الأربعاء، 4 سبتمبر 2013

الاستدعاء القسري لعبد الناصر!

الاستدعاء القسري لعبد الناصر!

سليم عزوز


منذ أن مات الرئيس جمال عبد الناصر، وأنصاره يحلمون بعودته، ولأن الميت لا يعود، فقد كنا نطالع خلال السنوات الماضية محاولات من قبلهم لعودته، وقد تجلى هذا من خلال كتابات أدبية، حملت عناوين " الزعيم لما عاد"، و "عودة الزعيم"، وغير هذا، وقد قام بعض الكتاب بعملية الإحياء هذه، التي تستهدف الوصول إلى وجهة نظر الزعيم في مجريات الأحداث، فماذا لو كان بين ظهرانينا في هذه المرحلة الحرجة التي تمر بها أمتنا العربية.. مع أن أمتنا ومنذ بدء الخليقة وهم يعيشون في مرحلة حرجة لا تنته، حتى في عهده والذي انتهي عملياً بهزيمة يونيه، واحتلال اسرائيل لسيناء، ولغزة والقطاع، وللجولان!.

في يوم 30 يونيه الماضي وجد البعض الفرصة مواتية، لعملية إحياء الزعيم، ولأننا نعيش حالة من فيضان العواطف الجياشة، فقد وجد هؤلاء في الفريق عبد الفتاح السيسي من يمكن أن يقوم بدوره، والبعض رأوا أنه هو عبد الناصر الذي جاء ليسير على دربه، وعزز من هذا التصور أن كلاهما عسكري ينتمي للجيش المصري، فاتهم أن السادات الذي اعتبروه رمزا للخيانة، وأنه مشى على طريق عبد الناصر بـ "أستيكة"، كان عسكرياً، بل هو الأقرب إلى عبد الناصر، لأنه كان ضابطاً معه ضمن تنظيم الضباط الأحرار، الذي تشكل لإسقاط الملك، وعودة مصر للمصريين.

هذا فضلاً عن أن حسني مبارك ينتمي إلى المؤسسة ذاتها، وعلى الرغم من كونه من الذين شاركوا في انتصار أكتوبر، إلا أن هذا لم يمنع الشعب المصري من إسقاطه، بعد ثلاثين عاماً من الفساد والحكم العضود، الذي لم يرقب في المصريين إلاًّ ولا ذِمَّة، في حين أن الفريق السيسي لم يشارك في تنظيم الضباط الأحرار كالسادات، وليس له مساهمة في انتصار في ساحات الوغي كحسني مبارك، وقد ترشح الفريق أحمد شفيق، ولم يتم الانحياز له من قبل "قوافل الشحتفة" التي تتحدث بِوَلهٍ عن أنه لو ترشح الفريق السيسي في الانتخابات الرئاسية فلا يوجد أمامهم من سبيل سوى الاصطفاف خلفه بالروح وبالدم، ليس فقط لأنه "الخالق الناطق" جمال عبد الناصر، ولكن لانتمائه للمؤسسة العسكرية العريقة، وهو قول شاهدنا منسق حركة "تمرد" يقوله، وإذا كان الفتى يؤخذ من كلامه ويُرَد باعتباره صغيرا في السن، ومن الجائز أن يخضع لحسن المعاملة وحسن الاستقبال من الفريق السيسي فيفقد توازنه، فقد كان لافتاً ما قاله المرشح الرئاسي السابق حمدين صباحي في حديث تلفزيوني، تغيرت فيه ملامحه بمجرد أن ذكر المذيع اسم الفريق السيسي، وشاهدنا عيوناً ناعسة، وهو يقول لو ترشح فسوف يصطف خلفه كمواطن، لأن السيسي ينتمي إلى المؤسسة العسكرية المحبوبة من الشعب المصري!.

لقد تجلت المقارنة في رسم كاريكاتيري، بدا فيه الفريق السيسي، ينظر في المرآة فلا يشاهد صورته إنما وجد أمامه صورة عبد الناصر، وهو أمر ذكرنا بما نقل عن ناصر بأنه قال للقذافي إنه يرى فيه شبابه، وهي المقولة التي كانت دافعاً لتصرفاته التي جلبت عليه المزيد من المشكلات وتم أخذ شعبه بجريرته، ودفع الثمن معه كاملاً غير منقوص من حصار وتجويع، فضلاً عما أصابه من جرّاء نظرة القائد لنفسه باعتباره موفد الرئيس الزعيم للحياة الدنيا بعد رحيله.

في الواقع أن عملية الاستدعاء القسري بدأت مبكراً، فقد كانت البداية عندما انتفض قضاة مصر الأحرار مطالبين باستقلالهم في عهد المخلوع، وقد فوجئنا بعدد من الشباب المتظاهر والمناصر للقضاة يرفع صور عبد الناصر، وقد كتبت هنا في " مطالباً بضرورة إنزال صوره، ذلك لأن علاقة عبد الناصر بالقضاء كانت سلبية، وهو أمر له ما يبرره، ذلك بأن ثقافة القضاة كانت في ذلك الوقت ليبرالية، والقضاء بطبيعته محافظ وهو يحكم بالقانون، والثورة خروج على القانون، وقد وجد ناصر أن القضاء سيحول دون تطبيق سياساته من تأميم ومصادرة، ووجد بجانبه الفقيه الدستوري عبد الرازق السنهوري الذي حصن قراراته باستدعاء قاعدة أرساها قضاء مجلس الدولة لصالح نابليون بونابرت ربما اعترافاً بجميله لأنه هو من أسس مجلس الدولة في فرنسا.

التحصين جرى وفق نظرية "إعمال السيادة"، وهي القاعدة التي جرى إعمالها فيما بعد، مع كل الرؤساء المصريين، ما عد الرئيس محمد مرسي.

وقد أسس عبد الناصر قضاء موازياً، يجلس على منصة القضاء فيه عسكريون، مثل "محكمة الثورة" و "محكمة الشعب"..

ومع كل هذا فقد قام عبد الناصر بمذبحة القضاء لأنه كان ضد فكرة استقلاله عن السلطة الحاكمة، ولهذا يصبح من غير الطبيعي أن ترفع صور عبد الناصر في مجال النضال لاستقلال القضاء.

لقد رأى أنصار الرجل أن عبد الناصر هو الحاضر الغائب في ثورة يناير، وجرت مقارنات بين الثورتين، وهناك من رأى في ثورة يناير الامتداد الطبيعي لثورة يوليو، وهذا ضد طبائع الأشياء.. فيناير ثورة شعبية أما ثورة يوليو فهي انقلاب عسكري.. واستدعاء عبد الناصر في ثورة يناير هو عمل قسري.

اللافت أن جمال عبد الناصر لم يكن له أي حضور يذكر في الانتخابات الرئاسية فحتى المرشح الذي ينسب نفسه له وهو حمدين صباحي كان برنامجه الانتخابي لا علاقة له بأي حال من الأحوال بسياسات عبد الناصر المنحازة للفقراء، والتي تمثل مواجهة لقوى الاستعمار الأجنبي، فضلا عن أنه تحدث بما تحدث به كل المرشحين غير الناصريين من احترامه لاتفاقيات السلام مع إسرائيل.. ولا حديث عن مواجهة ولا دعوة لتأميم مقدرات الوطن التي نهبت.

عبد الناصر عندما يتم إلباس قميصه للفريق السيسي فهذا عمل تعسفي، ذلك بأن وجه المقارنة لا يتمثل سوى في مواجهة الإخوان، لكن إلى الآن لم نسمع رأياً له في جملة المواقف التي اتخذها جمال عبد الناصر، ومن أول مواجهة الهيمنة الأمريكية، إلى التصدي للغطرسة الإسرائيلية. بل إن السكوت القديم ومنذ عهد مبارك كاشف على أنه ليس له رأي مخالف له في هذه القضايا.

يأسف البعض لأن أنصار عبد الناصر يختزلونه في بدلة عسكرية.. كان مبارك يرتديها، أو بيادة ينتعلها، فالفريق شفيق كانت معه بيادة أيضا ، فضلاً عن أن ممارسة الاستبداد والقمع لا يجعل كل من يمارسه هو عبد الناصر. فالاستبداد ليس امتيازاً خاصاً بجمال عبد الناصر.

كاتب وصحفي مصري
azouz1966@gmail.com

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق