وتيار المحافظين الجدد الدور الأكبر في الوقوف في وجه هذا الحل، على غرار ما تم في العقود 8 الماضية.
2. الدول الأوروبية:
من المتوقع أن يجد حل الدولة الواحدة معارضة شديدة من الدول الأوروبية ذات التمدد الاستعماري في المنطقة العربية، التي كان لها دور كبير في قيام دولة الكيان الصهيوني على أرض فلسطين التاريخية، وخاصة المملكة المتحدة وفرنسا، إضافة إلى الدول التي تخضع لابتزاز شديد من اللوبي اليهودي في داخلها مثل ألمانيا وهولندا.
كانت هذه أبرز التحديات التي تعترض مشروع حل الدولة الواحدة، وربما قال قائل: إذا كان الأمر على هذا النحو، فما جدوى الاستمرار فيه وترك حل الدولتين؟ إن استعراض هذه التحديات يأتي لتوضيح أمرين أساسيين:
الأول: تأكيد أن حل الدولتين ليس حلا سحريا سيتم تطبيقه بمجرد تبني الفلسطينيين له، وإنما تواجهه العديد من التحديات والصعوبات، شأنه في ذلك شأن حل الدولتين الذي مضى على تبني الفلسطينيين له حوالي 50 عاما، وانتهى إلى ما انتهى إليه من الكوارث والانتكاسات. إضافة إلى تأكيد أن حل الدولة الواحدة يأتي لتصحيح القرار الفلسطيني الخاطئ بالإذعان للضغوط الأميركية والصهيونية، وتبني حل الدولتين في سبعينيات القرن الماضي.
الثاني: معرفة هذه التحديات، بهدف دراستها وفهمها وتحليلها ووضع أفضل السبل الكفيلة بالتعامل معها، وتخفيف حدتها والتقليل من آثارها على مسيرة حل الدولة الواحدة.
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق