الثلاثاء، 24 يونيو 2025

نهاية وهم التفوق الإسرائيلي.. وإيران تحتفظ بأوراق القوة!

نهاية وهم التفوق الإسرائيلي.. وإيران تحتفظ بأوراق القوة!

 كشفت الحرب العدوانية على إيران كذب الهالة الإعلامية للقوة الإسرائيلية، ففي الـ12 يوما من الضربات المتبادلة استطاع الإيرانيون قصف الكيان الصهيوني من شماله إلى جنوبه بصواريخ متطورة وفعالة، ولم تستطع المنظومات الدفاعية الإسرائيلية والأمريكية صد الهجمات، مما تسبب في دمار غير مسبوق منذ احتلال فلسطين، وووضع نهاية لأكذوبة التفوق الإسرائيلي.

ظن نتنياهو وترامب أن تدمير المشروع النووي الإيراني عملية سهلة، ويمكن تكرار سيناريو ضرب حزب الله في لبنان، فقاموا باغتيال قادة الجيش والحرس الثوري وعدد كبير من القادة العسكريين، ووجهوا ضربات واسعة لشل مراكز القيادة والسيطرة، لكن المرشد الإيراني على خامنئي نجا من القتل، واستطاع ترتيب الصفوف وتعيين البدلاء، وقاد المعركة للرد على العدوان، ونقل المعركة إلى القلب الإسرائيلي.

ألهبت مشاهد سقوط الصواريخ الإيرانية على الإسرائيليين الحماس في العالم الإسلامي، وكانت قناة الجزيرة تنقل بالبث المباشر صور الصواريخ الباليستية وفرط الصوتية وهي تحلق في السماء، وتسقط على أهدافها في تل أبيب وحيفا والقدس وبئر السبع، لأول مرة في تاريخ الصراع، وكان الإيرانيون يقدّمون كل يوم صاروخا جديدا، وحتى وقف إطلاق النار كان لا يزال في جعبتهم صواريخ جديدة.

لقد استعد الإيرانيون لهذه الحرب بتطوير منظومات الصواريخ والطائرات المسيَّرة، لكن كانت نقطة الضعف في غياب سلاح الجو ومحدودية منظومات الدفاع الجوي، مما أعطى فرصة للمقاتلات الإسرائيلية للسيطرة على الأجواء الإيرانية، بالإضافة إلى المسيَّرات الصغيرة التي كانت تُطلَق من داخل إيران، وتسببت في قتل الكثير من القادة وعلماء الذرة، لكن العمق الجغرافي والمساحة الكبيرة جعلت التفوق للإيرانيين على الإسرائيليين الذين يعيش ثلثاهم في مثلث (تل أبيب/ القدس/ حيفا) الذي كان سيُدمَّر تماما لولا وقف الحرب.

ترامب أنقذ نفسه والإسرائيليين

عندما أعلن ترامب وقف إطلاق النار، كان واضحا أنه في قمة السعادة إذ دعا بالبركة لـ”إسرائيل”، ودعا أيضا لإيران التي كان يهاجمها حتى آخر لحظة، ويتهم قادتها بأنهم “شياطين”، فقد تلقف الرئيس الأمريكي الرسالة الإيرانية بالاستعداد لوقف الحرب بالترحيب، وشكر الإيرانيين على إخطاره قبل ضرب القاعدة الأمريكية في قطر للحفاظ على أرواح الأمريكيين.

قرأ الإيرانيون التطورات في الولايات المتحدة وإسرائيل، ويبدو أن تقدير الموقف دفع القيادة الإيرانية إلى المبادرة والتفاهم مع ترامب، فالرئيس الأمريكي كان في موقف لا يُحسد عليه، وانقلب عليه الإعلام والسياسيون بعد قصف منشأة “فوردو” دون الرجوع إلى الكونغرس، ورفض الديمقراطيون وقطاع من الجمهوريين ومعهم حركة “MAGA” الإنجيلية -وهي التيار الرئيس المساند لترامب- التورط في حرب جديدة بعد ما لاقوه في العراق وأفغانستان.

دخل ترامب في معركة ضارية مع الإعلاميين، وتعرَّض لهجوم عنيف بسبب عدم اقتناع الأمريكيين بما جرى من استعراض للقوة وإرسال الطائرات الشبحية B2 لتدمير “فوردو” وقصف منشأتي نطنز وأصفهان بالصواريخ من الغواصات، وقد أسهمت تصريحات القادة العسكريين الإيرانيين في الضغط على ترامب بتكذيب روايته عن التدمير الكامل للمنشآت النووية وبشكل خاص منشأة فوردو.

يبدو أن الإيرانيين شعروا بأن الثمرة قد طابت وحان الوقت لقطفها، فقرروا توجيه رسالة إلى ترامب وهي ضربة محدودة لـ”قاعدة العديد”، وأخطروه قبلها، مثل ما فعلوا سابقا في الرد على اغتيال قاسم سليماني كي يستعد ويخلي القاعدة، التي كانت قد أُخليت بالفعل حسب الإعلام الأمريكي، فلم يُصَب أحد، وأعلن ترامب ترحيبه بالمبادرة الإيرانية، ثم أعلن وقف الحرب، وأعلن موافقة الطرفين على ذلك.

منشأة فوردو ونهاية الحرب

سيحدد ما جرى في “فوردو” مستقبل المشروع النووي الإيراني، بل ومستقبل إيران والمنطقة، فالمنشأة بُنيت تحت جبل بالقرب من قم، بعمق يصل إلى 90 مترا، بها أجهزة الطرد المركزي التي تخصب اليورانيوم، وبسبب هذا الموقع الحصين فشل الجيش الإسرائيلي في تدميرها، ولهذا طلب نتنياهو مساعدة ترامب باستخدام القنبلة (GUB-57A) التي تزن 15 طنا، وهي أكبر قنبلة غير نووية لإنجاز المهمة.

استجاب ترامب وأرسل 6 طائرات، تحمل كل منها قنبلتين، وتم إلقاء كل الحمولة على المنشأة، وأعلن في مشهد استعراضي الانتصار الكبير الذي حققه، لكنَّ الإيرانيين أضعفوا موقفه، وقالوا إن القنابل الأمريكية دمرت فقط بوابات “فوردو”، بل وأعلنوا مفاجأة، وهي أن اليورانيوم الذي تم تخصيبه بنسبة 60% نُقل مع الكثير من المعدات إلى مكان سري قبل الهجوم.

ما حجم التنازلات؟

غير معروف حتى كتابة هذا المقال حجم التنازلات التي تمَّت، فالأمريكيون يرفضون امتلاك إيران حق تخصيب اليورانيوم حتى لو كان للاستخدام السلمي، ومعهم نتنياهو الذي لا يرى غير تدمير المشروع النووي وإخراجه من الخدمة بزعم “إزالة التهديد”. وفي الجهة المقابلة، يتمسك الإيرانيون بحقهم في التخصيب، ويرفضون الاستسلام للشروط الإسرائيلية والأمريكية.

بالتأكيد هناك تنازلات من الطرفين أدت إلى وقف الحرب والموافقة على الجلوس على طاولة التفاوض، لكن هذه التنازلات تتوقف على حجم التدمير الذي جرى في “فوردو”، فلو طال التدمير قلب المنشأة وأخرجها عن العمل فستكون إيران قد خسرت الحرب، وحقق الإسرائيليون هدفهم بتعطيل التخصيب لسنوات وربما إلى الأبد، وسيكون التفاوض على مصادرة اليورانيوم المخصب الذي تخفيه.

أما إذا كان التدمير هامشيا بعيدا عن قلب “فوردو” فستكون إيران قد انتصرت وحافظت على أجهزة الطرد المركزي، ولديها كميات من اليورانيوم المخصب، وهذا يعني خسارة الإسرائيليين والأمريكيين للحرب، ويكون التفاوض لتأجيل الصدام لمنع انهيار الجبهة الداخلية الإسرائيلية، وللحفاظ على الهيبة الأمريكية التي تشوهت بسبب مغامرات نتنياهو وحروبه غير النهائية.

يتوقف على نتيجة هذه الحرب مستقبل العالم الإسلامي، فصمود إيران والحفاظ على مشروعها النووي يعني فشل خطط تجريد المسلمين من حقهم في حيازة التكنولوجيا النووية، حتى لو كان للأغراض السلمية، وهزيمة المشروع التوسعي لنتنياهو بتغيير الخرائط في الشرق الأوسط، وفتح الباب أمام دول أخرى لدخول النادي النووي.

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق