افرح يا كلب!
لا حق للمواطن في الفرحة في ظل الأنظمة العسكرية، ولكن ما حدث في افتتاح ما يسمى بقناة السويس الجديدة كان أمراً يفوق الخيال، انقلبت الآية، وبعد أن كان الفرح مُحَرَّماً مُجَرَّماً صار واجباً لازماً... لقد صادر النظام العسكري الذي يرأسه "سيسي" على المصريين حقهم في أن يحزنوا، أو حقهم في أن لا يفرحوا، لقد استكثر عليهم حقهم في العيش معزولين عن فقاعة الزعيم الوهمية الممتلئة بالفرحة والإنجازات.
لا ألوم الذين فرحوا... من سمعوا بيانات المذيع أحمد سعيد بإسقاط عشرات الطائرات عام 1967 كانوا في قمة الفرح، ومن صدقوا صواريخ القاهر والظافر، ومن تفاءلوا بتوشكى... الخ، كل هؤلاء فرحوا، وهم أحرار، المشكلة في أن فرحة اليوم إجبارية!
لسان حال النظام اليوم افرح يا كلب لأن أسيادك العساكر أمروك بالفرح!
تظنني أبالغ؟
حسنا... هل تعلم أن السيد رئيس المباحث، والسيد رئيس الحي، وعشرات المسؤولين في الدولة قد مرَّ كلٌّ منهم على حدة على المدارس والمحال التجارية وشركات الدعاية والإعلان والمؤسسات الخيرية وأجبروا الجميع على وضع لافتات الفرحة التي أغرقت الشوارع؟ لقد بيعت اللافتات غصباً لبعض الناس، ومن رفض دفع الثمن بالطرق التي نعرفها!
ستسألني أي حيٍّ ذلك؟
سأقول لك إن الأسهل أن تسألني أي حيٍّ لم يتم فيه ذلك!
لقد تم ابتزاز الناس، وتهديدهم بالتراخيص والغرامات والضرائب... والخ لكي يفرحوا مع "سيسي" في فنكوشه العظيم، وغالبية هذه اللافتات ما كانت لتوضع لولا سيف السَّفَّاح.
إن الفرحة كالحزن... عمل قلبي محض، ولكن هذا المعنى لا يفهمه عسكري سَّفَّاح، كما أن اكتمال اللقطة في نظرهم هو الأهم، لا بد أن يملأ الشعب الشوارع بالبلالين والدباديب وغير ذلك من مظاهر الفرح السطحي التافهة.
هل اكتملت اللقطة؟
جهل العساكر يمنعهم من إكمال اللقطة باحتراف... فاختيار يخت "المحروسة" دليل على أن من يخطط للحفل لا علاقة له بتاريخ مصر!
إنه أشبه بعقد قران وسط شواهد القبور!
هذا اليخت كان شؤماً على العائلة العلوية كلها، فما خُلع منهم ملك إلا واستقل هذا اليخت إلى منفاه منبوذاً مقهوراً، فهو اليخت الذي استقله الخديوي إسماعيل بعد عزله عن العرش عام 1879 إلى إيطاليا، وهو اليخت الذي أبحر عام 1914 مقلا الخديوي عباس حلمي الثاني إلى منفاه بالآستانة بتركيا.
وهو اليخت الذي حمل شاه إيران السابق محمد رضا بهلوي وهو في طريقه لعقد قرانه على الأميرة فوزية شقيقة الملك الراحل فاروق عام1939، وكان شؤماً على الشاه وأسرة الشاه ولو بعد حين!
وهو اليخت الذي شهد آخر ملوك الأسرة العلوية وهو يغادر مصر على عجل، مطروداً هارباً، فاستقله الملك فاروق الأول إلى إيطاليا في 26 يوليو عام 1952، وذلك بعد تنازله عن حكم مصر لابنه الأمير أحمد فؤاد الثاني، مصطحباً بناته الأميرات معه على متن اليخت.
أكثر من استخدم هذا اليخت من رؤساء الجمهورية كان السادات، ونهايته التراجيدية يعرفها الجميع، ومن الغريب أن يستخدم هذا اليخت في مثل هذا الظرف الذي يعيشه النظام المصري غير المستقر، ومن يدري... لعل الله يكتب لهذا النظام وللسيد "سيسي" شيئاً من بركات هذا اليخت المبارك!!!
أما عن المشروع الذي يطالبوننا بالفرحة له... سأفترض أن المشروع الذي صدَّعونا به (حتى عبر إذاعة القرآن الكريم) ناجح... فإنني أقول بكل ثقة إن نجاح المشروع لن يغفر القتل وهتك الأعراض والسرقة والتشريد وحرق الجثث واعتقال الأطفال.
المشاريع الناجحة لا تحول السَّفَّاحين إلى أخيار... والحقيقة أن السَّفَّاحين لا يقدمون لأوطانهم مشاريع ناجحة... السَّفَّاحون لا يقدمون لأوطانهم سوى القتل، وإذا افترضنا أن سفًّاحا ما قدم لنا مشروعاً ناجحاً فإننا نقول له اذهب أنت ومشاريعك إلى الجحيم فنحن لا نريد سوى وطن حر كريم!
في الوقت الذي رسمت فيه الفرحة إجبارياً على مصر... قتلت الدولة المصرية خارج إطار القانون مجموعة من المواطنين الأبرياء في الفيوم، ومثَّلَتْ بجُثثهم، وصوَّرت الجثث، ونشرت الصور بكل فخر.
أهذه هي الفرحة التي عَمَّت مصر؟
من لا يهمهم القتل... نقول لهم إن الاحتياطي الأجنبي من العملات قد انخفض كما أعلن البنك المركزي إلى 18.5 مليار دولار، وهو أمر في غاية الخطورة، ولكن برغم ذلك لم تتورع الدولة عن إنفاق ما يقرب من ربع مليار جنيه على احتفال افتتاح المشروع المزعوم... وإذا اعترض معترض على هذا السفه... فهو خائن!
يقول البعض إن المشروع حتى لو كان فاشلاً إلا إنه يدل على قدرة المصريين على فعل أي شيء، لأن الانتهاء من الحفر في عام واحد منجز كبير!
والحقيقة المُرَّة أن تكلفة الحفر في هذا الوقت القصير عمل سفيه، ومن يقوم به لا يعبأ بالجدوى الاقتصادية للمشروع، فالحفر في هذا الزمن القصير ضاعف التكلفة عدة مرات بلا أي عائد في الأرباح، ولست أدري ما هو الإنجاز في تأجير الكراكات من العالم كله بأغلى الأسعار لإنجاز عمل بأضعاف تكلفته؟
هذا سفه، وإهدار لمليارات قيمة يحتاجها بلد منكوب بحكم عسكري منذ عشرات السنين.
لقد امتلأت مصر بلافتات المؤتمر الاقتصادي ثم انتهى الأمر في غضون أقل من شهر إلى لا شيء، ومفعول حقنة الوهم هذه سينتهي في وقت أقصر، كل ذلك للأسف بعد أن دفع شعب مصر 120 مليار جنيه (أصل الدين وفوائده) في مشروع لا يفيد أحداً، ولا يقدم أي شيء يذكر للتجارة العالمية، ولن يزيد من دخل القناة، ولن يخدم أحداً سوى الإمارات التي أخرجتنا من المنافسة على كعكة التجارة العالمية، وسيخدم "سيسي"، فقد قدم له لقطة تاريخية جميلة وهو يرتدي بدلة تشريفات عسكرية على ظهر المحروسة، مُلَوِّحا للرمال، يكاد يفطس من الحر بسبب القميص المضاد للرصاص... ومن يدري... لعله قريبا يدخل التاريخ من أوسع الأبواب... من باب المحروسة!
ملحوظة: نحن أمام نظام مرعوب من كلمتين (الثورة... والاصطفاف)، وما زال الأغبياء من سائر التيارات يُنَظِّرُونَ لهزيمة الثورة، ويُرَوِّجُونَ لاستحالة الاصطفاف !
أقول بكل ثقة... الثورة مستمرة، بنا أو بغيرنا... والاصطفاف قد بدأ في التحقق، بدأ في زنازين السجون والمعتقلات... واشتعل في الجامعات، وسيكتمل في الشوارع والميادين بإذن الله.
عاشت مصر للمصريين وبالمصريين...
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق