السبت، 7 أكتوبر 2023

نخبة مدمَّرة في أمة مخدَّرة


نخبة مدمَّرة في أمة مخدَّرة


بقلم د محمد عباس
الأربعاء، 11 فبراير 2015
من لا يعرف الأمس جيدا لا يدرك مدى فداحة الانهيار الذي وصلنا إليه..
من لا يعرف أننا حملة الدين الذي لن يُقبل عند الله من يبتغ سواه والذي لم يكن –وليس- في الوجود كمثله دين.. وأتباع النبي الخاتم الذي لم يكن كمثله بشر.. وكنا أكبر دولة في التاريخ وأعظم دولة وأعدل دولة. ومن لا يعرف تاريخ الخمسة عشر قرنا الأخيرة لن يدرك مدى فداحة الانهيار.
كيف انتقلنا من القمة إلى السفح..
من صدارة الصف الأول إلى ذيل الصف الأخير..
لذلك قصة طويلة..
قصة نبيلة وحزينة..
رائعة وحزينة..
لقد كنا هملا فى التاريخ بعد أن بادت حضاراتنا الأقدم فأكرمنا الله بالإسلام فإذا نحن خير أمة أخرجت للناس نأمر بالمعروف وننهى عن المنكر..
برسالة الإسلام بلغت البشرية نضجها.. انتقلت من التجسيد والتحريف إلى التجريد والإيمان.. إننى أرجوكم أن تركزوا على هذا المعنى .. على الإيمان.. على درجة التوحيد وفقهه .. تلك القمة السامية التى منحنها الله وفضلنا بها على العالمين.. فعندما يؤمن الواحد منا بالله يرى كل شىء من خلاله.. الحياة والممات والنسك.. لا يصبح ما لقيصر لقيصر بل لله السماوات والأرض وما بينها.. لا يصبح الدين لله والوطن للجميع.. بل لله الأمر كله.. وتحت ظلال هذا الإيمان واجه المسلمون أقوى قوة فى ذلك الزمن..
عندما اصطدم الجيش الإسلامى فى غزوة مؤتة بالجيش الرومانى.. ثلاثة آلاف مقابل نيف ومائتى ألف.. كان ذلك عام 8 هجرية.. وقامت معركة هائلة لم يزد شهداء المسلمين فيها عن ثلاثة عشر شهيدا مقابل مئات من جيش العدو.. وكان أعظم انسحاب استراتيجي في التاريخ قاده خالد بن الوليد رضي الله عنه.. وكان النجاح في هذا الانسحاب بهذا القدر من الشهداء يعني هزيمة مذهلة للجيش الأكبر.. بعدها بخمسة أعوام فقط.. كان الجيش الإسلامى يحارب على جبهتين أقوى إمبراطوريتين فى العالم فى نفس الوقت فقضى على الفرس قضاء تاما أما الرومان فقد هزمهم فى موقعة اليرموك هزيمة فادحة وانسحب "قيصر" قائلا كلمته التى احتفظ بها التاريخ: {عليك يا سوريا السلام.. سلاما لا لقاء بعده}..
لم يكن المسلمون قط .. لا فى هذه المعارك ولا فى جميع المعارك التى انتصروا فيها بعد ذلك أكثر عتادا أو أشد قوة.. لم ينتصروا بالعتاد ولا بالقوة بل بما وقر فى قلوبهم.
لقد كان أعداؤهم أكثر تقدما منهم بما لا يقاس.. ولقد نقلوا عن أعدائهم سرّ قوتهم.. نقلوا عنهم التكنولوجيا لكنهم لم ينقلوا عنهم الانحلال والشرك.. ولم يفقدوا إحساسهم لحظة أنهم الأرقى والأسمى.. أنهم الأعلون.. عكس ما نفعله نحن الآن تماما..
فى "حطين" كان عدد جيش "صلاح الدين" اثنتى عشر ألفا.. وبعد الإمدادات والأعراب وصل عدد الجيش إلى 24 ألفا.. وكان عدد الصليبيين أكثر من ستين ألفا وكانوا أيضا أكثر عتادا وأشد تقدما وقوة.. وانتصر المسلمون انتصارهم الساحق..
 نفس الأمر فى "عين جالوت"..
هذا الثأر لم ينسه الصليبيون أبدا..
لم تغفر الحضارة الغربية الصليبية للإسلام أبدا.. لم يتركونا فى حالنا أبدا..
لكن "لويس التاسع" عندما انهزم وأسر فى مصر.. اكتشف بعد الإفراج عنه -كما يحدثنا الدكتور محمد الغتيت: والد المحامي الدولي الشهير الدكتور على الغتيت- أن هذه الأمة لن تهزم أبدا بالمواجهة المباشرة.. وظل "لويس التاسع" الذى جعلوا منه قديسا فى القدس أربعة أعوام يضع خطته لمواجهة المسلمين عبر التاريخ بعد أن أدرك أن المعركة ستتواصل جيلا بعد جيل.. اكتشف الرجل وكان على صواب أن المسلمين ينتصرون بإيمانهم.. برسوخ عقيدة الجهاد فيهم.. بإدراكهم أن الدنيا لا تساوى عند الله جناح بعوضة.. بإيمانهم أن ما عند الله خير وأبقى.. بيقينهم أن الهزيمة كلمة لا توجد فى قواميسهم وإنما إحدى الحسنيين: النصر أو الشهادة.
أدرك "لويس التاسع" أنه لا يمكن مواجهة هذه الأمة إلا بتفريغ دينها من مضمونه ومحتواه..
إننى مضطر للإيجاز المخل.. لكن من عهد لويس هذا بدأت ثلاثة حركات متصلة أشد ما يكون التواصل.. كل منها مهدت للأخرى وشدّت من أزرها وساعدتها.. تلك الحركات هى الاستشراق والتبشير والاستعمار..
بعد فشل حملة لويس التاسع ولمدة قرنين كان الغرب الصليبى يستجمع قوته ويتهيأ للانقضاض..
وكنا نحن المسلمين قد فقدنا قوة اندفاعنا الحضارية فى مواجهة الغرب الصليبى والتتار(والحملتان كان يحركهما نفس الهدف للقضاء على الإسلام لكن كتب التاريخ تخفى عنا ما هو ثابت بالوثائق من تآمرهما المشترك للقضاء على الإسلام)..
كنا مثخنين بالجراح بعد أن أعطينا العالم أنبل حضارة فى التاريخ وبعد أن خضنا كل بحار العلوم..
ومع انتفاضة أوربا وهزيمة المسلمين فى الأندلس ابتدأت موجة عاتية كادت تبيد المسلمين جميعا كما أبيد الهنود الحمر.. وكان ميناء جدة قد حوصر تمهيدا لهدم الكعبة والاستيلاء على رفات الرسول صلى الله عليه وسلم وعرضه في اللوفر وقطع النيل عن مصر من منابعه لولا أن قيض الله دولة إسلامية هى الدولة العثمانية لوقف سرعة انهيارنا..
إن العلمانيين يتحدثون عن الفتح العثماني لمصر ككارثة بينما كان من أهم أسبابه مواجهة الصليبيين وحماية مكة والمدينة.. ولو أنهما-لا قدر الله سقطتا لسقط وراءهما العالم الإسلامي كله وأوله مصر..
في أقل من عام بعد هذا الفتح كانت الدولة العثمانية تجري تحركا مذهلا من أبرع التحركات في التاريخ.. كان البحر الأحمر والخليج العربي والمحيط الهندي تحت سيطرة الصليبيين بعد هزيمتنا في موقعة ديوي البحرية.. 
ولم يكن للعثمانيين أي أسطول لمواجهة الصليبيين..وهنا اتخذوا قرارهم المذهل.. لقد نقلوا أسطولا هائلا- من السفن التي فككوها- على الجمال من الإسكندرية إلى السويس ليعيدوا تركيبها هناك..
فوجء الصليبيون بهذا التطور المذهل وبالأسطول الضخم الذي واجههم وهزمهم وفك الحصار عن جدة.. بل وطرد الأسطول الصليبي من البحر الأحمر كله ليظل بحرا عربيا لمدة ثلاثة قرون بعدها لم يكن يسمح فيها لسفينة صليبية بأن تمخر فيه..
لقدأجلت الدولة العثمانية انهيارنا ثلاثة قرون.. أجلت شِقّ الاستعمار ثلاثة قرون لكن التبشير والاستشراق كانا يؤتيان أكلهما.. كنا ننهزم من داخلنا.. وكنا نقرأ تاريخنا بعيون المستشرقين.. كنا نستلب.. نفقد منهج ديننا شيئا فشيئا.. كنا نُروَّض كالعبيد.. مسخوا ديننا وشوهوه.. تركوا القشرة الخارجة واستلبوا القلب والعقل والضمير..
عندما صرخ حسين الشافعى فى شهادته على العصر-كما صرخ غيره في أماكن أخرى- أن المخابرات المركزية الأمريكية زرعت رؤساء وملوكا عربا كعملاء لها كنت أقول لنفسى أن الكارثة أبعد من هذا بكثير..
 كنت أستعيد قول جلال أمين.. أن الحكام العرب يخونون قضية أمتهم منذ خمسة قرون.. بل ذهبت إلى أبعد مما ذهب إليه جلال أمين.. لم يكن الحكام العرب وحدهم.. بل جل حكام المسلمين.. وليت الأمر اقتصر على هذا وإلا لأمكن للأمة أن تعالجه..
كانت نخبة الأمة قد أصيبت .. أصبحت عبدة لمفاهيم المستشرقين.. وكان الغرب يشجع بل ويتآمر كى يضع تلك النخبة الخائنة فى الصدارة لكى تتولى مقاليد الأمور..
لم يكن هذا جديدا.. كان قديما .. منذ وظفوا محمد على كى تكون الدولة ضد الأمة..
ولقد قام محمد على بالدور المطلوب خير قيام .. فإن الجيش الذى صنعته له فرنسا، وقام بتدريبه سليمان باشا الفرنساوى قد استخدمه محمد على لا فى محاولة الاستقلال عن الخلافة فحسب، بل فى محاربة الخليفة نفسه! وقد كاد يتغلب على جيش الخليفة بالفعل لولا تدخل بريطانيا.. تظاهرا بالوقوف فى صف الخليفة، وغيرة فى الحقيقة من أن تستأثر فرنسا بصداقة السلطان، وبالنفوذ فى مصر!
وفى الوقت نفسه لتخدم الهدف العام للصليبية بطريقة أخرى.. فقد أوقفت بريطانيا محمد على عند حده فى ظاهر الأمر، و منعته من مهاجمة الخليفة، وفى الوقت ذاته ضمنت له الاستقلال الفعلى عن الخليفة، وكرست أول شق عميق لفكرة الدولة الإسلامية المحورية.. سلحته أوروبا كى يستنزف قوة الإسلام وكى يكون كل الضحايا مسلمين.. 
هذا بينما تجمعت أوربا الصليبية كلها لتحطيم محمد على فى معركة نافارين لأنه نسى نفسه وتجرأ على مهاجمة دولة صليبية هى اليونان! فقد كبّرته الصليبية وسلحته لمحاربة الإسلام فقط ، فإذا فعل ذلك فله كل العون. أما إذا هاجت أطماعه لحسابه الخاص ، فمسّ أحد الصليبيين بسوء، فإنهم يتحدون عليه لتحطيمه تحطيما كاملا إذا لزم الأمر..
لاحظوا يا قراء أن التنويريين الذين يستخدمون الشيخ محمد عبده بعد تشويه أقواله لهدم الإسلام لا يذكرون أبدا رأيه في محمد على.
إنه يقول على سبيل المثال: (( لا يستحي بعض الأحداث من أن يقولوا أن محمد علي جعل من جدران سلطانه بِنيَةً من الدين . أي دين كان دعامة للسلطان محمد علي ؟ .. دين التحصيل ؟.. دين الكرباج ؟ .. دين من لا دين له إلا ما يهواه ويريده ؟ وإلا فليقل لنا أحد من الناس : أي عمل من أعماله ظهرت فيه رائحة الدين الإسلامي الجليل )).
كما كتب في ((مجلة المنار 1902/1322 هـ بمناسبة مرور مائة سنة على تأسيس ملك هذه الأسرة قال :
إن لمحمد علي ثلاثة أعمال كبيره وكان كل منها موضوع خلاف نافعاً كان أو ضاراً بالمسلمين في سياستهم العامة
1-تأسيس حكومة مدنية في مصر ( أي علمانية ) كانت مقدمة لاحتلال الأجانب لها .
2-قتاله للدولة العثمانية بما أظهر به للعالم كله ولدول أوربا خاصة ضعفها وعجزها وجرأهم على التدخل في أمور سياستها .
3-مقاتلتة الوهابية والقضاء على ما نهضوا به من الإصلاح الديني في جزيرة العرب مهد الإسلام ومعقلة .
التنويريون الحداثيون العلمانيون الليبراليون أنصار الدولة المدنية لا يذكرون هذا أبدا لأنهم يريدون من محمد عبده وسيلة لهدم الإسلام لا لإعادته إلى الصدارة.
إننى أتناول مجرد العناوين ولا أطرح إلا رؤوس الموضوعات.. فالمجال لا يتسع لطرح أكثر من هذا ..
أتناول ما حدث فى القرن التاسع والقرن العشرين.. حين أكمل الغرب حركتى التبشير والاستشراق بالاحتلال المباشر.. حين استطاع بقوة الدبابة والمدفع.. أن يغير النخبة القائدة فى كل بلد إسلامى .. النخبة القائدة في السلطة والثروة والثقافة بل وحتى في الدين.. قرّبَ الغرب الخونة وأعدم الأبطال.. ونحّى منهج الإسلام تماما.. ثم راحوا ينشرون من أكاذيبهم وضلالاتهم ما ينزع الإسلام من قلوبنا ويبغّضه إلى عقولنا..
لكم كان محزنا أن نكتشف-للفجيعة- أنهم نجحوا..
لقد هزمنا واستسلمنا ونحينا الإسلام عن صياغة أمرنا.. كان كخيط العقد فرطنا فيه فانفرط أمرنا..
ظللنا ألف عام أقوى أمة وأنبل أمة وأشجع أمة وارقى حضارة..
لم نضعف بالإسلام أبدا بل ضعفنا عندما تخلينا عنه..
ولست بمدع أن كل عصور تلك الفترة كانت عصور خير.. بل كان بعد الخير شر وبعد الشر خير حتى أتى هذا الشر الذى نعيش فيه الآن ولا نعلم حتام يدوم..شر أسود خالص بلا بصيص ضوء إلا الأمل فى وعد الله..
إن لم تكونوا –يا قراء- تؤمنوا بفكرة المؤامرة الأبدية والتعارض الحتمى الذى تحمله حضارة الغرب لنا فإننى أدعوكم للأيمان بمؤامرة الشيطان علينا.. على إيماننا.. لأنه إما إيمان وإما كفر..
لكم هو محزن –لحد الفجيعة- أننا نُحْكمُ الآن بفكر الغرب وحضارة الغرب وحقد الغرب على الإسلام والمسلمين..
إن إعلامنا وتعليمنا وسياستنا مكرسة كلها ضد الإسلام ولصالح حضارة الغرب..
ولقد ابتدءوا بفرض التغريب التغريب فلم يأخذوا منه إلا قشور الانحلال التى سمح لهم بها الغرب ثم انتقلوا من التغريب إلى التغييب..
فى هذا الجو لم يكن للإسلام أن يستسلم.. أبدا لم يكن له ذلك.. وحاول بعض أبنائه الجهاد فى سبيل الله.. أخطأوا وأصابوا .. لكنهم كانوا إلى الصواب أقرب.. وإننى لا أملك حتى فى الخطاة فيهم إلا قول الإمام على كرم الله وجهه أنهم قوم طلبوا الحق فأخطأوه.. وأن النخب الحاكمة فى جل عالمنا الإسلامى قوم طلبوا الباطل فأصابوه..
ماذا فعلت السلطة التى لم تنشأ إلا بالاستعمار فى الاتجاه الإسلامى..؟..
نصبت المشانق..
زورت الانتخابات..
أوصدت كل الأبواب..
ولقد تصرفت أجهزة الأمن فى جل عالمنا الإسلامى كما لو كانت فرقا بقيت من جيوش الصليبيين لتستأصل ما بقى من شأفة الإسلام.. بل إن النخبة تفخر بعلاقاتها بالغرب.. ولو كنا في زمن مضى لقلنا أن ذلك مشين كعلاقة شاذة.. ولكن ماذا نقول إذا كانت العلاقة الشاذة نفسها لم تعد في عرفهم مشينة.
لقد نشر تقرير رسمي أمريكي رفعت عنه السرية مؤخرا - يقول إن الولايات المتحدة تنفق ما يقرب من 5 ملايين جنيه مصري سنوياً علي تدريب الأمن المصري علي مكافحة الإرهاب، وقال التقريرإن العلاقة بين البعثة الدبلوماسية الأمريكية «وعناصر أمن الدولة في مصر وهيئات الشرطة علاقة تعاونية ووثيقة وفعالة».
يا إلهي..
أفهم أن نستورد السلاح منهم.. لكن كيف نستورد منهم عقيدة مقاومة الإرهاب..
الإرهاب الذي رفضت أمريكا أن تعرفه أو أن تتحدث عن مفهومها عنه. لأنه لا يعنى في النهاية سوى كلمة واحدة: هي الإسلام. فبالله عليك ماذا يمكن يزرعوا فى أدمغتهم ضد الإسلام وأهله.. ماذا يمكن أن يزرعوا في أدمغتهم إلا عقيدة الصليب والتلمود. عقيدة تجعلهم يحملون كل هذا النفور من الإسلام والازدراء للمسلمين الذى نراه ونعاينه.. لقد غسلوا مخهم.. وضعوا فى وجدانهم أن الإسلامى وحش.. أنه ليس بشرا .. وأنه لهذا يجب أن يعامل بمنتهى القسوة والعنف.. وأن القسوة والعنف معه لا تنتقص من قيمتهم الإنسانية..
لقد بلعنا الطعم..
هم يخافون الإسلام وعلموا ولاة أمورنا ونخبنا أن تخاف هي أيضا منه..
وهم منطقيون فى خوفهم من الإسلام.. فهو الحضارة الأرقى وهو القادر على كبح جماحهم كما فعل لألف عام..
بلعنا الطعم الغربي.. وهو صليبي يهودي.. اتهمنا المسلمين والإسلام بالإرهاب.. فهل نسينا أننا مسلمون؟.. ألا ترون أقباط المهجر وكثير من أتباعهم بالداخل يتهموننا الآن بما اتهمت به حكوماتنا وإعلامنا وأجهزة أمن دولتنا المسلمين؟..
لقد روجنا لما يقولون.. كان الإسلام عندهم هو الإرهاب.. 
وكان علينا أن نحاربهم على ذلك لا أن نقرهم عليه..
لقد كانت خطة الغرب أن تقف الدولة ضد الأمة ..
ولقد نجحوا..
انظروا كيف عومل فى بلادنا عبدة الشيطان بكل رقة.. وكيف يعامل الإسلاميون.. إنظروا كيف يعامل اليهود بكل تبجيل والنصارى بكل رقة.. انظروا إلى ذلك.. وقارنوا لتكتشفوا أن من يفعلون ذلك لا يمكن أن يكونوا إلا عبدة للشيطان..
لقد نحجوا فى تشويه منهجنا الإسلامى وفى استنزاف وعينا حتى وافقناهم على ما فيه هلاكنا ودمارنا..
إنهم يحطمون العمود الفقرى الذى يمكن أن يدافع عن هذه البلاد حين يحين أوان غزوهم المرتقب لنا..
يا إلهي..
إن أجهزة الأمن فى العالم الإسلامى تقوم بالدور التمهيدى للغزو الكامل .. وتحطم تحطيما كل من يمكن أن يقفوا سدا منيعا فى مواجهة ذلك الغزو والاستلاب..
أعترف أنهم حطمونا..
لم تعد للإسلام دولة محورية تحميه..
وليس هناك من دولة تستطيع القيام بهذا الدور إلا مصر..
لقد كانت خطة الغرب هى التركيز الكامل على تركيا لسحقها عسكريا وعلى مصر لسحقها فكريا ولقد نجحوا.. 
ولم تكن مصر الحديثة منارة للتنوير بل لنشر الباطل فى أرجاء العالم العربى..
ذلك مُرٌّ كالعلقم بل أشد لكن علينا أن نعترف به.. نقلنا للعرب نظام دنلوب فى التعليم.. ونظام محاكم التفتيش التى ابتدعها الصليبيون فى التعذيب.. لقد قامت نخبتنا المثقفة بدور الطابور الخامس.. ولم يكن ذلك نتاجا مصريا خالصا.. كان هجينا يتم فيه تقديم الفكر الغربي الصليبي بملامح مصرية إسلامية.. كانت النخبة تتدمر.. وكانت تشوه وعي الأمة بالمعرفة المزيفة المغلوطة.. وكانت الأمة تفقد وعيها وبوصلتها يوما بعد يوم.. نعم ..أسفر الأمر عن نخبة مدمرة وأمة مغيبة مخدرة.
وتذكروا أن جرثومة هذا الفكر ليست إسلامية ولا عربية ولا مصرية.. وأن الأعداء يحملوها لنا في رؤوس أناس من جلدتنا فكأنهم رحم مستأجر يلقحونه بحمل سفاح فإذا هلك أصحاب ذلك الرحم حملوا النطفة الدنسة لآخرين ولا مانع من تغيير الأسماء كلما اكتشف الناس حقيقتها.. والواقع أن النفوذ التغريبي لا يتوقف عن غاياته أبدا وإن بدأ أنه يغير جلده بين حين وآخر ليخدع أجيالا جديدة.
يقول المفكر الكبير أنور الجندي-رحمه الله- في كتابه "رجال اختلف فيهم الرأي":
خلفت لنا تلك الفترة مسلمات خطيرة وكلمات دخيلة وحاولت أن ترسم صورة خادعة لبعض الشخصيات وكان أخطر ما أطلق في هذه الفترة كلمة عميد الأدب على الدكتور طه حسين وأستاذ الجيل لطفي السيد فإلى أي مدى كان هذا اللقب صحيحاً بالنسبة للأول الذي كذب-فض فوه القرآن نفسه أو بالنسبة للثاني منشئ حزب الأمة والخصم الخصيم للعروبة وللوحدة الإسلامية جميعاً.
لقد صك طه حسين افتراءات يؤيد بها دعاوى الصليبية العالمية فنشر تعبير الغزو العربي لمصر وهاجم المجاهدين من أهل المغرب وصور استعمار فرنسا كخدمة عظمى تقدمها لهم فرنسا. وكان من أقوى الدعاة إلى إلحاق مصر بأوروبا والهجوم غير المباشر على الإسلام بأسلوب الاستشراق الذي يتجنب المواجهة فكان إذا أراد أن يهاجم الإسلام هاجم الأزهر.. وهو واثق أن إسقاط الأزهر يعني إسقاط الإسلام دون التورط في العداء المباشر..
تماما كما يحدث الآن.. فهم يزعمون أنهم يحاربون الإرهاب بينما يحاربون الإسلام لكنهم يضمرون-والآن يعلنون- أن الإسلام كله إرهابي.. فإذا سقط الإرهاب-بمفهومهم-سقط الإسلام.
لقد جعلت مصر الرسمية من تلك النخب الفاسدة أئمة.. وكانوا أئمة ضلال لا أئمة هدى..
انظروا مثلا إلى سعد زغلول.. والذي نعترف له بشعبيته ولا ندعى العلم بما انتهى إليه لكن الواقع المعروف يكشف عن أن دعواه كانت:
أولا: تجميد اللغة العربية وإتاحة الفرصة للغة الانجليزية بوزارة المعارف.
ثانيا:- بعث قانون كرومر للمطبوعات لمحاكمة الصحفيين والكتاب الوطنيين.
ثالثا:- التعاون مع الأجانب لإدخال الحضارة الغربية إلى مصر العربية.
كما يكشف هذا الواقع عن سفور امرأته وتسميتها باسمه كما النصارى في أوروبا ثم تسميتها بأم المصريين تشبها بأمهات المؤمنين.
وانظروا إلى قاسم أمين والذي يتلخص فكره وفكر من أتوا بعده حتى الآن في:
أولا: القضاء على الحجاب الإسلامي.
ثانيا: إباحة الاختلاط للمرأة المسلمة بالأجانب عنها.
ثالثا: تقييد الطلاق ووجوب وقوعه أمام القاضي.
رابعا: منع الزواج بأكثر من واحدة.
خامسا: إباحة الزواج بين المسلمات وغير المسلمين.
انظروا إلى ذلك.. ولاحظوا أن قاسم أمين قد مات وشبع موتا لكن دعوته باقية لم تزل يورثها عتل لعتل وزنيم لزنيم.
انظروا إلى سلامة موسى.. وتذكروا أن الكثيرين يمتدحون فكره وتقدميته دون أن يصارحوا القراء بحقيقة فكره- ومنهم محمد حسنين هيكل وجلال أمين ومحمد أبو الغار.
تذكروا يا قراء أن كل كتابات سلامة موسى وأفكاره في حقيقتها جماع خيوط المخطط الماسوني التلمودي بباطله وهدمه وأخطاره.
تذكروا دعوته إلى استعمال العامية وهدم العربية، وقد خلفه في دعوته الشريرة لويس عوض في مصر ويوسف الخال وأنيس فريحة في الشام وكانت النتيجة هي الفشل المحقق.
كما دعا إلى الفرعونية وإلى إبطال أحكام الدين وكان يجاهر بقوله:
"هذا هو مذهبي الذي اعمل له طول حياتي سراً وجهراً فأنا كافر بالشرق، مؤمن بالغرب (...).. ليس هناك حد يجب أن نقف عنده في اقتباسنا من الحضارة الأوربية(...)
هذا هو سلامة موسى الذي يريدون أن يحيوه مرة أخرى ويجددوا فكره.
يقول الأستاذ مصطفى صادق الرفعي:
رأيي في سلامة موسى معروف لم أغيره يوماً، فإن هذا الرجل كالشجرة التي تنبت مراً. لا تحلو ولو زرعت في تراب من السكر. فهو عدوها(يقصد الأمة) وعدو دينها وقرآنها ونبيها. كما هو عدو الفضيلة أين وجدت في إسلام أو نصرانية.
وتذكروا يا قراء أن دعاوى النخبة الآن هي دعاوى سلامة موسى.
وتذكروا أن لويس عوض وتوفيق الحكيم وأحمد عبد المعطى حجازي وخليل عبد الكريم والقمني ونوال السعداوي ورفعت السعيد وجابر عصفور وفاروق حسني.. و.. و.. ككل كتاب التنوير ليسوا إلا الثمار المرة لتلك البذور الخبيثة
انظروا إلى تسفيه المجاهدين والدفاع عن الخونة.
 انظروا مثلا إلى تسفيه ونسيان أبطال فلسطين وتمجيد كمال أتاتورك في مؤامرة القضاء على الخلافة الإسلامية..
كمال أتاتورك الذي ألغى الخلافة وأعلن الجمهورية وتنكر لكل القيم الإسلامية وحذف من الدستور أن دين الدولة هو الإسلام وأمر بلبس القبعة مكان العمامة وأباح زواج المسلمات من غير المسلمين ومنع الحج وجعل الأحد إجازة رسمية و أباح الخمر والبغاء .
سلم مسجد أيا صوفيا إلى الكنيسة فنزعت منه آيات القرآن وأعيدت صور القديسين والصلبان.. أجبر الشعب على لبس القبعات والفتيات على الرقص مع الفتيان وجاهر بشرب الخمر فى نهار رمضان، ولما رفض الشعب التركى ذلك حكمت المحكمة على مئات المسلمين بالشنق والسجن والرمى بالرصاص.. بدل الحروف التركية من العربية إلى اللاتينية وأمر بالأذان بالتركية..
 ثم تبلغ ذروة وقاحته بتهجمه على القرآن وبالمعاهدة السرية التي عقدها أتاتورك والتي سميت بشروط كرزن الأربعة والتي تنص على ما يلي:
أولا – قطع كل صلة بالإسلام.
ثانيا – إلغاء الخلافة الإسلامية.
ثالثا - إخراج أنصار الإسلام من البلاد.
رابعا – اتخاذ دستور مدني بدلا من دستور تركيا القديم المؤسس على الإسلام.
راجعوا يا قراء تلك الشروط وأظن أنه ما من حاكم عربي لم يوقع عليها ولو كشاهد أو ديوث.
القائمة طويلة..
انظروا أيضا إلى منى.. ابنة نوال السعداوي.. منى حلمي وهي تكتب عن المجرم "كمال أتاتورك" فتقول: " واحد من القلائل الذين أعشقهم، وأقدر شجاعته ونظرته بعيدة المدى لتحرير تركيا وصناعة نهضتها الحديثة، ولكن، كما نعلم، فإن التيارات الدينية الرجعية التي تريد كرسي الحكم وتعادي كل مباهج الحياة تظل كامنة في بؤر سرية، حتى ولو قروناً طويلة في انتظار الفرصة التاريخية المناسبة، وكان حزب العدالة والتنمية هو الفرصة المناسبة، لأن تسمع تركيا مرة أخرى - قبل أتاتورك - كلمات مثل المرجعية الإسلامية، الحجاب فريضة، ضرورة تعديل الدستور العلماني(...) إنني على يقين أن أتاتورك يتململ في تربته منذ انفتاح البؤر السرية للسلف الديني الرجعي المضاد للعلمانية، وانه يشعر مثلما أشعر، بالقلق الشديد على مستقبل تركيا حيث عادت اللغة الإسلامية والخطاب الديني الرجعي في حرب مع أنصار العلمانية(...) هل يستسلم الشعب التركي ودستوره العلماني الأتاتوركي أم سيقاوم وينتصر، إذا استسلم، معناه أن أتاتورك كان يجاهد ويكافح ويناضل على الأرض الخطأ، ومن أجل الشعب الخطأ وأن تركيا، لم تكن تستحق أتاتورك، هل سيخذل الشعب التركي أتاتورك؟'.
إن منى حلمي لا تستحق أن أكتب عنها سطرا واحدا.. لكنني أوردت ما قالت لأنها لا تعبر عن نفسها فقط.. بل تعبر عن شريحة واسعة من النخبة الطافحة التي اختارتها السلطة لتكون نخبة. أو على الأحرى خدما للسلطان وإن بدا عليهم أحيانا أنهم يعارضونه. تلك النخبة التي انضمت إلى السلطة في موقفها المعادي للأمة.
ذلك الموقف الذي يعبر عنه الكاتب الفذ الدكتور طارق حبيب – وهو نصراني- بقوله" 'تقاربت مصالح الطبقة الحاكمة في مصر مع مصالح الاحتلال الإسرائيلي لدرجة جعلت التحالف بينهما تحالف وجود وليس مجرد تحالف وقتي، ولم يكن انحياز الطبقة الحاكمة للاحتلال الإسرائيلي بالتحالف الجديد، فمنذ أن سلمت السلطة الحاكمة في مصر بوجود إسرائيل على الأرض المحتلة أصبحت تحمي ذلك الوجود ولا تناصر مقاومته والدفاع عن الحقوق الفلسطينية والعربية والإسلامية في كامل أرض فلسطين'.
انظروا إلى يحيى الفخراني –حتى يحيى الفخراني- وهو يقول أنه يخاف على مصر من حكم إسلامي.
وانظروا إلى جمال الغيطاني وهو واحد ممن يثار حوله ضجيج هائل- من المؤكد أنه كان يستحق بعضه بسبب أعماله الأدبية الأولى وليس الأخيرة- وليس الضجيج بسبب أدبه بل بسبب مواقفه السياسية.. لأنه يرى أن الإسلام تخلف ورجعية..وأن :" "الثقافة الوهابية" تعمل على "تخريب الثقافة في مصر" وأنها "اشد وأكثر إضرارا بها من إسرائيل. لقد كان الغيطاني دائما في الجانب الآخر من الدين. كان مع حيدر حيدر ونوال السعداوي وسيد القمني وعلاء حامد ومحسن بائع البوية!.
انظروا إلى جل كتاب السلطة ستجدونهم على شاكلة جمال أو منى..
لكنني أعترف أن بعض الكتاب يثيرون داخلي شجنا عميقا.. منهم الكاتب الكبير جلال أمين الذي يقترب في كتاباته من الحقيقة اقترابا شديدا ثم يقف على الباب لا يدخله.. حتى أنني قلت لأصدقائي مرة وأنا ألوك مرارة السخرية والألم: ليس بينه وبين أن يكون مسلما فاضلا إلا نطق الشهادتين!..
أما الآخر فهو الدكتور محمد أبو الغار الطبيب المعروف والناشط السياسي الشهير.. وهو من جيل يقترب كثيرا من جيلي.. لذلك فقد عشت مع سيرته الذاتية ما عاشه وعانيت ما عاناه.. وكان قلبي يخفق مع سطور كتابه.. وكان قلبي كقلب أم موسى.. فطيلة قراءتي لسيرته كنت في غاية الجزع ألا يصل ليطرق أبواب الحقيقة ويتعزى بفيض النور. 
كان عدم وصوله مرعبا لي بصورة شخصية..إذ أنني أتنبه لقدر نعمة ربي علىّ. ما دام هو بعقله الذكي ثقافته الموسوعية لم يصل فقد كان يمكن ألا أصل إذن..ويمكن ألا تصلوا أنتم أيضا يا قراء. فيا للرعب.. ويا للحمد!!.
كان محمد أبو الغار كجلال أمين صادقا. لم يكن مرتزقا ولا مجنونا ولا عميلا كالآخرين.
لكنه بدا طيلة سيرته مغازلا للعلمانيين والخمر!..
ولست أدري كيف يطمح أن يصلح حال الجماهير المسلمة بينما هو لا يعترف بمرجعيتها.
وكنت أهتف فيه وفي جلال أمين وفيكم يا قراء:
الإسلام ليس فكرة وليس صفاء روحيا وليس علاقة بين الإنسان وربه. الإسلام هو اليقين النهائي .. هو الدين والدنيا.. والآخرة والأولى.. والحقيقة المطلقة التي لا يكون الإنسان إنسانا إلا بها.. وبدونها يكون أضل من الأنعام..
لست أرثي لمنافق أو كافر أو عميل وإن تمنيت هدايته..
لكنني أرثي للصادقين الذين ما تزال على أبصارهم غشاوة فلم يدركوا-رغم ذكائهم وصدقهم وإخلاصهم- أن المنهج الإسلامي وحده هو الذي يتفرد بتحرير الإنسان..
فالناس - كما يقول الشهيد سيد قطب في المعالم غفر الله لكاتبه ومحق قاتله-: في كل نظام غير النظام الإسلامي ، يعبد الناس بعضهم بعضًا – في صورة من الصور - وفي المنهج الإسلامي وحده يتحرر الناس جميعًا من عبادة بعضهم البعض، بعبادة الله وحده ، والتلقي من الله وحده ، والخضوع لله وحده .
ويواصل الشهيد بإذن الله:
لقد كان الرجل حين يدخل في الإسلام يخلع على عتبته كل ماضيه في الجاهلية . كان يشعر في اللحظة التي يجيء فيها إلى الإسلام أنه يبدأ هذا جديدًا ، منفصلاً كل الانفصال عن حياته التي عاشها في الجاهلية . وكان يقف من كل ما عهده في جاهليته موقف المستريب الشاك الحذر المتخوف ، الذي يحس أن كل هذا رجس لا يصلح للإسلام ! وبهذا الإحساس كان يتلقى هدي الإسلام الجديد ، فإذا غلبته نفسه مرة ، وإذا اجتذبته عاداته مرة ، وإذا ضعف عن تكاليف الإسلام مرة . . شعر في الحال بالإثم والخطيئة ، وأدرك في قرارة نفسه أنه في حاجة إلى التطهر مما وقع فيه ، وعاد يحاول من جديد أن يكون على وفق الهدي القرآني .
فيانخبتنا.. هل يمكن أن تكونوا كذلك؟!..
.. أظن.. الشواهد تقول لا..!!..

تاريخ النشر: 2015-02-11

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق