الجمعة، 27 أكتوبر 2023

لأول مرة: الإسرائيليون يعيشون في الخيام ونصف مليون نازح

 

لأول مرة: الإسرائيليون يعيشون في الخيام ونصف مليون نازح




صور لخيام الاسرائيليين المهجرين نشرتها صحيفة يديعوت آحرنوت الإسرائيلية

مشاهد القصف الصهيوني المتواصل لغزة وخطط تهجير الفلسطينيين بقدر ما هي محزنة وتدعو إلى الغضب، فإن الجانب الآخر من الصورة على جبهة المستوطنين يعطي انطباعا مغايرا، فلأول مرة منذ تأسيس الكيان عام 1948 تقوم سلطات الاحتلال بإنشاء مدينة خيام في إيلات على ساحل البحر الأحمر لاستيعاب عشرات الآلاف من الإسرائيليين الذين هربوا أو هُجِّروا من المستوطنات لحمايتهم من هجمات المقاومة.

منذ عملية طوفان الأقصى في 7 أكتوبر نزح أكثر من نصف مليون مستوطن إلى الداخل المحتل، سواء من غزة في الجنوب حيث تمطرهم الصواريخ طوال الوقت، أو من الشمال بعد توسع الاشتباكات مع حزب الله واشتراك كتائب القسام والجماعة الإسلامية اللبنانية في قصف المستوطنات، وزادت عددَ النازحين حالةُ الخوف والرعب من الصواريخ التي تصل إلى كل مكان في الكيان الصهيوني.

في البداية تعهدت سلطات الاحتلال بتحمل تكلفة إقامة سكان المستوطنات في فنادق بعيدة عن الخطر، لكن طول فترة الحرب واتساع نطاقها دفعا بمئات الآلاف من الهاربين الذين يبحثون عن ملاجئ وملاذات آمنة، ففتحوا المدارس والصالات الرياضية، ولكن حركة النزوح لا تتوقف فكانت خطة إنشاء مخيم ليذوق الإسرائيليون حياة الخيام التي عاشها الكثير من النازحين واللاجئين الفلسطينيين منذ احتلال فلسطين.

إخلاء المستوطنات في الجنوب والشمال

كانت حركة النزوح والإخلاء غير متوقعة، ولم يفكر المستوطنون في يوم من الأيام في أن تنهار أسوار الحماية بهذه السرعة، وقد اعتادوا في أسوأ الأوقات في الحروب السابقة النزول إلى الملاجئ بضع ساعات أو أيام ثم يعودون إلى بيوتهم يمارسون حياتهم، لكن هذه المرة مختلفة، فقد اقتحم مجاهدو القسام مستوطناتهم ودخلوا عليهم بيوتهم، بعد القضاء على الجنود الذين أصيبوا بالصدمة واستسلموا.

لقد أخلت سلطات الاحتلال 24 مستوطنة في غلاف قطاع غزة، وهي ناحال عوز، إيريز، نير عام، مفالسيم، كفار عزة، غيفيم، أور هانير، إيبيم، نتيف هعسرا، ياد مردخاي، كرميا، زيكيم، كيرم شالوم، كيسوفيم، دوروت، صوفا، نيرم، نير عوز، عين هشلوشا (العين الثالثة)، نير يتسحاق بئيري، ماغن، رعيم، سعد وألوميم، ثم اضطرت تحت القصف المتواصل إلى إخلاء مدينتي سديروت وعسقلان.

وفي جبهة الشمال كان النزوح مصحوبا بحالة من الهلع، مع التصعيد التدريجي لعرقلة الاجتياح البري لغزة، ولأن طبيعة القذائف والأسلحة أكثر فتكا بسبب اختلاف الوضع في لبنان عن القطاع المحاصر كانت عملية الإخلاء أسرع، وبدأت بترحيل سكان 28 مستوطنة تقع على الشريط الحدودي بعمق 2 كم، ثم تمت توسعة المنطقة إلى 5 كم، ومن المتوقع أن تزيد مع قصف حزب الله وكتائب القسام لمستوطنات أخرى أبعد من ذلك.

الانسحاب من الخارج وإغلاق السفارات

يصاحب حالة الفرار والاختباء الداخلي الانسحاب من الخارج، والهروب من الغضب الشعبي المتصاعد، فعلى الصعيد الدبلوماسي أخلت “إسرائيل” سفاراتها في الدول العربية وتركيا، ولم تستثن حتى الدول التي وقعت معها اتفاقيات للتطبيع مثل مصر والأردن والبحرين والمغرب، وحتى الإسرائيليين العاديين دعتهم إلى مغادرة الدول العربية.

وفي الدول الغربية التي تشهد أضخم مظاهرات واحتجاجات في تاريخها دعت “إسرائيل” رعاياها إلى عدم الظهور في الشوارع العامة، بل كان من الملفت أن طوائف من اليهود في الخارج خاصة في الولايات المتحدة لم تؤيد محرقة الفلسطينيين، وتبرأت من الإبادة التي تجري في غزة، ونظمت مظاهرات وطالبت بوقف الحرب، وهذا يكشف حجم الفظاعات التي يرتكبها الإسرائيليون.

 إجلاء الرعايا الغربيين

حالة الفزع والشعور بالهزيمة لا تقتصر على الإسرائيليين، وإنما شملت الدول الغربية التي تساند وتؤيد العدوان على غزة بزعم ما تقول إنه “حق إسرائيل في الدفاع عن النفس”، فالدول الأوربية ومعها الولايات المتحدة وغيرها من دول العالم قامت بإجلاء رعاياها، وأرسلت سفنا عسكرية وتجارية لنقلهم عبر البحر، بعد تعطل المطارات الإسرائيلية -خاصة مطار بن غوريون- طوال الوقت بسبب صواريخ كتائب القسام وسرايا القدس.

ورغم الحشد العسكري الغربي والدعاية ودعم “إسرائيل” في حربها ضد الفلسطينيين أصدرت وزارات خارجية معظم دول العالم تحذيرات لرعاياها من التوجه إلى الكيان الصهيوني، وهذا الإجلاء للرعايا الأجانب ينهي أسطورة الأمن الإسرائيلي، ويعيد التأكيد على أن هذه الأرض مغتصبة، فرغم 70 عاما من الاحتلال والحماية الغربية وكل ما تملكه من أسلحة فإن “إسرائيل” لم تعد صالحة للعيش.

وعندما تهدأ الحرب سنشهد أكبر حركة هجرة صهيونية معاكسة، وسنرى الهروب الكبير إلى خارج فلسطين المحتلة، ورجوع نسبة كبيرة من المستوطنين إلى البلاد التي جاؤوا منها، فالرعب الذي عاشوه لن ينسوه، والواحة التي كانوا يحلمون بها ثبت أنها أوهام، وقد بدأت هذه الهجرة الآن بشكل ملحوظ من ذوي الجنسيات المزدوجة حيث تمتلئ المطارات والموانئ بالهاربين.

 هزيمة الكذب الصهيوني وخسارة المعركة الإعلامية

الحشود الضخمة في العواصم الغربية التي تحتج في الشوارع وترفع أعلام فلسطين تؤكد فشل الدعاية الصهيونية في كسب الرأي العام العالمي، بل ثبت كذب الرواية الإسرائيلية للأحداث رغم تبنيها من الزعماء الأمريكيين والأوربيين، وانكشف الانحياز الواضح لوسائل الإعلام الغربية للعدوان، وعجزت عن كسب معركة العقول، وهذا من المكاسب الهامة في الصراع على المدى القريب والبعيد.

لقد فشلوا في شيطنة حماس واتهامها بالإرهاب، ولن ينجحوا في تشكيل تحالف مشابه للتحالف الذي حارب تنظيم الدولة الإسلامية في سوريا والعراق، ولن تنفعهم المساندة -في الغرف المغلقة- من بعض قادة العرب الذين خانوا أمتهم وتحاصرهم شعوبهم، لأن حماس حركة تحرر، وهي التي تقود النضال الفلسطيني الآن لتحرير الأرض المحتلة، ويلتف حولها الشعب الفلسطيني بكل فصائله، وتساندها الشعوب العربية، وتقف معها شعوب العالم الرافضة للعنصرية والكارهة للصهيونية المتوحشة.

***

رغم مرور أسبوعين على الحرب لم يتحقق أي إنجاز عسكري حقيقي للاحتلال غير القصف والقتل، ورغم الألم من مشاهد الهدم وصور الشهداء والأطفال والأشلاء فإن هذا الإجرام يفقد “إسرائيل” أي مشروعية أخلاقية، ويضع النهاية للغطرسة والدعاية الكاذبة عن القوة الوهمية التي كان يرسمها الصهاينة لكيانهم المهزوم.

على الأرض لم يتحقق مخطط تهجير سكان غزة الذي كان يخطط له الإسرائيليون بسبب الصمود الفلسطيني، ولم يعد خافيا ضعف الجيش الصهيوني، وخوف وجبن نتنياهو والقيادات الإسرائيلية من المعركة البرية، وما زالت حماس تمسك بزمام المبادرة وتتلاعب بالإسرائيليين، وكل يوم تكشف عن أسلحة جديدة تخيفهم، وتخرج من جعبتها المزيد من الأوراق التي تذل أعناق الصهاينة.

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق