الجمعة، 4 يوليو 2025

 

عملية 7 أكتوبر 2023 وعملية 12يونيو 2025!

الخوف من التفكير والكلام

  مضر أبو الهيجاء


من المؤسف القول إن كثيرا من العقول تقوم بنفسها -وبشكل تلقائي- بتحجيم نظرها وتقييد تدبرها، وذلك نتيجة ضغط الواقع الجماعي والاجتماعي، ونتيجة للعاطفة التي تبحث عن الفرح وتحقيق الآمال، وتميل لاستبعاد الحقائق مستمتعة بالأوهام، ونتيجة للارتباطات التنظيمية والمرجعية!

الرواية الحقيقية والكاملة لعملية 7 أكتوبر!

منذ لحظة انطلاق المعارك مع عملية 7 أكتوبر 2023 كتبت في عشرات المقالات عبارة (حتى تظهر الرواية الحقيقية والكاملة لعملية 7 أكتوبر ومعركة طوفان الأقصى)!

وقد رد عليها بعض الكرام في الحركة وصدروا وثيقة منشورة باللغة العربية والانجليزية تحت عنوان: روايتنا الكاملة لعملية 7 أكتوبر ومعركة طوفان الأقصى!

وقد اضطرني هذا التفاعل المنقوص الذي لم يلتقط المعنى المقصود إلى تدعيم الفكرة بعبارة مكررة هي (حتى يتبين الخيط الرفيع الموصول بين أمريكا وإيران مرورا بإسرائيل)!

لم أكن أقصد بالرواية الحقيقية لعملية 7 أكتوبر ومعركة الطوفان هو ما يعرفه المجاهدون الكرام وبصدق رووه، وإنما هو ما لا يعلمه الاخوة الكرام وستكشفه أطراف إقليمية ودولية أخرى عندما تتوسع الدائرة وتتدحرج الكرة في الملعب الإقليمي والدولي.

الخيط الرفيع!
إن اغتيال الشهيد إسماعيل هنية ومن قبله الشيخ الشهيد صالح العاروري واقعتان تلامسان الخيط الرفيع الواصل بين أمريكا وإيران وإسرائيل، وهو ما جعلني أرفض فكرة الرواية الإيرانية باكتشاف عميل إيراني من الحرس خلف عملية الاغتيال، معتبرا مقصود تلك الرواية تبرئة إيران، ومصرا على أن الخلل في إيران بنيوي يتصل بالمنظومة والنظام القائم -منذ زمن الخميني المجحوم-، الأمر الذي عززته أشكال الضربات الإسرائيلية الابتدائية من داخل إيران.

مسرحي غزة وطهران.. وكاهن واحد!

وبكلمة يمكن القول إن الذي رسم الفخ في 7 أكتوبر وقاد إليه المجاهدين في غزة من غير علم ولا وعي، هو نفسه الذي قاد إسرائيل المنفذة والحقيرة لضرب إيران في 12 يونيو عن وعي، وكما شكلت 7 أكتوبر مفاجأة لكثيرين فإن 12 يونيو فاجأت الإيرانيين بنوع العملية من داخل إيران، وتوقيت الضربة حيث كان الكاهن الأمريكي يتحدث بصوت مرتفع عن تفاهمات في الملف النووي!

وإذا كنت أقول منذ البداية إن غزة نافذة أمريكا لإعادة ترتيب أوضاع المنطقة إقليميا، فيمكنني القول اليوم إن طهران نافذة أمريكا لإعادة هندسة الأوضاع الدولية، من خلال تهيئة المسرح الإقليمي والدولي قبل حضور التنين الصيني.

وفي خطوة نظر للوراء لابد من التوقف مليا أمام الحكومة العالمية التي استحضرت رجلا هشا مختلا يمشي عكس الطريق ويغرد فجأة منفردا بشكل منفصل عن الواقع.. هو بايدن!

إن النتيجة الطبيعية والتلقائية لوضع رجل أهبل -مهسهس- فاقد للسيطرة على نفسه على رأس الولايات المتحدة الأمريكية حاكمة الدنيا، هي صعود اليمين الأمريكي وتربعه على عرش أمريكا، والذي شكل صعود ترامب فيه بأعلى نسبة أصوات في أمريكا، بداية لمسار سيحسم خيارات ويقوم بخطوات عالمية كثيرة، حتى في داخل أمريكا ومنظومتها ونظامها، والذي سينتهي للفشل والدمار ككل المستكبرين الذين شهدهم تاريخ البشرية وفق سنن الله الغلابة.

مفعول به مجرور وعلامة جره الضمة!
أما من يعتقدون ويفسرون المعارك القائمة على أن نتنياهو فعلها ليجر أمريكا للحرب، أو أنه ماض في حروب محلية واقليمية ودولية هروبا من المثول أمام القضاء الإسرائيلي فهؤلاء ليسوا بعيدين عن نموذج بايدن الذي أصابه المس في عقله.

حري بالمسلم فردا وجماعة أن يرتقي بفكره ونظره وتدبره وبحثه عن الحقائق ووعيه للوقائع، لكي يخرج من حالة المفعول به التي ارتضاها لنفسه بسبب تقدم عواطفه على عقله، وبسبب فصله النكد بين وجوب الإيمان بعالم الغيب ووجوب النظر بحقائق عالم الشهادة، لاسيما ونزيف غزة المؤلم ينذر بتوسع مجنون سيطال كل المشاهدين والمتعاطفين، ولا يلدغ مؤمن من جحر مرتين، فمتى سنعيد ترميم إيماننا المنقوص بوعي متقدم ونظر راشد؟

الجواب:

حتى اللحظة لا توجد مراجعة ومواقف جماعية جريئة وواعية، ولعل قطيع الحمقى والمغفلين الطيبين من العرب والمسلمين الذين أعادت نظمهم أمريكا خلف إيران يشير إلى حقيقة مرة مفادها، إن أمريكا حتى اللحظة تمتطي الجحش الشيعي تارة، وتمتطي البغل السني تارة! وهذا لا يليق بأتباع محمد صلى الله عليه وسلم وأبناء مدرسة أبي بكر وعمر وعثمان وعلي وابن الوليد خالد، فمتى ستنتظم المراجعة الجماعية وتصدر المواقف الفاعلة لتخرج الأمة وحركاتها وشعوبها من دائرة المفعول به سواء أكان منصوبا أم مجرورا؟

اللهم إياك نعبد وبك نستعين، فأعنا يا ربنا وأرنا الحق حقا وارزقنا إتباعه، وأرنا الباطل باطلا وارزقنا اجتنابه.

مضر أبو الهيجاء جنين-فلسطين 22/6/2025



‏أحاديث نبوية في حرب الكيان وإيران!!

  ‏أحاديث نبوية في حرب الكيان وإيران!!

دأب الكثير من الناس على إسقاط الأحاديث النبوية

 الخاصة بالفتن والملاحم وأشراط الساعة على

حوادث الواقع المعاصر، لكن تاهت البوصلة


وقد تناولت هذه الإشكالية بسلسلة مقالات في جريدة

 الراي الكويتية عندما نشطت داعش في توظيف

 الأحاديث الإخبارية بما يوافق تصوراتها!

وقد تم استدعاء النصوص الحديثية في الحرب بين

 الكيان الصهيوني الغاصب وبين إيران وكان آخر ما

 تم تداوله حديث الاستبدال

وقد تناوله الشيخ أحمد السيد

بالنقد والتحليل لحديث الاستبدال بإجابة مفصلة من

 جهة سنده وفقهه وانتهى بالحكم بضعفه، ووصلتني

 رسالة من زميل يورد ثلاثة وجوه يتقوى بها الحديث

فأحلتها إلى د.صهيب السقار المشتغل بعلم الحديث

 وصاحب سلسلة دروس شرح الموطأ للمزيد من

 الإثراء،

فكان هذا جوابه👇

قرأت التعليق الذي أرسلتموه. وهو تعليق لأحد

 الأفاضل يصحح الخبر الذي أثار الجدل في تنزيله

 على الواقع بين الكيان وإيران

وقد ذكر الأخ ثلاثة أسباب يترجح بها التصحيح في

 رأيه

أولها: القرائن.

ثانيهما: تصديق الواقع له.

وثالثها: أنه أثر في الملاحم وليس حديثاً في التشريع.

ولكن هذه الأسباب الثلاثة لا تقتضي التصحيح في علم

 مصطلح الحديث ونقده.

أولا:

أما القرائن وهي (الشواهد والمتابعات التي توافق هذا

 الخبر) فلا تصلح للتصحيح. بدليل أن المتقدمين وقفوا

 على هذه الروايات ولم يجعلوها قرائن تدل على

 التصحيح. بل نصوا على ضعف هذه القرائن وعدم

 تقويتها للخبر. وإنما فعل ذلك الشيخ الألباني رحمه

 الله. وقد انتقده فريق من المؤيدين له والمخالفين

 بتوسعه في التصحيح بالشواهد والمتابعات التي وقف

 عليها المتقدمون ولم يقيموا لها وزنا يصحح الأخبار

 المنكرة.

ومنها هذا الخبر الذي نص الإمام البخاري على شدة

 ضعف راويه وهو الزنجي فقال: (منكر الحديث).

 وقال الترمذي في متنه وإسناده (هَذَا حَدِيثٌ غَرِيبٌ،

 فِي إِسْنَادِهِ مَقَالٌ)

ولا يخفي أن حكم البخاري بنكارة الراوي وحكم

 الترمذي بنكارة المتن لا ترفعها القرائن الواهية

ثانياً:

– وأما السبب الثاني وهو تصديق الواقع فهو قاصر لا

 يفيد التصحيح.

فمحل الشاهد الذي وقع عليه الاستدلال هنا هو استبدال

 الفرس بمن تولى. وهم العرب أو أهل السنة.

والواقع لا يصدق اتهام العرب وأهل السنة بالتولي! بل

 الواقع يكذبه بثبات ورباط لم يسبق له مثيل في

 التاريخ. وهو ثبات النخبة التي اصطفاها الله من

 العرب في غزة لا يضرها من خذلها ولو تكالب

 عليها العالم.

والتولي إنما يتحقق الاتهام به في حق من واجه العدو

 والزحف فولاهم دبره.

ولا يخفي أن كثيرا من العرب محبوسين ممنوعين من

 الزحف. بل منعوا من الوصول بالغذاء لإغاثة

 المستضعفين المحاصرين. ومنعوا من مجرد التظاهر

 السلمي في بلدانهم.

فلا يتحقق فيهم الاتهام بالتولي. ولا يتحقق في غيرهم

 ممن حبسهم العذر ولم يتمكنوا من مواجهة العدو.

فقد شهد النبي لأمثالهم بالبراءة من التولي بل شهد لهم

 بالمشاركة في الغزو مع بقائهم في بيوتهم.

كما روى الإمام أحمد بسند صحيح أنه لما رجع من

 غزوة تبوك قال ” إن بالمدينة لقوماً ما سرتم مسيرا،

 ولا قطعتم واديا، إلا كانوا معكم فيه ” قالوا: يا رسول

 الله، وهم بالمدينة؟ قال: ” وهم بالمدينة حبسهم العذر)

 فنسأل الله أن يجعلنا وعموم المسلمين المؤيدين لغزة

 مع الأخ الفاضل من المحبوسين بالعذر.

اللهم لا تحرمنا أجر المرابطين نيابة عنا في مسرى

 نبينا عليه الصلاة والسلام. اللهم لا تفتنا بعدهم.

 وعجل لنا ولهم بالفتح والنصر والتحرير.

ثالثاً:

وأما السبب الثالث: وهو كون الخبر من الملاحم فهذا

 لا يقتضي التصحيح عند أحد من المتقدمين أو

 المتأخرين.

نعم ربما يقتضي التساهل في قبوله أو الاستشهاد به

 مع ضعفه. كما نص النقاد على ذلك في فضائل

 الأعمال ونحوها. لكن أحدا منهم لم يزعم أن هذا

 الاستشهاد يرتقي بالخبر الضعيف ويرفعه إلى

 الصحة.

وهنا ربما يقول الأخ الفاضل:

نعم لم أقصد تصحيح إسناده بل قصدت القبول

 وتصحيح الاحتجاج به.

فالجواب: أن هذا القبول وتنزيل مضمونه على واقعنا

 أعظم من كونه خبرا في الملاحم أو التشريع.

لأنه شهادة آثمة على عموم العرب بأقسى الأحكام

 وهو التولي. وفي المقابل هو شهادة عظيمة بالثناء

 على من لا يستحقها من حكام إيران.

ولا نطيل في ذكر الجرائم والبدع التي تنافي هذا الثناء

 الرباني عليهم.

ويغني عن ذلك أن عُمُر المواجهة الحقيقة بين إيران

 والكيان لا تزال تُحسب بالأيام. والتولي والاستبدال

 والثبات والرباط لا يُحسب بالأيام ولا بالشهور.

‏أخيرا:

إذا كان الأخ الفاضل يفتش عن خبر تتحقق فيه أسباب

 التصحيح الثلاثة التي تفضل بها فهناك خبر أولى من

 هذا الخبر بمثل هذا التصحيح

وهو ما رواه الإمام أحمد في مسنده من حديث أبي

 أمامة قال قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: 

” لا تزال طائفة من أمتي على الدين ظاهرين لعدوهم

 قاهرين لا يضرهم من خالفهم إلا ما أصابهم من

 لأواء حتى يأتيهم أمر الله وهم كذلك “. 

قالوا: يا رسول الله وأين هم؟ قال: ” ببيت المقدس

 وأكناف بيت المقدس “

 الرباط في غزة على غرة الملاحم وجبين الأمجاد.

 وهو أولى وأصدق ما تصدقه القرائن والواقع.

 هل ستؤدي الحرب إلى تغييرات استراتيجية في "عقيدة" إيران؟

فراس أبو هلال

مع نهاية العدوان الإسرائيلي على إيران، وتراجع غبار زوبعة النقاشات -غير المجدية- حول النصر والهزيمة، يمكن البحث في الأسئلة الاستراتيجية حول هذه الحرب، وكيف يمكن أن تغير "عقيدة" الطرفين المتصارعين السياسية والاستراتيجية والعسكرية.

سيتناول هذا المقال عقيدة إيران السياسية، التي بدأت بالتشكل بعد الثورة الإسلامية ونضجت خلال العقود التي تلتها، خصوصا بعد منتصف التسعينات، وكيف يمكن أن تتأثر بمسار ونتيجة الحرب الأخيرة.

مواجهة إسرائيل عبر الوكلاء/ الحلفاء

أظهرت إيران عداءها لدولة الاحتلال والولايات المتحدة مباشرة بعد انتصار الثورة الإسلامية، وعبرت عن ذلك عبر الشعارات من جهة، وعبر السياسات، وعبر الدبلوماسية من خلال إحلال منظمة التحرير بديلا للاحتلال في سفارته في طهران.

ولكن الجمهورية الوليدة، كانت تدرك أنها غير قادرة على قتال دولة الاحتلال مباشرة، رغم الشعارات الكبيرة التي كانت ترفعها، ولذلك اعتمدت استراتيجية تقوم على مواجهة "إسرائيل" عبر تشكيل تحالفات وأحيانا وكلاء.

هذه المعادلة مربحة لإيران، فهي تمتلك لاعبين غير دولتيين لمناوشة "إسرائيل" والتأثير في الدول العربية، دون أن تدخل مواجهة مباشرة لا مع الدول العربية ولا مع "إسرائيل". ظلت هذه المعادة هي التي تحكم سلوك إيران، حتى عندما ظهر للجميع بعد عملية 7 أكتوبر أن "دولة الاحتلال" لم تعد هي نفسها قبل 7 أكتوبر، وبالتالي فإن المقاربة الإيرانية التقليدية في التعامل معها هي أيضا لم تعد تصلح


أقامت إيران علاقات استراتيجية مع نظام حافظ الأسد منذ انتصار الثورة الإسلامية، وتابعت واستثمرت في هذه العلاقة مع نظام بشار الأسد. أسست حزب الله ودعمته، ليصبح المعبِّر الأقوى عن الطائفة الشيعية في لبنان بعد انتصاره في صراعه مع أمل في الثمانينات، كما أصبح الطرف اللبناني الوحيد الذي يمتلك السلاح تقريبا بعد اتفاق الطائف الذي أنهى الحرب الأهلية في لبنان. بعد ظهور حركات المقاومة الفلسطينية ذات الخلفية الإسلامية (حماس والجهاد) وتصاعد قوتها، أقامت إيران علاقات جيدة معها، ودعمتها بالمال والسلاح حسب ما تقره هذه الحركات علنا. وبعد احتلال العراق، أصبح لدى إيران عدة أذرع مسلحة في هذا البلد الذي أصبح ساحة شبه فارغة للنشاط الإيراني. وأخيرا، دعمت طهران جماعة الحوثيين التي استطاعت السيطرة على الجزء الشمالي من اليمن، منذ سنوات.

استطاعت إيران من خلال هذه التحالفات أن تصنع نفوذا عابرا لحدود الدول العربية، ولكنها استخدمت أيضا هذه التحالفات كعنصر قوة يناوش أو يهدد "إسرائيل" ويعطيها في نفس الوقت ورقة ضغط في مفاوضاتها وصراعاتها مع الولايات المتحدة والدول الغربية.

كانت هذه المعادلة مربحة لإيران، فهي تمتلك لاعبين غير دولتيين لمناوشة "إسرائيل" والتأثير في الدول العربية، دون أن تدخل مواجهة مباشرة لا مع الدول العربية ولا مع "إسرائيل". ظلت هذه المعادة هي التي تحكم سلوك إيران، حتى عندما ظهر للجميع بعد عملية 7 أكتوبر أن "دولة الاحتلال" لم تعد هي نفسها قبل 7 أكتوبر، وبالتالي فإن المقاربة الإيرانية التقليدية في التعامل معها هي أيضا لم تعد تصلح. وقد ظهر هذا جليا في العدوان الذي شنته "إسرائيل" على إيران بمشاركة الولايات المتحدة، وهو ما نقل الحرب الفعلية للأراضي الإيرانية بعد أن ظل بعيدا عنها لعقود طويلة (باستثناء بعض الضربات الجراحية).

مع انتهاء الجولة الأخيرة من العدوان الإسرائيلي على إيران، فإن الاستنتاج الاستراتيجي الأول الذي يمكن أن تتوصل له إيران هو أن مواجهة إسرائيل لا يمكن أن تتم فقط عبر الحلفاء أو الوكلاء، وأنها بالتالي يجب أن تكون مستعدة للحرب بنفسها، بما يتطلبه ذلك من أدوات سياسية وعسكرية.

ترتيب البيت الداخلي.. والتوسع المحسوب

أظهرت الحرب الأخيرة حجم الاختراق الهائل لإيران من قبل دولة الاحتلال. من المتوقع أن تبدأ طهران بدراسة أسباب هذا الاختراق، وأن تبدأ بالعمل على تجاوز هذه الأسباب.

ثمة عوامل كثيرة يمكن أن تفسر الاختراق الإسرائيلي بمقابل نجاحات استخبارية محدودة لإيران ضد الاحتلال. أهم هذه العوامل هو ما ذكرناه سابقا من استبعاد إيران للحرب المباشرة مع "إسرائيل"، وهو ما أدى كما يبدو إلى نوع من التراخي، قاد إلى النجاح الاستخباري الكبير لدولة الاحتلال في إيران.

أما العامل الثاني فهو الأوضاع الداخلية في إيران، حيث يشكل وجود عداء لدى بعض فئات أي شعب للدولة أرضية خصبة للاختراق، كما يشكل الفقر والبؤس الاقتصادي والاجتماعي سببا مهما في قدرة العدو على اختراق بعض الفئات.

ومن المحتمل أن توسع إيران في المنطقة بطريقة تفوق قدرتها وإمكانياتها، وخصوصا في الساحة السورية خلال 13 عاما من الصراع هناك، يمكن أن يكون سببا رئيسيا آخر في نجاح دولة الاحتلال في اختراقها، بسبب الانكشاف الكبير الذي يسببه مثل هذا التوسع.

إيران يمكن أن تلجأ لتغيير سياساتها في الداخل، بحيث تصبح الدولة أكثر تمثيلا لجميع فئات الشعب، كما أنها يفترض أن تجعل حل أزماتها الاقتصادية هي الهدف الاستراتيجي الأهم خلال السنوات القادمة، لتقليل نسبة الفقر ورفع سوية التعليم، ومنع تشكل أرضية مناسبة للعمل الاستخباري من قبل أعدائها. وعلى الصعيد الخارجي، فإن التجربة السورية وتجربة الحرب الأخيرة يفترض أن تكون جرس إنذار لطهران


إذا صح هذا التحليل، فإن إيران يمكن أن تلجأ لتغيير سياساتها في الداخل، بحيث تصبح الدولة أكثر تمثيلا لجميع فئات الشعب، كما أنها يفترض أن تجعل حل أزماتها الاقتصادية هي الهدف الاستراتيجي الأهم خلال السنوات القادمة، لتقليل نسبة الفقر ورفع سوية التعليم، ومنع تشكل أرضية مناسبة للعمل الاستخباري من قبل أعدائها. وعلى الصعيد الخارجي، فإن التجربة السورية وتجربة الحرب الأخيرة يفترض أن تكون جرس إنذار لطهران، للتوقف عن التوسع غير المحسوب في المنطقة العربية، والذي كلفها الكثير من علاقاتها وصورتها لدى الشعوب العربية واقتصادها ومقدراتها العسكرية، وزاد من انكشاف قدراتها أمام العمل الاستخباري لدولة الاحتلال.

"عقيدة" التحالفات والدفاع

أظهرت الحرب الأخيرة أن إيران تمتلك برنامجا صاروخيا متقدما نسبيا ومنظومة من الطائرات المسيرة المؤثرة، ولكنها في نفس الوقت تفتقر للدفاعات الجوية المناسبة لمواجهة عدوان "إسرائيل" فضلا عن الولايات المتحدة، كما أنها كما يبدو تفتقر للطائرات الحربية المقاتلة التي يمكن أن تصنع توازنا استراتيجيا مقابل قوة دولة الاحتلال الجوية.

ترتبط عقيدة الدفاع والسلاح الجوي لإيران ارتباطا عضويا بالتحالف الخارجي الرئيسي لها، والمقصود به مع روسيا. وإذا أرادت إيران أن تغير المعادلة الجوية المختلة أمام "إسرائيل"، فليس أمامها سوى تعديل عقيدة التحالفات والدفاع من خلال توثيق العلاقات السياسية والدفاعية مع الصين، التي باتت تنافس الغرب في مجال التصنيع العسكري والأمني وقطاع الحرب السيبرانية. كما أنها يمكن أن تتخلى عن تحفظاتها السياسية وتعمل على تمتين العلاقة مع تركيا والباكستان، اللتين تمتلكان برنامجا دفاعيا يمكن أن يساهم في توسيع منظومة الدفاع الإيرانية.

لا يمكن لدولة في صراع مستمر مع الغرب أن تعتمد فقط على حليف واحد، لأن هذه المعادلة هي وصفة حتمية للفشل.

الخلاصة، إذا أرادت إيران أن تستمر بعقيدتها الحالية للسياسة الخارجية والتي تقوم على الصراع مع الاحتلال الإسرائيلي ومن خلفه الولايات المتحدة، فإنها يجب أن تغير من استراتيجيتها تجاه الاعتماد فقط على الحلفاء غير الدولتيين في الحرب والاستعداد للمواجهة المباشرة، وأن تعيد ترتيب بيتها الداخلي وتحسن علاقاتها مع الجوار العربي وتتوقف عن التوسع غير المحسوب في هذا الجوار، وأن تعيد النظر في عقيدة الدفاع وخارطة التحالفات.

x.com/ferasabuhelal