الأربعاء، 15 مارس 2023

كيف تمكنّت إيران من الاستفراد في المنطقة؟

 كيف تمكنّت إيران من الاستفراد  في المنطقة؟
 أورنيلا سكر
باحثة متخصصة في الدراسات الاستشراقية ومديرة موقع أجيال القرن الـ 21


ليس الهدف من كتابة هذا المقال الانحياز إلى طرف أو تبرير سياسته، بقدر توضيح مسألة مختلفٌ عليها، فمن حق أي دولة أن يكون لها مشروع  سياسي وقومي تعبِّر من خلالهُ عن وجودِها ودورِها وحضورِها. غير أن إيران تخطّت بشرعيتها حدّ اللاشرعية في استباحة المحظور واحتلال أربع عواصم عربية بتصاريح رسمية عبّر عنها قادة إيرانيين.

إن هذا الدور العبثي الذي مارسته إيران في المنطقة من خلال ما ترتب عليه من تراكمات استعدائية مع محيطها العربي -الإسلامي تم التأسيس لها بشكل ممنهج  منذ العهد الصفوي، الذي يستهدف الوجود العربي، فهذه الحقبة التاريخية مغيبة من الذاكرة العربية والتي كانت سبب تراجع وهزيمة العرب والمسلمين سواء في الأندلس أو بلاد الشام .

  إن النهج الذي اتبعتهُ إيران كان له تداعيات سلبية يعيق نجاح أي وثيقة تفاهم محتملة ممكنة في المنطقة ولو أنه يكثر الحديث عن تقارب إيراني -سعودي برعاية صينية، فالمنطقة العربية لم تكن تصل إلى هذا الدرك من الانحلال والأفول  دون ممارسات إيران وقبلها إسرائيل عبر سياسة التهويد والتفريس ودعم العملاء التابعين بالوكالة لسياسة إسرائيل في المنطقة، من جهة أو دعم المليشيات المنظمة وغير النظامية التابع للحرس الثوري في المنطقة، في كل من لبنان وسوريا واليمن والعراق.

كما أن تبرير وتوظيف الصراع الطائفي  وتسعيره في المنطقة بهدف إضعاف الوجود السني من خلال صناعة  تنظيم داعش، كان سلسلة تراكمية من السياسات الاستعمارية التي سبقتها الحرب على الإرهاب وبرباغاندا الحرب على الإسلام، بهدف استهداف الإسلام السني من جهة، والإسلام من جهة أخرى في سياق عداء تاريخي  غربي-اسلامي وفارسي-عربي.

لذلك لو رصدنا المشهدية العربية والإسلامية بدقة لوجدنا أن الغرب يدعم التفوق الإيراني الشيعي في منطقة الشرق الأوسط  على حساب السعودية السنية بفعل هذه النوازع التاريخية التي يتجالها بعض المؤرخين العرب والمسلين من التاريخ العربي- الإسلامي .


وهذا ما أظهرته سياسة الاستشراق والاستعمار والتبشير وبخاصة تجاه العقيدة الإسلامية وتصويرها أنها منبع الإرهاب والتطرف والأصولية، وهذا طبعاً يعود لأسباب تاريخية مبنية على مبدأ أن الغرب يرى نفسه من خلال هذا الآخر المستند على مبدأ صراع الحضارات وصناعة العدو الذي يجد الغرب من خلاله الملاذ والحاضنة لارتقائه وتقدّمه وخلوده، وما وصل إليه من تمثلات نظرية المليار الذهبي  وما بعد الإنسانية.
إن تفسير موقف الغرب السلبي من الإسلام والعالم الإسلامي، هو البحث عن المنشأ التاريخي للمنافسة بين الغرب والعالم الإسلامي ولعلاقات القوة المتغيرة بينهما. وهذا التاريخ ينقسم الى ثلاث فترات:

الفترة الأولى: هي هيمنة العالم الإسلامي التي بدأت عام 622 م. واستمرت حتى عام 1492 عام سقوط غرناطة خلال هذه الفترة توسع العالم الإسلامي كثيراً، وانتشر الإسلام من شبه الجزيرة العربية إلى شمال أفريقيا وبعض أجزاء من آسيا وأوروبا.

الفترة الثانية: هي متداخلة مع الفترة الأولى جزئياً، فقد تمثلت بهجوم غربي مضاد عن طريق الحملات الصليبية التي بدأت في القرن الحادي عشر الميلادي واستمرت حتى عام 1783م، وهو العام الذي أوقف فيه توسّع آخر إمبراطورية إسلامية داخل أوروبا عند أسوار فيينا. 

وقد أدت نهاية الحروب الصليبية إلى بداية الفترة الثالثة التي انتهت إلى الفترة الرابعة، وهي فترة الهيمنة الغربية واستعمار العالم الإسلامي في القرنين التاسع عشر والعشرين الميلاديين. إن أهمية هذه المرحلة هو الاشارة دور الفرس في تحالفاتهم مع الصليبيين والإنكليز والتواطؤ معهم.

الأمر الذي أغرق المسلمين في حروب الجبهات وتم استنزافهم وسقوطهم في أسبانيا كما هو الحال اليوم في منطقة الخليج وبلاد الشام عبر توظيف الطائفة الشيعية، وتجنيدها بهدف تفريس المنطقة وإضعاف السنة، وتغذية الأصولية الشيعية من خلال مباركة غربية- إسرائيلية.


الفترة الثالثة : استبعاد وعزل الدور المصري من خلال كامب دايفيد والدور السعودي عبر اتفاقات أمنية وعسكرية عرفت سواء بالتطبيع أو بالاتفاقات السرية، لمنع أهم قوتين عربيتين سنيتين من قيادة العالم العربي-الإسلامي. الأمر الذي سهل عملية استفراد إيران في المنطقة دون منازع من جهة، وعقد الصفقات بين إيران وإسرائيل عبر تقاسم النفط والغاز العراقي والسوري واللبناني وهذا مع عبرت عنه زيارة جورج بوش إلى نوري المالكي في العراق، وزيارة الأخير إلى واشنطن من أجل تقاسم ثروات العراق من خلال الميليشيات العراقية والإيرانية المسيطرة والمهيمنة على الفساد المستشرس داخل العراق والسيناريو نفسه يتكرر اليوم في لبنان من خلال عملية ترسيم الحدود البحرية، وتقاسم الغاز اللبناني بين إسرائيل وأمريكا مقابل أي محاولة عبثية من طرف حزب الله.


وهذا ما أكده الخبير الإستراتيجي “فواز أبو سلطان” لموقع أجيال القرن الـ21، بتصريح رسمي: بأن “اتفاق ترسيم الحدود البحري بين لبنان وإسرائيل ليست إلا وسيلة لكسب الوقت وتأمين المنشآت البترولية التي يتم العمل عليها في المنطقة الاقتصادية، وضمان عدم هجوم حزب الله عليها بالصواريخ أو الدرونات أو إحداث أي تخريب محتمل في هذه المنطقة. وعندما يبدأ الإنتاج التجاري في تلك الحقول سوف يظهر هناك مئات الأعذار حتى لا يتم تسليم لبنان نصيبه من مبيعات الغاز التي سوف تستأثر بها إسرائيل”.    

وبالتالي، إن أي حديث حول تفاهمات بين الرياض وطهران فهو محفوف بجملة تحديات غير وارد انجازُها. وبخاصة، أن الحديث عن تكتلات إسلامية تم استنزافُه وإجهاضِهِ بفعل التجارب الجهاديين في أفغانستان وقبلها في يوغوسلافيا والشيشان وسوريا وما تلاها من حرب على القاعدة وداعش اليوم، لم يترك إمكانية أو مجالاً، لتوحيد العالم الإسلامي عبر تكتلات إسلامية وبات الحديث عنها مشبوها ومتلازماً للصناعةِ والعمالةِ الاستخباراتيةِ، ولو أن تبرير ما حدث يمكن تسميته: بالظروف التاريخية، التي  سمحت للجهاديين والمتشيعين بالظهور نتيجة تاريخ من الاعتداءات والإساءات والمظالم والاغتيالات التي اختبرها كل من السني والشيعي، الكل عبر فيها عن توجهات متباينة.

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق