الجمعة، 11 مارس 2011

للسلطان الجائر وجوه شتى : سياسي واجتماعي وثقافي وقضائي

للسلطان الجائر وجوه شتى : سياسي واجتماعي وثقافي وقضائي
بقلم د . عبدالله الحامد
فلنتأمل مفهوم السلطان الجائر، وسنجد أنه ليس محصورا في النموذج السياسي الذي هو في الغالب كل مستول على السلطة عن طريق القهر والغلبة، دون شورى من المسلمين، ولا انتخاب، دون أن تتوافر فيه صفات الإمام الشرعي، كالعدالة والكفاية والمشاورة، وكل حاكم مستبد فهو جائر لأن رذيلة الاستبداد هي جرثومة كل فساد.
أ- الفحوى تشمل كل سلطان ولا تنحصر بالسلطان السياسي:

من هو السلطان الجائر المقصود بالحديث؟ أوتي الرسول صلى الله عليه وسلم جوامع الكلم، وجوامع الكلم هي العبارات المركزة الموجزة الموحية ،التي تحتوى على معان أخرى إضافية،فوق دلالاتها الأساسية.

وقد أشار إلى ضرورة الانتباه الى المعاني الاضافية والثانوية غير المباشرة ابن دقيق العيد، ومن بعده كما أشار ابن القيم ، ومثل لها بأنواع منها الفحوى وقياس المخالفة، كما ذكر الشوكاني في ارشاد الفحول مثال ذلك قوله تعالى " وكذلك نولي بعض الظالمين بعضا، فقياس المخالفة يقتضي قاعدة مقابلة: هى نولي بعض الصالحين بعضا، وهذا وذاك قانون من سنن الله الاجتماعية والسياسية.
فعبارة السلطان الجائر تتضمن أمرين:

الأول: السلطة التي تخضع الناس رغباً ورهباً، وكل من خافه الناس ورجوه فهو سلطان، سواء أكان سياسياً أم قضائيا أم ثقافياً أم اجتماعياً.

الثاني: الجور، وكل من حاد عن الطريق المستقيم فهو جائر، وكل جائر لا يتوقع أن يعامل الآخرين والناصحين بالعدل والإنصاف.

فلنتأمل مفهوم السلطان الجائر، وسنجد أنه ليس محصورا في النموذج السياسي الذي هو في الغالب كل مستول على السلطة عن طريق القهر والغلبة، دون شورى من المسلمين، ولا انتخاب، دون أن تتوافر فيه صفات الإمام الشرعي، كالعدالة والكفاية والمشاورة، وكل حاكم مستبد فهو جائر لأن رذيلة الاستبداد هي جرثومة كل فساد.
الحاكم الجائر كل حاكم يحكم حكماً مطلقاً، من دون صدوره عن قرارات نواب الأمة المنتخبين الذين يجسدون إرادتها، ولهم حق مراقبة الحاكم، ومحاسبته ورسم خطوط السياسة الخارجية والداخلية، وذلك هو ضمان السلطة القضائية المستقلة والمجسدة ايضا وحصر عمل الحاكم فى مجال السلطة التنفيذية.

وكل سلطان غير منتخب، ولا يخضع لشروط المنتخب فإنما هو سلطان مغتصب، وقد يتحول-تلقائيا- إلى طاغوت يلبس برقع الإسلام، تسكره السلطة فيطغى ويغتصب إرادة الأمة، ويسرق أموالها وأراضيها، ويستأثر بالإدارة، ويقتل روح الكرامة والشهامة فيها، وإن قطع عاقب سارق الشاة، ومغتصب الفتاة، وشارب الخمرة.

ب – السلطان الثقافي الجائر:

فحوى الحديث تشمل كل ذي سطوة وبأس، فقد يكون السلطان الجائر ثقافياً، كأن يكون السلطان هيئة ثقافية، تستعين بسيف السلطان وذهبه، ذات نفوذ لا يستطيع أحد معارضتها، وأن لا تعرِّض للأذى والمطاردة، تحتكر مراكز الإعلام والثقافة. وقد يكون هيئة فقهية تحتكر تفسير الدين وصياغة العقيدة، وتبتدع في أصوله وفروعه، وتلزم الآخرين برأيها، وتخالف السلطان لمآربها، كما يستغلها السلطان أيضاً لأغراضه.
وكم من النماذج عبر العصور التي نجد فيها تحالف ثنائية ( الفقهاء والأمراء ) على الاستبداد بشئون الناس. كما فى تحالف فقهاء المعتزلة مع السلطان المأمون العباسي. والتي تجلت فيها حرية الراي والتعبير والإجتهاد من خلال كلمات الحق التي قالها الإمام أحمد بن حنبل رحمه الله، ورفض من خلالها جبر السلطان الثقافي الديني، فكان جزاؤه الضرب والسجن والأذى.وكما في تحالف المتوكل مع الحنابلة، الذي نكل بالمعتزلة.

وقد تكون سلطة طائفة إسلامية تقمع المذاهب والطوائف الإسلامية ولا تسمح بغير مذهبها. وقمع الحرية السامية بدعة قديمة منذ العصر العباسي، وهي التي مهدت للدويلات الطائفية التي ظهرت بعيد العصر العباسي واستمرت حتى اليوم، قبل ظهور مفهوم (المواطنة) في الدول العربية والإسلامية.

من أجل ذلك فإن السلطان الجائر، يدخل فى مفهومه سلطة الطائفة الإسلامية القامعة،المستعينة بسيف السلطان وذهبه، التي تحتكر تفسير الدين، وتقمع المجتهدين والمخالفين، ولا تجيز لأحد أن يفتي بخلاف ما ترى. وهي بذلك تخل بأصل من أصول العقيدة هو حرية الرأي والتعبير السامية، التي جسدها الإمام أحمد بن حنبل بحقه فى الاجتهاد.

وكل مفكر أو مثقف أو طالب علم أو عامي يجهر برأي لا يخالف قطعيات الكتاب والسنة، فقد قال كلمة حق، وهو مجاهد مدني، حتى لو كانت كلمته في رأينا خطأً.

لإن قمع الحرية السامية من الباطل، وفتح النوافذ للشمس والهواء من الحق. كما في كلمات الحق التي قالها الإمام أحمد بن تيمية رحمه الله وكان جزاؤه السجن الذي طال وتكرر حتى توفاه الله فيه. عندما هاجم الجمود والركود، والوقوف على مظاهر الدين والعزوف عن مقاصده العظمى، التي ينبغي اعتمادها عند الوقائع والنوازل، كما في مسائل الطلاق. والسلطة السياسية الجائرة، تحرم حرية الرأي والتعبير والاجتماع والتجمع السامية.

من أجل ذلك فإن دعاة العدل والشورى وحقوق الإنسان؛ في العصر الإمبريالي سيجدون أن أكثر من يحامي عن الاستبداد، هم فقهاء الظلام، ومن أجل ذلك فإن الجهاد الثقافي في سبيل جلاء العقيدة السياسية في الإسلام، له أولوية مطلقة.

ج ـ سلطان القضاء الجائر :

والسلطة القضائية –غير المستقلة-إنما هي إدارة تابعة السلطة السياسية، و هي تابع مستكين أقسى وأمر على المجددين المصلحين المجاهدين من غيرها، ومن أجل ذلك فإن كشف حشرات الفساد فيها؛ إنماهو جهاد مدني أكبر، ولا سيما السلطة القضائية، التي تقمع حرية الرأي والتعبير باسم الدين، لأنها تضرب بسيفين معاً: سيف الدين، وما فيه من فتاوى بالكفر والانحراف والزندقة، والفتنة والبدعة، وسيف السلطان وما فيه من أحكام بالقتل على الردة والبغي والحرابة والفتنة، وقد عانى من هذه السلطة كثير من النوابغ والمفكرين الإسلاميين، كأحمد بن حنبل وابن تيمية وابن القيِّم، وابن رشد الحفيد وابن حزم، ومحمد عبده والأفغاني.

إن السلطان السياسي الجائر، سواء أكان فى القديم أو الحديث له ثلاثة أسلحة :
الأول السلاح الإعلامي ، من خلال تزييف الثقافة ، وقمع الوعي عبر الصحف والمساجد والكتب ، وسائر وسائل الإعلام
الثاني : القمع البوليسي عبر الهراوة واليد الفولاذية.
الثالث: القمع القضائي، الذي يضع على اليد الفولاذية ، قفازا من حرير ، مكتوب عليه كلمات العدالة والشريعة والحق.

د – عن السلطان الاجتماعي الجائر:

وهناك ما هو أخف قسوة من السلطة السياسية والثقافية والقضائية وهو السلطة الجائرة الاجتماعية، فالعادات الاجتماعية المتخلفة، أطغى وأقوى من السلطة السياسية، وخرافات وترهات العوام، أخطر على المجددين والمصلحين من ظلم الحكام، لأنها عوائد اجتماعية، رانت واستقرت في العقول، فأصبح إنكارها مغامرة تقود إلى المجهول.

إن المجدد والمصلح والداعية ، يخالف الحكام ، فيكتسب تأييدا شعبيا ، ولكنه عندما يحارب التخلف الاجتماعي؛ قد تجتمع عليه أنواع المؤذيات من كل جانب، عبر العزل الاجتماعي ، والعزل السياسي معا ،
إن كل جور أو خلل سياسي، إنما هو ناتج عن خلل اجتماعي، وأن كل خلل اجتماعي، يحتمي بخطاب ثقافي، يؤطر التخلف ويرسخ الاختلال، وأن كل خلل سياسي، إنما هو حاصل تراكم الخلل الثقافي والاجتماعي معاً.
إن التخلف كالتقدم، مثلث ذو ثلاثة أضلاع: ضلع سياسي وآخر ثقافي وثالث اجتماعي، فالسطان الجائر، هو سلطان قامع، سياسياً أو اجتماعياً أو ثقافياً.


ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق