الاثنين، 19 يونيو 2023

«اليهود في التاريخ الإسلامي»

 «اليهود في التاريخ الإسلامي»

محمد إلهامي 

باحث في التاريخ والحضارة الإسلامية


يقول الفيلسوف الروسي الشهير تولستوي:«من فضائل الدين الإسلامي أنه أوصى خيرًا بالمسيحيين واليهود، ولا سيما قساوسة الأولين؛فقد أمر بحسن معاملتهم ومؤازرتهم، حتى أباح هذا الدين لأتباعه التزوُّج من المسيحيات واليهوديات، مع الترخيص لهنَّ بالبقاء على دينهن، ولا يخفى على أصحاب البصائر النيِّرة ما في هذا من التساهل العظيم »

 وهذا هو الأصل السائر في التاريخ الإسلامي، وأبرز دليل على هذا بلوغ اليهود المناصب العليا في الدولة الإسلامية في مختلف الأحقاب، وإلى هذا يشير صموئيل أتينجر بقوله: « يلاحظ دارسو التاريخ اليهودي في العصور الوسطى أن السلطات حرصت على جباية الجزية من اليهود، وتطبيق القوانين الإسلامية، ولكنها أتاحت لليهود في نفس الوقت تقلد العديد من المناصب المهمة، فكان حسداي بن شبروط في بلاط الخلفية الأموي عبد الرحمن الثالث (عبد الرحمن الناصر)، وشموئيل هناجيد (إسماعيل بن النغرالة) في غرناطة إبان القرنين العاشر والحادي عشر، على سبيل المثال، من أبرز الشخصيات اليهودية التي عملت في إطار الخلافتين الأموية والأندلسية. وكذلك خدم الإخوة إبراهيم وحيد ابنا سهل التوستاري لدى الخلفاء الفاطميين في النصف الأول من القرن الحادي عشر. وفي إطار الخلافة الفاطمية بمصر تقلد اليهود العديد من المناصب المهمة..ومن الملاحظ أن اليهود اندمجوا طيلة الفترة العثمانية في كافة الأجهزة الحكومية »

ولئن رُصِدت فترات اضطهاد أحيانًا فذلك إنما كان لفترات قصيرة استثنائية، ثم إنها في عمومها كانت ضمن سياق استبدادي عام، ولم تكن مختصة باليهود كأتباع ديانة مخالفة، هذا ما يقرره المستشرق الفرنسي مارسيل بوازار حين يقول: «الإسلام يتراءى أكثر تسامحًا كلما قَوِيَ واشتدَّ على الصعيدين الداخلي والخارجي، وتنص الآية القرآنية التي تمنع الإكراه على اعتناق الدين عن تأكيد لا يتزعزع، وقوة الأُمَّة تُوَفِّر للمؤمن ألا (يُخِيفَ) اليهودي ولا المسيحي، وأن يحترم _بالتالي_ شخصهما ودينهما ومؤسساتها.. وينبغي من جهة أخرى الإشارة إلى أن الشعوب الإسلامية بمختلف نزعاتها، الدينية أو الفلسفية، قد قاست ما قاساه المعاهدون حين بلغ جو التعصب ذروته [في السلطة]، إن لم تكن قاست أكثر مما قاسوا. وتنقل الكتب مثلًا أن أحد المسلمين لم ينج القتل على أيدي زمرة تخالفه الرأي إلا بعد أن ادعى أنه ذمي».

ويزيد المعنى وضوحاً المستشرقُ الإيطاليُّ الشهير فرانشسكو جابرييلي عندما يقارن بين الإسلام والمسيحية بقوله:

«إننا يجب أن نذكر دائمًا أنَّ الإسلام أضفى على (عقائد أهل الكتاب) -أي المسيحية واليهودية- مكانةً خاصة يحميها الشرع، وإن تكن ذات مرتبة أدنى في الدولة ولم يَدُمِ التزمت والاضطهاد فترات طويلة إلا في أوقات الشدَّة، وعدم الشعور بالأمان، أما قانون المسيحية فليس فيه أي مكان لأي دين آخر؛ لذا فقد انتقل بسرعة وبتطور منطقي، عندما انتصر على الإسلام إلى التعصب والاضطهاد»

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق