الاثنين، 16 مايو 2016

الصحفيون بين التراجع والغضب المتصاعد

الصحفيون بين التراجع والغضب المتصاعد

عامر عبد المنعم

المعركة التي يخوضها الصحفيون المصريون ضد الاستبداد، جزء من حالة الغضب العام التي تسود الشارع المصري، في ظل حكم قائم على القمع وكبت الحريات بالقوة المسلحة، ولا يمكن النظر إلى تحرك الصحفيين على أنه مجرد احتجاج معزول عن حركة مجتمع يتعرض للتدمير المتسارع من سلطة موالية للخارج ومعادية للداخل، وأيضا لا يمكن النظر للغضب الصحفي على أنه من أجل حصانة واستثناء من القانون كما تردد أبواق السلطة لعزل الصحفيين عن الحاضنة الشعبية ولمنع التحام المصريين بنقابة الرأي,

رغم ما يبدو من تراجع مؤقت لمجلس نقابة الصحفيين أمام الضغوط والتهديدات فالغضب يتسع يوما بعد يوما داخل الجسد الصحفي، ويعد تمرد نقابة الصحفيين ورفضها للترهيب الأمني دليلا على تصدع نظام يعتمد على الهراوة والبندقية، فمعظم الصحفيين يعملون في صحف الحكومة، وفي الصحف الخاصة الأكثر ولاء للنظام، والتمرد معناه تفكك هذه السلطة التي تعتمد على الصحافة لتبرير وجودها وضمان بقائها، والحقيقة أن نسبة كبيرة من الصحفيين كانت ضد الانقلاب لكن المناخ الأمني والسياسي لم يسمح لهم "الصحفيين" بالتعبير عن رأيهم، وجاءت التطورات الأخيرة والتصعيد الأمني ضد النقابة ليقلب الرأي العام الصحفي ويعيد أجواء ما قبل ثورة يناير.

يأتي الانفجار الصحفي ليؤكد أن السلطة التي تكونت بعد انقلاب 3 يوليو تفككت، فكل التيارات التي شاركت في 30 يونيو تمردت وأصبحت ضد الحكم الانقلابي، وجاءت الصحافة التي تسيطر عليها السلطة من خلال مجالس الإدارات ورؤساء التحرير، لتضع نهاية لما كان يبدو من تحالف بين الصحفيين والسلطة.

سبب المعركة


محور المعركة الدائرة بين السيسي ونقابة الصحفيين هو منع النقابة من أن تتحول إلى نقطة تجمع للاحتجاج، خاصة بعد مظاهرات 15 إبريل التي قلبت اتجاه الرأي العام وكشفت حجم الرفض الشعبي لاستمرار السيسي في الحكم؛ ففي ساعتين تجمع الآلاف من الشباب، من كل التيارات، على سلم النقابة وهتفوا ضد السيسي وطالبوا برحيله.

منذ ذلك اليوم تحاصر قوات الأمن النقابة وتغلق شارع عبد الخالق ثروت، حتى لا تتحول النقابة إلى نقطة انطلاق الثورة؛ فهناك ملايين المصريين في القاهرة يريدون النزول إلى التحرير ولكن لا توجد نقطة حشد وانطلاق، وتعد نقابة الصحفيين هي المرشحة لهذا الدور، خاصة مع وجود أكثر من مليوني مواطن بوسط البلد على مدار اليوم.

من الواضح أن تصدعا في الطبقات العليا المساندة للسيسي، ويبدو أن هناك من يطالبه بالتنحي لإنقاذ مصر، وهذا ظهر من خلال الخطب الأخيرة التي يوجه فيها رسائل لأطراف داخل مكون السلطة؛ كأن يقول لهم "من أنتم" وكأن يتحدث عن "أهل الشر بيننا" ، وتأكيده أنه " طالما الشعب راض فالجيش مالوش دعوة" وهو يريد أن يقول "طالما لم يدخل الناس ميدان التحرير فهذا يعني أن الشعب راض"، وأصبح كل همه هو عدم وصول المظاهرات إلى ميدان التحرير ولو بتفريغ المربع الاستراتيجي وسط العاصمة.

لقد تحول "التحرير" وكأنه نقطة محاطة بأحزمة أمنية حول الميدان من كل الاتجاهات ومنع أي نقطة تجمع قريبة منه، ولتأمينه تم قطع كل الطرق التي كانت تأتي منها الحشود إلى وسط القاهرة مثل المعادي والهرم والوراق والجيزة والمطرية ومدينة نصر، وكان يوم 25 إبريل فضيحة سياسية حيث تم إخلاء وسط العاصمة بالاعتقالات وإغلاق الطرق، وتم تأميم نقابة الصحفيين على النحو الذي رأيناه على الشاشات، حيث أغلق الشارع ومنعوا الصحفيين من الدخول وجاءوا بالبلطجية يحملون الأعلام وصور السيسي ليحتلوا النقابة ويستعرضوا بطريقة استفزازية.

أنصار السيسي


هذا الانقلاب داخل بيت الصحفيين جعل الكثير من أبواق السيسي يبحثون عن مخرج لإنقاذ النظام واحتواء الغضب، وجاء وقوفهم ضد وزير الداخلية والمطالبة بإقالته لإنقاذ السيسي، وحتى لا يحاكمهم الصحفيون.

الصحفيون أتباع السيسي هم الذين عملوا منذ اليوم الأول لوضع سقف للاحتجاج، وأن لا يتجاوز وزير الداخلية وألا يتحول ضد رأس النظام، وهذا كان الخيار الأصعب أمام مجلس النقابة وليس الأسهل؛ فوزارة الداخلية أقوى من السيسي، والمرتبطين بها من أعضاء النقابة أكثر تأثيرا من أتباع السيسي الذين هم قلة قليلة معزولة ومكروهة، وهم لم يجرؤوا على حضور الجمعية العمومية، لأول مرة في حياتهم النقابية خوفا من زملائهم، وعندما ذهب أحدهم إلى النقابة تعرض للاعتداء من "المواطنين الشرفاء" التابعين لوزارة الداخلية لدوره في تحميل الوزير المسئولية والدعوة للتضحية به لإنقاذ رئيسه.

وظهر ضعف أنصار السيسي في المؤتمر الفاشل الذي عقد في مؤسسة الأهرام لتأييد السيسي ولم يحضره الصحفيون، بل وقاطعه صحفيو الأهرام الذين يبلغ عددهم نحو ألفي صحفي، ورغم انضمام بعض أعضاء المجلس له فإن الجسم الصحفي مع نقابتهم.

التنازلات لن تصل لشيء


من غير المتوقع إنتهاء الصراع بين السلطة والصحفيين على المدى القصير، ومهما قدم مجلس النقابة من تنازلات؛ فالسيسي يظن أن مستقبله السياسي مرتبط بسلم النقابة، ولذلك لن يتزحزح عن موقفه، وهو متمسك بالحرب ضد الصحفيين حتى آخر نفس، ومع ذلك ورغم محاولات احتواء غضب الصحفيين والتأثير على مجلس النقابة فإن الشباب وهم الأغلبية سيقفون ضد التنازلات ولن يستسلموا للحملة القمعية غير المسبوقة، وسيتجه الغضب بشكل تدريجي تجاه رأس النظام الذي يعمل على تعارك كل الطوائف واستنزاف مصر من أجل أن يستمر على كرسيه.

كل الخيارات أمام السيسي صعبة، وطول أمد المعركة ليست في صالحه، وكل الطرق تؤدي إلى تضييق الخناق عليه؛ فعزل الوزير اعتراف بالهزيمة وإعلان انتصار الصحفيين، لأنه صاحب القرار بتأميم النقابة وحصارها، وإعطاء الصحفيين حصانة عكس ما كان يريد، فضلا عن نتائج أخرى متعلقة بولاء الجهاز الأمني الذي أصبح هو الأداة التي يعتمد عليها في قمع حركة الرفض والاحتجاج، ومن الناحية الأخرى فإن أبقى على الوزير فسيؤدي إلى المزيد من التصعيد ورفع السقف ضده هو شخصيا.

لكن ثمة ملاحظة في هذا السياق وهي أن نهاية النظام ليست بالضرورة أن تكون مشابهة لسقوط مبارك بدخول المتظاهرين ميدان التحرير، وقد تأتي بشكل مختلف، وما يفعله ضد الصحفيين سيجيش دائرة أوسع من الأقلام ستكون إضافة لحملة الاحتجاج على صفحات الصحف بشكل نسبي، وعلى مواقع التواصل الاجتماعي وهذا بدأ يظهر بشكل ملموس حيث لا يوجد في الفضاء الإلكتروني الرقيب الذي يهيمن على الصحافة والإعلام.



ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق