قراءة في كتاب التطهير العرقي في فلسطين
اسم الكتاب :التطهير العرقي في فلسطين
اسم المؤلف : ايلان بابه
الطبعة الأولى : 2007م
فكرة الكتاب:إيلان بابيه مؤرخ إسرائيلى شهير ومحاضر بجامعة حيفا. يورد في كتاب التطهير العرقى لفلسطين تقريراً مذهلاً عن تهجير الإسرائيليين للفلسطينيين من أراضيهم في عام 1948.
يتوخى بابيه منتهى الصراحة في كتابه ؛ فهو يتهم إسرائيل بالتطهير العرقي وارتكاب جرائم ضد الإنسانية بدءاً من حرب 1948 الرامية إلى الاستقلال ووصولاً إلى الوقت الحاضر. يركز بالأساس على «الخطة دى» تسمى داليت بالعبرية المتبلورة في 10 مارس 1948 لينهى إلى القارئ أن التطهير العرقى لم يكن وليداً لظروف الحرب بل هدفاً متعمداً من أهداف القتال انتهجته الوحدات العسكرية الإسرائيلية بقيادة بن جوريون. وهنا يطلق بابيه على بن جوريون اسم «مهندس التطهير العرقى».
الفصل الأول: تطهير عرقي مزعوم
يخصص المؤلف هذا الفصل للبحث القانوني في المصطلح ليصل إلى مقارنة التطهير العرقي الصهيوني في فلسطين بالصربي والكرواتي في يوغسلافيا السابقة، الذي عدته الأمم المتحدة جريمة ضد الإنسانية وشكلت محكمة خاصة لملاحقة المجرمين.
الفصل الثاني: الدفع باتجاه دولة يهودية حصريا
إن قيام الحركة الصهيونية بتطهير فلسطين عرقيا لم يحصل بسبب مقاومة الفلسطينيين قرار التقسيم ورفضهم له، وإنما هو نابع من أسس الفكر الصهيوني، حيث وضعت الخطط لذلك من البدايات بهدف خلق قلعة يهودية صافية عرقيا.
الفصل الثالث: التقسيم والتدمير
قرار جمعية الأمم المتحدة رقم 181 وتأثيره ، حيث تعتبر منظمة الأمم المتحدة مشاركة في المسؤولية عن نكبة فلسطين وشعبها، لأنها لم تأخذ رأيه عندما اتخذت قرار التقسيم، ولم تضع أي حلول بديلة في حال عدم نجاحه.
==الفصلان الرابع والخامس: إتمام الخطة الأساس ، مخطط التطهير العرقي==(الخطة دالِت) ترك الشعب الفلسطيني أراضيه وقراه وممتلكاته ، وعلى عكس ادعاءات الحركة الصهيونية و"المؤرخين الجدد" لم يكن نتيجة جانبية للحرب وبسببها، وإنما بموجب سياسة رسمتها الوكالة اليهودية ونفذتها عبر خطط جاهزة مسبقا منها (مثلا: دالِت والخميرة)، إضافة إلى مجموعة من العمليات العسكرية منها: دكل وكيبا ونيكوي وبروش وشوتير وداني وحيرام والمشط وزقوق.
ونفذت القوات الصهيونية عمليات التطهير العرقي بالمجازر والقتل ونسف البيوت وحرقها والإرهاب والنهب واغتصاب النساء واستخدام الأسلحة البيولوجية والكيماوية.. إلخ، وقد شهد على عدد منها مراسلون إنجليز وأميركيون وكتبوا عن ذلك في صحفهم.
الفصل السادس: الحرب الزائفة والحرب الحقيقية من أجل فلسطين
قاوم الفلسطينيون محاولات طردهم من بلادهم بكل ما توافر لديهم من وسائل، علما بأن ما توافر لديهم من إمكانات كانت دون الحد الأدنى اللازم لأي مواجهة عسكرية.
الدول العربية أرسلت جيوشها إلى فلسطين يوم 15 مايو 1948 ليس لحماية الفلسطينيين ومنع قيام الدولة اليهودية، وإنما لتنفيذ قرار التقسيم.
حاكم شرق الأردن عبد الله (الأول) كان من أكبر المتحمسين لمشروع تأسيس دولة يهودية في فلسطين وطرد سكانها، واتفق مع الوكالة اليهودية وبريطانيا على ذلك منذ البدايات.
القوات اليهودية في فلسطين عشية "حرب" 1948 كانت أكبر وأفضل مقارنة مع الجيوش العربية التي لم تكن مستعدة عسكريا ولم يتجاوز عددها 20 ألفا.
سوريا كانت الوحيدة التي أبدت استعدادا حقيقيا لدخول حرب فلسطين، لكنها لم تكن مؤهلة لدخول أي حرب. وقد أسهم بعض قادتها في الإخفاقات ومنهم أديب الشيشكلي الذي رفض تقديم المساعدة لفوزي القاوقجي قائد (جيش الإنقاذ)، مع ضرورة إعادة تقويم تأثيره ودوره ضمن خطة التقسيم.
الجيش اللبناني لم يدخل الحرب، ولا حتى عندما احتلت القوات الصهيونية (13) قرية لبنانية حدودية وارتكبت فيها مجازر وأسرت جنودا لبنانيين، والدولة اللبنانية أسهمت في نجاح عمليات تطهير عرقي حيث تعاونت مع الحركة الصهيونية في تسهيل ترحيل الفلسطينيين من الجليل.
الفصلان السابع والثامن: تصعيد عمليات التطهير العرقي
قوات الاحتلال البريطاني أسهمت على نحو فعال في طرد الفلسطينيين من الأراضي التي أخضعتها الأمم المتحدة بموجب قرار التقسيم 1947 للدولة اليهودية ، والأمم المتحدة كانت متواطئة مع الحركة الصهيونية في عمليات التطهير العرقي لأنها لم تتحرك لمنعه، وأمينها العام لم ينشر تقارير مندوبيه في فلسطين عن المذابح التي ارتكبتها القوات اليهودية هناك.
الفصل التاسع: الاحتلال ووجهه البشع
خصص المؤلف هذا الفصل للحديث عن وحشية معاملة السلطات الإسرائيلية للفلسطينيين الذين تمكنوا من البقاء في بلادهم أو العودة إليها متسللين.
الفصل العاشر: مسح النكبة من الذاكرة
مخصص لعرض عمليات تهويد أسماء المواقع في فلسطين وتاريخها، في محاولة لمحو الحقيقة التاريخية.
الفصل الحادي عشر: إنكار النكبة و"العملية السلمية"
إن إنكار الحركة الصهيونية والغرب للنكبة يشكل عائقا حقيقيا أمام أي سلام، حيث لا يمكن الوصول إلى سلام إلا باعتراف إسرائيل بجرائمها وتطبيق ذلك عبر تنفيذ حق العودة، بما يعني تجريدها من طابعها الصهيوني ومنحها جوهرا ديمقراطيا.
الفصل الثاني عشر: إسرائيل القلعة الحصينة
اتفاقات أوسلو وما تبعها بما في ذلك وثيقة جنيف لا تساعد الشعب الفلسطيني ونضاله بل تسهم في دعم إسرائيل (القلعة اليهودية)، بما يحمل ذلك من أخطار قيامها بعملية ترانسفير جديدة بحق الشعب الفلسطيني.
حقائق مهمة تنقض أساطير التأسيس
تتلخص استنتاجات الكاتب السياسية في القناعة بأنه لن يقوم أي سلام في فلسطين دون اعتراف الجانب الإسرائيلي بالجرائم التي ارتكبها بحق الفلسطينيين، وكذلك الاعتراف بحق عودة الفلسطينيين ضمن حدود فلسطين الانتداب وتعويضهم عما لحق بهم من ظلم وأذى، بما يعني بالضرورة إلغاء الجوهر الصهيوني للدولة اليهودية.
لكن ثمة حقائق مهمة أخرى ذكرها المؤلف نرى من الضروري لفت الانتباه إلى أكثرها أهمية على نحو مميز، وهي:
- الجالية الشركسية والطائفة الدرزية في فلسطين تعاونتا مع الحركة الصهيونية بعد معركة وهمية متفق عليها، ثم شاركتا في قمع الفلسطينيين في الدولة اليهودية عبر حرس الحدود المشكل أساسا منهما، وقد "كافأهما" الصهاينة بعدم ترحيلهما.
- مقدار ممتلكات الصندوق القومي اليهودي من أراضي فلسطين عشية إعلان دولة إسرائيل كان أقل من 6%.
- عشية قرار الأمم المتحدة تقسيم فلسطين لم يشكل اليهود أغلبية في أي من محافظات فلسطين.
- بقاء بعض الفلسطينيين في أراضيهم رغم عمليات التطهير العرقي المبرمجة والمنظمة عائد لقرارات ميدانية تتعلق ببعض القادة العسكريين والمدنيين، ولم يمكن فهم أسبابه.
- الحزب الشيوعي الفلسطيني/الإسرائيلي مارس دورا مشاركا إلى جانب الحركة الصهيونية في نكبة فلسطين وتأسيس الدولة اليهودية بتوسطه لدى تشيكوسلوفاكيا والاتحاد السوفياتي لإمداد الحركة الصهيونية بالسلاح، وهو ما تم فعلا.
- القوات الصهيونية خططت لاحتلال الجولان عام 1948 وتدمير مدينة القنيطرة وتطهيرها عرقيا.
- الحركة الصهيونية خططت لإقامة دولة مسيحية في لبنان حدودها الجنوبية نهر الليطاني.
- وكالة غوث اللاجئين وتشغيلهم (الأونروا) أقيمت خصيصا لمنع (منظمة اللاجئين الدولية) من القيام بالمهمة، وهي التي رعت اللاجئين اليهود بعد الحرب العالمية الثانية، حتى لا يتم عقد أي مقارنة بين الحالتين.
توثيق بالاسم والزمان والمكان
المؤلف لم يكتب مؤلفا مجردا لأنه لا يترك القتلة من دون أسماء، بل يذكر، ما أمكنه، كثيرا منهم مع مواقعهم الرسمية، ومنهم على سبيل المثال لا الحصر، ديفد بن غوريون ويغال يادين وموشيه دايان ويغال آلون ويتسحاك ساديه وموشيه كلمان وموشيه كرمل وإسحاق رابين.
كما يذكر أسماء كثير من القرى والبلدات الفلسطينية التي تعرضت للتطهير العرقي على يد القوات الصهيونية (531 قرية إضافة إلى مدن وأحياء عربية)، ومن ذلك الطيرة وقلنسوة وقاقون والشويكة وطيرة حيفا وعين غزال وعين هود ومزار وصفورية واللد والرملة مع ذكر تاريخ سقوطها وأسماء القادة العسكريين الصهاينة الميدانيين المسؤولين عن ذلك، والفرق التابعة لهم.
كما أنه يتعامل بما توافر من تفاصيل عن المذابح التي ارتكبتها القوات الصهيونية وأسماء القادة المسؤولين عنها.
إضافة إلى ذلك يسجل أيضا أسماء القرى الفلسطينية التي حولتها الدولة اليهودية إلى أحراج ومنتجعات سياحية ومنها مثلا طيرة الكرمل وطيرة حيفا وعمقا وعين الزيتون واللجون وغيرها.
ولا ينسى المؤلف ذكر تدنيس الدولة اليهودية المواقع المقدسة الإسلامية والمسيحية، ومنها أيضا على سبيل الذكر مقام الشيخ ابن سيرين وكنيستا البروة وسحماتا ومساجد الخيرية والصرفند قرب حيفا والمجدل وقيسارية وبئر السبع والزيب وعين الزيتون وحطين، حيث حول معظمها إلى خمارات أو مطاعم.. إلخ.
أهمية علمية
الأهمية العلمية الخاصة للمؤلف إضافة إلى مؤهلاته الأكاديمية أنه يعتمد على نحو كامل تقريبا على محفوظات الحركة الصهيونية والوكالة اليهودية، إضافة إلى يوميات قادتيهما السياسيين والعسكريين ومذكراتهم.
لكنه في الوقت نفسه لا يُهمل الروايات الشفهية الفلسطينية، خاصة عندما يتبين اكتسابها مصداقية إضافية من الوثائق الرسمية الصهيونية.
ويعيد الكتاب الاعتبار للاجئين الفلسطينيين في المخيمات ويبرئهم من التهمة الظالمة التي ثبت بطلانها وألحقت بهم، وفي أحيان كثيرة على يد فلسطينيين، اتهموهم بالخوف والجبن وترك أراضيهم وتسليمها للقوات الصهيونية.
والمؤلف يبدي آراء مهمة في مجموعة من النقاط ذات العلاقة، ومن ذلك دحض كثير من آراء ما يسمى المؤرخين الإسرائيليين الجدد وفضح تواطؤ بعضهم في تبني الرواية الرسمية الصهيونية. كما أنه ينتقد أيضا مصطلح "النكبة"، لكن فقط من منطلق أنه يهمل ذكر المجرم الذي تسبب بها.
ويلاحظ أن المؤلف كان منسجما تماما مع نفسه حيث استعمل عبر الكتاب الاسم (فلسطين) للدلالة على الأرض ، بدلا من (إريتس إسرائيل، إسرائيل، إسرائيل-فلسطين) الذي يوظفه كثير من "المؤرخين الجدد" الذين فضحت الانتفاضة الفلسطينية عمق صهيونيتهم. كما أنه استخدم عبر الكتاب مصطلح (القوات اليهودية) وليس أي مصطلحات مضللة واضعا الإسرائيليين أمام أنفسهم عراة.
في ظننا أن هذا الكتاب أحد أهم ما صدر عن النكبة. ومن يريد كشف حقيقتها للرأي العام العالمي وإدانة الصهيونية فعليه نشره بكل لغات العالم الحية، وليس عقد مؤتمرات لنفي المحرقة، التي تبرئ قوى أوروبية مجرمة لن تتورع عن إبادة العرب والمسلمين لو أتيحت لها الفرصة.
هذا البحث يكشف سرًا صهونيا تم كتمانه بحرص السر الإسرائيلي المكتوم..
مراجعة كتاب التطهير العرقي في فلسطين لإيلان بابه
عندما تلمح عنوان هذا الكتاب (التطهير العرقي في فلسطين) فلن تصدق للوهلة الأولى أن كاتبه إيلان بابه يهودي، قد وُلِدَ في حيفا شمال فلسطين المحتلة سنة 1954، وهو مؤرخ إسرائيلي بارز وناشط اشتراكي، عمل أستاذًا بكلية العلوم الاجتماعية والدراسات الدولية بجامعة إكسيتر بالمملكة المتحدة، وهو مدير المركز الأوروبي للدراسات الفلسطينية بالجامعة نفسها، والمدير المشارك لمركز إكسيتر للدراسات العرقية والسياسية.
ليس بإمكان المرء أن يصدق الأحداث التي ذكرها إيلان بابيه في كتابه، لكن ما نشهده من جرائم أفظع في زماننا يجعل من تصديق أحداث الكتاب أمرًا ممكنًا، فالمجرم تتنوع أساليبه وتتعدَّد أدواته، لكن سمة الإجرام تظل هي السمة البارزة له في كل زمان.
حول الكاتب والكتاب

قام إيلان بابه على مدار المحطات المختلفة من حياته بدراسة الوضع الإسرائيلي والصهيونية بعقل سليم نتج عنه بحث شامل يصوِّر الحقيقة، مفاده أن عملية التطهير العرقي لفلسطين تمَّ التخطيط لها بصورة مسبقة وواعية، وقد ركَّز في أبحاثه بالأساس على ما يُعْرَف بخطة “دالت” التي انتهجتها الوحدات العسكرية الإسرائيلية عام 1947، لاحقًا وبعد أن اطَّلعَت الكاتبة الفلسطينية غادة الكرمي على نتائج أبحاثه ومؤلفاته؛ أشادت إشادة عظيمة بالدور الذي قام به إيلان، حيث قالت: «بحث رائد في سر إسرائيلي مكتوم بحرص، وإنجاز علمي تاريخي يعالج موضوعًا حُرِّمَ البحث فيه».
استعان إيلان بابيه في كتابة مؤلفاته عمومًا وفي هذا الكتاب بالأخص بمؤرخين فلسطينيين وآخرين إسرائيليين، كما استند إلى مصادر متنوعة أبرزها يوميات أهم مؤسسي دولة الاحتلال، أدهى المجرمين والرأس المدبر “بن غوريون”، وكذلك رئيسة الوزراء السابقة “جولدا مائير” وغيرهما، بالإضافة إلى شهادات شفوية وأرشيفات عسكرية تابعة للمخابرات والجيش الإسرائيلي، استطاع الكاتب الوصول إليها بعد عناء ورحلة بحث كلفته الكثير في سبيل تقديم بحث يستند على وقائع حقيقية، دون انسحاق وراء الرواية الصهيونية التي تنتشر هناك.
الازدواجية الغربية.. التطهير العرقي ليس صهيونيًا!!
بدأ الكاتب بتعريف التطهير العرقي، ثم جَرَدَ في أغلب الفصول أوجه التشابه بين ما اعتُبِرَ تطهيرًا عرقيًّا على مر التاريخ -كإبادة الأوروبيين للهنود الحمر في أمريكا- وبين الاحتلال في فلسطين، ذلك الاحتلال الذي أغمضت المؤسسات الدولية أعينها عنه، واعتبرته حدثًا عابرًا لا يستحق المحاكمة والعقاب.
لم يحدث ذلك صدفة! فقد سلك مؤسسو الصهيونية مسلكًا مدروسًا مكَّنَهم من الإفلات من المساءلة أمام القانون الدولي، بل واعْتُبِرُوا أيقونات وشخصيات عظيمة وتوطدت علاقتهم مع المؤثرين على صناعة القرار في هذا العالم، ما أكسبهم ثقةً وتأييدًا جعلهم يستمرون في ارتكاب أبشع الجرائم إلى يومنا هذا، يؤكد إيلان على أن الاحتلال الصهيوني قد نهج منهجًا مدروسًا وسِرِّيًّا لتطهير قرية تلو الأخرى، بعد جرد أدق التفاصيل عنها من جهة، والحفاظ على صمت المجتمع الدولي من خلال التفاوض مع الأردن، وارتداء ثوب ضحايا الهولوكوست أمام الغرب من جهة ثانية، يؤكد هذا ما تطمح إليه الصهيونية من رغبةٍ دائمةٍ في احتكار المآسي والتقليل من شأن كل جريمة تقوم بها المؤسسات اليهودية.
أما بريطانيا والأمم المتحدة التي كان قد مرَّ على إنشائها سنتان فقط فقد خذلوا الفلسطينيين وتخلوا عنهم، بدلًا عن الحماية المزعومة التي كانوا قد دعوا إليها، ما جعل الصهاينة يتجرؤون على المجتمع الدولي ويطالبون جهرًا بطرد الفلسطينيين بالقوة والعنف على مسمع ومرأى من العالم ضمن الخطة «دالِت» التي أشرنا إليه سابقًا، هذه الخطة كانت تهدف إلى وضع الفلسطينيين تحت الأمر الواقع والسيطرة على أكبر نسبة ممكنة من الأراضي بكل الطرق الحاصلة، مشروعةً كانت أو غير مشروعة.
صور لن تُمحى

لم تكن القرى التي دُمِّرَت واحْتُلَّتْ إثر ذلك مجرد أرقام أو أنقاض بُنِيَتْ عليها المنتزهات الصهيونية، بل كانت عالمًا كاملًا يعجُّ بالحياة، كان لها أسماء، وبها سكان يحملونها في ذاكرتهم، ومدارس حديثة الإنشاء ومزارع.. ويا لسخرية التاريخ، إذا بحثت عن بعض القرى المذكورة في الكتاب، فستجد أن أغلب المواقع الشهيرة والأكثر تصفُّحًا تُعَرِّفُها كالتالي: «قرية فلسطينية أُخْلِيت من السكان في الحرب الأهلية سنة 1948»؛ لكن الواقع على خلاف ذلك تمامًا، فلم تكن الحرب الأهلية هي السبب في مثل هذه الإبادات، أما الحقيقة الصادمة فهي أن هذه القرية ومثيلاتها قد نُسِفَت بيوتها في سواد الليل بينما كان سكانها يغطون في النوم، كما ذكر الكاتب!
| اقرأ المزيد: (الطنطورة).. شاهد على الوحشية الإسرائيلية |
تضمَّنَ الكتاب صورًا مُوَضِّحَةً لبعض الأحداث المذكورة، كالهروب الجماعي من القصف عن طريق الشاطئ، وغرق البعض أثناء ذلك، قد تحاول التماسك أثناء قراءتك للأحداث وذلك لاعتيادنا على قراءة مثل هذه الأخبار دون إمعان نظر فيها، لكنك حتمًا ستتوقف طويلًا أمام الصور، وقد تسكن فيها لوقت طويل، ذلك أن فيها تجسيدًا مُرَوِّعًا لجزء من معاناة الفلسطينيين وتطهيرهم العرقي المسكوت عنه!
أقنعة زائفة

لم تنتهِ معاناة الفلسطينيين بانتهاء النكبة خريف 1948، بل استمرت في صور أخرى متعددة: اعتقالات لا إنسانية دون أي تُهَمٍ واضحة، الإساءة والاعتداء اللفظي والجسدي والجنسي على المواطنين، تدنيس المقدسات الدينية عمومًا والإسلامية خصوصًا.
لكن عمل الصهاينة لم يتوقف عند هذا، بل يؤكد الكاتب على فكرة محو ذاكرة النكبة التي عمدت إليها الحكومات الإسرائيلية، وذلك عن طريق كسب تعاطف المجتمع الدولي وعقد عمليات السلام المُضَلِّلة والتي أنكرت جرائم 1948، فعلت إسرائيل كل ذلك وغيره لكي تُهدهد منظمات حقوق الإنسان التي تدَّعِي الحفاظ على حقوق الإنسان -كل إنسان-، وتُخَدِّر بها الرأي العام الذي يتأثر بالصحف والمجلات دون استرعاء انتباه للوقائع التي شهدت عليها هذه الأرض.
خَصَّص إيلان بابيه جزءًا كبيرًا من كتابه لإيضاح مصادر بحثه، كما جاء كتابه مُطَعَّمًا بالتوضيحات والخرائط والصور والتواريخ المهمة، فهو كتاب علمي رصين، كما أنه كتاب عمليٌّ مؤثر رغم كثافة المعلومات، وقد جاءت الترجمة سلسة واضحة المعالم، مع لغة منضبطة.
يقول الكاتب: «ولا يُساورني أي ظن في أن هذا الكتاب يمكن أن يُغَيِّر واقعًا يُشَيْطِنُ شعبًا استُعمِر وطُرِد واحتُلَّت أراضيه، ويُمَجِّدُ -بالذات- الشعب الذي استَعْمَر وطَرَد واحتَلَّ أراضي الشعب الآخر!»
يمكن القول إن هذا الكتاب هو واحد من هذه الكتب التي أَرَّخَتْ لهذه الإبادة العِرْقِيَّة وقدَّمَت أدلة دامغة على ما ارتكبه هذا الاحتلال الغاشم من مجازر، مُظهرًا في طياته الوجه الحقيقي والقبيح لدولة تدَّعِي أحقيَّتَها في أرض كانت وما زالت مُحْتَلَّةً من مجرمي حرب.
مراجعة: ريم ايت الحاج وسعيد
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق