الأربعاء، 21 يونيو 2023

قراءة في كتاب عصر القرود

 قراءة في كتاب عصر القرود


اسم الكتاب: عصر القرود

الكاتب: د. مصطفي محمود

نبذة عن الكتاب:

الحب والمودة والرحمة – بين الزوجين – والفرق بين الثلاثة ؟! ولماذا تم ذكر الأخيرتين فى القرآن عوضاً عن الحب ؟!
ما الفرق بين الحب والشهوة ؟ وهل هما نفس الشئ ؟ وهل يجتمعان فى شخص ؟
.التساؤلات السابقة وأكثر منها يناقشها معنا الان كتاب عصر القرود الذى بين أيديكم للكاتب د-مصطفي محمود


تلخيص كتاب : عصر القرود



قراءة ربيع بن المدني السملالي

انتهيتُ قبل قليل من قراءة كتاب "عصر القرود"؛ للدكتور مصطفى محمود، كتاب صغير الحجم، يقع في تسعين صفحةً من القطع الصَّغير، عثرتُ عليه وأنا أبحث في محرِّك البحث عن كتاب آخر للدُّكتور جلال أمين عنوانه: "عصر الجماهير الغفيرة"، فاستفزَّني عنوانه، وجعَلني الفضول أُسرع بتحميله، رغم أنِّي لستُ من هُواة القراءة للأستاذ مصطفى محمود، لاسيما أنه رجل متأثِّر في كتاباته بصوفية الحلول ووَحْدة الوجود، ولا شيء يضايقني في كتابات الإسلاميين كالكتابة الصوفية وشطحاتها التي لا يقرُّها كلُّ صاحب عقل يَحترم عقله.


الكتاب يضمُّ بين دَفَّتيه مقالاتٍ ذاتَ عناوينَ مغرية، تحملك حملاً لابتلاعها، وتدفعك دفعًا لسبر أغوارها، والحقُّ يُقال، هو كتاب لطيف مفيد فيه بُعْد نظَر، وإشاراتٌ على طريقِ من يريد الله والدَّار الآخرة، وتعرية لأهل الفجور والسُّفور والإلحاد والزَّندقة، وعبَّاد الشَّهوات، وفيه واقعية وتَصريح مكشوف لا خيال فيه ولا رمز، وفيه مُبالغات وشطحات لكنَّها ليست كثيرة مقارنة مع الحقِّ الذي ساقه، جاءت عناوينه الثلاثة عشر على هذا الشَّكل مُرتَّبة تجعل عينَيكَ تُسرعان بالقراءة لتكتشفَ مضامينها: "المرأة (..)"، "وجاء عصرُ القرود"، "الحبُّ في عالم مُتغيِّر"، "الحبُّ لا الرَّحمة نعم"، "متى يكون الحبُّ جهلاً"، "مَن هي المرأة الفاضِلة"، "عن الشَّهوة"، "الحبُّ والشَّهوة"، "الحبُّ هل أصبح وثنيَّة"، "هل نحن في آخر الزَّمان"، "غرفة تغيير الملابس"، "أنشودة حبِّ الذي خلق"، "هتك الستر".


أمَّا المقالة الأولى فقد تحدَّث فيها عن تبرُّج وسفور النِّساء في هذا العصر، وصرَّح أنَّ ذلك قمَّة التخلُّف والرجعية، وإن زعمتِ العكسَ هذه المرأةُ المتهتِّكة العارضة زينتها وبضاعتها في شوارع المسلمين، وقد سخر منها سخرية لاذعةً صادمة لكل مَن ألقت جلباب الحياء وأشاعت بين المسلمين لباس أهل الإباحية والجاهلية، فاسمعه وهو يقول متهكمًا: هذه هي المرأة (..) في التصور العصري، ومثل هذه المرأة المصنوعة إذا وضعت رأسها تحت الحنفية أو تصبَّب عليها العرق في يوم قائظ ليَمحو الطلاء والزخارف، سوف تتحول إلى امرأة أخرى، ولو نجحت بإغرائها إلى حملك إلى الفِراش، ثم بدأت تخلع الباروكة والرموش والكورسيه والمساند والسوست، وربما طقم الأسنان والنُّهود والكاوتش والعين الصناعية، فسوف تُلقي بنفسك من النافذة وتهرب بجلدك من الشغت والكرشة المتبقيَة.


أما المقالة الثانية فقد تحدث فيها عن تلوث البِيئة، وفقدان الطبيعة، والغرق في أوحال المصانع والمبيدات التي اكتشفها الإنسان ليكون أكثر تقدمًا وراحة، فإذا بالسِّحر ينقلب على الساحر، وتنفلت منه قوته في أسرع وقتٍ، فيَخطو إلى الشيخوخة وهو في سنِّ الخمسين، ويموت أسفًا وحسرة؛ إذ إنه أساء إلى نفسه من حيثُ أراد لها الإحسان، يقول رحمه الله: وأصبح إنسانُ اليوم إنسانًا شاحبًا لاهثَ الأنفاس، هضيمَ الوجه، يشكو الكبد والبلغم والربو والمصران، ويخطو إلى الشيخوخة وهو ما زال في الخمسين.

 

أما المقالة الثالثة والرابعة والخامسة فقد تحدَّث فيها عن الحب، هذا الاسم الجميل الذي أصبح مبتذلاً بين صفوف المراهقين والمراهقات من الرجال والنساء، وأصبحت تَنهَتِك الأعراض باسمه، وتُستباح الكرامات تحت رايته، فهو - على حد تعبيره - مجرد شهوة وعذاب وبكاء وسهر، فهناك الرحمة والمودة فقط هما الشرعيان، أما الحب فلم يأت في القرآن الكريم إلا حين همَّت امرأة العزيز بنبي الله يوسف عليه وعلى نبيِّنا محمد الصلاة والسلام، ﴿ وَقَالَ نِسْوَةٌ فِي الْمَدِينَةِ امْرَأَتُ الْعَزِيزِ تُرَاوِدُ فَتَاهَا عَنْ نَفْسِهِ قَدْ شَغَفَهَا حُبًّا إِنَّا لَنَرَاهَا فِي ضَلَالٍ مُبِينٍ ﴾ [يوسف: 30].

 

لذلك يقول: إن ممارسة الحب والشهوة بدون إطار من الرحمة والمودة والشرعية هو عبث لا بدَّ أن يَنتهيَ إلى الإحباط.

 

وفي المقالة السادسة يتساءل عن المرأة الفاضلة: هل هي موجودة في هذا الزمان الموحِش؟ وهل بإمكاننا العثور عليها وعلى مواصفاتها المتمثِّلة في مريم عليها السلام وآسيا امرأة فرعون وخديجة رضي الله عنهما، ويضرب أمثلة من التاريخ باختصار غير مخلٍّ، ثم في الأخير يُخاطب الرجل المسلم الباحث عن امرأة فاضلة كخديجة فيقول: ولِتجدَ امرأة كخديجة؛ لا بدَّ أن تكون رجلًا كمحمد صلى الله عليه وسلم.


أما السابعة فهو يهاجم الشهوة وأصحابها الذين لا ضابط لهم في كَبحِها وقَمعِها خارج الإطار الشرعيِّ لها، ويُقارنُهم بالحيوانات التي فضَّلنا الله عليها بالعقل، فيقول بين ثنايا كلامه: فالإنسانُ هو إنسان فقط إذا استطاعَ أن يقاوم ما يحبُّ، ويتحمَّلَ ما يكرَهُ، وهو إنسان فقط إذا ساد عقله على بهيميته، وإذا ساد رُشده على حماقته، وتلك أول ملامح الإنسانية في الإنسان، فلا بديل عن الكفاح، فذلك قدر الإنسان، وذلك أيضًا شرفه وامتيازه على الملائكة.


ولم يخلق الإنسان ليرثَ الجنة بلا مجهود؛ وإنما خُلِقَ ليأخذ الجنة غِلابًا، وبعد إثبات الاستحقاق؛ ﴿ لَقَدْ خَلَقْنَا الْإِنْسَانَ فِي كَبَدٍ ﴾ [البلد: 4].


ويعودُ في المقالة الثامنة والتاسعة للكلام عن الحب ومقارنته بالشهوة، مُفندًا بكلام منطقي نفيس قولَ اليهوديِّ فرويد الذي يقول: إن الحب يَخرج من ينبوع الجنس، بل إنه عين ذلك الينبوع.


ولولا ضيق المساحة في هذه الورقات لنقلتُ كلامه النفيس كلَّه لتعمَّ الفائدة؛ لذلك سأكتفي بالإحالة عليه في الكتاب (ص: 49) وما بعدها لمن يريد الاطلاع عليه.


وفي المقالة العاشرة يطرحُ سؤالاً مفادُه: هل نحن في آخر الزمان؟ ثم يجيب عليه بإسهاب لا يخلو من تشاؤم، وساقَ آيةً كريمة وكأنني أقرؤها لأول مرة؛ إذ وقفتُ عندها طويلاً متأملاً، وهي:

﴿ حَتَّى إِذَا أَخَذَتِ الْأَرْضُ زُخْرُفَهَا وَازَّيَّنَتْ وَظَنَّ أَهْلُهَا أَنَّهُمْ قَادِرُونَ عَلَيْهَا أَتَاهَا أَمْرُنَا لَيْلًا أَوْ نَهَارًا فَجَعَلْنَاهَا حَصِيدًا كَأَنْ لَمْ تَغْنَ بِالْأَمْسِ ﴾ [يونس: 24].


فيعلِّق عليها بقوله: ولا شكَّ أن الأرض سوف تأخذ زخرفها وسوف تتزيَّن في خلال عشرات السنين القليلة القادمة، كما لم تتزين في أي زمان آخر مضى، وسوف يظنُّ أهلها أنهم قد تمكنوا من كل شيء، وقدروا على كل شيء، وقد بدؤوا من الآن يظنُّون بأنفسهم ذلك، فقد أسقطوا الأمطار صناعيًّا، ونقلوا قلوب الموتى إلى الأحياء، وزرعوا الأجنَّة في القوارير، ومشوا على القمر، وقد تصور الإنسان نفسه إلهًا، فخرق الشرائع وانطلق يَستمتِع كما يريد.

 

إن زمان ذلك الأمر قد اقترَب إذًا.

 

ثم يَختم كتابه بثلاث مقالات تصبُّ في الموضوع نفسه، عن إنسان هذا العصر وضَياعه وتشرده وطغيانه وبهيميته، وانشغاله بالتفاهات، وارتداء الأقنعة لممارسة السفالة والدناءة والنفاق، فيقول ساخرًا: الرؤساء والسلاطين والأباطرة يَخلعون ملابسَهم ويرتدون ملابسَ الخدَم، والخدَمُ يلبسون طيالس الملوك.

 

الكهنة يخلعون تيجانَ الذهب ويضَعون أقنعة الحمير والخنازير، والحكماء يَرتدون ملابس السوقة، والسوقة يَجلسون في منصَّات القضاء.

 

وأسأل نفسي أحيانًا..

تُرى هل اقتربنا من تغيير المناظر بالفعل؟

وهل أشرَفَ المشهد الدرامي على نهايته؟

وأتحسَّس ثيابًا مُرتاعًا وأتساءل: تُرى من أكون في المشهد القادم؟!


الكتاب في عمومه يستحق المطالعة، وما قراءتي له في هذه العُجالة إلا لتحفيز القراء على مطالعته، فهو مفيد في وقتنا الراهن، ودامت لكم المسرَّات.

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق