الثلاثاء، 15 أغسطس 2017

.فضائية العربية و السفرجل

فضائية العربية و السفرجل



أحمد عمر


يسميها العرب سنّة وشيعة: العبرية، وقد علمنا أن إسرائيل تسمح ببثها في السجون العربية مع أربع قنوات إسرائيلية، البعرية أولى بها فأولى...لا أعرف لها شرعة ومنهاجاً، هي قناة ماهرة في فن "العك"، يليق بها نشيد العرب في الجاهلية حول الكعبة: عك عك.. نحن غرابا عك عك، فهي تعك. وإذا كان لها منهاج، فهو: وَالْغَوْا فِيهِ لَعَلَّكُمْ تَغْلِبُونَ.

كلما وجهتُ عيني صوب قناة العربية، وكأن الزمان أصبح محمولاً هواه مع الأخس الأخس، وجدت مذيعة كعوب تقدم تقريراً اقتصادياً، حتى ظننت كل الظن أنها قناة اقتصادية للمال ورجال الأعمال، قال عنها الأمير طلال: العربية قناة الحكومات، والجزيرة قناة الشعوب. 
والقناة هي الرمح. ولا أعرف حتى الآن الفرق بين العربية الحدث، وبين العربية العادية، ربما أحدهما حدث أصغر، والثانية حدث أكبر، بلغة الفقه. ودليلي في ذلك أنه إبان الحرب على غزة التي سمتها إسرائيل "الرصاص المصبوب" وهي غير "الجرف الصامد"، ولا "المتدحرجة"، وجدت العربية نفسها في مأزق خوفاً على عورة إسرائيل، وهو غير مأزقها عندما بدأت المظاهرات في قاهرة حسني مبارك، فكلفت أحسن مذيعاتها وأجملهن بتقدم أول تقرير عن الرصاص المصبوب، فجعلته سقيا خير، ولنسمِّ هذه المذيعة اسماً فنياً هو أزميرلدا.

خرجت علينا أزميرلدا في زينتها، وصارت تخبُّ مثل الغزال الشارد من يمين الشاشة إلى يسارها بالأزرق النيلي، وهي توضح لنا أماكن القصف الإسرائيلي، وكأنها مواطن عشق تحت ظلال الزيزفون، أو مواقع الفستق في كعكة العيد، فنسينا القصف والشهداء والأقصى الذي باركنا حوله، وانشغلنا بحسنها وجمالها، وقلت لصديقي الذي كان ساهراً معي في النهار، يرعى نجوم الظهر وهي آيبة، يتنهد من الحسرة، ويسيل لعابه: أتنبأ بأنها في النشرة الثانية، ومع استحرار القتل، ستخلع ثيابها، وتقدم النشرة بالبيكني.

تصوّر، عزيزي المطعون بالقناة، أن ترى أخبار شعب طاهر، جائع، محاصر، وهو يُقتل بالفوسفور، وأنت منعوظ، مغتلم، يعني: مثار جنسياً.

كل القنوات العربية، أو الناطقة بها، عمدت مؤخراً إلى توظيف مذيعة محجبة، عزاءً للأقلية السنّة في العالم الإسلامي، وتأليفاً لقلوبهم، بما فيها فضائية جيمس بوند الناطقة بالعربية، كما توظف كل القنوات العالمية مذيعاً أسود.
  
حتى الفضائية السورية فعلت ذلك بعد انطلاق المظاهرات، قد تكون المذيعة ممثلة، تضع الحجاب، أقصد غطاء الرأس ذراً للرماد في العيون التي فيها عود، إلا فضائية العربية، التي تموّلها دولة تعمل بالكتاب والسنة!

ومن الأخبار التي أتذكرها في هذه القناة، التي أغمز منها، وَلَقَدْ تُذكِّرُ الخُطوبُ وَتُنسِي، تعهدها أخبار مياه النيل بعدسة الكاميرا، إبان اندلاع أكبر مظاهرات عرفتها مصر في تاريخها، وأجملها. كان حدثاً كونياً لم تشهده المدحية من قبل. وأتذكر أنها نقلت خبر عراك وقع بالأيدي بين عضوين من البرلمان التركي، فجعلته الخبر الأول في نشرة أخبارها، وأخرجت الخبر إخراجاً سينمائياً، وعملت مونتاجاً مع فلم لجاكي شان. وأقسم بالله تاني إني أقول الصدق. وذلك للسخرية من البرلمان التركي!

وأظن أن عرب العربية المعقمين من العروبة، والمعقمين بالتغريب، الذين يميلون ميلاً عظيماً، ويأجوج ومأجوج يتفقون أن البرلمان التركي أكثر ديمقراطية وحيوية من كل البرطمانات العربية، ومنها الدولة التي تمول البعرية التي ليس فيها برلمان ولا برطمان، فهي تستورد كل شيء، سوى الديمقراطية، لأنها كفر بواح، وإذا كان في الدول العربية برلمان، فهو إما برلمان هب الهوى وطاب النوم، أو برلمان مرحى لمين .. للشاطر.

وأتذكر، وَلَقَدْ تُذكِرُ الخُطوبُ وَتُنسِي، أن العربية انشغلت فترة بخبر طفلة تبكي دموعاً من الزجاج، وسحرتنا بتلك العينين المحشوتين في الطرف الأنسي، بقطع زجاج صغيرة، فتأملتُ أن أرى خبراً عن بعير يبعر بعراً من ذهب في الأيام القادمة. وسحرتنا في الهجوم الأميركي على العراق بأصوات مساجين يسمعها العراقيون من جوف الأرض حتى صار مسلسلاً خبرياً في النشرة.

ومن الأخبار القليلة التي أوجه إليها قلائص عنسي؛ أنّ مذيعاً من مذيعي العربية كان يقابل شخصية إسرائيلية، فأثنى ضيفها على حسني مبارك، واعتبره كنز إسرائيل الاستراتيجي، فوقع المذيع في حيص بيص، وتمنى من الخجل والعار أن تنشق الأرض وتبتلعه أسفاً على ثناء الضيف على حسني مبارك. وأتذكر أنه أغلق البث، وسكّر المحل.

لكن العربية لا تخجل، ليس تمثلاً بقول محمود درويش عرب ولا نخجل، وإنما لأن البعرة تدل على البعير، والحافر يدل على الحمير.

ومن ذلك أن مذيعة لبنانية فينيقية أطلقت برنامجاً اسمه "بالعربي الفصيح"، والفينيقيون يفضلون الكلام باللغة اللبنانية الفينيقية، ولهم مع الفصحى خصومة، لأنّها تذكّر بالقرآن الكريم، فاضطرت بعد حلقتين أو ثلاث إلى تصحيح اسم البرنامج إلى "بالعربي" بعد أن تخلّتْ عن الفصاحة، وفي كلا الاسمين غش، الأول فيه ضلال وتضليل، والثاني فيه إرقال وتبغيل.

ولا أعرف عدد المرات التي حذفتْ فيها العربية أخباراً مستعجلة، مسلوقة على نار قوية من شدة جوعها إلى القلب والانقلابات، خوفاً من العار، وكان من شدّة حبها للانقلابات أن لها ضيفاً دائماً اسمه صالح قلاب. ومن ذلك خبر لجوء أردوغان إلى ألمانيا، وإبداء مذيعة أسفها لفشل الانقلاب على أردوغان على الهواء.

ومن ذ لك أن مذيعاً سمّى الضفة الغربية بيهودا والسامرة، مرة واحدة لم يكررها، ولا أتذكر أنه سمى القدس "أورشليم القدس" كما تفعل البي بي سي البريطانية، وكثيرون يظنون أن بريطانيا قلعة الديمقراطية، قد تكون كذلك لشعب جيمس بوند.

وقال لي أصدقاء: إنه خطأ غير مقصود، لكني أظن أنها فلتات اللسان، التي تعبر عما يدور في مجارير القلب وصرفها غير الصحي، ويصب في طاحونتها. ووصفت إحدى تقاريرها مناسك الحج الإسلامية وشعائره، بطقوس الحج، وهي عبارة وثنية. وكنت أظن أن الحج - وهو الذي يخلع على ربتها الشرعية - يسبب للعربية العلمانية الليبرالية حرجاً، فهو الركن الوحيد في الإسلام عندها، وربما عند صانعي القناة ومؤسسيها، لكنها تبلي جيدا، في المناسبات الدينية، كأن تحاول تحويل شهر رمضان إلى برنامج سوبر ستار في أصوات التلاوة! وأقسم بالله تاني، حتى خشيت أن تعمل مسابقة "أرب آيدول" جديدة في رمضان ستار. أمس دافع صديق لي من "الثوار" عن العربية، وقال: إنها أحد أصوات الثورة السورية، ودافع في منشوره عن أدونيس أيضاً، وقال: إنه مثقف كبير، وأدونيس ضيف دائم على العربية، أكثر من النفيسي على الجزيرة.

وبالأمس القريب عندما أغلقت إسرائيل المسجد الأقصى، وهو حدث لم يقع خلال نصف قرن، كتبت في أحد أخبارها: إسرائيل "تحاصر" الأقصى، وحصرت الفعل بين قوسين، وخشينا أن تطلب من جمهورها إعراب ما بين القوسين إعراب مفردات، وكان يمكن أن يكون الخبر: إسرائيل "تعانق" الأقصى، أو إسرائيل "تحاضن" القبلة الأولى، وتوقعتُ أن أرى تقريراً يشرح فضائل البوابات الإلكترونية، التي تعدّ الحسنات، بعشرة أمثالها. وخشيت أن يزف لنا أفيخاي أدرعي هلال العاشر من ذي الحجة مبشراً بالعيد، فمفتي السعودية الأعمى، هو الذي يتفقد الهلال في الليلة الظلماء، فأنعم به وأكرم.

العربية هي من أضعف القنوات الإخبارية في التحقيقات، أما أفلامها الوثائقية فمضحكة، مثال ذلك برنامج "على خطى العرب"، الفقير بالصور والأفكار والتاريخ، يقدمه ممثل يمسك بعصا، ويقرأ شعر العرب بركاكة وفهاهة وعياء.

بعد النشرة التي خرجت فيه الريم الشادن، التي كانت تقفز بشجاعة بين نيران الطائرات الإسرائيلية، على شعب العزة في غزة، وكأنها نشرة جوية واعدة بالمطر والخير، وقع مدير القناة في حبها وتزوجها، وهذا لا علاقة له بمرض النكروفيليا، وهو حب الجثث، أو الحب بين الجثث، فالحروب لا تمنع قصص الحب، وعك عك عك.. نحن غراباً عك عك.

كانت تدسّ سمّاً ، في تلك الأيام، في الدسم، أما اليوم، فكل أخبارها أفيهات، في ذيلها سبع لفات.
أدخل برجلك اليسرى...


اللهم إني أعوذ بك من الخبث والخبائث.

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق