الاثنين، 28 أغسطس 2017

الاصطفاف في خيمة سيف الإسلام


الاصطفاف في خيمة سيف الإسلام

 وائل قنديل

يشبه تراث أحمد سيف الإسلام حمد قصيدة شعر سرمدية، في كل قراءة جديدة لها تكتشف معاني وقيماً ومثلاً وأفكاراً لم تصل إليها في قراءاتك السابقة.
في الذكرى الثالثة لرحيل الحقوقي اليساري الجسور، والد علاء عبد الفتاح وسناء سيف، تعيد قراءة سيرة الرجل ومواقفه، فتشعر كأنك تدخل إلى النص، لأول مرة، وتحصل على دهشةٍ تفوق دهشة الذكرى الأولى والثانية، أو كأنك تتعرّف على مبدع النص، من جديد، فيداهمك الإحساس بفداحة رحيل هذا القدّيس الصديق المتصوف في محراب إنسانيةٍ مستقيمة، ناصعة، لا شية فيها، ولا انكسار أو اعوجاج.
بمقاييس الشعر، ليس شاعر مناسبات. وبموازين الرواية، ليس مدوّن حكايات وتواريخ عبرت. 
وبمعيار الفلسفة، ليس المفكر ابن اللحظة والحدث، وإنما هو، بكل هذه الحسابات، مؤسس لمذهب إنساني راسخ، يصلح للغد، كما صلح للأمس، وكما هو ضرورة ومنهج حياة وعمل اليوم.
بكلماتٍ بسيطة ومباشرة، لا تعرف اللف والدوران في ملاعب المواءمات، لخّص سيف الإسلام المأساة المصرية، المتفاقمة منذ اليوم الأخير من يونيو/ حزيران 2013، ووضع يده على أصل المرض لمن يريد حقاً العلاج الصحيح، فتحدث في غير لقاء عن "نظام 30/6" بوصفه نتاج جريمة سياسية وحضارية، وأعلن موقفه منذ التقط، مثل زرقاء اليمامة عند أمل دنقل، والعارف الصوفي عند عفيفي مطر، الخيط الأساس والمحور الرئيس في المسألة.
سئل سيف، في الأسبوع الأول من يناير/ كانون ثاني 2014، عقب سجن ابنه الأكبر، علاء: في حالة الإفراج عن علاء، هل سيتوقف عن المطالبة بالحقوق لكل من يتعرّض للانتهاكات في مصر؟ فرد سريعاً "أنا لن أتوقف، يعني يوم 26/11/2013 لو أي  حد سأل نفسه الراجل ده كان موجود فين، هتلاقيني كنت موجود في جنح البساتين، بدافع عن شباب الإخوان المسلمين، وجبنالهم براءة 16 شاب والنيابة استأنفت".
ثم يقول "دي مش بس شغلتي، دي سبب وجودي، سبب آدميتي.. ممكن أتوقف عن ده لو حصل لي عجز نتيجة مرض القلب أو أي حاجة من دي".
ذلك هو جوهر الموضوع: الآدمية، أن تكون الإنسانية هي الطريق والغاية، بالمعنى الفلسفي العميق الذي تجده عند الفلاسفة والمصلحين والصالحين والعارفين.. هي كلماتٌ عفوية بسيطة، لكنها أعمق مما عرف به سقراط الإنسانية، حين قال "من لا يفرق بين الخير والشر ألحقوه بالبهائم".
في سؤال آخر: بعد ستة شهور من وقوعها بماذا تصف 30 يونيو؟
يرد سيف: أصفه كما وصفتها أول مرة: انقلاب عسكري.. أنا عمري ما وصفته إنه ثورة، يعني ولا عمري مضيت على استمارة تمرد، ووصفي له زي ما هو ما اتغيرش، بل بالعكس الأحداث بثبت لي أنه تم استغلال الجمهور لاستكمال المشهد".
سؤال آخر طرحه مراسل موقع مصر العربية: في علم التاريخ، ماذا سيكتب التاريخ عن هذه المرحلة، وماذا سيكتب عن الفريق عبد الفتاح السيسي؟
يجيب سيف، بوضوح كامل: إنه مجرم حرب ارتكب جرائم ضد الإنسانية، هو وحازم الببلاوي وعدلي منصور. الثلاثي ارتكبت باسمه وبعلمه جرائم ضد الإنسانية.
في المقارنة بين انتهاكات زمن السيسي وزمن جمال عبد الناصر، يقطع أحمد سيف بأن انتهاكات السيسي في المركز الأول، من دون منافسة، حجماً وكيفاً. وفي الذكرى الثالثة لرحيله، تفاقمت الانتهاكات وتوحشت، حتى صارت أكبر من الإحصاء والحصر، من قتلٍ متعمد للمسجونين، بمنع الدواء عنهم، والسطو والقرصنة على ممتلكات المخالفين والمختلفين وأموالهم، وكل من لا يؤيد جرائم النظام بالقدر الذي يريده النظام.
وتتمدد مأساة الإنسان العربي إقليمياً، إذ يمضي قطار الطغيان والاستبداد الإجرامي، من القاهرة إلى سورية، فتنطلق في القاهرة صافرات الفاشية، لتدشين حملات اجتثاث المعارضين، تحت شعار"من غيرهم أحلى"، فيتردد صداها في دمشق، ويعبر سفاح سورية عن سعادته بمجتمعه المتجانس الذي يخلو من المعارضين، ويقتل الثائرين على القمع والقهر.
غمرة ثالثة، وليست أخيرة: على من يريد التأسيس للمشروع الوطني الجامع في مصر أن يستلهم روح أحمد سيف الإسلام. ادخلوا خيمته واقرأوا سيرته، وتعلموا الفرق بين الاصطفاف منارة والاصطفاف تجارة.






ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق