من الذي يبث ثقافة الكراهية (*)؟
د. محمد الأحمري
أحد الطلاب العرب حكى لي شقيقه قصته أمس، فقال: أخي طالب دراسات عليا في الولايات المتحدة، ملامحه عربية كغالب العرب، ملتح وزوجته محجبة، جاءته جارته عجوز أمريكية، وطلبت منه أن تدخل البيت فأذن لها أن تدخل، وتفقدت البيت، وبحكم أنها من وسط الناس وعامتهم صرحت لهم بالسبب، قالت: إنني حلمت بأنك ـالطالب العربي صاحب الشقةـ سوف تختطف طائرة ثم تصدم بها شقتي! وقد قلقت من هذا الحلم، واتصلت بالشرطة، فقالوا لي إنه من الأحسن أن تزوريهم، وتطمئني، ولهذا زرتكم!!
قلت: إن هذا الشرطي عاقل جدا، ومؤدب لم يستجب للثقافة الحكومية الأمريكية السائدة اليوم في أمريكا، فهي الثقافة التي صنعت هذا الهوس عند هذه المسكينة.
وهو موقف خلاف السائد، ففي محاكمة أحد الطلاب العرب ادعت الحكومة الأمريكية في قائمة تهم المحكمة له أنه اتصل -أو له علاقة- بمحمد أسد!!
محمد أسد في الأصل من يهود النمسا، قدم للجزيرة العربية قبل أكثر من خمسين عاما، وأسلم وكتب كتابا مهما أعيدت طباعته بالإنجليزية والعربية مرات عديدة، وهو إلى الآن في الأسواق. ومات قديما، ولكن الطالب المتهم قال في محادثته مع أحدهم سهرت البارحة مع محمد أسد!! وهو يعني: مع كتاب محمد أسد، فتوهمت الحكومة أو.. أن محمد أسد زعيم عصابة إرهابية!! ولصاحبنا علاقة به، ومخطط قادم، وخلية نائمة ولكنها سهرت تلك الليلة على برنامج عمل مريع قادم!!
ولهذا، فقد كنت أطلب من الأصدقاء الذين يتحدثون على الهاتف من أو إلى أمريكا أن يشرحوا تماما وبوضوح ما يقصدون، ولا يتركوا مكالماتهم تحت رحمة مترجم غبي، أو حاقد مشبع بثقافة الكراهية، فكلمات مثل: "الموضوع الذي تعرف، أو النقاش السابق، أو جماعتنا، أو الشباب، أو الإخوان، أو القصة التي حدثتك عنها، قد تجر عليك ما لا قبل لك به، ومن أسهل التهم أنك عضو في خلية نائمة أو قائمة!
من الأساطير الأخرى، التي تنشرها ثقافة الكراهية: أن بعض الطلاب العرب لديهم أسلحة نووية في شققهم!! تستغربون!! من بين أعضاء الفريق الذين فتشوا شقة طالب عربي كان خبير لأسلحة نووية.
عندما ذكر لي الأخ قصة أخيه تذكرت أنني كنت في صباح ذلك اليوم مسافرا بين جدة والرياض، ولقيت في الطائرة صديقا قادما من بلد غربي آخر -أقل حدة على المسلمين من أمريكا- فسألته السؤال المعروف الذي يسأل عنه اليوم أي عربي قادم من بلاد ثقافة الكراهية، كيف أنتم وأجهزة الأمن؟ قال: الحقيقة أنهم آذوني كثيرا، فبعد زيارات كثيرة لرجال الأمن، مزعجة ومملة، وليس عندهم معلومات ولا حوار معقول، قالوا له في آخر لقاء: "نحب أن تعمل معنا" قال: كيف وأين؟ فسروا للسؤال، وبشائر الاستجابة للطلب، وقالوا: في بلدك، فلنا مصالح وأشخاص يهمنا أمنهم.
كنت ـ ولم أزل ـ أتمنى أن يكون في بلاد العرب من يهتم، فيدعو الحكومات الأمريكية أولا ثم غيرها تبعا؛ أن تخفف من سيل ثقافة الكراهية والحقد الشديد الذي ينشر ضد العرب، ويشوه المسلمين في كل لحظة، فالموقف الرسمي للحكومة الأمريكية من العرب والمسلمين ـ كما ينشر إعلامها ـ حاقد ومريع، مهيج لشعبها ليصنع ثقافة إرهابية ضد كل ما هو عربي وإسلامي.
نقدر حاجة الحكومة الأمريكية لأن تحشد الشعب للحرب ضد العرب والمسلمين، وليقف الشعب مع الجمهوريين ومع من يسمونهم باليهود الجدد، أو المحافظين الجدد، لتبرير الإرهاب الصهيوني، وتبرير ذبح العرب ومطاردتهم، ولكن ثقافة الكراهية الصادرة من أمريكا أصبحت تصنع الجنون حتى لعامة الناس، وأصبحت الأحلام كوابيس عربية!!
ثقافة حقد ورعب لا يطيقها الشعب الأمريكي نفسه، فهل آن للعقلاء من أي مكان أن يوقفوا هذا الهوس؟ أو يخففوا من ثقافة الكراهية؟
(*) المقال قديم نشرته العصر في ديسمبر 2004 ونعيد نشره اليوم تزامنا مع تجدد حملة الكراهية التي يتلى كبرها بعض متعصبي النصارى وناشطي اليمين المسيحي في الولايات المتحدة.
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق