حينما أراد مبارك تمثيل مسرحية الانتخابات في 2005م لم يجد من يفكر في الترشح، كانت المسرحية مفضوحة، فأعلنت أجهزة الدولة أن كل حزب سيتقدم بمرشح سيحصل على 10 ملايين جنيه لمصاريف الدعاية الانتخابية. هنا اكتشف المصريون أن لديهم عشرة أحزاب مرخص لها في مصر، وقد تقدم كل منها بمرشح طمعا في الأموال، وبهم تمت المسرحية.. واكتشفنا ساعتها رجلا لا يزال يرتدي الطربوش واسمه أحمد الصباحي ويقال إنه رئيس لحزب اسمه الأمة، وكان ساعتها أكبر من مبارك نفسه، كان يخطو إلى التسعين من عمره، ويعاني من مشكلات في السمع فضلا عن مشكلات الفهم فضلا عن مشكلات أنه خارج التاريخ. أحمد الصباحي هذا هو أول من قال الإجابة البديعة التي ذهبت مثلا، وذلك أنه سُئل: من ستنتخب؟ فقال: الرئيس مبارك! ولم ير في هذه الإجابة أي تناقض مع المنافسة المفترضة والتي يُفترض أنه يخوضها.
بعد أن اكتمل عدد المرشحين أعلنت أجهزة الدولة أنها ستراقب العشرة ملايين جنيه، جنيها جنيها، لتتأكد من إنفاقها في الشأن الانتخابي فقط.. وهكذا خسر المرشحون الأموال بعدما خسروا سمعتهم وصاروا أضحوكة الإعلام والجمهور.
هل تعلم أحد الدرس؟!
بالطبع لا، فليس يتعلم إلا الحريص على التعلم، أما الذي يؤدي دوره في المسرحية فهو موظف بالأجر.. ولقد احتاج النظام إلى موظف بالأجر في 2014 فوقع الاختيار على حمدين صباحي! دخل صباحي الانتخابات تيسا مستعارا أمام السيسي ليخسر ما بقي له في نفوس المغفلين، ثم أهانه السيسي الإهانة المخزية حين خرجت النتائج فجاء في المركز الثالث بعد الأصوات الباطلة!
بعد بحث وتعثر وجد السيسي تيسا مستعارا ليركبه ويعبر به الانتخابات ثم يركله.. فذلك هو: موسى مصطفى موسى. ولا يُعرف بعد هل قبض ثمن فضيحته، أم ارتكبها إيمانا واحتسابا لوجه السيسي! المهم أنه يحاول الآن تمثيل الدور أمام جمهور يعرف أنه تيس مستعار، وهو يعرف أنهم يعرفون.. ومع هذا فإنه سيقوم بالدور.
متى وُجِد فينا أمثال هؤلاء؟!
أحد الظرفاء قال عنه: موسى مصطفى هذا حصيلة اندماج بين أحمد موسى ومصطفى بكري! وصحيحٌ أنه لم يخل زمن من نفاق ومنافقين، ولكن زماننا هذا شهد في هذا الباب عجائب وغرائب مدهشة.. حتى لقد صار المرء يترحم على زمن إبراهيم نافع! الذي كنا في زمنه نترحم على زمن موسى صبري، وقد كانوا في زمنه يترحمون على هيكل، الذين كان أهل عصره يترحمون على زمن التابعي وداود بركات!
الحضارة التي تحكمها المعايير المادية تقف والأخلاق على طرفي نقيض، فالأخلاق بطبيعتها ضد مكاسب الربح والخسارة، بل هي لا تصير أخلاقا إلا إن سمت وارتفعت عن حسابات المكسب والخسارة
وبمناسبة إبراهيم نافع فقد شاءت صراعات أجنحة السلطة قبل نحو ثلاث عشرة سنة أن تسرب له بعض الفضائح، فعرفنا أن راتبه الشهري بلغ 2 مليون جنيه، وهذا بخلاف أنواع النهب الأخرى التي تجري في الظاهر وفي الباطن عبر الإعلانات وشركات الأحبار والمطابع ونحوها.. فقال أستاذنا -وكنا في مجلس علم- مم تعجبون؟ الرجل يستيقظ فيجد تحت الوسادة يوميا 67 ألف جنيه.. ألا يكفي هذا ليبيع بها شرفه؟!
لقد كانت صفقة رابحة.. بل هي صفقة يتزاحم على بابها آلاف المنافقين، كلهم يعرض شرفه في المزاد! قبل أسابيع مات إبراهيم نافع.. كما مات قبله أنيس منصور وهيكل! وبقيت أموالهم في الدنيا، وبقي لهم الحساب في الآخرة.
بغير أي تبرير لهؤلاء ولا انتقاص من جرائمهم، فإنما هم على الحقيقة نتاج لهذا العصر الذي هيمنت فيه الحضارة الغربية.. الحضارة المادية التي حكَّمَتْ معاييرها ومقاييسها في دنيا الناس، فصار المرء يُقاس في عالمه بما يملكه من مال وما يطاله من نفوذ وما تستطيعه يده من الأذى! الحضارة التي رفضت الاعتراف بإله وعبدت العلم فانهارت الأخلاق والمبادئ والقيم لأنها ليست حقائق علمية بل هي مواقف إنسانية!
طبيعي أن الحضارة التي تحكمها المعايير المادية تقف والأخلاق على طرفي نقيض، فالأخلاق بطبيعتها ضد مكاسب الربح والخسارة، بل هي لا تصير أخلاقا إلا إن سمت وارتفعت عن حسابات المكسب والخسارة. الأخلاق بطبيعتها استجابة ومظهر للروح الإنسانية التي لا تستطيع المقاييس المادية أن تقيسها. نعم ربما يبستم في وجهك البائع لا لأنه يعبر عن بشاشة صادقة ولكن لأنها أداة ترويج السلعة، مثلما يستقبلك عامل الفندق ومضيفة الطائرة ومذيعة النشرة بابتسامة ميتة تتلاشى بعد لحظة. بقدر ما يبدو هذا من حسن الخلق لأول وهلة، بقدر ما يبدو أنه في الحقيقة من سوء الخلق، فكل هذا مصنوع ومتكلف، كله وجه من وجوه الكذب والخداع. ويسقط القناع حين يتعرض هذا كله لاختبار حقيقي تتضرر فيه المصالح!
على ما كان لدى العرب في الجاهلية من خطايا على ما كان فيهم صدق ومكاشفة ووضوح، ولقد تأثر بهم من عايشهم حتى صار مضرب المثل فيهم، فهذا اليهودي السموأل بن عادياء قد ضربت به العرب المثل في الوفاء، وذلك أنه رفض تسليم أمانة امرئ القيس لعدوه الذي طلبها منه، حتى لقد حوصر السموأل في حصنه، ثم ظفر الذي حاصره بابنه وساومه بولده على أمانة امرئ القيس، فرفض، فقُتِل ولده! فخلد بهذا اسمه في عالم الوفاء.. وهو القائل في قصيدته العصماء المشهورة:
تُعَيِّرُنا أنّا قليلٌ عديدنا .. فقلت لها: إن الكرام قليل
وما قلَّ من كانت بقاياه مثلنا .. شبابٌ تسامى للعلا وكهول
وما ضرنا أنا قليل وجارنا .. عزيزٌ، وجار الأكثرين ذليل
موسى مصطفى موسى (رويترز)
ولسنا نذهب بعيدا، فقد ظلت تلك الأخلاق فينا إلى وقت قريب. وكان بيع المرء لشرفه مقابل المال من عمل الأسافل القلة المنبوذين.. ومما قرأته مؤخرا في هذا ما ذكره الأديب المفكر المبدع وليد سيف في مذكراته أخلاق أهل القرى في فلسطين زمان آبائه، فيقول: "تلك قرية عُرف أهلها بكثرة المنازعات مع الحفاظ على آداب التعامل، فإذا تقاضى شخص مع عمه حول حق متنازَع عليه، وصارا إلى باب المحكمة لم يسع ابن الأخ أن يعبر الباب قبل عمه، فيقدمه تجلة واحتراما، وهو الذي يتهم ذمَّته".
ولقد ذكرني هذا بصديق لي كان يروي ويتعجب من سلوك جديه اللذين أدركهما، فربما أَوْلَم الرجل منهما فيدعو الآخر إلى وليمة الطعام، فيأتي هذا مسرورا ويستقبله هذا مرحبا، ثم يأخذان بأطراف الحديث حتى يقول أحدهما للآخر: تذكر بعد غد موعد الجلسة في قضية الأرض التي بناحية كذا، فيقول الثاني: بل الجلسة التي بعد غد هي قضية الأرض الأخرى. أي أن الرجلين يتحاكمان إلى السلطة في أكثر من نزاع ولا يمنعهما هذا من الوصال والاحترام.
ولقد أدركت بنفسي في قريتنا الصعيدية أخلاقا تقاوم الفناء وتعيش في الرمق الأخير، لقد أدركت زمن هروب الأطفال الصغار من اللعب إن برز شيخ الكُتَّاب أو أستاذ المدرسة في أول الطريق، فمن واجب الحياء ومن احترام الأستاذ الأ يراهم على تلك الحال. ثم أدركت بعدها بقليل في المدينة التلاميذ الذين يضربون أستاذهم ويستهزؤون به! أدركت في القرية كيف يمكن لكل كبير أن يأمر كل صغير، فلا يسع الصغير إلا الاستجابة ولو كان ابن شيخ البلد ولو كان الآمر هو من فقرائها. وأدركت في المدينة ابن ضابط الشرطة يبصق على الصول ولو كان أكبر من عمر أبيه! قد انهارت أمور كثيرة من الأخلاق القديمة التي كانت تسري في المجتمع، فتكون هي القانون فوق وقبل القانون، وهي الحاكمة قبل وفوق الحاكم.
البلاد التي يكثر فيها من لا أخلاق لهم هي البلاد المعرضة للانهيار، فعند أول اختبار حقيقي لن تجد أمام الطبقة الحاكمة إلا إن نشبت فيها ثورة هدموها وإن جاء احتلال سلموا لهم البلاد وهربوا
والمشكلة أن تلك الأمور تُنْسَى مع طول الزمن حتى كأنها لم تكن، بل حتى تكون مستغربة منبوذة لا تكاد تُصَدَّق. وكنت كثيرا في بعض المحاضرات أرى هذا حين يستغرب الناس ما أحكيه من أن الصحابة قد يقع بينهم اقتتال في النهار ثم يجمعهم إمام واحد بصلاة واحدة حين يتوقف القتال أو يجنّ الليل. وما استغرابهم هذا إلا لبعد العهد بتلك الأخلاق، ولا يمكن تفتيت هذا الاستغراب إلا بذكر بعض المواقف من زمن الآباء والأجداد التي تدل على حضور المروءة والاحترام والأدب والكرم في حياة الناس.
تلك البيئة التي طبعتها الحضارة المادية الحديثة بطابعها منزوع الأخلاق هي التي أفرزت أمثال عمرو أديب وإخوته وأبيه وزوجته، أمثال جيل من الصحافيين والإعلاميين والسياسيين والعسكريين والأمنيين ممن يبيعون أنفسهم للشيطان وللعار وللفضيحة طالما ثمة من سيشتري ويدفع الثمن!
ولن يكون مستغربا أن بلادنا يهيمن عليها العدو الأجنبي لأن هؤلاء هم من يحكموننا، وأولئك بعدما باعوا شرفهم هان عليهم بيع كل شيء.. ولو أن حمدين صباحي أو موسى مصطفى مكان السيسي لفعلوا مثلما فعل ويفعل، إلا أن كلا منهم يندب حظه لأن دوره في المسرحية دور صغير ومؤقت، ويودُّ لو كان أكبر وأطول.
والبلاد التي يكثر فيها من لا أخلاق لهم هي البلاد المعرضة للانهيار، فعند أول اختبار حقيقي لن تجد أمام هذه الطبقة الحاكمة إلا خيارا من اثنين: إن نشبت فيها ثورة هدموها على رؤوس أهلها وجاؤوا بالاحتلال الأجنبي ليحفظ لهم عروشهم ولو قتل ملايين الناس. وإن جاء احتلال سلموا لهم البلاد وهربوا.. وتلك سيرة بلادنا المنكوبة منذ حكمها العسكر: فجور وقتل للناس وانسحاب وهروب أمام الاحتلال، فلم يسجل لهم التاريخ نصرا واحدا على عدو أجنبي، مع أنهم أكلوا الأموال وشربوا الدماء بدعوى الحفاظ على البلاد!
وكثير من مفكري الغرب أنفسهم يشعرون بالتهدد من شيوع الانهيار الأخلاقي، ومن أن الحضارة الغربية نفسها مهددة لأنها بطبيعتها تنتج الإنسان المهتم بمصالحة الذاتية ولذته المؤقتة، فهي لا تهتم بالبطولة ولا المثالية ولا النموذج، ويرتقبون لها أن تكرر تجربة جمهورية فايمار التي سقطت أمام البرابرة لسبب بسيط: أنها لم تجد من يدافع عنها[1].
وصدق شوقي: إنما الأمم الأخلاق ما بقيت .. فإن همُ ذهبت أخلاقهم ذهبوا
هوامش:
1- انظر مثلا كتاب "الاستغراب: تاريخ النزعة العدائية للغرب" لإيان بوروما وأفيشاي مرجليت، ص65 وما بعدها.
كان يفترض أن أعطي محاضرة تقليدية وفق تسلسل المنهاج المعتمد لطلاب الدراسات العليا في قسم الاقتصاد والتخطيط من كلية الاقتصاد في جامعة دمشق. لكن بمجرد دخولي؛ بادرني أحد الطلبة بسؤال بسيط جدا وبدهي بالنسبة لي، ولكن يبدو أنه انتهى بصدمة بالنسبة له.
كان السؤال عن كيفية وضع خطة حكومية اقتصادية لإنعاش مشروع ما أو قطاع اقتصادي كامل، سواء أكان صناعيا أم زراعيا أم حتى خدميا؟وكان جوابي بسيطا جدا وبدهيا بالنسبة لي؛ وهو أنه عليك كحكومة، العمل على أن تدعم وتقوي المشاريع التي تمثل العلاقات الأمامية والوسيطة والخلفية لهذا المشروع أو هذا القطاع المراد تطويره، وبالتالي فأنت تضمن انتعاشه واستمراره ومضاعفة أرباحه. وتضمن بذلك تأمين أكبر عدد ممكن من فرص العمل المنتجة بمشروع واحد وذلك وفق نظرية الآثار الاقتصادية الارتدادية.
ولكن الإجابة كانت غامضة بالنسبة للطالب الذي ظهرت على وجهه علامات الحيرة، ولم يتردد بطلب المزيد من الشرح والتفصيل. ولأني أعلم أهمية هذا الموضوع، خاصة أن نظرات باقي الطلبة كانت متشوقة لمعرفة المزيد عن الأمر. فقررت تأجيل ما كنت سأقدمه لهم، وأتوسع في هذه الفكرة وربما دفعني لذلك إحساس غريب لم أستطع تفسيره ابتداء.
قلت لهم وأنا أضع مخططا تصوريا على اللوح، بأن لكل مشروع أو قطاع كامل، علاقات أمامية تمثل المشاريع التي تقدم المدخلات للمشروع المراد تطويره، وله علاقات خلفية تمثل المشاريع أو الأسواق (المستهلكين النهائيين) التي تستهلك منتجات هذا المشروع. وله علاقات وسيطة تمثل القدرة على التشغيل والصيانة واستكمال الاحتياجات التقليدية والطارئة.
الفكر الاقتصادي التغييري الحقيقي غائب عن الجامعات، وغالبية ما يعلّم هناك هي أفكار تنظيرية مستوردة وقديمة لا تسمن ولا تغني من جوع
مواقع التواصل
وهذه المشاريع (الأمامية والخلفية والوسيطة) يختلف عددها حسب موقع المشروع من حلقات الإنتاج المتتابعة. وبالتالي فإذا أردتم تقوية مشروع أو قطاع ما، فما عليكم إلا تقوية المشاريع الساكنة أمام وخلف ومع هذا المشروع أو القطاع، وبالتي تكونوا قد ضمنتم له شريان الحياة المغذي والمنعش. ولمزيد من الشرح طلبت منهم أن يحددوا مشروعا بعينه. فطلبوا أن يكون المثال العملي على قطاع إنتاج الغذاء الحيواني خاصة (لحوم حمراء ودواجن).
فتابعت الشرح قائلا: إن المشاريع الأمامية لهذا القطاع الذي هو جزء من قطاع الإنتاج الزراعي، تتمثل في المشاريع التي تقدم الأساسيات من الأمهات أو الحيوانات الصغيرة والصيصان (الكتاكيت) للتربية، ثم الأعلاف (زراعة أو استيرادا)، ثم الاحتياجات الأساسية من العلاجات التي يحتاجها هذا القطاع، ثم مراكز الأبحاث العلمية التي تدعم كل ما يضاعف إنتاج هكذا قطاع، وأخيرا وليس آخرا؛ المعاهد العلمية التي تؤهل الكوادر الإدارية والمالية المناسبة. فإذا ضمنتم تأمين كل هذه الأساسيات ولو بنسب متفاوتة، ضمنتم ولادة استثماركم وبدايته. وهذا شرط لازم، وليس كافيا.
أما لكي تضمنوا استمراره في الحياة وانتعاشه ونموه الدائم، فعليكم تأمين الشرط الكافي وهو ضمان القدرة على تركيب وتشغيل وصيانة البنية المادية وغير المادية (العلاقات الوسيطة)، ثم ضمان أسواق أو مشاريع (العلاقات الخلفية) تستهلك منتجات هذا القطاع بشكل دائم ومجزي، بحيث يضمن الربح والنمو والاستمرار. ويكون ذلك ابتداء بتوفير قوة شرائية في السوق المحلية (عدالة توزيع الثروة)، وفتح أسواق خارجية كافية لتصريف كامل إنتاج هذا القطاع بما يغري القائمين عليه بالتوسع وتخفيف التكاليف وتعظيم الأرباح. أما إذا بدأتم بإنشاء أو تطوير مشروع أو قطاع ما، ولم تعملوا على تكامل مشاريع العلاقات كافة، فأنتم بذلك كمن اشترى أرضا ونثر فيها البذور، دون حراثة. ثم جلس وتقاعس عن السقاية والعناية. والنتيجة طبعا هدرا لما أنفق ابتداء.
أبدا لم يكن التخلف والفقر قدرا من الله. وإنما كان مقصودا ومحبوكا بعناية. وما الجاهل إلا هذه الشعوب التي أصبح استمرار جهلها وصمتها إثما لا يغتفر
فسأل أحد الطلبة وهل عملت حكوماتنا التي قادت عملية التنمية الاقتصادية على تأمين ذلك للمشاريع الصغيرة والمتوسطة والعملاقة التي أنفق عليها المليارات من أموال الشعب؟ فقلت لهم: على حد علمي، لم يفعلوا ذلك بالشكل الأمثل الذي يضمن ترابط المشاريع. وغالبا يهملون حلقة أساسية تخرب كل ما بعدها في السلسلة. بل إنهم أحيانا ينشئون مشروعا ضخما ابتداء بدون أرضية مناسبة له وبدون علاقات أمامية ولا حتى خلفية ولا حتى وسيطة. ويؤمنون رأسماله من الاستدانة التي يدعون أنها بشروط ميسرة.
فالفكر الاقتصادي التغييري الحقيقي غائب عن الجامعات، وغالبية ما يعلّم هناك هي أفكار تنظيرية مستوردة وقديمة لا تسمن ولا تغني من جوع. وحتى الأبحاث العلمية في أقسام الدراسات العليا هي أبحاث نظرية ليس لها أي أثر في الواقع، وذلك لأنها لم تنبع منه أصلا. فأين جذر المشكلة العميق الذي بتغييره يتغير كل شيء؟ هل هي في نقص العلم؟ أم في نقص الكوادر المتعلمة الخبيرة؟ أم أن هناك سببا أعمق وأكثر تجذرا وخطرا، لأنه يقبع في ظلام لم يمسسه بشر.
فسأل أحدهم، وهل ذلك بسبب الجهل بهذه الفكرة البسيطة والاستراتيجية؟ فقلت لهم: وهل سمعتم بهذه الفكرة من قبل، وأنتم طلبة في قسم الدراسات العليا وتخصصكم في الاقتصاد والتخطيط؟ فقالوا أبدا لم نقرأ أو نسمع بهذه الفكرة من قبل. ولم يدربنا أحد على تطبيق مثل هكذا فكرة. وهنا انتبهت لشيء هام، فنظرية تنمية التخلف التي أؤمن بها لها جذور أعمق مما كنت أتصور. إن جذورها ليس في مشاريع الإنتاج، بل في المعاهد والكليات التي يفترض أن تخرِّج كوادر تحسن إدارة الاقتصاد بكامل قطاعاته المختلفة. ولكن يبدو أن تفشيل التنمية، أو كما سميته فيما بعد تنمية التخلف أعمق مما تصورت بكثير.
لعقود طويلة ظن الناس أن جهل القيادات هو سبب التخلف. فهل من داع لزيادة خيبتهم وإخبارهم أن التخلف سببه علم هذه القيادات. علمها بكيفية تفشيل الخبراء والنشطاء والمخلصين. علمها بإنشاء مشاريع عملاقة يعلمون مسبقا أن لا فرصة لها في الحياة. ولكن لا بأس بإنشائها طالما أنها ستصبح مصدرا جديدا لهدر موارد الأمة. ويستحيل أن يكون ذلك عفويا. فالجاهل يتعلم من خطأه ويتعظ من ألمه فيتغير، غالبا، مكرها لا بطلا.
كان الناس يتمنون أن يوضع الشخص المناسب في المكان المناسب. وما دروا أن الشخص المناسب موضوع في المكان المناسب. والقصة هي فقط اختلاف زوايا الرؤية والتفسير والغايات. أبدا لم يكن التخلف والفقر قدرا من الله.وإنما كان مقصودا ومحبوكا بعناية. وما الجاهل إلا هذه الشعوب التي أصبح استمرار جهلها وصمتها إثما لا يغتفر.
اعتقلت قوات الأمن المصرية، قبل أيام، أمين عام حزب الوسط، محمد عبد اللطيف، وسط صمت كامل من القوى السياسية التي تسمي نفسها مدنية وديمقراطية وثورية، وتملأ الدنيا ضجيجاً عن الحريات وحقوق الإنسان.
لم يكلف حزبٌ واحد من هذه القوى نفسه مشقة إصدار بيان أو تصريح، يدافع عن حرية سياسي محترم، يقود حزباً مدنياً شرعياً، أو حتى يسأل عن مصيره، ولو ذرّاً للرماد في العيون، بعد نحيبها المفتعل على احتجاز الجنرالأحمد شفيق، العنوان الأبرز للثورة المضادة، ثم الجنرال سامي عنان، أحد الذين قتلوا ثورة يناير.
فيما بعد، فاجأت هذه القوى التي تسمي نفسها مدنية ديمقراطية الجميع بإقصاء رئيس حزب مصر القوية، عبد المنعم أبو الفتوح، برفض إشراكه في بيان مجمع يدعو إلى لديمقراطية، ويستهجن تجفيف بحيرة السياسة في مصر، والحجة أنهم وحدهم المدنيون الديمقراطيون الثوريون، وكل من هو خارج دائرتهم الضيقة ليس جديراً بأن يُنعموا عليه بدمجه في تيارهم المدني الديمقراطي المزعوم، على الرغم من أن رموز هذه القوى لم يجدوا مأوىً لهم، إبّان هوجة جزيرتي تيران وصنافير، التي شفطوها من الشارع إلى سراديب القضاء، سوى مقر حزب مصر القوية، ليعقدوا فيه ندواتهم.
وفي المقابل، لم يتردّد رموز هذه القوى الثورية الديمقراطية في الهرولة إلى المشاركة في ندوات تحتفي بكتابٍ جديدٍ لواحدٍ من رموز زمن حسني مبارك، والقيادي البارز في حزبه المحترق، علي الدين هلال، الذي قامت ضده ثورة يناير، طلباً للحرية والديمقراطية وإنهاء الحكم العسكري.
في نزوة الثلاثين من يونيو/ حزيران المهلكة، لم تجد القوى المدنية الديمقراطية غضاضةً في الاصطفاف مع حزب النور، المعبر عن إسلام سياسي زائف، ومعجون بخميرة الأجهزة الأمنية، وكذلك مع القيادات العسكرية والبوليسية العتيقة، للإجهاز على مخرجات التجربة الديمقراطية الوليدة، التي كانت تجسّد الملمح الوحيد الباقي من ثورة يناير، ولم تستشعر خطراً على وسامتها الديمقراطية الثورية المدنية، وهي تحشد الجموع لعسكرة الحياة السياسية، وإعادة مصر أكثر من ستين عاماً إلى الوراء، وتمنح تفويضاً لجنرالالانقلابالعسكري، لقتل السياسة ومصادرة المجال العام وحرق أية فرصة لتطور ديمقراطي.
بعد نحو خمسة أعوام من مشاركتها في قتل الديمقراطية والمدنية، كانت هذه القوى التي تضع على وجهها طلاء مدنياً زائفاً قاب قوسين أو أدنى من تكرار حماقتها في 2014، حين ارتضت أن تكون جزءً من عروض السيرك الانتخابي المنصوب، لتقديم جنرال المقتلة إلى العالم في صورة الزعيم المنتخب، بل كانت على بعد خطوةٍ من لعب الدور نفسه الذي يؤديه الآن كومبارس اللحظة الأخيرة، على خشبة مسرح عبث ما تسمى انتخابات 2018.
كانت هذه القوى في قلب سيرك انتخاب الجنرال، توشك أن تكرر ما جرى في 2014، وحين نفدت بجلدها في اللحظة الأخيرة، ظننا أنها أدركت أنه لا حل بمواجهة تيار العسكرة سوى العودة للاصطفاف على أرضية، وتحت سقف ثورة يناير، والانسلاخ من كارثة الاحتشاد مع الثورة المضادة في يونيو/ حزيران 2013، لكنها باغتت الجميع بالتشبث بكل ما أدى إلى المصير البائس الذي انحشرت فيه مصر، وراحت تمارس الإقصاء ذاته الذي كان الجسر الذي عبر فوقه الانقلاب العسكري، وتوقفت عنده في سبتمبر/ أيلول 2012 تحت عنوان "المأساة بدأت بإقصاء عبد المنعم أبو الفتوح"، حين لم يجد رموز المدنية الديمقراطية الكاذبة بأساً في الاصطفاف مع عبد المنعم الشحات (رمز سلفية أجهزة أمن مبارك) والإقصاء المتعمد للدكتور عبد المنعم أبو الفتوح (أحد رموز ثورة يناير من تيار الإسلام السياسي المدني)، وسجلت وقتها"وكانت بداية المأساة فى الأسبوع الأخير من سبتمبر الماضى 2012 حين أقدم عدد من الرموز السياسية، الثورية ومنتحلة صفة الثورية، على تكوين تحالف يقصى رجلا بحجم الدكتور عبد المنعم أبوالفتوح..ذلك كان مستصغر الشرر الذى صار نارا أمسكت بالثورة قيما ومبادئ محترمة، حتى وجدنا من لا يخفى استدعاءه لقوى مضادة للثورة فى هوجة الحشد ضد الرئيس وإعلانه، والاستفتاء على الدستور".
صحيحٌ أن أبو الفتوح رضخ لابتزاز هذه القوى، وشارك في مشروع 30 يونيو لاحقاً، إلا أن أربع سنوات وستة أشهر مرت على تلك المأساة كشفت أن الطريق إلى المستنقع الذي تتردى فيه مصر، والمنطقة كلها الآن، بدأ بالاستسلام لغواية الثلاثين من يونيو، والمضي في تلك النزوة الثورية المجنونة التي أراقت دماء البشر، وجففت مياه النهر، وأحرقت حقول السياسة، وأحالت البلاد إلى سجن حربي كبير.
ومن دون الاعتذار الصريح عن هذه الكارثة، والتحرّر من قيود تلك النزوة المدمرة، ستبقى القوى التي تسمى نفسها مدنيةً ديمقراطيةً تتخبط في ذلك التيه السياسي والأخلاقي الذي يجعلها إلى الإقصاء أقرب من أن تكون قاطرة لتيار ثوري حقيقي، وأبعد ما يمكن أن تصل إليه هو أن تحظى بوضعية المعارضة القديمة التي كانت تلهو في الفناء الخلفي لنظام مبارك.
الخلاف حول تفسير التاريخ ليس ظاهرة ترف، ولا هو مجرد خلاف حول تفسير الماضي، بل هو في الدرجة الأولى خلاف حول الطريق إلى المستقبل. ومنذ الغزو الفرنسي لمصر ظهرت مدرستان :المدرسة الاستعمارية التى تمثلها كتابات د/ لويس عوض التى تنادي بالتغريب وتعتبر أن المتعاونين مع الاستعمار هم رواد التقدم وطليعته، ومن نماذجها المعلم يعقوب والذين داروا مع جنود الاحتلال. وفي مواجهة هذه المدرسة قامت المدرسة الوطنية لتفسير التاريخ التى ترى الوطن والتقدم والحداثة من منظور واحد هو مقاومة التبعية لأوروبا؛ مقاومة الاحتلال الغربي للشرق الاسلامي، وتمثلها كتابات الأستاذ محمد جلال كشك الذى أصدر كتابه هذا في اعقاب هزيمة 67 عندما نشطت المدرسة الاستعمارية للترويج للدور التحضيري والتحريري الذى لعبه غزو البلدان المتقدمة للشرق المتخلف، وكانوا في الحقيقة يدعون الأمة العربية وقتها لقبول التحضير الإسرائيلي !وكان صدور هذا الكتاب -وقتها - محاولة لكشف هذا التزييف، وإعادة ثقة الأمة بمستقبلها، من حلال وعيها بماضيها.
واليوم إذ يعود ورثة المعلم يعقوب، ودعاة المدرسة الاستعمارية، فيسيطرون على وسائل الإعلام، وينتهزون مناسبة الاحتفالات بالثورة الفرنسية للترويج من جديد لمفاهيمهم، فيخلطون عن عمد بين إنجازات الثورة الفرنسية وجرائم الاحتلال في بلادنا، تأتي هذه الطبعة الجديدة المزيدة من الكتاب الذي كان علامة فاصلة في دراسة وتفسير تاريخ الحملة الفرنسية بل وعلاقة الشرق بالغرب.
قراءة في الكتاب
في أكتوبر من العام 1798 دخلت خيول الاحتلال الفرنسي الأزهر وأعمل جند نابليون السيف في شيوخ الأزهر وطلبة العلم، نُهبت الكتب ومزقت المخطوطات ثم اتخذوا من المسجد والجامعة إسطبلا للخيل. حتى تشفع الشيخ “الجوهري” الذي توجه بنفسه إلى نابليون طالبا خروج الخيل من الأزهر، ليأمر نابليون بالخروج من الأزهر ثم ألقى القبض على عدد من المشايخ والطلاب وقطع رؤوسهم.
كانت هذه هي المرة الأولى في تاريخ مصر، التي يهان فيها الأزهر بهذه الطريقة ويؤمر بإعدام شيوخه، وإنها المرة الأولى التي تحتل فيها مصر، وهي بداية عهدنا مع الاستعمار الأجنبي.
وما إن سقطت مصر بعد معركة إمبابة حتى أصبح المحتل وجها لوجه مع الأزهر، الذي قاد مقاومة عنيفة على مختلف المستويات من المقاومة التي قادها الشيوخ الكبار داخل المجالس التي شكلها نابليون لحكم مصر، إلى المقاومة الوطنية العنيفة التي قادها الشيوخ الصغار بالحركات السرية وأعمال المقاومة الشعبية، وتصاعد الصدام الذي انتهى بإغلاق أبواب الأزهر بعد مصرع (كليبر) على يد سليمان الحلبي أحد طلبة الازهر.
نعم فتح الأزهر أبوبه بعد ذلك لأن الحملة الفرنسية انتهت واضطرت للجلاء، ولكن حادثة إغلاق الأزهر عبرت عن طبيعة العلاقة الوحيدة الممكنة بين الاحتلال الأجنبي وقيادة الأمة.
اقتنع الاستعمار أنه ما لم يتم تصفية الدور القيادي للأزهر فلا يمكن لأي استعمار أن يستقر على ضفاف النيل، ولا تكون هذه التصفية بإغلاق أبواب الأزهر أو احتلاله بالخيل، بل بإغلاق باب قيادته الفكرية للأمة وتغريب المجتمع من حوله حتى يصبح نشازا متخلفا بل ويصبح رمزا للتخلف وسببا للسخرية والتندر، وهذا الدور الذي لعبه رجل الاستعمار الغربي “محمد باشا” الملقب “بالكبير” مؤسس مصر الحديثة ومُسلمها فريسة عاجزة إلى الاستعمار الغربي.
ويدور كتاب محمد جلال كشك حول الحملة النابليونية على مصر في دراسة لتاريخ الحملة، ودراسة علاقة الشرق بالغرب الاستعماري الذي بدأ مع هذه الحملة، واختار دخول الخيل للأزهر للرمزية التي يحملها الأزهر ولما لهذه عبارة من وقع يشير إلى عمق الهزيمة التي منيت بها الأمة في الحملة والغزوات العسكرية والفكرية التي تلتها.
الحملة الفرنسية والتاريخ العربي
بدأ كشك كتابه في مناقشة وجود مدرستين لتفسير التاريخ، أولها المدرسة الاستعمارية والتي تجعل من الحملة الفرنسية على مصر بقيادة نابليون في نهاية القرن الثامن عشر، هي بداية تاريخنا القومي وبداية الفكر العربي، أي بداية تحررنا من الاستعمار التركي وخروجنا من القرون الوسطى.
وتعتمد هذه المدرسة الاستعمارية على عدة مزاعم من هذه المزاعم محاولة عزل الحملة الفرنسية عن التاريخ الإمبريالي، باعتبارها حدث منعزل عن علاقة الشرق بالغرب وارتباطها بالثورة الفرنسية التي نشرها نابليون حيث غزا مع جيوشه في الشرق والغرب، وبالتالي التعامل مع هذه الحملة هو تعامل مع الثورة الجديدة في حينها والتي أخرجت العالم من القرون الوسطى.
يفند كشك هذا الزعم بإرجاعه إلى أصله التاريخي فهذا الادعاء لم يكن شائعا في عهد سيطرة الاستعمار ولكنه حديث متأثر بالفكر الماركسي الذي روج الاتحاد السوفيتي بحجة “المفهوم الأممي” في الثورة الشيوعية أي عالمية الفكرة الشيوعية وبالتالي إتباع القيادة الشيوعية دون اعتبارات وطنية، ولكن هذه الفكرة سقطت بسبب التناقضات القومية.
وتبين أن علاقة استعمارية حقيقية تقوم بين الدولة الشيوعية الكبرى والصغرى ومن ثم يهبط شيوعيو الدولة الصغرى إلى مرتبة العمالة للدولة الشيوعية الكبرى.
ثم يثبت من خلال مذكرات فرنسية أن استيلاء فرنسا على مصر هو جزء من سياسة فرنسا كدولة وليس ظاهرة مرتبطة بالثورة الفرنسية، بل من سياسة الدولة المتطلعة إلى السيطرة على التجارة في البحر المتوسط التي كانت تشرف عليها مصر، وهي بهذا أطماع اقتصادية بحته تؤكد صفة الإمبريالية على الحملة الفرنسية.
الفصل الأول
قبل أن يختل الناموس
يبدأ هذا الفصل بالتساؤل التالي: هل كانت مصر مستعمرة تركية؟ يعتبر كشك أنه من الجهل العلمي وصف السلطة العثمانية بالاستعمار، لأن الاستعمار حالة من التطور الاقتصادي لم تصل لها الدولة العثمانية، حتى أن بعض الإسلاميين يتمنون لو أن الدولة العثمانية وصلت لهذه الحالة لتصبح دولة عظمى إسلامية في المعاير العصرية، لكن هذا التمني في غير محله لأنه لا استعمار ممكن في دولة إسلامية، ولا الأتراك كانوا قادرين على دخول عصر الإمبريالية كإمبرياليين.
وبالتفسير العلمي لا يمكن إطلاق صفة استعمارية على دولة لم تحقق ثورتها الصناعية، ولم تكن تجارتها تشكل شيئا من التجارة المصرية بل كانت تستورد من مصر أكثر مما تصدر لها، وصادرتها لمصر خامات وصادرات مصر لها سلع مصنعة، ولا رؤوس أموال أو استثمارات تركية في مصر، ولم يكن هناك جيش تركي في مصر بل إن وصول حملة عثمانية إلى مصر يعني الحرب مع المماليك، وكانت العلاقة تقتصر على الخطبة للسلطان والدعاء له في المنابر، وحق السلطان في تعيين الباشا (الوالي) وحق الدولة العثمانية في الميري (الجزية).
ثم ذهب كشك إلى شرح الحالة السياسية في مصر بتلك الفترة وتنفذ المماليك والبكوات في مفاصل الدولة وتحكمهم هم ورئيسهم الذي يختارونه والذي يحمل لقب (شيخ البلد) في كل شيء في مصر إلى درجة عزل الباشا والي السلطان العثماني الذي لم يكن يملك سلطة فعلية تذكر في البلد، وكانوا المماليك يستطيعون عزله متى أرادوا فيقولون “قوموا بنا نعزل الوالي”، ويتخيل كشك ساخرا أن تطبق نفس الحالة على مندوب سامي لإحدى الدول الإمبريالية فيذهب رجل بسيط يحمل قرار السلطة المحلية ويقول للمندوب السامي انزل يا لورد فقد عزلت!
واستفاض كشك في شرح حال مصر بتلك الفترة وأقسام المجتمع المصري المتكون من:
– المماليك (وهم السلطة الحاكمة)
– الشيوخ (وهم قيادة العامة، وكانوا من شتى أقطار العالم الإسلامي)
– التجار والأعيان (الميسورين من المصريين والمسلمين)
– عامة المدن (وأهمهم سكان القاهرة)
– الفلاحون (وهم سكان القرى في الوادي الأخضر، وأكثر طبقات المجتمع بؤسا)
– العرب (وهم سكان الصحراء، وهم في حرب دائمة مع الفلاحين سكان الوادي)
وفي هذا الشرح الميسر تفاصيل هامة لمن أراد التعمق في دراسة التاريخ خاصة في تلك المرحلة المفصلية من التاريخ الإسلامي.
الفصل الثاني
نابليون والمهمة الحضارية
سأستعمر مصر!، هكذا قالها نابليون صريحة، سأستعمر مصر وأستورد الفنانين والعمال والممثلين والنساء وإن ست سنوات تكفي للذهاب إلى الهند لو سارت الأمور سيرا طيباً. وقد تحدث نابليون صراحة في مذكراته عن مخططه للاستعمار البشري لمصر من خلال ضبط مياه النيل وتحقيق الرخاء وتضاعف السكان أربع مرات بفعل المهاجرين الكثيرين من اليونان وفرنسا وإيطاليا وبولندا وألمانيا.
لكن الأمور لم تسر كما خطط لها نابليون الحالم بمجد كمجد الاسكندر، لأن الشعب المصري أبناء الأمة الإسلامية رفضوا مهمة نابليون الحضارية، عرفوا دون الكثير من الجدل أنه قادم (لاستعمار مصر)، فقاوموا هذا الاستعمار وأفشلوه.
وعندما قرر نابليون استعمار مصر كنقطة انطلاقة لإمبراطورتيه الشرقية، بدأ بدراسة الإسلام وطلب نسخة من القرآن الكريم وصنفه تحت قائمة الكتب السياسية، وكان كلما اقترب من الساحل الإفريقي استغرق في دراسة القرآن، وطبعا هذا سلوك طبيعي من شخص جاد يريد تحقيق أهدافه. لكن النقطة المهمة هنا التي يشير إليها كشك وهي أن حملات الغزو الفكري الغربية تبذل كل الجهود لنفي الدين ومحاولة البحث عن مكونات لشخصيتنا بعيدة عنه، لكن عندما يواجهون الحقائق ويعدون للحملات العسكرية يعرفون أن الخط الحقيقي الذي يقسم العالم إلى شرق وغرب هو الخط الديني ولا يمكن النظر للشخصية الشرقية بعيدا عن الإسلام.
انطلقت حملة نابليون بما استطاعت براعة نابليون وكليبر أن تحشده من جنود ومدفعية وعلماء ومطبعة وكتب وعملاء ومترجمين ونساء في ثياب نسائية أو متخفيات في زي جنود.
استولت الحملة على جزيرة مالطة ونهبوا كنوز فرسان المعبد ونفوا سكانها، وهنا يعرض مقارنة بين فتح الأتراك عند تفوقهم عام 1523 لجزيرة رودس والذين سمحوا لفرسان “الاسبتارية” بالجلاء عن الجزيرة حاملين معهم أسلحتهم وكنوزهم، وبين الاحتلال الفرنسي الناهب، وطبعا التاريخ زاخر بمقارنات شبيهة لجيوش المستعمرين وأسلافهم الصليبين مع جيوش الفاتحين المنتصرين وتعاملهم مع السكان وأموالهم.
وبعد أن فرغ الغزاة من الاستيلاء على جزيرة مالطة عادوا على السفن يحملون ما نهبوه وهم ينشدون الأناشيد الثورية، وهنا تظهر الازدواجية في الثورة الغربية فهم ثوريون في شوارع باريس وعلى ظهر السفن الفرنسية، لكنهم لا يجدوا تناقض بين التغني بالحرية والإخاء والمساواة وبين ذبح الجنود الشعوب غير الفرنسية ونهب ممتلكاتهم.
توجه الأسطول الفرنسي إلى الإسكندرية، وهنا يروي الكاتب حادثة مهمة وهي قصة (محمد كريم) حاكم الإسكندرية الذي رفض عرض الكابتن (هادري) من الأسطول الإنجليزي بالحماية من الأسطول الفرنسي القادم، وقال له أنه لا إقامة للأسطول الإنجليزي في الإسكندرية وإذا كان الفرنسيين قادمين حقا فنحن من يتصدى لهم، وفي رواية أخرى قال له “إنها بلاد السلطان، ولا دخل للإنجليز أو الفرنسيين بها”، وقد تشبث أنصار نظرية الصراع بين الاستعمارين التركي والغربي بهذه الرواية كدليل على أن معارضة المصريين كانت ولاء للأتراك وليس رفضا للوجود الأجنبي.
وسواء قيلت هذه العبارة فعلا أم أنها أضيفت إلى المراسلة مع القاهرة كنوع من البرتوكول، فإنها تمسح من “محمد كريم” بالسلطة الوهمية للسلطان على مصر من باب إشعار الغزاة بتدويل القضية، ومن باب رفض الاحتلال الغربي وعدم الثقة في كل ما هو أوروبي. سقطت الإسكندرية بسهولة أمام تفوق الأسطول الفرنسي وتعرض (محمد كريم) للتعذيب ثم القتل.
ويستغرق كشك في وصف أعمال التقتيل والمذابح التي قامت بها القوات الغازية كما ذكر في مذكرات الفرنسيين أثناء أداء “المهمة الحضارية”، واستمرت القوات التي تحمل العلم ثلاثي الألوان الرامز للثورة الفرنسية في أعمالها الإجرامية خلال طريقها من الإسكندرية إلى القاهرة.
وثم يتحدث كشك عن الفرق بين الغزوات الصليبية والحملة الفرنسية وهي قدرة الثانية على التملق والنفاق، فلم يسجل التاريخ أن الحملات الصليبية نشرت منشورا تتحدث عن حملها للنوايا الطيبة لسكان البلاد المنهوبة، على عكس الفرنسيين الذين ما أخمدوا مقاومة الإسكندرية بالقتل والحرق حتى وزعوا المنشور الشهير الذي يلعب على العواطف بتملق المسلمين بالبسملة وعبارة التوحيد. والنوايا الطيبة للفرنسيين “المعادين للبابا”.
الفصل الثالث
المدفع والمنشور
يبدأ هذا الفصل بشرح حالة التعبئة التي حصلت في القاهرة لمواجهة الغزاة الفرنسيين ويشبهها بالتعبئة العربية في هزيمة 1967، فقد توجه جميع العامة والشيوخ إلى بولاق حيث المعركة لمشاهدتها وارتفع سعر السلاح. وخليت الأسواق والأحياء من الرجال الذين توجهوا يحملون الطبول والزمامير إلى بولاق.
وهنا يصف كشك حال هذه التعبئة العربية التقليدية التي لم يخرج عنها (الكفاح) العربي حتى اليوم. التعبئة التي تحشد الجميع للمعركة ولا تتيح لأحد أي دور حقيقي في المعركة، تعبئة تتيح للجميع أن يصرخوا، ويهللوا، ويتألموا من أجل المعركة، دون تحقيق مساهمة حقيقية أو تحقيق أي نفع يخدم المعركة. وفي كل الأوضاع يتم إبعاد الشعب عن الفعل الإيجابي الوحيد المطلوب وهو: القتال!، وهذا الإبعاد لا يتم خلال المعركة بل هو نتيجة سياسة طويلة تجعل الجماهير عاجزة.
ثم يستفيض الكاتب في شرح مقاومة الشعب المصري بمختلف أصنافه المذكورة سابقا، وكيف كانوا يثورون في كل منطقة على الجنود الفرنسيين قبل دخولهم وبعد دخولهم للمنطقة ووقعت الثورات تلو الثورات في الريف وفي صعيد مصر في أول ثورة فلاحين عرفها الشرق، فقد كانت مصر بكرا لم تلوث بعد بالفكر الغربي لهذا ثار الجميع ورفض الوجود الأجنبي، كما هو العادة تبدأ الأعمال الانتقامية من الغزاة لإخماد الثورات فوقعت مجزرة دمنهور التي راح ضحيتها نحو 1500 من الرجال والنساء قتلا وحرقا.
الفصل الرابع
وثارت مدينتي
بعد احتلال القاهرة بدأ الغزاة مهمتهم فأخذوا يسرقون الكنوز والخبايا من القصور، ويأتون بالخدم والمهندسين فيدلونهم على الخبايا في قصور أسيادهم، وأخذ الفرنسيين يقبضون على اللصوص “غير الرسمين” بينما يؤدون مهمتهم في النهب والتفتيش.
وثارت القاهرة ليس ثورة اقتصاد فقد كان الطعام متوفرا وكانت الثورة من العامة الذين لا يدفعون الضرائب، ولم تكن ثورة من أجل دعم بقايا المماليك أو السلطان لم يكن أحد من العامة يأمن لهم أو يحاول مساعدتهم، ولكنها ثورة تحررية من المستعمر توصف بالعادة من الغزاة بالتعصب الديني وهنا نقع في هذا الفخ كما يقول الكاتب فنحاول نفي تهمة التعصب الديني عنها، وكأن تعصب الشعوب لدينها أمر غير طبيعي وكأن مقاومة المستعمر أمر شاذ بحاجة إلى تبرير!
أما التنظيم لثورتي القاهرة الأولى والثانية فقد كان في الجامع الكبير المعروف في الأزهر وقد أجمعت المصادر على أنه أنشئ تنظيم ديوان خاص بالثورة أو تنظيم سري عمل على التخطيط للثورتين ولاغتيال كليبر. وقد حافظ هذا التنظيم على سريته.
وقد اجتمع دعاة الحركة في 21 من أكتوبر 1789 لرسم الخطة، واتفقوا على إغلاق الدكاكين ودعوة التجار والصناع للذهاب بجمع كبير من الشاكين إلى مركز القيادة للاحتجاج على الضرائب، وبهذا يحدث الشغب الصدام المطلوب في المدينة، وبهذا كانت الثورة قرار والضرائب ليس أكثر من مبرر وحجة.
ويسهب الكاتب في شرح مدى سرية تنظيم الثورة وإبعاده عن جواسيس نابليون وعن القيادة الرسمية المضطرة للتعامل مع نابليون رغم تعاطفها مع الثورة، وعن الثورات التي تبعت ثورة القاهرة وحرب العصابات التي نشأت في دلتا مصر، والتي توحي بوجود تنسيق بين ثورة القاهرة التي تمتعت بتخطيط كبير وسرية والثورات في المناطق المجاورة للقاهرة.
ثم يتحدث عن وحشية الجنود في إعدام النساء الثائرات بسجن القلعة إما بحد السناكي أو إغراقاً بالنيل دون أن تُسجل حالة انهيار واحدة في صفوف المجاهدات الباسلات، وهنا يتساءل الكاتب كيف يمكن أن يبرر مؤرخ عادل هذا الفعل الشنيع للحملة الفرنسية التي توصف “بالمحررة” للمرأة!
ثم يتحدث عن طريق قوات نابليون من العريش إلى عكا نهبا وتقتيلا، فبعد معاهدة لم تُحترم مع حامية العريش وبعد نهب وسلب لغزة، فتحت يافا بنفس الأسلوب الذي فتحت فيه القدس قبل ثمانية قرون من الحملة الفرنسية، ووقعت المجزرة الشهيرة في يافا التي استمرت لأكثر من يوم في الرجال والنساء والمسيحيين وكل من له وجه إنسان. ثم أنزل الله كرمه في اليوم التالي الطاعون على رؤوس الغزاة.
وهنا يتساءل كاتب سيرة نابليون عن نوعية الرجل الذي يأمر بقتل أكثر من ألف إنسان وفي اليوم التالي يذهب لزيارة الجنود الفرنسيين المرضى ويحمل أحدهم دون تقزز، ولكن لا غريب في هذا في الحضارة الغربية التي لا ترى أي إنسانية كاملة في أي شخص غير أوروبي. وقتلنا عندهم لا يشكل جريمة ضد الإنسانية.
الفصل الخامس
المؤسسات الاستعمارية
إلى جانب عمليات القتل والتنكيل حاول نابليون وضع تنظيمات إدارية تضمن ضبط الأهالي وتنظم سرقة مواردهم، فعمل على إنشاء ديوان أو مجلس من المشايخ ثم طلب منهم جمع ضرائب باهظة من المصريين فطلب المشايخ التخفيف لكن الفرنسيين لم يوافقوا وأجبروهم على جمعها، فكان الديوان جهاز لجمع الضرائب والغرامات، وكانت مهمته الأخرى إخماد الثورات والسيطرة على الشعب.
ويشير كشك أن المدرسة الاستعمارية في تفسير الحملة الفرنسية ترى في الديوان المذكور تدريبا للمصرين على النظام البرلماني وتجربة الحكم الذاتي! كما أنشئ نابليون مجلس وزراء خاص بمصر وعين عليه سكرتيرا عاما للمجلس.
وما من شعب على طول تاريخ الاستعمار تقبّل “إصلاحات” المستعمرين أو نفذها طواعية دون إكراه، ولكن الشعوب تجرعت ذلك في السيف والمدفع، وإن مقاومة المصرين أجربت الفرنسيين على الكشف عن أنيابهم. والتصرف مثل تصرف الأسبان تجاه سكان أمريكا الأصلين.
ويروي كشك قصة محاولة نابليون الحصول على فتوى من الأزهر يأمر من خلالها العامة بحلف يمين الولاء لنابليون، وكيف ارتبك شيوخ الأزهر ثم وقف كبيرهم الشيخ شرقاوي وطلب من نابليون إعلان إسلامه ليتبعوه ويتبعهم العرب من بعدهم، فدهش الجنرال من رد الشيخ.
ويتحدث كشك عن فكرة أن نابليون سمى جيشه الذي توجه لاحتلال بلاد الشام واحتل العريش وغزة ويافا، سماه (جيش مصر) في محاولة لعزل مصرعن باقي الدول الإسلامية وكأن المصريين سينخدعون ويفرحون بانتصارات قوات الاحتلال لأن اسم الجيش (جيش مصر)!
ويدحض كشك ادعاءات تقول أن الحملة الفرنسية علمتنا التخلص من امتيازات موروثة، والمساواة أمام القانون!، في حين أن في فرنسا كان يحاكم النبلاء بمحاكم خاصة لاعتقادهم أن دم النبلاء أزرق ويختلف عن دم الخاصة!، ولا يوجد في التاريخ الإسلامي شيء يسمى محاكم خاصة بطبقة ما، ولا يوجد في التاريخ الإسلامي امتيازات موروثة وإلا كيف وصل العديد ممن كانوا صبيان مماليك إلى مناصب قيادية عسكرية ودينية!
الفصل السادس
الثورة الخالدة
نشبت ثورة القاهرة الثانية على أثر نقض الاتفاق الذي تم بين الإنجليز والأتراك مع الفرنسيين والذي ينص على جلاء الفرنسيين عن مصر بعد عودة نابليون إلى فرنسا وتولي كليبر قيادة جيش الاحتلال في القاهرة، لكن يفشل الاتفاق ويهاجم كليبر الجيش العثماني الذي اقترب من شواطئ مصر بناء على الاتفاق ليهزم الجيش العثماني في ساعات معدودة. فيعود كليبر إلى القاهرة فيجدها مدينة يحكمها الثوار، ويحتاج إلى شهر كامل من المعارك والحرق والقصف ليستطيع دخولها من جديد على أكوام الجثث والرماد.
ونهبوا ما يستطيعون نهبه بما في ذلك النساء، جيش أجنبي يقتحم عاصمة يقتل ويحرق وينهب ويسبي النساء فيتساءل كشك هنا أين بواعث القومية في ذلك أين يجد أنصار المدرسة الاستعمارية برهانهم على المهمة الحضارية للحملة الفرنسية؟
وأخذ كشك في هذا الفصل ينفي ادعاءات عن الطائفية التي حملتها ثورة القاهرة الثانية، والتي كانت بفعل سياسات الفرنسيين الدافعة نحو إثارة النعرات وبتدخلات عملاء الفرنسيين، ونفي ما اتهمت به الثورة من الغوغائية والفوضى وهو أمر طبيعي في الثورات عموما حي في ثورة فرنسا التي كانت أكثر الثورات غوغائية.
الفصل السابع
الليمونة سحقت الشربتلي
بعد أن بطش كليبر بالمصريين قتلا وحرقا وسبياً وبعدما اعتصر البلاد “كما يعتصر الشربتلي اللمونة” على حد وصفه، حيث أفلسها بالغرامات، وبعدما زرع الأحقاد الممزقة لوحدة الأمة، ظن أن “الليمونة المعصورة” فقدت قدرتها على الحياة، فإذا بالليمونة تعصره وتقذفه إلى الفناء.
حدث في الحادي والعشرين من يونيو عام 1800 وقعت نادرة عجيبة، فتى من حلب في عمر الورد لم يتجاوز 24 عاما، تمكن سليمان الحلبي من قتل كليبر قائد الاحتلال الفرنسي في مصر كمثال على المجاهد الإسلامي وليرسخ المعنى الحقيقي للوحدة الإسلامية المتحدية لمحاولات التمزيق والتفرقة.
ويروي كشك كيف اتجه سليمان إلى الأزهر مركز الثورة وتلقفته خلية من الشوام هناك، وسواء قدم بتوجيهات من التنظيم الثوري خارج الأزهر أم أن من في الأزهر تلقفوه واستغلوا غياب المراقبة عليه لكونه قادم من خارج مصر وبالتالي خارج أعين عملاء الفرنسيين الذين يكتبون التقارير باستمرار عن الأزهر وتلاميذه فالنتيجة واحدة.
وسخر كشك من المحكمة الصورية التي أعدتها فرنسا لسليمان الحلبي ورفاقه، التي استجابت للادعاء ثم حكم على سليمان أن تقطع يده اليمين ويتخوزق ثم يبقى على الخازوق حتى تأكله الطير. وكانت هذه محكمة الحرية وليدة الثورة الفرنسية المجيدة، وذكر كشك في عدل المسلمين في قصة محاكمة ابن عمر بن الخطاب لأنه قتل ثلاثة من المجوس بعد استشهاد أمير المؤمنين في مؤامرة يهودية فارسية وكيف قدم للقصاص ثم عفي عنه أهل المقتولين.
الفصل التاسع
ولله الحمد والمنة
تابع كشك ما تبع اغتيال كليبر من فوضى في صفوف فرنسا ومحاولاتها الأخيرة في تكوين ديوان طائفي يستبعد قدر الإمكان مشايخ الأزهر والشوام، وغيرها من المحاولات حتى أفلست فرنسا وأفلست مهمتها الحضارية وخرجوا من ديار الإسلام صاغرين، وتابع في خواتيم الكتاب ما تبع هذه الحادثة من عواصف فكرية في الفكر العربي المعاصر، في أطروحات الطهطاوي والأفغاني وغيرهم، وختمها في الحديث عن مرحلة “الصحوة الإسلامية” في الفكر العربي التي تلت هزيمة القومية وفكرها في حرب 1967، الصحوة التي تتبنى صيغة الإسلام الحضارية التي تقبل كل ما في الشرق من أديان وطوائف وأعراق، فالإسلام هو التاريخ والثقافة وبطاقة الهوية وهو الخيار الحضاري الوحيد، الصحوة التي ستؤدي إلى تحرير المسلمين وعزة الإسلام.