السبت، 7 أكتوبر 2023

الوعي ينزف من ثقوب الذاكرة إينالا..هاموهى..طنبالكا..فيرينا..!!

 الوعي ينزف من ثقوب الذاكرة

إينالا..هاموهى..طنبالكا..فيرينا..!!
المفكر الإسلامي الدكتور محمد عباس

هل تريد أن تعرف حقيقتك التى ينظر الغرب بها إليك أيها القارئ؟!…
أنت جبان خائف متخلف ساذج تعانى من قصور عقلى.. دنىء فقير.. متخلف أخلاقيا.. ناقص .. إما عدو وإما خائن..
أنت إما لاجئ فى مخيم، أو ساكن فى مدن من الصفيح، أو راعى غنم فى الصحراء أو صياد..
هل تريدون أن تعرفوا حقيقتكم أيها القراء …
أنتم كفار أعداء خونة غير مؤمنين فاشلون مهزومون هامشيون مذعورون فقراء تعيشون فى حرمان لأن إلهكم بخيل (أما إله الغربيين فكريم ومعهم و أعطاهم الثروة والمياه الوفيرة) ….
إن العلاقة بينكم وبين الآخرين علاقة عدائية خطرة عندما تفلتون من السيطرة ، إذ أنكم بعدها تتحولون إلى أعداء خطرين بعد أن كنتم مخلصين أوفياء، لكنكم عند فقد السيطرة عليكم تتحولون إلى متمردين تارة وأخرى إلى نهابين وثالثة إلى مخربين بل سفاحين…
أنتم : قبيلة كريهة من البدو المتعطشين للدماء…
الغرب أسياد وأنتم خدم ، لصوص، متطيرون، تؤمنون بالجان، أذلاء، فاشلون ، لا تتكيفون مع الواقع ، مرعبون ، مفزعون ، قطاع طرق، قتلة، تخافون الموت فتستسلمون ويلحقكم عار الموت دون قتال … ليس لكم أى صفة إيجابية…
أنتم إما كسالى مذعورون و إما غزاة سارقون …خائفون وتهددون غيركم … فُرّارٌ بعد الهزائم… إن المصير المحزن الذى ينتظركم هو الموت الجسدى أو الخضوع أو الاستسلام أو الانسحاب…
أحيانا تقاتلون بشجاعة لكن هزيمتكم محققة…
أنتم تثيرون العطف أحيانا لكن القَدَرَ دائما ضدكم والحظ..
أنتم شخصيات محكومة دائما بالهزيمة والفشل والخضوع…
أنتم غازون ومتطفلون و أجانب حتى عندما تكونون فى بلادكم الخاصة…
إنكم دائما فى علاقة تناقض مع الآخرين، تتحالف الطبيعة مع القدر ضدكم، ثم تجدون أنفسكم بعد ذلك فى صف الأشرار أو ضد الأخيار دائمى التشاحن مع بعضهم..
أنتم ضعفاء.. تطلبون الحماية أو تهربون…
إن طبيعة العلاقة معكم هى الصراع والعداء وشعوركم بالنقص، إنكم أعداء أو خاضعون ..
***
ليست هذه الصفات – يا قارئى - واردة فى عصور ما قبل التاريخ ولا فى العصور الوسطى، ولا حتى فى بدايات القرن العشرين أو منتصفه، إنما هى صفات العرب التى يدرسها – الآن - الطلاب الفرنسيون فى مراحل التعليم المختلفة حيث رصدتها الدكتورة مادلين نصر فى كتابها الهام: "صورة العرب والإسلام فى الكتب المدرسية الفرنسية" ..
وليست هذه النظرة هى ادعاءات أو هواجس وأوهام الإرهابيين المنغلقين الظلاميين المتحجرين المتأسلمين إنما هو المنهج الرسمى الذى قررته وزارة التربية الفرنسية ، وضع فى الاعتبار أنهم لا يقولون كل ما يريدون إذ يجب - طبقا لنص توجيهات صريحة من وزارة التربية - مراعاة وجود تلاميذ من أصل عربى فى الفصول الدراسية..!!
وتضيف الدكتورة مادلين نصر : تضمنت كتب القراءة فى المرحلة الثانوية مقتطفات عديدة من الآداب الأجنبية( الصينية واليابانية والأمريكية) مترجمة إلى الفرنسية إلا أنها تجاهلت الأدب العربى المعاصر…
ثم تعلق على تناول الكتب الفرنسية لظهور الإسلام والفتح العربى فتقول : "كشف الحساب كئيب، غزو وهزيمة، دين جديد مصحوب بالحروب والفتوحات…." أما فى الحروب الصليبية فتذكر الكتب : "آلاف المسيحيين مدفوعون بإيمانهم"… و "الصليبى حاج" .. و"أن المسلمين منعوا الحجاج الصليبيين من الوصول إلى بيت المقدس فنشبت الحروب الصليبية لتخليص قبر المسيح…"
"… كان حجاجنا يطاردون العرب ويقتلونهم وبعد أن نجحوا فى القضاء على مقاومة العرب الكفار أسروا عددا كبيرا من الرجال والنساء وجمعوهم فى المعبد وأخذوا يقتلون من يشاءون ويتركون على قيد الحياة من يشاءون، ثم انطلق الصليبيون إلى مختلف أنحاء المدينة يسرقون الذهب والجنود والجياد وينهبون المنازل، وبعد ذلك ذهبوا وهم يذرفون الدموع من شدة الفرح إلى قبر مخلصنا يسوع المسيح لتقديسه"
" … لقد كانت الحروب الصليبية حملة عسكرية إلى الأراضى المقدسة موجهة ضد الكفار…"
تدرك مادلين نصر أن الفرنسيين يستعملون كلمتى المسلمين و العرب كمترادفتين …
نحن لم نكتشف بعد ذلك!!…
النظرة التى ينظر بها الغرب إلينا واحدة إذن عبر كل القرون …
منذ ألف عام ومنذ مائة عام و الآن وبعد مائة عام … أما صدام الحضارة الذى ابتدعه صمويل هننجتون فانبهر به رواد التنوير فليس جديدا إلا لهم وعليهم …
بالنسبة لنا فإن أول اكتشاف لصدام الحضارات قد ورد فى القرآن ذاته ولقد حدد شروطهم كى لا يكون صدام : "ولن ترضى عنك اليهود ولا النصارى حتى تتبع ملتهم …"
لكن زويمر ضن علينا حتى باتباع ملتهم …
لم تكن مادلين نصر وحدها هى التى اكتشفت أو كشفت …
هناك الكثيرون أيضا، منهم "شريف الشوباشى" فى كتابه : "هل فرنسا عنصرية" يتحدث عن نظرة ومعاملة الفرنسيين للعرب أو المسلمين( حيث تستعمل الكلمتان بالتبادل كمترادفتين) فيذكر نماذج لما يحدث : منها ما حدث فى 6 مارس 1990 عندما أطلق شرطى خمسة أعيرة نارية فى ظهر شاب عربى بدعوى أنه حاول الهرب بعد أن ألقى القبض عليه بتهمة التشاجر، لكن نية القتل كانت واضحة، إذ كانت الرصاصات موجهة فى مقتل فى ظهر الشاب العربى.
حادثة أخرى أطلق فيها طباخ بأحد المطاعم النار من بندقية على مجموعة من الشباب العرب فقتل اثنين منهم.
فى حادث آخر بدأت المأساة حين خرج فرنسيان من أحد المنازل فوجدا بعض الشباب يتحدث بصوت عال، فأخذا يوجهان لهما السباب والإهانات ويهددان بإطلاق كلبهما الضخم الذى اعتاد –كما صاح أحدهما – على أكل اللحم العربى، ثم استقل الفرنسيان سيارتهما ودهما عن عمد شابا عربيا لفظ أنفاسه الأخيرة بعد أن دفعته السيارة أمامها مسافة 50 مترا..
وفى مدينة ليل انهال ثلاثة من الفرنسيين ضربا على شاب عربى لم يتجاوز السابعة عشرة من عمره ضربا ولكما وركلا بمقصورة القطار الذى قاده سوء الحظ إلى الجلوس فيها، ولم يكن الشبان الثلاثة يعرفون الشاب العربى، لكن هذا لم يمنعهم من أن يضربوه ضربا وحشيا قبل أن يلقوا به حيا من شباك القطار المسرع ليلقى مصرعه على الفور…
ولم تكن هذه الجرائم هى الوحيدة من نوعها فعدد العرب الذين لقوا حتفهم خلال الثمانينيات نتيجة لاعتداءات عنصرية يقدر بنحو 180 شخصا، أما الذين تعرضوا للضرب والإهانة بسبب لون جلودهم السمراء واستخدام اللغة العربية بأصوات مرتفعة فيتعدى الآلاف.
ضع فى الاعتبار أن فرنسا نظرا لطبيعتها الخاصة أفضل بكثير من معظم دول الغرب…
وضع فى الاعتبار أن شعوبهم ترى فى شعوبنا ما قرأته على الفور أيها القارئ…
وضع فى الاعتبار أيضا أن تكون نظرة ملوكهم لملوكنا ووزرائهم لوزرائنا ومفكريهم لمفكرينا هى عين عين النظرة..
تعلم إذن أيها القارئ أن أية كلمة تقريظ من أحدهم فى أحدنا ليست وساما تهلل له وسائل الإعلام بل اتهاما بالخيانة يجب أن يستقصى حتى يثبت أو يُنفى …
***
لعل القارئ ما يزال يذكر تلك الصورة المفزعة للفقير هندى حين تخيلته رمزا للعالم الإسلامى .. ذلك الفقير المسكين الراقد عاريا تحيطه أوساخ لا حصر لها، هيكل عظمى مكسو بجلد مهترئ ، وقد عجز تماما عن أن يحرك حتى إصبعا ليذب الذباب عنه، ولم يقتصر الأمر على ذلك، فقد مر بالهيكل البشرى المسكين كلب ضال أخذ ينهش من لحمه والرجل عاجز عن الحركة كى يبعد الكلب الشرس عنه..
كنت قد بدأت منذ خمسة أسابيع بالحديث عن مأساة إخوتنا فى كوسوفا وكنت أتمنى المواصلة لكننى وجدت نفسى كأنما أتحدث لغة أجنبية يستطيع القارئ أن يرددها بعد أن يقرأها دون أن يفهم معناها…
ثم أن القارئ حتى حين يحاول ترجمة تلك اللغة الأجنبية يجد نفسه لا يتعامل مع لغة حقيقية بل مع لغة مشفرة تعطى المسميات عكس مدلولها فالخيانة تعقل والردة إيمان والهزيمة انتصار والتخلف تقدم والبطش الباطش أزهى عصور الديموقراطية والضعف قوة والانحلال حضارة...
قلت لنفسى أننا لا نستطيع أيضا أن نحل مسائل الهندسة والجبر والحساب إذا كانت معلوماتنا عن جدول الضرب مزقا متناثرة معظمها خطأ… أو كأن تمثالا هائلا قد تحطم إلى شظايا كلما عرضت على الناس شظية منها لم يدركوا إلا أنها قطعة حجر … ثم أن الأفاقين الذين حطموا التمثال لم يكتفوا بذلك بل أهالوا عليه الركام وشوهوا الشظايا وكتبوا عليها معلومات خاطئة.. لم يفعلوها مرة واحدة ولا عشرا ولا مائة بل لا يكفون أبدا .. أبدا …أبدا..
ثم تذكرت تلك الواقعة التى كانت جديرة بأن أضحك معكم يا قراء عليها لولا أن السخرية هنا منى ومنكم … نحن محل السخرية فلا مجال إلا للبكاء والنواح…
كان ذلك الأستاذ الجامعى- الواقعة حقيقية – يحج إلى بيت الله الحرام، و أثناء الطواف حول الكعبة صادف مجموعة من الباكستانيين يرددون الدعاء خلف أحدهم وكان صوت قائد المجموعة جميلا تقيا فتبعه الأستاذ وراح يدعو مع الباكستانيين خلفه وقد ذاب قلبه شجنا وعذوبة إزاء نغمة دعاء لم يكن يفهم معنى كلماته ولا حتى لغته و إن ظن أنها لغة سريانية …
كان يدعو معهم : " إينالا …هاموهى … طنبالكا …فيرينا…" .
وعلقت الجملة من بين مئات الجمل بذهنه فراح يرددها على الدوام فى دعائه وكلما رددها استعاد الجو الروحى للبيت الحرام فجاشت نفسه واغرورقت عيناه … وظل كذلك حتى رحلة حج تالية …
كان تواقا كأشد ما يكون الشوق لترديد نفس الدعاء خلف مجموعة كتلك المجموعة التى عرف منها الدعاء أول مرة …وأحس أنه حقق من الوجود مبتغاه عندما كوفئ على الصبر والانتظار والترقب أمام الكعبة حتى سمع نفس الدعاء يتردد فانطلق رغم الزحام لا يلوى على شئ والتحق بالمجموعة وأخذ يردد الدعاء خلفها تسبقه عبراته فكأنما يحتوى هذا الدعاء الطلسم على قدس الأقداس أو سر اسم الله الأعظم الذى إذا دُعى به أجاب…
بعد الطواف تعرف بقائد المجموعة الباكستانية وتفاهم معه بالإنجليزية وطلب منه أن يترجم تلك الجملة التى خلبت لبه… لكن الرجل سأله بدهشة: ألست عربيا ؟ فأجاب الأستاذ : بلى.. فسأله الرجل: إذن لماذا تنطقها مثلنا … نحن ننطقها كذلك لأننا لا نعرف العربية… لذلك نقطع الكلمات إلى مقاطع تسهل النطق علينا، ومعنا ترجمتها باللغة الأردية.. ونطقنا غير صحيح لأننا ننطق الحاء هاء كما أننا فى كتابتنا للدعاء ونطقنا له نعامل التشكيل كحرف فنكتب المد ألفا والتنوين نونا والكسرة ياء …
فهم الأستاذ أخيرا أن الدعاء الذى خلب لبه :" إينالا …هاموهى… طنبالكا …فيرينا…. " ليس سوى نطق محرف عن: إن الله محيط بالكافرين!!!..
قلت لنفسى أننا نقرأ التاريخ مقطعا بنفس الطريقة وهى طريقة لا يمكن أن تسفر عن أى فهم … قد نتعاطف وقد نتأثر وقد نبكى … لكننا أبدا لا نفهم…
قلت لنفسى أن التاريخ موجود أمامنا تقطعه مناهج التطوير فى وزارات تربيتنا وتعليمنا … ويشوهه أيضا رؤساء تحرير وصحفيون وكتاب ومفكرون وتليفزيون وإذاعة ومجلات وصحف …
قلت لنفسى أن التاريخ موجود أمامنا لكن حادينا صبيان زويمر ومفسرينا تلاميذ دنلوب أما جنود كرومر فقد أنيط بهم التعامل مع من يريد منا قراءة التاريخ قراءة أخرى.. من يريد أن يقرأ بصورة صحيحة فيقول: إن الله محيط بالكافرين!!!..
المسموح به :" إينالا …هاموهى … طنبالكا …فيرينا…. !!! وغير ذلك تأسلم وتحجر وظلام …!!!..
***
لقد كنت أدرك على وجه ما حجم عملية غسيل المخ التى تمت… حجم التجهيل والتزييف… حجم الثقوب التى ينزف منها الوعى من ثقوب الذاكرة… من أجل ذلك وجدت أننى لا أستطيع الاستمرار دون أن أحاول ربط مشكلة كوسوفا بمشكلة العراق بفلسطين… ثم وجدت أننا لا يمكن أن نفهم ونستوعب ذلك إلا بعد أن نستعيد التاريخ… تاريخ الحروب وتاريخ الفكر كى يقتنع أبناؤنا أننا أبناء حضارة هائلة متفوقة يحطمنا الآن الانكسار لكننا سننهض.
كنت قد وعدت القارئ أن أنشر فى العدد التالى مباشرة الدفاع المجيد الذى خطه يراع الأستاذ محمد يوسف عدس ردا على قيام مراسل الأهرام فى موسكو بعمله التبشيرى فى تزييف وعينا …
لكننى كل أسبوع أدرك أن الخلفية لم تكتمل بعد وأن أى حديث أحاول صبه فى وعى القارئ سيسقط من ثقوب الذاكرة المهترئة بفعل أعدائنا وإعلامنا …
فى عجالة أرجو أن أعود تفصيلا إليها…
كانت كوسوفا دولة إسلامية منذ سنة 1389م وقد دخل أهلها الإسلام أفواجا لأنها كانت مهددة من الصرب، وحسن إسلامهم وشكلوا إسهاما هائلا فى الجيش العثمانى وتولوا أرقى المناصب فى الخلافة بل وشغلوا منصب الصدر الأعظم مرتين…
مع تضعضع قوة الدولة العثمانية بدأت الدول الكبرى اقتطاع أجزاء من العالم الإسلامى…
وفى حرب البلقان سنة 1912 حيث حرضت الدول الأوروبية الصرب على النعرات القومية وأججت ثورة الولايات وأمدتها بالسلاح بالتكاتف مع ضغوط مالية عنيفة من اليهود والدول الكبرى، وأعلنت الخلافة الحرب على اليونان والصرب وبلغاريا ومقدونيا بمساعدة روسيا…
أيامها … كان موقفنا أفضل من اليوم بكثير …فعندما نشبت الحرب نشأت الجمعيات واللجان فى مصر لجمع التبرعات وعندما انهزمت تركيا بدأت مأساة البوسنة والهرسك وكوسوفا وارتج العالم الإسلامى تعاطفا وحزنا و ارتفع صوت شوقى بقصيدة من أروع قصائده يندب فيها مجد الإسلام وقد ذكره تقلص ظله عن شرق أوروبا وقتذاك بضياع سلطانه فى غربها عند ضياع الأندلس ولذلك سمى قصيدته "الأندلس الجديدة " ، وتتجاوز المائة بيت مطلعها:
يا أخت أندلس عليك سلام ..هوت الخلافة عنك والإسلام

وكتب الشاعر أحمد الكاشف قصائد عديدة يقول فى إحداها منددا بالمذابح المروعة التى تمت تحت رعاية الدول الكبرى:
صليبية يا قوم أم عنصرية .. حروبكم؟ والدين هذا أم الشرك؟
وكتب الشاعر محمد عبد المطلب:
صريف المنايا أم صليل الصوارم؟.. وليل الردى أم نقع تلك الملاحم.؟
تأمل أيها القارئ ..
منذ تسعين عاما تأجج وعى الأمة واشتعل وجدان الشعراء وجمعت التبرعات … بعد تسعين عاما لا يكاد يعرف كوسوفا أحد …ولم يَرْثِ شهداءها شاعر ولا بكت قتلاها عين …. تأمل أيها القارئ حجم التجهيل وغسيل المخ….. تأمل حجم نجاح صبيان زويمر وتلاميذ دنلوب … وكم جعلونا نتقدم إلى الوراء..
تأمل أن ما حدث لكوسوفا أيامها كان مقدمة لما حدث لفلسطين بعد ذلك ثم للعراق …
المؤامرة مستمرة …
نفس الخطة ونفس التفاصيل …
فانظروا إلى الماضى واقرؤوا ما سوف يحدث لنا غدا ….
كانت الدولة العثمانية تلم شمل معظم المسلمين … وكانت الدولة الصفوية فى إيران والدولة المغولية المسلمة فى الهند تلم شمل الباقين… وفى نفس الوقت بدأت الضربات الهائلة للإمبراطوريات الثلاث … فككوا الدولة العثمانية إلى ثلاثين دولة هى: رومانيا بلغاريا اليونان ألبانيا يوغسلافيا المجر قبرص تشيكوسلوفاكيا مصر الأردن السعودية جيبوتى الصومال ليبيا تونس الجزائر المغرب موريتانيا سوريا لبنان العراق السودان الكويت الإمارات العربية عمان قطر البحرين اليمن فلسطين…
فككوا دولتنا ثم راحوا هم يتوحدون..
***
لقد كان منطقيا أن ننتقد ونرفض تخلف وظلم وبطش نظام الحكم فى الدولة العثمانية، واضعين فى الاعتبار كيف قلب عباد الشيطان الصورة، لقد تعرضت الدولة العثمانية لنفس القدر من التشويه، وبرغم كل ذلك، حتى لو صدق ما قالوه، فقد كان على مشاعرنا أن تتوجه ضد ظلم مؤسسة الحكم لا وحدة الدولة… لأن ما حدث يشبه تماما أن يسوغ لنا اختلافنا وانتقادنا لنظام الحكم فى مصر أن نطالب بتقسيمها إلى دول …و أن تطالب المحافظات بالانفصال عن القاهرة…
تاريخهم المجرم الذى تعدل مناهجنا الدراسية كى توافقه يغفل أن تركيا فى مطلع هذا القرن كانت قد أصبحت دولة عربية!! وحتى عهد كمال أتاتورك كان تعدادها 32 مليون نسمة منهم عشرة ملايين عربى وسبعة ملايين ونصف المليون من الأتراك والباقى جنسيات أخرى…أثار الغرب أيامها النعرات القومية مشجعا القومية… ثم سحق القومية رافعا لواء الوطنية … ثم هاهو ذا يسحق الأوطان …
لقد لعب اليهود- خاصة يهود الدونمة الأتراك - دورا هائلا فى انهيار الدولة العثمانية … وكان من دوافعهم القوية لذلك – بالإضافة إلى الدافع التاريخى- هو إدراكهم أنه لا يمكن الاستيلاء على فلسطين ما دامت الدولة العثمانية قائمة… ولقد كان انفراط الدولة هو أساس الكوارث التى نواجهها الآن فى فلسطين وفى العراق وفى البوسنة والهرسك وكوسوفا … بقى أن نعرف أن يهود الدونمة هم اليهود الذين ساهموا فى انهيار الأندلس ثم فروا إلى تركيا مستغلين سماحة الإسلام ثم أخذوا ينخرون فيها كالسوس حتى انهارت …
صبيان زويمر وتلاميذ دنلوب وجنود كرومر سيصرخون متأففين من أى كلمة حق نجرؤ على قولها فى الدولة الإسلامية الواحدة ولهم نقول أن هنالك الكثيرين …منهم مثلا المؤرخ بول كولز ( هو أمريكى يا رواد التنوير فقعوا له ساجدين ) يستعملون كلمة العثمانيين بالتبادل مع كلمة المسلمين كمترادفتين.. !!
سوف نعود بالتفصيل إلى كل ذلك إن شاء الله … لكننا بهذه الخلفية نكون على مشارف فهم قضية كوسوفا … فقضية كوسوفا هى مثل ونتيجة وعبرة ومستقبل نراه … قضية كوسوفا كما نوردها هنا وليست كما يقولها ذلك الفلسطينى الصربى الهوى أمجد ميقاتى ولا الصحفى جوزيف سماحة ولا سفيرنا هناك هانى خلاف … فأولئك هم سفراء الأعداء فينا …
ولتتأمل أيها القارئ فى ذهول كيف تمت مهاجمة وزير الخارجية نفسه على أوسع نطاق فى صحيفة أخبار اليوم بينما أوقفت الأهرام مقالات الكاتب الكبير فهمى هويدى… ليس لمجرد أنه انتقد هانى خلاف بالطبع … بل لأنه دخل المنطقة المحظورة التى نخوض فيها الآن بمحاولة شرح الأبعاد الحقيقية للقضية … ليس كقضية وضع إنسانى نستنفر له بل لأنها قضية مصير مشترك …
الأمر ببساطة أن الأخبار حين هاجمت وزير الخارجية لم تخرج عن السياق المسموح به أما فهمى هويدى فقد خرق تعاليم زويمر… لذلك كان يجب أن يوقف…
نحن الآن على مشارف قضية كوسوفا … البلد الإسلامى الذى كان وضعه فى الدولة الإسلامية كموقع مصر وفلسطين والعراق والكويت … كوسوفا التى لم تكن قبل الإسلام صربية بل كانوا هم أصل المنطقة ثم ورد عليهم الصرب البرابرة واحتلوا بلادهم ولم يمكثوا فيها أكثر من مائتى عام عبر التاريخ … تماما كما حدث من اليهود فى فلسطين ..
نفس الوقائع… حدثت وتحدث وستحدث……..
فلنقرأ معا أنشودة "إكليل الجبل" التى تعتبر نشيدا لتلاميذ الصرب: " سلك المسلمون طريق الشيطان.. دنسوا الأرض … ملئوها رجسا … فلنعد للأرض خصوبتها .. ولنطهرها من تلك الأوساخ … ولنبصق على القرآن … وليطر رأس كل من يؤمن بدين الكلاب ويتبع محمدا …فليذهب غير مأسوف عليه " …
إنه ليس موقف تلاميذ الصرب بل موقف الغرب كله … والضحايا ليسوا مسلمى كوسوفا بل المسلمين جميعا …
إن موقفنا اليوم ليس مجرد خيانة للدولة الإسلامية … ولا للقومية ولا حتى للأوطان …ليس خيانة لفلسطين أو العراق أو كوسوفا أو حتى مصر…
إنه خيانة لأنفسنا ..لديننا .. وخيانة لله ….!


ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق