الاثنين، 3 أغسطس 2015

الملك في مصر.. السيسي ينقلب على عبد الناصر!

الملك في مصر.. السيسي ينقلب على عبد الناصر!



 سليم عزوز

قطع قائد الانقلاب العسكري في مصر عبد الفتاح السيسي الشك باليقين، وأكد أنه ليس جمال عبد الناصر، وأن شرعيته لا يستمدها من حركة ضباط الجيش في يوليو 1952، التي تحولت إلى ثورة، عمل كل رؤساء مصر منذ وقوعها على التأكيد بأن شرعيتهم مستمدة منها، بما في ذلك المخلوع حسني مبارك!.

لقد قطع السيسي قول كل خطيب، بدعوة الملك أحمد فؤاد آخر ملوك مصر، لحضور مهرجان افتتاح التفريعة الجديدة لقناة السويس، على نحو أربك المتعلقين بأستار حكمه من الناصريين، الذين وصفوه منذ انقلابه بأنه عبد الناصر، وأعلنوا انحيازهم له× لأن في الانحياز وفاء "لعظم التربة"، ولأن في السيسي من "رائحة الحبايب"، ولأنه بانقلابه على الحكم المدني، ذكرهم بقائدهم عبد الناصر، فقد تخرجا في المؤسسة العسكرية "بيت الوطنية المصرية". ونسي كثير من الناصريين أنهم كانوا مع الذين هتفوا في ثورة يناير بسقوط حكم العسكر، وتبينوا أنهم لم يكونوا أوفياء لمبادئهم وهم يهتفون بذلك، لأنهم يستمدون شرعيتهم من حكم عسكري مثله جمال عبد الناصر!.

ومنذ وقوع الانقلاب، تنبهت إلى أن الناصريين، في سياق بحثهم عن عرض قريب وسفر قاصد، قد نفخوا في السيسي من روحهم ليدخلوا الغش والتدليس على الرأي العام بإدعاء أنه "خليفة ناصر في الملاعب"، وغيرهم شبهه بأيزنهاور، وهناك من قال: بل المسيح، قبل أن يصفه أزهري بأنه "موسى عليه السلام"!.

وكان الناصريون يبررون لانحيازهم للثورة المضادة، التي قادها عبد الفتاح السيسي منذ اليوم الأول لثورة يناير، واستمر في ذلك إلى أن استدعى الجماهير لتمثل غطاء مدنيا لانقلابه العسكري.
وقد تنبهت لهذا مبكرا، وكتبت مقالي "الاستدعاء القسري لعبد الناصر"، وبينت كيف أن عبد الفتاح السيسي ليس هو جمال عبد الناصر، فكما يقول أصدقائي من الشيوعيين في سخريتهم من الناصريين، إن الانخراط في معسكر الشيوعية لا يكون إلا بعد قراءة متأنية، في حين أن القول بأنك ناصري ولو من باب الإدعاء، لا يستلزم إلا الإعلان عن الانحياز للفقراء، والعداء لإسرائيل!.

والمعنى أن مشروع عبد الناصر قام على ما قد سلف، في حين أن انقلاب عبد الفتاح السيسي كان بالاعتماد على الإقطاع وسيطرة رأس المال على الحكم، والقضاء عليهما كان من أهداف ثورة يوليو 1952، فقد كان رجال الأعمال الذين مكنهم المخلوع حسني مبارك من مقدرات الوطن، وبيعت لهم أراضي الدولة "بتراب الفلوس" هم الرعاة الرسميون لما قاده السيسي في 30 يونيو 2013، وتوج ببيان 3 يوليو الذي أعلن فيه إسقاط الحكم المدني المنتخب، وتعطيل العمل بالدستور، وحل البرلمان، وإسقاط الحكومة، التي لم يبق منها - دون قرار معلن - سوى منصب وزير الدفاع!.
هذا فضلا عن أن انقلاب السيسي وقفت خلفه أطراف إقليمية كانت ثورة عبد الناصر في عداء معها، وقد وصفتها بـ "الرجعية العربية"، كما كان بإرادة غربية وإسرائيلية، ناصبها عبد الناصر العداء!.
ولم يخيب السيسي ظني فيه، فقد تحاشى تماما أن يعلن ولو تقديره لدور عبد الناصر، الذي لم يذكره على "طرف لسانه" سوى مرتين، والأولى كانت عرضا وهو يبرر السيطرة على وسائل الإعلام، والثانية كانت بدوافع الاحتفال بذكرى ثورة يوليو، فذكره رئيسا وليس قائد ثورة، فسمى معه خليفته السادات، الذي يقول الناصريون إنه مشى على طريق عبد الناصر بأستيكة، والذي قال نجله "عبد الحكيم جمال عبد الناصر" في الاحتفال بثورة يوليو هذا العام إن السادات هو من قاد الثورة المضادة!.

وعموما فذكر اسم عبد الناصر، لم يتكرر في الاحتفالات لثورة يوليو على لسان السيسي، بل كان حريصا على أن يحدد موقعه بعيدا عنه، وفي المقابلات التلفزيونية إبان حملته للانتخابات الرئاسية، حاول "إبراهيم عيسى"، وصاحبته بالجنب "لميس الحديدي"، أن يعبدا له الطريق، ليتحدث عن قيمة عبد الناصر عنده، فحرص على أن ينهي هذا الأمر سريعا، فكانت إجابته بضع كلمات هائمة، لا تمثل موقفا، ولا تكشف عن انحياز، وتحاشى تماما أن يذكر اسم عبد الناصر، ولم يذكر ولو الجانب العاطفي في الموضوع، وقد كان السؤال حول: هل كانوا في منزلهم يعلقون صورة عبد الناصر؟ ولم يذكر ذكرياته في يوم موت "الزعيم"، ولا أظن أن مثل هذا الحديث الإنساني كان سيمثل مشكلة له، لكنه كان يعلم أن من معه إقليميا ودوليا هم أعداء عبد الناصر فتطرف في البعد عنه!.

ورغم كل هذا، فقد ظل الناصريون يحملون عبد الفتاح السيسي من أمره رهقا بإدعاء أنه هو بشحمه ولحمه جمال عبد الناصر، وبعضهم وبعد كتابة مقالي سالف الذكر، ظلم عبد الناصر بادعاء أنه لو بقي حيا إلى الآن لغير من أفكاره، في سياق التبرير للفارق بينه وبين السيسي، الذي هو طبعة الألفية الجديدة من "الزعيم الخالد". وهذا ليس تطورا في الفكر ولكنه انقلاب عليه، فماذا بقي من عبد الناصر، إذا استبعدنا شعارات العداء لإسرائيل ولأمريكا وللرجعية العربية؟ وماذا بقي منه إذا تم استبعاد الانحياز للفقراء، وتم التحالف مع "الإقطاع وسيطرة رأس المال"؟!.

ولماذا ظلت عودة عبد الناصر حلما للناصريين، ويمكن أن يسد غيابه أنور السادات، بل وحسني مبارك؟!.

لقد ظل السيسي يبتعد كثيرا عن أن يضبط متلبسا بالانحياز لعبد الناصر، لكن القوم حرصوا على تأكيد أنه هو، وفي الاحتفال بثورة يوليو هذا العام كان تأكيد الناصريين أن عبد الناصر لم يمت، فها هو خليفته عبد الفتاح السيسي يذكرهم به، وكانوا في احتفالهم بالثورة "المجيدة" يغيظون الإخوان، مع أن ضباطا من الإخوان شاركوا فيها، بل إن فكرة طرد الملك فاروق لم تكن مطروحة على جدول أعمال حركة ضباط الجيش، وهي تنسب للضابط الإخواني "عبد المنعم عبد الرؤوف"، وتمت بعد "الحركة المباركة" بعدة أيام!.

وإذا كانت ثورة يوليو تصلح أداة للكيد، فلا ينبغي أن تكون مع الإخوان الذين شاركوا فيها وأيدوها، وإنما ينبغي أن تكون في مواجهة "حزب الوفد" حليف السيسي الآن، الذي يضمه والأحزاب الناصرية الخمسة ( العدد في الليمون) تحالف واحد سمي "جبهة الإنقاذ" كان في مواجهة الرئيس الإخواني المنتخب الدكتور محمد مرسي. بل وتصلح أداة لكيد السيسي الذي لم يعلن إلى الآن موقفه من ثورة يوليو 1952، وماذا يمثل له جمال عبد الناصر؟!.

لقد خطا السيسي خطوة للأمام في إظهار انحيازاته، بدعوة الملك أحمد فؤاد لحضور مهرجان افتتاح تفريعة قناة السويس، فهو بالتالي لا يستمد شرعيته من ثورة ضباط الجيش بقيادة البكباشي جمال عبد الناصر، التي بنت كل تاريخها على العداء مع الملك، وعملت كل ما في وسعها من أجل تشويه تاريخه وسيرته، فهو الملك الفاسد، "زير النساء"، الذي تأسست شرعية الثورة بطرده خارج البلاد، بل وكان الهجوم على الإخوان يقوم في جانب منه على أنهم أيدوا الملك، وكتب حسن البنا رسائل ثناء فيه، وعقدت جماعة الإخوان مؤتمرها العام الرابع بهدف وحيد هو إعلان التأييد له، وهو الذي انحازت له الجماعة في معركته مع مصطفى النحاس!.

استدعاء مرحلة الملكية، يخرج عن إطار الخلاف السياسي، ليمثل نفيا لما تأسس بحركة ضباط الجيش، كما كان يطلق عليها الضباط أنفسهم، وإنهاء كونها ثورة، تمثل قطيعة مع ما سبقها، وعند الحد الأدنى فإن ما قام به السيسي في 3 يوليو سيئ الصيت ليس ثورة مضادة لثورة يناير فقط، ولكنه ثورة مضادة لثورة يوليو بقيادة "خالد الذكر"!.

ولا أخفي أنني لم أصدق أن عبد الفتاح السيسي يمكن أن يقدم على هذه الخطوة، رغم أنه بسوابقه متخصص في إحراز أهداف في مرماه، ليس لأنه سيخسر الناصريين حلفاءه، فالشاهد أنه ليس متمسكا بهم، والشاهد أيضا أنه لو أصدر قرارا جمهوريا بلعن جمال عبد الناصر دبر كل صلاة، فلن يغضبوا منه أو ينقلبوا عليه، فهو أملهم في أن يكونوا "في الصورة"، فليس لأحزابهم الخمسة وجودا يُذكر في الشارع، ولا أمل لهم في تمثيل مشرف أو غير مشرف إذا تم الاحتكام لإرادة الجماهير، لذا كان انحيازهم للانقلاب العسكري!.

دعوة آخر ملوك مصر، هي في الواقع تمثل عداء مع ثورة يوليو، الذي لم يستطع حكم الإخوان أن يعاديها، فأشاد الدكتور محمد مرسي بقائدها في أحد خطبه، وذلك ليقفز على ما ذكره في خطاب له وكان سببا في هجوم الناصريين عليه عندما قال قولته الشهيرة: "الستينيات وما أدراك ما الستينيات". وكان يلمح إلى حكم القمع والاستبداد، فعومل على أنه يتطاول على ثورة يوليو، وكان هناك خطاب يساري يقول إن "يناير امتداد ليوليو"، وهو ما لم نوافق عليه، فيناير ثورة شعب، ويوليو حركة جيش. ويناير هتفت بسقوط حكم العسكر، وهذا الحكم هو ما أنتجته حركة الضباط في يوليو.

لقد نُشر عبر صفحات التواصل الاجتماعي، ربما نقلا عن مواقع صحفية، أن عبد الفتاح السيسي أرسل دعوة للملك أحمد فؤاد (آخر ملوك مصر) لحضور حفل افتتاح قناة السويس الجديدة، ولم أصدق ما نشر، فصحيح أن السيسي رجل سيئ الحظ، وهذا السوء دائما ما يحول أفراحه إلى مساخر، لكن لم أكن أظن أنه يمكن أن يسقط هذه السقطة غير المبررة!.

قمت بتتبع ما نشر، إلى أن وصلت لنفي منشور في الصفحة الرسمية لـ "جلالته" بتلقي دعوة لهذه المناسبة "إلى الآن". واعتبرت ما نشر هو من باب تشويه هذا المهرجان، بعد أن مل الناس من الحديث عن عدم جدوى المشروع، وربما غطى على هذا الكلام المعاد والمكرر، الاحتفالات الصاخبة في فضائيات الثورة المضادة بهذا الإنجاز الاقتصادي غير المسبوق في تاريخ البشرية، الذي ينسب لعبد الفتاح السيسي وحده لا شريك له، وقد بشر "مهاب مميش" بأن الاحتفالات ستكون أسطورية!
صحيح أن وصلا بدا قائما بالعهد الملكي الذي انقلبت عليه ثورة يوليو، من خلال الإعلان عن مشاركة الباخرة الملكية "المحروسة" الخاصة بالملك فاروق ستشارك في المهرجان، وقد تم الإعلان عن وصولها للإسماعيلية استعدادا لهذا اليوم وعلى متنها عبد الفتاح السيسي، لكن لم أكن أتصور أن يكون السعي للوصل بعهد ما قبل يوليو يصل لحد دعوة آخر ملوك مصر، الذي كانت كل الأنظمة السابقة بما فيها نظام مبارك، تتحاشى عملية القرب، ويُذكر أن مدافن العائلة في القاهرة فتحت في مرات قليلة لاستقبال جثامين أفراد العائلة الذين ماتوا بالخارج، وفي مرات فتحت المقابر ليلا، من باب ستر العورات.
ويذكر أن الملك فاروق الذي وافته المنية في سنة 1965، كان قد أوصى بدفنه في مقابر العائلة بالقاهرة، لكن عبد الناصر الذي قبل على مضض وبعد وساطات وضغوط عدد من الملوك والرؤساء أن يدفن في مصر، رفض دفنه في هذه المقابر، وعندما نقل السادات رفاته بعد أن تولى الحكم تنفيذا للوصية، اعتبر الناصريون ذلك من دلائل انقلاب السادات على الثورة!.

وقد فتحت المقابر في سنة 2009 وفي عهد مبارك، لاستقبال جثمان الابنة الكبرى للملك فاروق الأميرة فريال، ودون تسليط للأضواء يذكر مع أن الأمر مرتبط بالموت، وقد تم التعامل مع عملية الدفن على أنها من باب الضرورة التي تقدر بقدرها، فالاهتمام الإعلامي يمكن أن ينال من شرعية مبارك التي تمتد لثورة يوليو 1952.

لكن ها هو انقلاب يوليو 2013 يعيد الملك أحمد فؤاد للصفوف الأولى، ويمثل ردا على إلحاح الكتاب الناصريين الذين لم يملوا من الطلب من السيسي بأن يحدد اختياراته وانحيازاته، وهم يشاهدون عودة نظام مبارك برموزه وشخوصه للمشهد، وهجوم إعلامه على ثورة يناير.

كان ظن القوم أن السيسي عندما يعلن اختياراته سيختار ثورة يناير، ولأنه لن يجد من أنصارها بجانبه إلا أفراد هنا وأفراد هناك، فعندها سيكون لهم هم صدارة المشهد، وكم من مرة كتبت أقول لهم إن خياراته باتت معلنة، فهو مع عهد مبارك البائد، ورجاله هم رجاله، ورئيس حكومته المختار هو عضو لجنة السياسات برئاسة جمال مبارك، لكنهم لم يصدقوا ولم يفقدوا الأمل!.

ولم أكن أتوقع الانحياز الأخير بهذه الصراحة والوضوح، فالسيسي لم تكن انحيازاته لعهد مبارك البائد فقط، ولكن لعهد ما قبل يوليو البائد أيضا.. "مبسوطين"؟!


azouz1966@gmail.com

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق