الجمعة، 28 ديسمبر 2018

سردية الربيع العربي.. كل مرّة

سردية الربيع العربي.. كل مرّة

عبد الله العودة

باختصار كانت سردية "الربيع العربي" تربط بين الاستبداد والاحتلال. تربط بين التحرر والاستقلال من المستعمِر، وبين التحرر والاستقلال من المستبد أيضاً.

حينما افتتح البوعزيزي مشهد هذا العقد الميلادي، فتفجّرت منه عيون الربيع العربي، كان العقد السابق له، عقدٌ قدّم سردية مختلفة جداً.
لخّص هذه المقارنة الكاتب السعودي عبد العزيز الخضر حينما قال مرّة بأن: "سردية محمد البوعزيزي غلبت سردية محمد عطا". وكان بين المحمدين عقدٌ بالتمام والكمال.
محمد عطا كان أحد أهم شخصيات عملية الحادي عشر من سبتمبر/أيلول الإرهابية في نيويورك، وكانت ترمز لسردية الصراع الأبدي ومركزية العنف، وافتتحت العقد الأول من القرن العشرين وسيطرت على القصص المختلفة والجدل العام في العقد كله.
العودة للأمة وأولوية المشاركة السياسية والاستماع أخيراً للشعوب كانت قيم الربيع العربي.
عبد الله العودة
في المقابل، وبعد عقدٍ كامل كانت سردية الربيع العربي مختلفة تماماً: سردية تربط بين الاستبداد والاحتلال، تربط بين التحرر والاستقلال من المستعمِر وبين التحرر والاستقلال من المستبد، ذلك الارتباط القديم الذي قال عنه أحدهم يوماً: "لقد رحل المستعمِر الأحمر، وبقي لدينا المستعمر الأسمر"، فكانت سردية الربيع العربي هي أخيراً مناقشة مصدر لبلاء العربي المبين المتمثّل في هذا المستعمر الأسمر الجاثم على رقاب الأمة العربية والإسلامية؛ المتمثّل في الطغمة الفاسدة المستولية على صناعة القرار والمحتكرة للعمل السياسي والديني والثقافي والاجتماعي.
العودة للأمة، وأولوية المشاركة السياسية والاستماع أخيراً للشعوب.. كانت قيم الربيع العربي.
سردية الربيع العربي الفريدة لم تكن هندسة "انقلابات عسكرية" بل ضغط شعبي عارم، وفوران شعبي في لحظة فارقة. يضغط على كافة القوى الاجتماعية والسياسية والمؤسسات للانحياز للشعوب، وتقديم الحفاظ على الشعوب وخياراتهم. مقابل تلك المجازر والحروب الأهلية والإرهاب الرسمي الذي يصنعه المستبد كل مرة ليبرر وجوده، ولكي يضع الناس والعالم أمام خيار الجحيم، أو القبول به كفرد مستبد.
المهم أن السردية التي قدمها الربيع العربي لم تكن بالحسبان، لم تكن احتلالاً ولا انقلاباً عسكرياً، بل انحياز قوى وطنية في لحظات ضغط شعبي عارمة لخيارات الشعوب ورفض الانخراط في جرائم الاستبداد ومجازره الوحشية في قتل أبناء شعبه وعمومته.
فكرة الانشقاق التي قدمها الربيع العربي مثلاً كانت صادمة للاستبداد ومفاجئة له، لأنها تعني أن المؤسسات المختلفة والأفراد المختلفين على رأس المؤسسات المختلفة بدؤوا بالانحياز للخيارات الشعبية العامة، ورفض الانخراط في مهاجمة الشعب وقواه. وبالتالي، يتحلّل الاستبداد ويتفسّخ من داخله ليتيح للقوى الشعبية ترشيح الأسماء المنحازة لها كخيارات وطنية شعبية مخلصة لم تتلطخ أيديها بالدماء، فشمس الحرية والضغط الشعبي تذيب تمثال الجليد لهؤلاء المستبدين والطغاة والجبابرة.
السردية التي قدمها الربيع العربي لم تكن احتلالاً ولا انقلاباً عسكرياً بل انحياز قوى وطنية في لحظات ضغط شعبي عارمة لخيارات الشعوب.
عبد الله العودة
وهذه بالضبط كانت سردية الربيع العربي. أما لماذا كلّ مرّة؟ قال أحد مؤرخي الثورات مرّة بأن الانتفاضات الشعبية التي تفور، كانت تبدو مستحيلة حتى إذا وقعت بدت للكل حتمية لا مفر منها!
انسداد الأفق السياسي، وإغلاق كافة أشكال العمل السياسي والاجتماعي والثقافي والديني التي كانت تعمل بشكل طبيعي، يعني تهيئة شرط مهم لأهم شروط الاهتزازات المخيفة على أسوأ الأحوال، أو الانتفاضات الشعبية الضاغطة نحو التحول للحكم الشوروي في أحسنها.
لذلك، كانت سردية الربيع العربي، ليست مجرّد تاريخ أو سنوات محددة، بل حالة ونتيجة مرتبطة بظروف موضوعية وظروف اجتماعية وسياسية ودينية شكّلت في النهاية موجة شعبية جديدة في العالم، هذه الموجة رغم انتكاساتها لا تزال تحاول استعادة أنفاسها وتحدّي القمع المضاد، والعدة والعتاد، لقوى الاستبداد.
حينما تحدث صاموئيل هنتنقتون عن الحركة الديمقراطية في العالم، كان من أهم ما قدّمه قصة "الموجات الديمقراطية" في العالم، حيث قسّم التحولات الديمقراطية في العالم إلى ثلاث مراحل سابقة، الأولى منها في القرن التاسع عشر، والموجة الثانية كانت بعد الحرب العالمية الثانية، بينما الموجة الثالثة هي في الثمانينيات الميلادية التي تحولت فيها العديد من دول أميركا اللاتينية ودول أخرى نحو الديمقراطية.
يمكن أن يشكل الربيع العربي الموجة الرابعة للديمقراطية مع عدم وضوح تحولات هذه الموجة وانتكاساتها اللحظية.
عبد الله العودة
لذلك، يعتقد بعض المتابعين والباحثين أن الربيع العربي يمكن أن يشكّل الموجة الرابعة للديمقراطية، مع عدم وضوح في بعض البلدان التي اجتاحتها تغيرات الربيع العربي، وعدم وضوح تحولات هذه الموجة وانتكاساتها اللحظية، ومشاريع استعادتها المستقبلية.
في الموجة الثالثة، كانت المؤسسات الدينية والكنائس والاجتماعات الدينية في دول أميركا اللاتينية ودول أوروبا الشرقية مجالاً مهماً لصناعة تجمُّع مدني بديل عن كافة أشكال الاجتماع المدني المحظورة في تلك البلدان، ومن كل تلك الاجتماعات تَشكّلت بواكير الاحتجاج والرفض، والثورة التي ألهمت الشعوب وحررتها ضد القمع والاستبداد والظلم والعسف.
وفي تلك الظروف وقبلها تَشكّل -مثلاً- "لاهوت التحرير" في البرازيل وغيرها في صياغة فكر ديني مسيحي حر يرفض الاستخذاء ويرفض الخطاب الكنسي (الجامي) الذي يطوّع الناس لخدمة الفرد ويعارض حكم الممثلين والشعب، وبالتالي كان الخطاب الكنسي التقليدي آنذاك قبل لاهوت التحرير خطاباً يطوِّع المجتمع تحت تسلُّط الدولة وعسفها، فكان لاهوت التحرير مجهَّزاً بشكل ديني ولاهوتي وبالمنطق المسيحي التقليدي نفسه لمحاربة الاستعباد والظلم؛ لذلك، يَعتبر نفسه "تحريراً".
وبنفس منطق الاستبداد وبنفس طرائقه التقليدية في التبرير، يكون منطق الاحتجاج والتحدي الشعبي وإنقاذ الخطاب الديني نحو التحرير. باختصار، كانت تلك سردية الربيع العربي. ونعم، هي كل مرّة كذلك.
جميع المقالات المنشورة تعبر عن رأي كتّابها ولا تعبر بالضرورة عن TRT عربي.
المصدر: TRT عربي

الخميس، 27 ديسمبر 2018

الصورة تتكلم

الصورة تتكلم



الأربعاء، 26 ديسمبر 2018

اليمن والمستقبل.. هل من أمل؟

اليمن والمستقبل.. هل من أمل؟

مهنا الحبيل
لو افترضنا أن مجموعة من شباب اليمن الذين استقلوا عن أيديولوجياتهم، أو وُلد مستقلا فكرُهم الوطني وإيمانهم بتاريخ اليمن العظيم، وأساسه الحضاري منذ الزمن القديم، حيث إنسان اليمن قبل سد مأرب، وبمأرزه العربي وعقله الذي استقبل الرسالة الإسلامية، كان موسوعة وحكمة، لم تُسقطها عهود الاستبداد القديم ولا الجديد.
تنادوا بعد مفاوضات السويد أخيراً، وانتهى المبعوث الأممي إلى إعلان مصالحة، أياً كانت حساباتها، فطرحت المجموعة الشبابية أفقها لأجل اليمن، واليمن وحسب، وبالطبع اليمن الحر بإنسانه وكرامته، المتطلع لنهضته، والتي أول معركة فيها هي معركة الاستقلال من كل من يتدخل في قوتِه، أو يملك الضغط عليه ليوقف تنمية الإنسان والعمران، وأولهم قطبا التدخل السعودي الإماراتي وإيران.
كيف ستطرح هذه المجموعة فكرها، وكيف ستبدأ عاصفتها الذهنية، قبل وضع خطة عمل واقعية، تُمرحل فيها خطة الإنقاذ لليمن؟ مهمة صعبة، ولكن المشكلة الأكبر من صعوبة هذه المهمة وتعقيدها أن تكون فكرة الإنقاذ الموحد على الصعيد اليمني غائبة، وهنا إشكالية ستبرز لنا، في أن المحتل نفوذاً أو وجوداً، حينما كان أجنبياً ينتمي لمرحلة الاستعمار الأنغلوساكسون، كان من السهل تحشيد الفكرة الوطنية حوله للاستقلال. فيما اختلف الأمر حين صار المحتل، مع الفارق، حليفاً عربياً مزعوماً، أو مستبداً في صورة الحكم الإمامي الذي ينطلق من قداسة السلالة، وشرعية سيادتها على الإنسان، لا الأوطان وحسب، على الرغم من أن سيد ولد عدنان، صلى الله عليه وسلم، كان في زمرة المساكين وفي صفوفهم، فبعث رسالة الهداية التي أساسها العدالة الاجتماعية، لا وراثة الأمة كجزء من تركة يقتسمها بنو أمية أو آل البيت الشريف.  

 ولذلك بلَغ عمر بن عبد العزيز، في رسالة عدله، ما لم يبلغه بنو العبا
س، في دعوى الحكم باسم العصبة الشريفة، ولا بنو أمية بكل تاريخهم، ولا الحكم الذي آل إلى آل البيت في فترات مختلفة من التاريخ، وظل الاستبداد قائما، باسم هذه الوراثيات، باستثناءٍ قليل، كعهد الحسن بن علي ومعاوية بن يزيد، الأكثر بروزاً بالعدل والرحمة بالأمة، وبقي عمر بن عبد العزيز العلامة الفارقة، لطول عهده بعدهما، وإن استقى من النبراس نفسه الذي ورث من العهد الراشد.
وإن كانت الفتنة قد سبقت عهودهم، منذ الفاروق عمر، وذلك في درس عملي للأمة أن النظام القائم على العدل لن تحميه الخيرية الخاصة، من دون ضبط دستوري وإداري حديث يعزّزها. ولذلك ساد عمر بن عبد العزيز بعدالته، مستفيداً من إرثٍ إداري ليس سهلا، حُوّل في عهده نحو الشفافية والعدل، بعد أن كان في قبضة بني أمية في سياق مستبد.
ليس الاستطراد هنا في هذه النقطة لاستدعاء نموذج يزعم إسلاميته، لمواجهة نفوذ الحوثي وفكرته السلالية على سبيل المثال. وليس القصد هنا بذلك تنحية المدرسة الحوثية ضمن السياق اليمني الديني والاجتماعي، ولكنها إشكالية الاستبداد باستغلالها، والتي يقابلها في جدول التفكير هذه المجموعة الشبابية في اليمن، فكيف تتعامل مع الخليط المتبقي من الشرعية، وكيف يُفرز حظ أبو ظبي وحظ الرياض منها، وحظ حزب التجمع اليمني للإصلاح في بعده الميراثي عبر بيت الأحمر، لا في بعده النضالي الفكري، وحظ حزب المؤتمر الشعبي، داخل الشرعية وخارجها. كيف لهؤلاء الشباب طرح مشروعهم الوطني، وجامعته الإنسانية وأفقه النهضوي، في ظل هذه التركة، ومن قال إن الحرب قد تنتهي بالضرورة بعد هذا الاتفاق؟
إنه أمرٌ لا يمكن الجزم به، ولا ضمان لعدم انفلات حروبٍ صغيرةٍ أخرى، تحرّكها الأطراف الأخرى، لزيادة حصتها في ساحة الخراب اليمني، أو ساحة الاستقرار، بما فيها التغطيات الإعلامية المزدوجة التي قفزت من العداء للحوثي فجأة إلى دعمه!
إنها عملية معقدة، غير أن من المهم أن يُدرك الجميع أن أول كلمة على السطر للإنقاذ هو إيقاف الحرب التي لولا خسائر التحالف الاماراتي السعودي فيها، لكان اليمن مقاطعات نفوذٍ له تحميها قبائل مصالح، تفتت المُفتت وتُجزئ المُجزأ. ولو تمكن الحوثي بالمطلق، لتحول اليمن إلى حضرةٍ لا حدود لها للخرافة، والتطرّف الغيبي الأحمق ضد كل يمني وكرامته، لو استقر الحكم بنموذجه الطائفي الإيراني، وهو المشروع الذي رصدناه ربع قرن، ليس عبر نزوات النظام الخليجي الذي ساهمت أضلاعه في تمكّنه، بجملة من المشاريع، أبرزها حربهم على الربيع العربي ومآلاتها، واختراقهم الموسمي القديم صفوفا وقوالب من الإسلاميين، فقُطع الطريق على الإحياء الإسلامي، وحُوّلت المعركة إلى صراعات مذهبية، خسر فيها حلم النهضة. 

إنها معضلة كبيرة أمام حركة الشباب اليمني، المؤمنين بالنهضة والاستقلال والكرامة الفردية. ولكن في تاريخ الأمم والدول الناهضة، هناك خريطة توضع لدحرجة الأوطان من منزلق الصراع المسلح إلى التدافع السياسي الذي يسمح رغماً عنه، أو وفق قاعدة لعبةٍ فرضتها الظروف، فاضطرت أقانيم اللعبة للسماح لها، أو فطنت الحركة التحرّرية لذلك، وباشرت دعوتها المدنية إلى إنسان اليمن، المؤمن بعروبته، وإلى إسلامٍ فوق المذاهب، وأخوّتِه وشراكته مع كل طيف إنساني، للعبور عبر المرحلة إلى الضفة الأخرى لليمن الحر المستقل. ولو راهن الآخرون على اليمن المستعبد المستقطع لعنصرياتهم الحاكمة باسم الطائفة، أو باسم الوصاية الخليجية.
وإننا نركز على الفكرة الفلسفية للنهضة اليمنية الجديدة، ولا نطرح تصوراً سياسياً تنفيذياً، وإن كنتُ منذ سنوات قريباً من قضية أبناء اليمن، كما قرب قلوب أهل الإحساء وتعظيمهم لها، فذلك لأن فكر نهضة اليمن الجديد سيُسبك في سجد مناضليه، ويُسقى من رحيق أفكارهم وخريطة كفاحهم. وقبل أن أختم، أُذكّرهم بأن معركة التأسيس لميدان اجتماعي وطني جامع تحتاج إلى مراحل، ووعي ومصابرة. وأول الخطأ المراهنة على أن الفجر يولد قبل مراحل الفلك، وتبدد الظلمة المتدرج، المجد لليمن والسلام لأرضها.

الثلاثاء، 25 ديسمبر 2018

عاجل: البابا السيسي يبكي

عاجل: البابا السيسي يبكي

وائل قنديل

ارتدى أوباما قبعة بابا نويل، وذهب لتوزيع الهدايا على الأطفال المرضى.. حسنًا، لماذا لا أفعلها هنا، قالها عبد الفتاح السيسي لبطانته، فلمّا كانت المناسبة اليوم العالمي لذوي الاحتياجات الخاصة، جمعوا له أطفالًا وفنانات وفنانين وشيوخ تمثيل وغناء ودعوة، لكي يستعرض، بهم وأمامهم وعليهم، إنسانيته الطاغية، ويتفوق على أوباما.
بالفعل، استحضر السيسي كل طاقاته التمثيلية، وذرف الدموع، المصنوعة بحرفيةٍ عالية، وأتوا بطفلة تصيح "بابا السيسي"، فيرد صاحب القلب الحنون "يا حبيبة قلب بابا السيسي".
يكتمل مشهد بابوية السيسي ببيانٍ مشترك لفنانة عجوز، وأخرى شابة يعلن: حنية السيسي غير مصطنعة.

قبل أن يفجر السيسي ينابيع حنانه في احتفاليةٍ صاخبةٍ في ابتذالها، كان قد ألقى القبض على أسرة كاملة، وأخفاها من مطار القاهرة، وهي في طريقها إلى العمرة، وكان الطفل الصغير، ابن النائب المختطف لدي السلطة، مصطفى النجار، يصرخ: أريد أبي، وكان الصحافي هشام جعفر يصرخ من زنزانته التي قضى فيها أكثر من ثلاث سنوات، حبسًا احتياطيًا من دون محاكمة:
"هل مطلوب أن يكون الثمن الذي الذي أدفعه لإجراء عملية جراحية لاستئصال البروستاتا هو إعلان انضمامي لداعش، ومبايعه البغدادي؟ فعلا ما يبدو أن هذا هو الهدف النهائي من عمليه التعذيب الممنهج الذي أتعرّض له على مدار ثلاث سنوات".
وفيما كان "بطريرك الحنية" يبكي مستعرضًا، كان الإعلان عن مقتلةٍ نفذتها قواته، وحصدت بها أرواح 14 مواطنًا في سيناء، انضموا إلى ثمانية سبقوهم قبل ساعات، من أجل صناعة مشهد "بابا الإنسانية عبدالفتاح السيسي" الذي يفوق في حنّيته الرئيس الأميركي السابق باراك أوباما.
المشكلة هنا أن أوباما لم يقتل أحدًا، ولم يحرم أطفالًا أصحاء من آبائهم، قبل أن يذهب بالهدايا إلى أطفال آخرين من المرضى، حتى تكون المنافسة عادلة مع السيسي على لقب "صاحب القلب الكبير".
في حفله المبتذل، لا يفوّت السيسي الفرصة، لكي يسند لنفسه أدوارًا إلهية، يمسك فيها بمفاتيح الجنة والنار، فيدخل وزير الأوقاف الجنة مقابل عشرين مليون جنيه، وإنْ كان يتمنى أن يدفع أكثر، حتى يبوئه موقعًا مميزًا في الجنة، ليحضر هنا على الفور عبد الرحمن الكواكبي، بمقولته الشهيرة "ما من مستبد سياسي إلا ويتخذ لنفسه صفةً قدسيةً يشارك بها الله".
على أن حفل الرئيس الحنون لم يكن تعبيرًا عن فورة مشاعر مفاجئة تجاه أصحاب الاحتياجات الخاصة، بل كان بالأساس احتفاءً بإسناده للقضاء (العادل المستقل) مهمة تغيير الدستور، لكي يبقى في الحكم مدى الحياة، دكتاتورًا مستنيرًا، ومستبدًا عادلًا، حسب النغمة الجديدة في وسائل إعلامه.
من المهم هنا أن نقلب في صفحات تاريخ الطغاة والمستبدين، لنجد جذر الموضوع، مع أستاذ الفلسفة، إمام عبد الفتاح إمام، في كتابه "الطاغية" على إيقاع نداء الصغيرة، ذات الاحتياجات الخاصة، على "بابا السيسي".
هنا تقفز من اللغة الرومانية كلمة المستبد "Despotes" بمعنى رب الأسرة، والتي خرجت من النطاق الأسري إلى عالم السياسة، لكي تطلق على نمط من أنماط الحكم المطلق، تكون فيه سلطة الملك على رعاياه ممثلةً لسلطة الأب على أبنائه في الأسرة، أو السيد على عبيده. 

ويؤدي هذا الخلط، في الحال، إلى الاستبداد. ولهذا يستخدمه الحكام في الشرق للضحك على السّذج، فالحاكم أب للجميع، وهو كبير العائلة، ومن ثم لا يجوز أخلاقيا معارضته.
هنا، أيضًا، نكتشف أن السيسي أحدث ثقبًا هائلًا في قاع الدكتاتورية، هبط من خلاله بتعريف الدكتاتور إلى ما هو أبعد من الحالة الرومانية قبل الميلاد بقرون، إذ بدأ هذا النمط أول ما بدأ على يد أشراف الرومان، حين كانوا يزكّون شخصا في أوقات الحروب والأزمات مدة لا تزيد عن ستة أشهر أو سنة على أكثر تقدير، حتى تنتهي الأزمة، مع الأخذ في الاعتبار أن ذلك كان إجراء دستوريا، وإن كان يؤدي إلى وقف العمل بالدستور مؤقتا.
في ذلك، لم يستمر الدكتاتور الروماني سنسناتس في العام 465 قبل الميلاد، في موقعه إلا 16 يومًا، أنهى خلالها المهمة المكلف بها وتقاعد، فيما كان الاستثناءان الوحيدان، في موضوع الدكتاتورية المؤقتة، مع الدكتاتور سلا الذي عين عام 82 قبل الميلاد مدة غير محدودة، وظل في موقعه ثلاث سنوات.
أما الثاني فكان يوليوس قيصر الذي اتخذ لنفسه سلطات دكتاتورية عشر سنوات عام 46 قبل الميلاد، ثم أعطيت له هذه السلطات مدى الحياة، لكن تم اغتياله قبل أن يتمتع بها.
وإذا كان العالم المتحضر قد اعتبر الدكتاتورية مرضًا، بالنسبة لنظام الحكم، كما ذهب الفقيه الفرنسي المعاصر، موريس دوفرجيه، فإن هناك من يفضلها في بلادنا السعيدة، مرضًا مزمنًا، كما الحال مع عمر البشير في السودان، والسيسي في مصر، وبشار الأسد في سورية، بل ويكتبون فيها الأشعار.

الاثنين، 24 ديسمبر 2018

أسئلة الامتحان السوداني الصعب


أسئلة الامتحان السوداني الصعب

وائل قنديل
عندما بدا لوهلة في الأيام الأولى لثورة يناير في العام 2011 المصرية أنها تكاد تلفظ أنفاسها، بعدما تلقته من ضربات عنيفة، جاءها المدد من"السودان"، ذلك الشارع الطويل الممتد بين حيي المهندسين والدقي الراقيين، ومناطق إمبابة وبولاق وميت عقبة الشعبية الفقيرة.

في ذلك الوقت، كان حظر التجوال قد فرض على المصريين، وصار الوصول إلى ميدان التحرير، حيث حوصرت الثورة، عقب جمعة الغضب، عسيرًا جدًا، في لحظةٍ باتت معها الثورة في حاجة ماسّة إلى مداد جماهيري جديد، يخفف العبء عن ثوار التحرير.. 
وهنا تألق الإبداع الشعبي فيما عرفت بثورة النعوش والجنازات، إذ كان السبيل الوحيد للمرور من ميدان التحرير مواكب جنازات الشهداء الذي سقطوا في جمعة الغضب وما بعدها، القادمة عن طريق شارع السودان، فكانت الأمواج التي حملت المتعطشين للانضمام لميدان الثورة فوقها، حيث يتصدّرها رجال ونساء يشهرون تصاريح الدفن أمام قوات الأمن، جواز مرور في الطريق إلى مدافن القاهرة القديمة، والتي يتطلب الوصول إليها المرور من ميدان التحرير.
هذا ما تحفظه ذاكرة أهل ميدان الثورة المصرية، مقرونًا باسم"السودان"، وربما كان ذلك في مقدمة الأسباب التي أوجدت ذلك التضامن الشعبي الواسع مع انتفاضة الشعب السوداني، بوصفها حلقةً من حلقات الربيع العربي الأصيلة، وتعبيرًا عن أشواقٍ لا تنطفئ لحلم التغيير الذي انكسر في مصر وسورية وليبيا واليمن، لكنه نهض في السودان.

نعم، وجدت انتفاضة الشعب السوداني احتضانًا رائعًا من كل المؤمنين بحق الشعوب في التصدي للظلم والاستبداد، والسعي إلى الحرية والديمقراطية والكرامة الإنسانية. وما جرى مع الموجة الأولى من انتفاضات الشعوب العربية في العام 2011 يتكرر مع الانتفاضة السودانية، إذ يكرّر معسكر السلطويين المقولات والمزاعم ذاتها، طعنًا في هذا الحراك، وتسفيهًا له، وتقليلًا منه، حتى تشعر وأنت تتابع المشهد كأنك جالس أمام شاشات البلطجية والشبيحة في القاهرة ودمشق، والعواصم الكارهة بالفطرة لأي حضور للشعوب في معادلات التغيير.
هنا، يضع الشعب السوداني الجميع أمام اختبارٍ صعب، وتوجد حالة فرزٍ حقيقية لمن يقف مع ربيع الشعوب، مبدأ ثابتًا، لا يتغير حسب أبعاد الجغرافيا السياسية، ومن كان يتملّق هذا الربيع، أو يستثمر فيه، على نحو مؤقت؟

كيف تكون متسقًا مع مبادئك، وأنت الذي أقمت الدنيا ولم تقعدها، حين زار عمر البشير سفاح سورية بشار الأسد، واعتبرت أنه بذلك طعن الثورة السورية، وأهان الربيع العربي، ومشى على دماء الشهداء، وغرّدتَ وكتبتَ تلعن دكتاتوريته ودمويته واستهانته بحق الشعوب في التغيير. 

لكنك قرّرت الصمت، حين هبت في السودان رياح ثورة شعبية ضد عمر البشير، بأعوامه الثلاثين في السلطة التي كانت وبالًا على الشعب السوداني، وحرمته حقه في التغيير والتعبير، وأنهكته اقتصاديًا، وأحالت معيشته جحيمًا.

كيف تكون مع حق السوريين في الغضب والثورة، والسعي إلى الانعتاق من الاستبداد، ثم تتخذ موقفًا سلبيًا، متواطئًا، ضد حق السودانيين في المطالبة بالتغيير، والتحرّر من استبداد ثلاثة عقود متواصلة، ولا تهزك دماء ما يزيد عن 22 مواطنًا حصدت أرواحهم آلة القمع في المدن السودانية؟

لماذا يكون الحراك الجماهيري في سورية سعيًا إلى الحرية والديمقراطية والكرامة الإنسانية، بينما الحراك السوداني تخريبًا وعنفًا وهدمًا لمقومات الدولة السودانية؟ 
كيف تكون مع الثورة الشعبية في نقطة، وضدها في نقطة أخرى؟
تلك هي أبرز ما فرضه الامتحان السوداني العسير من أسئلةٍ كاشفةٍ للمواقف الحقيقية والانحيازات الصريحة، مع الشعوب وضدها، ومع المبادئ وعكسها، وهو الامتحان الذي أظهر مساحةً هائلة من التناقضات وازدواجية المعايير، والتواطؤ، الصامت أحيانًا، والصارخ في أحيان أخرى.

مغالطات الكنيسة المصرية في عدد النصاري

مغالطات الكنيسة المصرية في عدد الاقباط النصاري

بعد كتاب المخابرات الأمريكية قامت الموسوعات الغربية الشهيرة مثل الموسوعة البريطانية، وموقع ويكيبيديا الشهير بتغيير النسبة لتثبيت الرقم الجديد 10% لتكبير حجم الأقلية


عامر عبد المنعم
لا تتوقف الكنيسة المصرية عن ممارسة الابتزاز واستغلال ضعف السلطة لتحقيق المزيد من المكاسب الطائفية دون أي مراعاة لصورة الأقلية كجزء من نسيج المجتمع المصري؛ ففي تصريحات غريبة زعم بطريرك الكنيسة الأرثوذكسية الأنبا تواضروس أن عدد الأقباط المسيحيين في مصر يبلغ 15 مليون نسمة بالداخل ومليونين يعيشون في المهجر، أي 17% تقريبا من سكان مصر، بالمخالفة لكل التعدادات السكانية التي أجريت منذ أواخر القرن الثامن عشر وحتى الآن والتي تؤكد أن نسبة كل الطوائف المسيحية في حدود 6% أي لا تزيد عن 6 ملايين من مائة مليون مصري.
هذا الإصرار المريب على تضخيم عدد أتباع الكنيسة والمبالغة في تكرار هذه الأرقام المضللة يفضح النوايا الطائفية في المطالبة بنظام المحاصصة على حساب المواطنة، ووضع بنية أساسية لتقسيم الدولة المصرية على أساس طائفي، وهو تخطيط خارجي يخالف ما هو مستقر في مصر، ويفتح الباب إلى التدخل الخارجي الذي يتحرك بتوجيه صهيوني.
من الواضح أن المواقف المتطرفة لقيادة الكنيسة تهدف إلى الضغط على السلطة، والاستفادة من الواقع الانهزامي والسيطرة الغربية والصهيونية للحصول على مكاسب أكثر، استغلالا للحظة الراهنة وتصوير الكتلة الشعبية والتصويتية للأقلية بأنها تصل إلى نسبة مؤثرة، خاصة في ظل غياب التيارات السياسية والإعلام المستقل عن السلطة الذي كان يقف ضد مثل هذا الخروج عن الثوابت الوطنية.
اللافت أن هذه الحملة لتضخيم عدد الأقباط وتزييف الواقع بدأت منذ أيام البابا شنودة الذي زعم أن العدد يصل إلى 12 مليونا، وقد تجاوبت معها الموسوعات وبنوك المعلومات الغربية التي كانت تعتمد رقم الـ 6 %، حتى عام 2006 عندما نشر الكتاب السنوي الذي تصدره المخابرات المركزية الأمريكية "Fact Book" أن نسبة الأقلية المسيحية في مصر 10% دون أي إشارة إلى أسباب هذه القفزة غير المنطقية!
بعد كتاب المخابرات الأمريكية قامت الموسوعات الغربية الشهيرة مثل الموسوعة البريطانية، وموقع ويكيبيديا الشهير بتغيير النسبة لتثبيت الرقم الجديد 10% لتكبير حجم الأقلية والتهيئة بالمعلومات لفرض نظام المحاصصة الطائفية وجعل الموضوع مادة للتفاوض، وإخراجه من النطاق المحلي إلى موائد القوى الدولية الكاثوليكية والبروتستانتية، التي ثبت تاريخيا أنه لا يهمها مصلحة الأرثوذكس المصريين.
نسبة الأقباط النصاري منذ القرن الـ 18

كل كتب المستشرقين الغربيين والمبعوثين الأجانب الذين جاءوا إلى مصر منذ الحملة الفرنسية عام 1798 وفي عهد محمد على ثم في ظل الاحتلال الإنجليزي دونوا في كتبهم وتقاريرهم أن الأقباط الأرثوذكس أقلية ضئيلة، وفي كل التعدادات التي أجريت تحت إشراف الانجليز كانت نسبتهم تدور حول نسبة الـ 6%.
يقول جمال حمدان في كتابه "شخصية مصر" الذي تضمن إحصاءات وافية في الموضوع أن الأقلية القبطية في مصر ثابتة تقريبا كما كانت محدودة الحجم عموما، أقلية ضئيلة إن صح التعبير؛ ففي أيام الحملة الفرنسية أي في أواخر القرن الثامن عشر قدر عددها بنحو 150 ألفا من مجموع السكان البالغ حينئذ نحو  مليونين ونصف المليون، بما يعادل 6% بالتقريب.
وقد استند جمال حمدان في عددهم الحقيقي أثناء الحملة الفرنسية إلى كتاب شارل عيسوي وهو أرثوذكسي من أصل يوناني والذي أشار في كتابه: Egypt: An economic and social analysis إلى التراجع المستمر في عدد الأقباط النصاري بسبب اعتناق الدين الإسلامي والانضمام إلى الكنائس الأخرى.
أيضا معلومات مهمة كشفها المستشرق الإنجليزي إدوارد وليم لين الذي زار مصر في عام 1825 ومكث بها 3 سنوات ثم جاء مرة أخرى 1833 وعاش بها لمدة عامين ثم أصدر كتابه الذي اعتمد عليه الإنجليز في هذه الفترة لمعرفة كل شيء عن المجتمع المصري بعنوان: The manners & customs of the modern Egyptians والذي يتكون من 630 صفحة ويتناول كل شيء في مصر منها الإحصاء السكاني وعدد التابعين للطوائف المختلفة.
كتب إدوارد وليم لين أن عدد المسيحيين المصريين (الأقباط) في هذا الوقت يبلغ 150 ألف نسمة من عدد سكان مصر، وقال إن عدد المسلمين المصريين من أهل الريف والمدن بلغ    مليونا و750 ألفا، العثمانيون الأتراك 10 آلاف، السوريون والشوام 5 آلاف، اليهود 5 آلاف، الأرمن ألفان، والعرب البدو وأهل النوبة والعبيد الزنوج والعبيد البيض أو المماليك والجواري والفرنجة يبلغ عددهم 70 ألفا.
وقد أشار إدوارد لين إلى تناقص عدد الأقباط في الريف والصعيد بسبب اعتناق الإسلام وأرجع هذا إلى إهمال البطريركية وعدم الاهتمام برعاياها، وقد نشر أكمل الدين أوغلي في كتاب "الأتراك في مصر" ملخصا للأرقام التي نشرها أدوارد وليم، وإحصاءات أخرى نشرها الفرنسي ريميه أرميدي عن إحصاء تقريبي في السنوات الأولى لحكم محمد على جاء فيه أن مجموع عدد السكان كان 2,893,500 نسمة، منهم 2,600,000 مصريون مسلمون، و150 ألفا مصريون أقباط و12 ألفا أتراك عثمانيون، وخمسة آلاف مماليك ورقيق أبيض.
أيضا المستشرق الفرنسي جورج دووين الذي ألف عدة كتب اعتمد عليها الفرنسيون في معرفة المجتمع المصري أصدر دراسة مهمة بعنوان: La Mission du baron de Boislecomte:l'Egypte et la Syrie en 1833  تضمنت إحصاءات تقديرية للسكان في عام 1833 قال فيها أن مجموع سكان مصر يصل إلى 3 ملايين نسمة، ويبلغ عدد المسيحيين الأقباط 160 ألف نسمة، بينما بلغ عدد المصريين المسلمين مليونين و500 ألف نسمة، ويتراوح عدد الأتراك بين 20 و30 ألف نسمة، والمماليك 4 و5 آلاف نسمة، قبائل بدوية 206 آلاف، نوبيون وبربر 30 ألفا، زنوج 20 ألفا، روم 10 آلاف، أرمن 20 ألفا، يهود 4 آلاف.

إحصاءات الاحتلال الإنجليزي

وبعد دخول الإنجليز مصر بدأت السلطات المصرية الخاضعة للاحتلال الإنجليزي إجراء التعداد السكاني كل 10 سنوات منذ عام 1897 وكانت مصلحة المساحة التي يشرف عليها الإنجليز تقوم بالتعداد، فكانت الأرقام الخاصة بإجمالي الطوائف المسيحية تتراوح بين 6%و 8,3% ، ففي عام 1897 بلغ عدد الطوائف النصرانية بكل مذاهبها وجنسياتها 6,3%، وفي عام 1907 بلغت النسبة 7,87%، وفي عام 1917 ارتفعت إلى 8,06%، وفي عام 1927 بلغت 8,3%، وفي عام 1937 بلغت 8,19%، وفي عام 1947 بلغت 7,9% ( كتاب المستشار طارق البشري: الدولة والكنيسة)
فسر المستشار طارق البشري ارتفاع نسبة الطوائف المسيحية في التعدادين عامي 1917 و1927 بتدفق الطوائف الأوربية إلى مصر في ظل الاحتلال الإنجليزي، وقد انخفضت هذه النسبة بعد عام 1952 حيث خرجت الطوائف الأجنبية من البلاد بسبب تصاعد حالة العداء الشعبي، خاصة بعد العدوان الثلاثي على مصر عام 1956.
وإذا أخذنا تعداد 1907 كنموذج موثق سنعرف الحقيقة بكل حياد وموضوعية، فقد أورد نتيجته السوري المسيحي نعوم شقير في كتابه "تاريخ سيناء القديم والحديث" وكان في هذا الوقت يشغل منصب نائب رئيس المخابرات المصرية التي يديرها الإنجليز، وكان ضابطا في الجيش الإنجليزي يعمل تحت قيادة القائد العسكري البريطاني ريجنالد وينجيت، وتضمن الكتاب فصلا عن مصر وتاريخها، جاء فيه أن " سكان مصر مزيج من أقباط ونصارى، وعرب مسلمين، وعرب بادية، وأتراك مسلمين، وسوريين نصارى ومسلمين ويهود، وإفرنج نصارى يونانيين وطليان وإنجليز وفرنساويين ونمساويين والمان وروسيين وبلجيكيين وغيرهم".
ذكر نعوم شقير الأرقام الدقيقة فأشار إلى أن "في التعداد الرسمي الأخير سنة 1907 بلغ عدد سكان مصر 11,287,359 نفسا منهم 10,269,445 مسلمون ربما كان ثلثاهم من أصل قبطي والثلث الباقي من أصل عربي، بينهم 27,591 من أتراك عثمانيين وأعجام وغيرهم. ومن بين 706,322 أقباط نصارى يوجد منهم 14,576 كاثوليك و24,710 بروتستانت والباقون أرثوذكس. ويبلغ عدد النصارى السوريين والإفرنج من جميع الأجناس وأكثرهم يونانيون وطليان 175,370 نفسا، ويبلغ عدد اليهود 38,635 ، والديانات الأخرى 97,587 نفسا، ويبلغ عدد أفراد قبائل البدو 635 ألفا منهم 97,380 قدروا تقديرا وهم قبائل شتى، وكلهم مسلمون وينتسبون إلى عرب الحجاز".
ومن المراجع المهمة في هذا الصدد تقرير السير ألدون جورست الحاكم البريطاني لمصر بعد اللورد كرومر الذي كتبه في عام 1911 وكان منحازا للأقباط المصريين فهو الذي عين بطرس غالي رئيسا للوزارة وزاد من تعيين الأقلية في المناصب العليا للدولة. جاء التقرير في كتاب Power and Passion in Egypt : A Life of Sir Eldon Gorst  الذي يتناول سيرته ويتضمن التقارير والوثائق التي كتبها قال فيه أن عدد الأقباط يبلغ نحو 700 ألف نسمة فقط من مجموع السكان الذي يصل الى 11 مليون نسمة، ( أرقام أخرى ذكرها محمد مورو في كتاب: يا أقباط مصر انتبهوا).
الإحصاءات بعد عام 1952

بعد عام 1952 لم يحدث عامل جديد يغير نسبة المسيحيين بالزيادة، بل الذي حدث خلاف ذلك، حيث خرجت نسبة كبيرة من الطوائف الأوربية واليهود، كما حدثت هجرة معاكسة من الأقباط الأرثوذكس إلى أمريكا وكندا، أي أن نسبة الأقلية تراجعت أو ثبتت على ما هي عليه على الأقل.
وفي أول إحصاء تجريبي في عام 1960 ظهر أن إجمالي الطوائف المسيحية كان 7,3%، وفي التعداد التالي الذي أجري عام 1966 كانت النسبة 6,7%، وبعد 10 سنوات بلغت النسبة في تعداد 1976 نحو 6,24%، ثم بنسبة 5,7% عام 1986، ثم امتنعت الحكومة عن اعلان النسبة في التعدادين التاليين لعامي 1996 و2006 بعد الحملة التي شنها أقباط المهجر على الرئيس الأسبق حسني مبارك.
عندما أعلن اللواء أبو بكر الجندي رئيس الجهاز المركزي للإحصاء السابق في عام 2012 أن عدد الأقباط المسيحيين 5 ملايين و130 ألف نسمة تعرض لانتقادات من قيادة الكنيسة، فاضطر تحت الضغط إلى الامتناع عن أعلان نتيجة التعداد في 2016 وبرر ذلك بالالتزام بتطبيق اتفاقية الأمم المتحدة بعدم التطرق إلى خانة الديانة في استمارات الإحصاء!

***

كل ما سبق يؤكد أن مزاعم قيادة الكنيسة التي تتطابق الآن مع مزاعم أقباط المهجر المتطرفين الذين يطالبون بالانفصال وإقامة دولة قبطية ليس لها أصل، وليست صحيحة، وبالتالي فإن واجب الدولة أن تظهر نتيجة التعداد حتى لا تفتح الباب للمتطرفين لإقناع الرأي العام المحلي والدولي بأرقام زائفة ومعلومات مغلوطة سيترتب عليها مطالب طائفية تثير الفتن وتعمق من انشقاق المجتمع.
المصارحة مطلوبة لوأد الفتنة، والامتناع عن نشر الإحصاء الرسمي يجعل الأكاذيب حقيقة، ويفتح شهية النزعة الطائفية للمطالبة بالمزيد. وبالتأكيد لا أحد في مصر ضد هضم حقوق الأقلية لكن لا أحد يوافق على أن تتغول الأقلية وتتعملق على خلاف الحقيقة وضد الواقع على الأرض، وتريد أن تفرض نفسها على الأغلبية وتملي شروطها اللا معقولة.
وتبقى التجربة المكررة وهي أن الأقليات تتمرد في أوقات ضعف الدول وعلو الهيمنة الخارجية، لكن دروس التاريخ تكشف أن هذه الأقليات هي أول من يعاني مع تغير الأوضاع، وتدفع ثمن أطماعها، والدرس الأقرب في الحالة المصرية هو ما حدث للمعلم يعقوب الخائن الذي تحالف مع الحملة الفرنسية ضد المصريين المسلمين ولكنه دفع هو ومن ساروا خلفه ثمن الخيانة، وهذا ما استفاد منه الأقباط بعد الاحتلال الإنجليزي حيث انحاز قطاع كبير منهم للحركة الوطنية وحافظوا على تماسك المجتمع المصري ضد المحتل الأجنبي، فاحتضنهم الشعب واحترم رموزهم الوطنية.
الحكيم من يتعظ من التاريخ ولكن قصير النظر هو الذي يعميه الطمع ويحرق المراكب.

الثورة السودانية...وشروط السفير الأمريكي!



الثورة السودانية...وشروط السفير الأمريكي! 

سيف الهاجري
(يجب أن تبقى المنطقة العربية مقسمة وضعيفة لنحافظ على نفوذنا فيها) زبيغنيو بريجنسكي مستشار الأمن القومي الأمريكي الأسبق

•المحافظة على الجيش والمؤسسة الأمنية.
•بقاء الحزب الحاكم ومشاركة المعارضة في السلطة.
•حظر الأحزاب والتنظيمات ذات المرجعية الإسلامية.
•المحافظة على حدود سايكس بيكو وحدود إسرائيل.

تلك هي الشروط التي عرضها السفير الأمريكي في سوريا روبرت ستيفن فورد على المعارضة السورية في بدايات تظاهرات الثورة السورية عام 2011م...
وستتكرر هذه الشروط مع أي تدخل من القوى الدولية والأنظمة الوظيفية لمواجهة الثورة والحراك الشعبي في السودان والذي فاجأ الجميع بعد أن ظنوا أن الربيع العربي قد انتهى على يد الثورة المضادة الوظيفية...
فليحذر أحرار السودان من التآمر الدولي المتوقع ومن الأنظمة العربية التي تعلن نفسها صديقة للسودان كما أعلنوا من قبل صداقتهم للشعب السوري ليحتووا الثورة ويخترقوها بقوى وجماعات وظيفية تحت شعار الصداقة والديمقراطية والحل السياسي برعاية المجتمع الدولي...
سيرى الشعب السوداني قريبا مبعوثا دوليا للأمم المتحدة وممثلا للاتحاد الأوربي يطرقون أبواب الخرطوم بمشاريعهم السياسية المشبوهة لقطع الطريق على الشعب السوداني وثورته ومنعه من التحرر كما فعلوا من قبل مع الثورة في تونس وليبيا واليمن وسوريا باسم الشرعية الدولية واحلال السلام والإعمار فليحذر أحرار السودان لا يلدغوا من الجحر الدولي كما لدغ أخوانهم من قبل...
‏﴿يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا خُذُوا حِذْرَكُمْ﴾ 

المصدر
سيف الهاجري
الثلاثاء 18 ربيع الثاني 1440هـ
25 / 12 / 2018م