الثلاثاء، 23 مايو 2023

الطاولة السداسية التركية توأم جامعة الدول العربية.. فأين يتشابهان وأين يتفاوتان؟

 الطاولة السداسية التركية توأم جامعة الدول العربية.. 

فأين يتشابهان وأين يتفاوتان؟

مضر أبو الهيجاء


المدخل:

برزت الطاولة السداسية التركية مؤخرا في سياق تشكيل حلف سياسي يستهدف الفوز في الانتخابات التركية 2023، وهي الانتخابات المفصلية والأكثر أهمية منذ قرن، حيث ترتدّ انعكاساتها على الداخل التركي كما الخارج، سواء في القضايا الإقليمية أو الدولية، وذلك نتيجة وضعية تركيا الجيوسياسية وأهمية دور قائدها أردوغان والذي برزت مركزيته وفاعليته في كل القضايا الساخنة، كما تألّق بدوره الفريد في النزاع الدولي الحاصل بين المعسكر الأمريكي الغربي من جهة والصيني الروسي من جهة أخرى، والذي عبّر فيه الغرب عن نفسه بشكل سافر وسافل في الساحة الأوكرانية .

وفي اللحظة التي تشكلت فيها الطاولة السداسية التركية برزت جامعة الدول العربية لتعلن عن منعرج جديد يقوده أبو لهب وتتألّق فيه حمّالة الحطب، حيث لا يقيم وزنا للشعوب ولا يتوقف أمام حرمة دمائها بل ويستبيح حرائرها!

فما هو ووجه الشبه الذي يجمع بين الطاولة السداسية وجامعة الدول العربية؟

وما هي الفوارق بينهما والتي ترسم ايقاع كلّ منهما؟

وجه الشبه بين الطاولة السداسية التركية وجامعة الدول العربية:

برز التشكيل الجديد للجامعة العربية والذي يحدد مسارها المستقبلي في نفس الوقت الذي تشكّلت في الطاولة السداسية وأخذت دورها الفاعل في الانتخابات التركية بتاريخ 14-5-2023، حيث أعلنت جامعة الدول العربية عن عودة مقعد سورية للنظام الرسمي، فعادت إليه حمّالة الحطب ممثلة بسفاح الشام بشار الأسد، والذي تجاوز في فجره للحدّ الذي لم يعد يخفى على أحد من العالمين تفنّنه في قتل أطفال الشام وسحقه لمدنها وسجنه لرجالها وتعذيب نسائها وتشريد من بقي حيّا من أهلها، الأمر الذي دفع مراكز القوة في جامعة الدول العربية لإعادته عن وعي وبفخر واعتزاز!

لقد رسمت عودة سفاح الشام لجامعة الدول العربية مسيرتها المستقبلية وكشفت بشكل معلن عن هويّتها الحقيقية، تلك الهوية هي وجه الشبه الذيعبّرت عنها الطاولة السداسية التركية على لسان أحزابها الفاعلة وشخصياتها المحورية، إذ يعلن قائدها ومرشحها كليتشدار عن عدائه لدين الإسلام، وجدّيته في استئصال كل مصادر ومرتكزات الخير التي بنيت في تركيا، كما يشيح بوجهه عن العرب والمسلمين موجها قبلته الثقافية والسياسية والمذهبية الطائفية نحو الغرب وإيران!

جامعة الدول العربية والطاولة السداسية التركية أين يتفاوتان وماذا يعكسان؟

لا تزال الانتخابات التركية لم تحسم من الفائز برئاسة تركيا حيث ستجري الدورة الثانية بعد أيام قلائل بتاريخ 28-5-2023 ويتمّ الإعلان عن رئيس تركيا للسنوات الخمس القادمة، الأمر الذي يدفع ملايين المسلمين والعرب والأتراك للابتهال إلى الله والدعاء بالفوز لرجب الطيب أردوغان في مواجهة عميد الطاولة السداسية كمال كليتشدار.

فما هي الفوارق بين الطاولة السداسية وجامعة الدول العربية؟

الفارق الأول:

إذا انطلقنا ممّا نرجّحه ونستبشر به وندعو الله بتحققه وهو فوز أردوغان، فان هذا يرسم تفاوتا واضحا بين جامعة الدول العربية التي تحتلّ منصبا رسميا يعبّر عن السلطات الرسمية التي تقود وتسود، فيما تشكّل الطاولة السداسية تحالفا هشّا ضعيفا لا يمتطي سدّة الحكم بتركيا، وهو تفاوت في صالح الحالة التركية وليس في صالح الحالة العربية التي يتسلّط الشرّ فيها على رقاب الشعوب العربية من خلال السلطات الرسمية ممثلّة بجامعة الدول العربية، فيما تبقى الطاولة السداسية هشّة وضعيفة لا تملك القدرة والسطوة على تفعيل معاول الهدم ما دامت خارج سدّة الحكم.

الفارق الثاني:

وإذا كان الفارق الأول في صالح الحالة التركية فان الفارق الثاني ليس في صالحها بل في صالح صوابية خيارات الشعوب العربية، وذلك من خلال وجود حالة خصام وطلاق يشكل الفجوة الحقيقية والكبيرة بين جامعة الدول العربية والشعوب العربية التي عبّرت خلال العقد الأخير عن حالة رفض لأنظمتها البائسة والفاشلة ونزفت أنهارا من الدماء -ولا تزال- في سبيل التخلّص منها، لكنّ الحال مختلف في الحالة الشعبية التركية إذ نجد نصف الشعب أو قريبا منه مؤيدا أو داعما للطاولة السداسية انطلاقا من انسجامه مع هويّتها الثقافية ورؤيتها السياسية وأهدافها القريبة والبعيدة ! وهي حالة تنذر بشرر كالقصر في حالة فوز كليتشدار الذي لن يحتاج إلى مدد عسكري من الغرب ولا إلى حضور ميليشيات إيرانية حيث سيكتفي بجحافله الداخلية ليفتت تركيا بشكل يتجاوز التفتيت في العراق واليمن ولبنان وسورية -لا قدر الله- .

جامعة الدول العربية والطاولة السداسية والمقاربة المطلوبة عربيا وتركيا:

من نافلة القول أن شعوب الدول العربية لن تهنأ بعيشها ولن تحقّق نهضتها ما دامت جامعة الدول العربية تتشابه وتتقاطع مع منطلقات وأهداف الطاولة السداسية التركية، كما أن الحالة التركية لن تنعم باستدامة نهضتها ما دامت نصف الحالة الشعبية تشبه جامعة الدول العربية وتقف خلف الطاولة السداسية.

لن تتوقّف الشعوب العربية –بإذن الله- عن نضالها وتضحياتها لنيل كرامتها واسترداد هويّتها وبناء عزتها سواء في مصر أو العراق أو الشام أو عموم مناطقها الساخنة،ولن يغير في هذا محاولات جامعة الدول العربية أن تنفخ الروح في أجساد الطواغيت، وحتى لو جمعت في مقاعدها ألف جحش وأجلست بينهم أفعى في صورة أسد .

لكنّ الواجب على تركيا الحالية إذا أرادت أن تستمرّ في نهضتها وتحقيق استقلالها السياسي لتستردّ حقّا هويتها الثقافية القائمة على دينها وقرآنها وسنة نبيّها محمد صلى الله عليه وسلم أن تجسر الهوة بين نصف شعبها وبين دينها وثقافتها الإسلامية وأن ترتقي بالنّصف الآخر لئلاّ يترهل فيخسر، وهو التحدّي الأكبر الذي ينتظرها بعد الفوز بالرئاسة -بإذن الله- إذ سيمنحها خمس سنوات توازي خمسة عقود بسبب امتلاكها معطيات تغيير حقيقي وإرادة مستقلة وقدرة على التصنيع بمناحيه المختلفة وثروات جديدة في زمن باتت السرعة عنوانه والمنعرجات الخطرة هي احتمالاته!

كلمة السرّ الحاضرة:

من مفارقات هذا الزّمان أن نموذج أردوغان -في عمومه- هو ما تبحث عنه الشعوب العربية والإسلامية التي تنزف دماؤها أنهارا دون أن تصل إليه، وأن نموذج جامعة الدول العربية أو الطاولة السداسية -من حيث الهوية الثقافية والأهداف السياسية- هو ما يسعى إليه نصف الشعب التركي -سواء العلمانيين فيه أم الأقليّات العرقية أم الطوائف الباطنية أم المسلمين بلا هوية-، الأمر الذي يجعل التحدي أمام التجربة التركية كبيرا ومزعجا قائما ودائما رغم كل نجاحاتها، ولكنّه في الوقت ذاته يطرح أمامها مفاتيح تعينها على الحلّ، فما هي؟

ان مخزون الهداية الذي اختصّ الله -سبحانه وتعالى- العرب بنقله للعالمين كبير وعميق جدّا في استيعابه ورساليّته وصفاته، لاسيّما أن الله اختصّ العرب ببعثة آخر النبيين محمد صلوات الله وسلامه عليه وعلى آل بيته الطاهرين، كما أنزل كتابه بلسان عربي مبين، ان هذا الرصيد الذي يشكّل كنزا حقيقيّا قدّر الله له أن يكون من الناحية الجغرافيّة والبشريّة محيطا ولصيقا بتركيّا، كما أنّ الله قدّر انتقال كثير من نخبه الفاعلة والمميزة إلى حضن تركيا نتيجة تداعيات ثورات الربيع العربي المباركة، فهل ستدرك القيادة التركية كلمة السرّ الحاضرة أمام ناظريها فتحسن استغلالها والتعامل معها، وأن بجانبها شعوبا تتوق اليها، وأن في حضنها كنز من المعارف والهداية المتفاعل معها؟

واذا كانت الطاولة السداسية تتبنى وتروّج بوقاحة وقبح أن العرب والمهاجرين نقمة على تركيا وأهلها، فهل ستجيد التجربة التركية الحالية اقناع شعبها بشجاعة واعتزاز بحقيقة أن العرب والمسلمين والمهاجرين يشكّلون نعمة لتركيا ونقلة نوعية ان أجادوا التعامل معها وتوظيفها فيما تروم الأمة جميعها تحقيقه؟

الخلاصة:

تتقاطع وتتشابه جامعة الدول العربية مع الطاولة السداسية التركية في تشكيلتها التي تجمع سقط المتاع ويقودها أبولهب وتمسك بها حمّالة الحطب، كما تتقاطع في استهدافها لهوية الأمة ودينها، وفي استخذائها أمام الغرب وذيوله ومشاريعه في المنطقة، وعلى رأسها المشروعين الصهيوني ومشروع ملالي إيران المتخادمين .

كما تختلف الحالة العربية عن التركية في أن صالحي الترك هم الآن في سدّة الحكم، فيما يحتلّ الفاسدون وسقط المتاع هذا الموقع في عموم المنطقة العربية، الأمر الذي تسبّب بصناعة هوة وفجوة كبيرة بين الشعوب العربية وأنظمة الحكم.

وبالقدر الذي تتوق فيه الشعوب العربية إلى نموذج رجب الطيب أردوغان -في عمومه- بالقدر الذي ينقم عليه نصف شعبه بما فيهم من أقليّات وفرق باطنية ومسلمين مغيّبين بلا هوية .

وكما أن الشعوب العربية لن تتوقّف عن سعيها لاسترداد كرامتها وهويتها وعزّتها بعد اقتلاعها لحكّام الجور فيها، فان الأتراك وان كانوا في سدّة الحكم لا يجوز لهم أن يغفلوا عن تحدّ قائم ولغم دائم في أحضانهم يستدعي رؤية ومعالجة ثقافية حقيقية تنقل النصف المشوّه من شعوبهم الى الجادة السوية .

ومن اللازم ذكره أن أي مشروع نهضوي يأسر نفسه في بعده العرقي والقطري سيفشل لا محالة، أو سيبقى محدودا ومربكا لا تنتهي آلامه ولا تنتفي عثراته، الأمر الذي يستدعي أن ينتبه الترك الى كلمة السرّ الحاضرة بينهم حيث نخب وقامات العرب والمسلمين الذين اختصّهم الله –دون سواهم- بنقل الهداية للعالمين، وهم اليوم جزء من الحاضنة التركية .

فهل يدرك الأتراك أن التحدّي الأكبر لن ينتهي بفوز الطيب أردوغان، بل سيبدأ تعاظمه حيث سيعيد الغرب ترتيب صفوفه بأدوات جديدة مستخدما نصف شعبهم المغيّب والمصاب بداء العرقيّة المنتنة والعليل بطوائفه البغيضة؟ وهل سينجح أردوغان -كما نجح في أمور كثيرة- بكسب كنز يحيط به وكلمة سرّ حاضرة أمامه لتكون شريكة معه في هدم الباطل وبناء الحق في تجربة صعبة وثقيلة وقلعة إسلامية باتت هي الناجية والأخيرة ؟

يقول سبحانه وتعالى

{وَالَّذِينَ كَفَرُوا بَعْضُهُمْ أَوْلِيَاءُ بَعْضٍ ۚ إِلَّا تَفْعَلُوهُ تَكُن فِتْنَةٌ فِي الْأَرْضِ وَفَسَادٌ كَبِيرٌ}

الآية 73 سورة الأنفال.

مضر أبو الهيجاء

جنين / فلسطين

بتاريخ 22-5-2023

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق