الأربعاء، 2 يوليو 2025

مواجهة 77 عاماً مع 47 عاماً وأمة مفككة! د. محمد المقاطع

مواجهة 77 عاماً مع 47 عاماً وأمة مفككة! 

د. محمد المقاطع  

يجب أن يتوقف العرب والمسلمون مليّاً أمام القوتين الإقليميتين الطارئتين في منطقتنا العربية، ففي فترة زمنية محدودة إذا قيسَت بعُمر دولنا العربية والإسلامية المديدة، نرى تنامياً غير عادي للقوتين. فالكيان الصهيوني مضى على اغتصابه لفلسطين 77 عاماً، تمكّن خلالها من أن يبني قوة سياسية وعسكرية لا تخفى إمكاناتها، رغم اعتماده على الدعم الواسع من أميركا تحديداً، ومن الغرب بصورة عامة. 

وإيران منذ بدء نظام الثورة الإسلامية، التي ظفرت بالسلطة فيها منذ عام 1978، تمكنت أيضاً من أن تبني نفسها كقوة رئيسية مؤثرة في المنطقة، وهو ما كشفته حرب الـ 12 يوماً الأخيرة. 

وكلتا القوتين ما كانت لتبلغ هذا المستوى من القوة السياسية والعسكرية لولا الدعم والتحالف والتسامح المستمر من أميركا وأوروبا معهما، وهو ما أكده العديد من الأحداث والوقائع، بما فيها وقف إطلاق النار بينهما في الحرب الأخيرة، ولا يخفى أيضاً دفاع أميركا وأوروبا عن الكيان الصهيوني، مما أعطاه هالة غير حقيقية لقدراته. 

المشهد السياسي والعسكري في ضوء القوة والنفوذ الذي تملكه كلتا القوتين يجب أن يكون ضمن تتبُّع ودراسة من دولنا العربية والإسلامية، ولعل حرب الـ 12 يوماً الأخيرة بين القوتين قد أعادت توازناً إقليمياً ضرورياً وردعاً متبادلاً فعّالاً ومدركاً، ليس فقط بين القوتين بعضهما البعض، بل لكل القوى الفاعلة بالمنطقة، والتي أضحت تملك قوة وقدراتٍ للتوازن والردع لم يكن متيسراً التحقق منهما لولا ما كشفته الحرب الأخيرة بين القوتين. 

فقد كشفت الحرب أن كلتا القوتين سهلة الاختراق ولا يصعب ردعها، بل وتدميرها إن أخطأت في حساباتها وارتكبت أي حماقات أو اعتداءات من شأنها أن تولّد ردة الفعل الدفاعية، بل والهجومية الرادعة، والتي تحقق التوازن الردعي المطلوب. 

فالكيان الصهيوني صار مدركاً أن دفاعاته وقدراته الجوية باتت محدودة، ويمكن اختراقها وتحطيمها ونزع فاعليتها، ومن السهولة استنزافها، وهو ما كشفته هجمات إيران الصاروخية. 

وإيران، التي توسعت إقليمياً بوجودها القوي في 4 دول عربية، العراق ولبنان وسورية واليمن، تم وضعها في خانة القوى الإقليمية الضاربة، هو استنتاج خاطئ، وهو ما كشفته وأكدته عملية تحرير سورية، ثم إضعاف «حزب الله» اللبناني والحوثيين أمام ناظريها، دون قدرتها على الذود عنهما، بل هو ما أكدته الحرب الأخيرة التي كشفت إمكانية تحطيم وتدمير قوة إيران العسكرية متى ما ارتكبت أيّ حماقة عسكرية متهورة، إذا تمّت مواجهتها من قوة إقليمية قوية عسكرياً ومستقرة سياسياً ومتماسكة شعبياً. 

وفي هذا السياق، فإن قدرة الردع العربية وقوتها إقليمياً تتوافر لكل من مصر والسعودية والأردن، بل وسورية، وكذلك من منظومة مجلس التعاون الخليجي، فما بالكم إن اجتمعوا ووحّدوا جهدهم، وكان تحرُّكهم كرجل واحد؟! 

تلك القدرة كانت في توجس وتردُّد وربما تخوّف من القوتين الإقليميتين، وهي حال تتوافق مع السبات العميق الذي كانت به الدول العربية في المنطقة، فضلاً عن تراجع عقيدتها العسكرية، أو قل انكفاؤها وفقدانها للثقة اللازمة. 

و«رُبّ ضارة نافعة»، كما يقول المثل العربي، فحرب الـ 12 يوماً غيّرت معادلة وقوى الردع في المنطقة، فهي كشفت حقيقة وَهَن قدرات وإمكانية القوتين، والتي انتهى في ثناياها أنهما قوى لا تُهزم، وتملك قدرة فائقة للتفوق والردع، وتخويف القوى الإقليمية الأخرى بالمنطقة، فعمر كل منهما قصير ما بين 47 و77 عاماً، لكن كان حرصهما على بناء قدراتهما العسكرية وتعظيم تحالفاتهما السياسية وتسهيلاته سبباً منحهما الظهور بنمط القوى الإقليمية المهيمنة، وها هما أوهن مما نتوقع، ومن هنا ينبغي أن يكون ذلك أساساً للتعامل معهما مستقبلاً على نحو متوازن ورادع من جانب القوى الإقليمية العربية الفاعلة لفرض إرادتها السياسية في شأن غزة وفلسطين من جهة، وبالمعاملة الحازمة معهما من جهة أخرى. 

وينبغي ألّا يغيب عن بال دولنا العربية أن تركيا تعتبر عمقاً استراتيجياً لها بالمنطقة، وما ستكون عليه أحوال منطقتنا خلال 10 سنوات، التي ستشهد عالماً متعدد الأقطاب.



ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق