الاثنين، 11 أبريل 2022

حوارمع د. زينب عبد العزيز

 حوارمع د. زينب عبد العزيز

د. زينب عبد العزيز: فرنسا رأس الحربة لاقتلاع الإسلام ويجب مواجهتها حضارياً


حوار: صابر رمضان 

الدكتورة زينب عبد العزيز أستاذ الحضارة الفرنسية وتاريخ الفنون بالجامعات المصرية، وهبت حياتها وجهودها على مدى عمرها لخدمة قضايا شائكة بالغة التعقيد تدرأ بها عن عقيدة الإسلام وما يلفقه له خصومه في الخارج، فأصدرت ما يربو على ۲۰ كتابا علميا باللغة العربية والفرنسية، ثم كرست سنوات عديدة من حياتها لتترجم معاني القرآن الكريم لتنقية الترجمات الفرنسية التي صدرت على مر الزمان من الشوائب في أسلوب رصين أخّاذ ضمنت هوامشه المآخذ التي انحرف فيها كبار المستشرقين عن جادة الصواب، إما بقصد أو بسوء نية أو عجز عن إدراك معانيه الدفينة؛ لتصدر بعد ذلك أول ترجمة المعاني القرآن بالفرنسية معتمدة من الأزهر الشريف، وهي عضو العديد من اللجان والمجالس، فهي عضو لجنة العلوم الاجتماعية بهيئة الإعجاز العلمي للقرآن والسنة، وعضو المجلس الأعلى للشئون الإسلامية سابقا ونقابة الفنانين التشكيليين والاتحاد العالمي للمدارس العربية الإسلامية الدولية، وعضو الاتحاد العالمي لعلماء المسلمين.

كما أن لها العديد من المؤلفات عن الإسلام أهمها :

محاصرة وإبادة، موقف الغرب من الإسلام، وترجمات القرآن إلى أين؟.. وجهان لجاك بيرك، الفاتيكان والإسلام، والتعايش السلمي بين المسلمين وغير المسلمين، وهدم الإسلام بالمصطلحات المستوردة الأصولية والحداثة، وتعريف الإسلام بالقرآن.

كما أسهمت في الحركة الفنية التشكيلية، وأقامت 50 معرضا فرديا في مصر والخارج وأدرج اسمها في العديد من الموسوعات العالمية كأستاذة جامعية وباحثة وفنانة تشكيلية،

جريدة "الوفد" التقت القديرة الدكتورة زينب عبدالعزيز .

وهذا نص الحوار:

 بداية: كيف جاءتك فكرة ترجمة معاني القرآن الكريم للفرنسية؟

اختمرت الفكرة في رأسي بعد اكتشافي العديد من الأخطاء الفادحة في ترجمة المستشرق الفرنسى «جاك بيرك»، الذي كانوا يلقبونه بصديق العرب، ولكن حينما اتصل الأمر بالنواحي الدينية وجدناه لا يختلف كثيرا عن بقية المستشرقين الذين يضمرون الكراهية والعداء للإسلام والمسلمين، ولهذا جاءت ترجمته لمعاني القرآن الكريم مليئة بالسقطات المسيئة. وقد قمت بعرض هذا الموقف على فضيلة الإمام الأكبر شيخ الأزهر الأسبق جاد الحق على جاد الحق، رحمه الله، فكلف لجنة من كبار المهتمين بهذه القضية، وكنت ضمن هذه اللجنة، وأعددنا تقريرا شاملا عما تحتويه الترجمة من أخطاء شديدة، ولم تأت هذه الأخطاء عفوا؛ بل كانت مقصودة، وأخرجت اللجنة تقريرا لاقى إعجابا شديدا، وتم نشره لدحض ما في الترجمة من أباطيل وعدم أمانة.

وبعد ذلك اطلعت على معظم الترجمات الفرنسية لمعاني القرآن فوجدت فيها مغالطات كثيرة؛ ففي إحدى الترجمات وجدت المترجم يعتمد على جذور الكلمة فترجم كلمات «الرحمن» و «الرحيم» و «الرحمة» على أنها مشتقات حروف «الراء والحاء والميم» أي رحم المرأة؛ ولهذا نجده ترجم أن الله -عز وجل- له رحم، ويؤتي رحمه لمن يشاء، وهذا نموذج من تلك التراجم الخطيرة التي قام بها المستشرقون منذ القدم، وبعد أن أنجزت هذه الترجمة لاقت استحسان الذين يجيدون الفرنسية، وقررت جمعية الدعوة الإسلامية في ليبيا طبعها وتوزيعها في الدول الناطقة بالفرنسية، وأسهمت الترجمة بدور مزدوج في تثبيت العقيدة في قلوب المسلمين الناطقين بالفرنسية وتوضيح حقيقة القرآن للراغبين في التعرف عليه دون تشويه وأسهمت في اعتناق بعض غير المسلمين للدين الحنيف .

الترجمة أسهمت بدور مزدوج في تثبيت العقيدة في قلوب المسلمين الناطقين بالفرنسية وتوضيح حقيقة القرآن للراغبين في التعرف عليه

 ما أهم العقبات التي واجهتك من أجل إخراج هذه الترجمة للنور؟

العقبات كانت كثيرة جدا، على رأسها الاختلافات بين المفسرين في تفسيرهم، كثيرا من الآيات بالإضافة إلى عدم وجود المعنى الدقيق المرادف للمعنى العربي في أغلب الأحيان، أيضا هناك منهج معين للتعامل مع الآيات التي فيها إشارات علمية وكذلك مشكلة تراكيب القرآن وحروف وتعدد المعنى الجميل للجذر الواحد.

 وقد استغرقت الدراسة مني ثماني سنوات بواقع خمس عشرة ساعة عمل يوما،

 وحاولت في هذه الترجمة التعريف بالقرآن وبالإسلام لغير المسلمين وتصويب صورة الإسلام والدفاع عن وحدة الأمة الإسلامية.

 قُمتِ بالرد على كتاب «قرآن المؤرخين» الذي صدر في فرنسا أواخر ۲۰۱۹، فماذا عن هذه الواقعة؟

- بالفعل صدر هذا الكتاب وقاموس مکمل له بالفرنسية ويتضمن كل ما يتعلق بالقرآن والإسلام، ويقع في ثلاثة أجزاء بواقع ٣٤٠٨ صفحات، ومرفق معه قاموس خاص عن مختلف المفردات التي تنتقد الإسلام، وهذا الإصدار هو أكبر وأجبن صفعة وجهتها فرنسا للقرآن والإسلام والمسلمين في جميع أنحاء العالم، خاصة مصر الأزهر التي جعلها الله منارة وكعبة للعلوم الشرعية. وللأسف صدر هذا الكتاب تحت راية العلم والبحث العلمي الشديد الدقة والأمانة، وللأسف أنه حمل اسم شخص مسلم تولى الإشراف على هذه الجريمة، ويدعى "محمد علي أمير مُعزي"، وهو شيعي يعمل أستاذا جامعيا وقد تم تكريمه ومنحه شهادات وأوسمة فرنسية، وشاركه في هذه الجريمة «جيوم دي» الفرنسي أستاذ الإسلاميات بالجامعة الحرة في بروكسل، وضم فريق العمل ثلاثين عالما متخصصا في مجالات عديدة، أمضوا خمسة أعوام ليخرجوا بهذه الوثيقة التي تدين أمانتهم العلمية.

 والغريب أن ذلك تزامن مع مساع فرنسية لاقتلاع الإسلام بخطى حثيثة من خلال إغلاق المساجد وإنشاء معهد لتخريج الأئمة ليقيم إسلاما فرنسيا .

 وماذا عن أهم الافتراءات التي تضمنها هذا الكتاب؟

 - ذكر الكتاب العديد من المزاعم والافتراءات، وأهم هذه المزاعم أن تاريخ الإسلام قد تم التلاعب فيه منذ القرن التاسع بأيادي مؤلفي التراث الإسلامي الذين كانوا يعملون لصالح الخلافة العباسية، اتهام من كتبوا السنة النبوية بسوء النية، وأنه لا يوجد في القرن السابع أي نص مسلم أو غير مسلم يشير إلى وجود مكة، وأن النص الكامل للقرآن يرجع للقرن الثامن الميلادي وليس السابع، وأن نحو ۲۰ سورة تمت صياغتها أيام العباسيين إلا أنها منسوبة للنبي ﷺ، وأنه لم يكن هناك أي وحي للرسول ﷺ، والتراث الإسلامي غير موثوق به، كما أن کتبة الخليفة عبدالملك بن مروان صاغوا عددا من السور وأنه بمجرد قراءة القرآن نكتشف أن محمدا لم يكن موجودا لا في أصل اختلاق القرآن ولا مجتمعه، ولا أثر لنبي الإسلام قبل ٦٨٥م وهي فترة عبد الملك، ووجوده في القرآن في القرن السابع مستبعد تماما؛ ما يجعل وجوده قد يكون خرافة وعلماء الإسلام معرفتهم ضحلة بالإسلام تاريخيا ودينيا .

 على اعتبارك فنانة تشكيلية أيضا ونحن في شهر رمضان بعض الأعمال الدرامية والفنية تلعب دورا في تغييب عقل المسلم وإلهائه عن العبادة فما رأيك؟

أعتبر الفن سلاحا ذا حدين؛ فإما يكون هادفا وبناء، وإما يكون وسيلة للهدم وإفقاد القيم والفضائل والأخلاق

 - أعتبر الفن سلاحا ذا حدين؛ فإما يكون هادفا وبناء، وإما يكون وسيلة للهدم وإفقاد القيم والفضائل والأخلاق.

 وهناك من يسعى إلى تغيير حياة المسلمين، لجعل المسلم أسيرا للأفلام والمسلسلات والبرامج وتمنعه من نيل الثواب سواء في أدائه العبادات أو تدبر القرآن، وقد قمت بتأليف كتاب بعنوان "لعبة الفن الحديث"، أكدت فيه أهمية الفنون والآداب في الحفاظ على الهوية القومية ضد محاولات طمسها وتزييفها وخلخلتها لحساب قيم فنية غربية، تخالف العادات والقيم العربية، ولا أدعو بذلك إلى الانغلاق على الذات، بل إلى الاعتزاز بهويتنا الحضارية والقومية وقبل ذلك هويتنا الدينية. وبالتالي رفض دعاوى الانبهار بالآخر والتقليد الأعمى؛ فالتبادل الحضاري لا يعني بحال من الأحوال نفي الاستقلال الفكري، وإذا كان من الحكمة فتح النوافذ فمن الغفلة تركها للرياح التي تقتلع البيت من جذوره .

 كيف يمكن تصحيح الصورة المشوهة للإسلام في بلاد الغرب؟

 - حان الوقت لتصحيح صورة الإسلام المشوهة في وسائل الإعلام لدى دول أوروبا والغرب مع عدم المساس بثوابت العقيدة الإسلامية، والتركيز على إمكانية التطبيق دون المساس بالأصول؛ فأسلوب عرض الإسلام والمفاهيم الإسلامية يتم بطريقة لا تناسب العقل الغربي ولا الأوروبي؛ فالإنسان الغربي ليس لديه وقت لمشاهدة برنامج تليفزيوني طويل أو تصفح الإنترنت وقراءة عبارات إنشائية جوفاء، ولكن بتقديم الإسلام بأسلوب مشوق وجديد يعود إلى فقهاء وعلماء المسلمين في شتى البلاد العربية والإسلامية وعدم إغفال دور العلماء العرب والمسلمين المقيمين في الغرب أيضا.

 أنت مشغولة بفرنسا على وجه الخصوص، فهل هذا نابع من تخصصك في دراسة اللغة والحضارة والأدب الفرنسي؟  وماذا يقصد بالإسلام الفرنسي الأمريكي والتقدمي و«مكة استايل».. وغيرها من مصطلحات دخيلة؟

 - بالتأكيد دراستي جعلت الصورة واضحة أمامي لا شك فيها، وأصبحت أناقشهم بلغتهم وأكشف مؤامراتهم، وبالفعل فرنسا لها دور كبير في المؤامرات التي تحاك ضد الإسلام؛ ففي سابقة هي الأولى من نوعها تشجع سيدتين مسلمتين لتكونا إمامتين للمصلين، وتردد أن الإسلام سيحمل على كتف المرأة وهو ما يسمى بالإسلام التقدمي، وفرنسا هي الدولة الأوروبية الوحيدة التي تضم 8 ملايين مسلم طبقا لإحصاء الفاتيكان تعمل دوما على التحرش بهم وتساند بشدة عمليات التبشير، والأمر يتكرر بشكل أو بآخر في ألمانيا، لإيجاد مساجد مشتركة؛ حيث الرجال جوار النساء، مثال لذلك مسجد «ابن رشد جوته» في برلين، وفي أمريكا أيضا؛ حيث يطلق على هذه المساجد «مكة استايل» أو نموذج مكة؛ فالإمام مرة رجل ومرة امرأة، وهذه المشاريع ترعاها حركة تدعى «صوت إسلام مستنير » تضم مائتي عضو وعضوة. وهكذا نرى الإسلام الفرنسي والأمريكي والغربي.

حان الوقت لتصحيح صورة الإسلام المشوهة في وسائل الإعلام لدى دول أوروبا والغرب مع عدم المساس بثوابت العقيدة الإسلامية

 أخيرا ما الوسيلة المثلى للرد على الإساءات الغربية ضد الإسلام؟

 - الإساءات للإسلام في الخارج ليست جديدة؛ فقد كانت مكثفة في القرون الوسطى في أوروبا، لكن لم تنتشر لأنه لم تكن هناك وسائل إعلام مثل أيامنا هذه؛ ولهذا ظلت في بطون الكتب ولكن اليوم تطيرها وكالات الأنباء في كل مكان

 وهناك إساءات للإسلام من أبناء المسلمين، وهذا يعطي ذريعة لغير المسلمين لأن يسيئوا للإسلام، وهذه التصرفات الحمقاء التي تصدر عن أبناء المسلمين داخل العالم الإسلامي أو من خارجه أشد خطرا على الإسلام.

 أما الرد على هذه الإساءات، فيجب الرد العلمي على كل ما يثار حول الإسلام من خلال مراكز بحوث علمية في العالم الإسلامي تكون بطريقة علمية موضوعية عقلانية مقنعة تخاطب العقلية الغربية التي لا تعرف الإنشاء وإنما تخضع للحجة والبرهان .

-------

* الحوار نقلا عن جريدة الوفد المصرية (بتصرف في العنوان).

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق