الأربعاء، 25 مايو 2016

الدور الآن على «الوهابيّة»!

الدور الآن على «الوهابيّة»!

أحمد بن راشد بن سعيّد













«أرض خصبة لداعش».
هكذا ظهر عنوان كبير على صدر النسخة الدولية من صحيفة النيويورك تايمز فوق صورة لمسلمين خارجين من صلاة الجمعة في كوسوفا.
وتحت الصورة نشرت الصحيفة: «الإمام هناك حاول كبح تأثير الوهابية كما تُمارس في السعودية» (23 أيار/مايو 2016).

 قبل ذلك بشهرين (23 آذار/مارس 2016) نشرت صحيفة الواشنطن بوست تقريراً عن الهجمات التي ضربت بلجيكا (أسفرت عن مقتل 31 وإصابة 270) عنوانه: «الجذور السعودية لخطر إسلاميي بلجيكا». نقلت البوست عمّن وصفتهم بمحللين قولهم إن الهجمات كانت نتيجة «الاختراقات في بلجيكا التي نفّذتها النسخة الأكثر محافظة وتقليدية من الإسلام والتي تعتنقها السعودية».
وقبل ذلك بعامين خرجت صحيفة هفنغتن بوست بهذا العنوان: «لا يمكن أن تفهم داعش إذا لم تعرف تاريخ الوهابية في السعودية» (27 آب/أغسطس 2014).

بعد 11/9، حمي وطيس «الحرب على الإرهاب»، فغابت أية محاولة لنقد السياسات الخارجية الأميركية. ومن شأن الحروب إذا نشبت أن تقتل كل قضية غيرها، بما في ذلك النقاش حول أسباب الحرب ومدَياتها. 
أنذاك برز الحديث عن«الوهابية»، وأصبحت أكثر حضوراً في الصحافة ودوائر البحث.
الوهابية، وفقاً للمنظور السائد في أميركا، كانت العباءة التي تدثر بها معظم المهاجمين، والعقيدة التي أمدّتهم بالكراهية.
يؤكد رضا بربهي، أستاذ التاريخ المساعد بجامعة ولاية لويزيانا، في مقالة له في موقع كاونتر بنش (27 تشرين الأول/ أكتوبر 2007) أن صحيفة النيويورك تايمز نشرت 86 مادة عن «الوهابية» في الفترة من كانون الثاني (يناير) 1857 إلى أيلول (سبتمبر) 2007، ظهرت ستة منها قبل 11/9، والثمانون الأخرى بعدها. 
ولغياب الاهتمام بالتفاصيل، وتسيّد الاتجاه النمطي، فقد جرى ربط الوهابية بالقاعدة، وطالبان، والمدارس الدينية في باكستان، والمقاومة السنية في العراق، والحرب في القوقاز، والمعارضة في أوزبكستان، والهجمات في أوروبا، بل أبلغ الرئيس أوباما مجلة ذا أنتلانتك (10 آذار/مارس 2016) أن إندونيسيا تحولت إلى دولة متطرفة بسبب انتشار المدارس الوهابية السعودية في البلاد. 
يؤكد بربهي أن «فكرة المؤامرة الوهابية على الغرب» تضرب أطنابها في عقول كثيرين داخل أميركا وخارجها، وتستند إلى دلائل أبرزها أن 15 رجلاً من خاطفي 11/9 كانوا سعوديين، وأن السعودية تموّل المدارس والمساجد من جنوب شرق آسيا إلى أوروبا وأميركا الشمالية، وأن «الوهابية» بطبيعتها حركة معادية للغرب.
لكن هناك أخطاء «فاضحة» في هذه الرؤية، بحسب بربهي، منها أن علماء «الوهابية» في السعودية أصدروا فتاوى تدين الجهاد ضد الدول الغربية، ومنها أن ابن لادن نفسه انتقد بقسوة هؤلاء العلماء، ومنها أن أكثر المدارس الدينية تشدداً لا تتبع الخط الوهابي، ولا تتلقى تمويلاً سعودياً.
وقد كشفت دراسة أجرتها «مجموعة الأزمة الدولية» في عام 2002 أن 90 في المئة من المدارس الدينية في باكستان تدرّس مناهج «ديوباندي» السلفية ذات الجذور الهندية التي دعمتها واشنطن إبّان الجهاد الأفغاني، ووصف الرئيس ريغن طلاّبها بأنهم»المكافئ الأخلاقي لآباء أميركا المؤسسين».
وعلى الرغم من ذلك، فإن مؤسسة العون الأميركي «يو إس ايد» قالت في تقرير لها إن الرابط بين هذه المدارس والعنف «ضعيف»، وإن الكونغرس أُبلغ بذلك في تقريرين قُدّما إليه عامي 2004 و 2005.
يؤكد باربهي أن خطاب «الوهابية» مدفوع بنزعة لدى النخب الحاكمة في الغرب «للتعتيم على الحرمان الذي يغذي التشدّد في العالم الإسلامي».كما أنه يوفّر غطاءً لقمع أشواق كثير من أهله إلى التحرر، ويعمل بوصفه قناعاً للمشاريع الإمبريالية. 
هذا هو بيت القصيد في ارتفاع حدة الهجوم على الوهابية في اللحظة الراهنة.
ثمّة مشاريع تتطلب الضغط على السعودية أو انتزاع تنازلات منها، ولا شيء يمكن من خلاله تحقيق ذلك كابتزازها بأسطورة الوهابية، المسؤولة عن تناسل الحركات المتطرفة.
خطاب «الوهابية» يفيد منتجيه أيضاً من حيث إبقاؤهم بعيدين عن المسؤولية، وجعْلهم يبدون كالذئب البريء من دم يوسف.;

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق