الثلاثاء، 17 مايو 2016

عصر المــــلاحــــم

عصر المــــلاحــــم
أ.د. حاكم المطيري
،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،


أخبر الله أنه يبتلي المؤمنين بأعدائهم، ليختبرهم ويبلو أخبارهم، ويصطفي منهم شهداءهم، قال تعالى: {ذَٰلِكَ وَلَوْ يَشَاءُ اللَّهُ لَانتَصَرَ مِنْهُمْ وَلَٰكِن لِّيَبْلُوَ بَعْضَكُم بِبَعْضٍ ۗ وَالَّذِينَ قُتِلُوا فِي سَبِيلِ اللَّهِ فَلَن يُضِلَّ أَعْمَالَهُمْ} وقال: {وَلَنَبْلُوَنَّكُمْ حَتَّى نَعْلَمَ الْمُجَاهِدِينَ مِنْكُمْ وَالصَّابِرِينَ وَنَبْلُوَ أَخْبَارَكُمْ}، وقال:{فَلا تَهِنُوا وَتَدْعُوا إِلَى السَّلْمِ وَأَنْتُمُ الأَعْلَوْنَ وَاللَّهُ مَعَكُمْ وَلَنْ يَتِرَكُمْ أَعْمَالَكُمْ. إِنَّمَا الْحَيَاة الدُّنْيَا لَعِب وَلَهْو وَإِنْ تُؤْمِنُوا وَتَتَّقُوا يُؤْتِكُمْ أُجُوركُمْ وَلَا يَسْأَلكُمْ أَمْوَالكُمْ}...
وما زال المسلمون منذ ظهور الإسلام وهم في حال جهاد دفع أو جهاد طلب، كما في الأثر: (الجهاد ماض إلى يوم القيامة)؛ ليصطفي الله منهم الشهداء في كل عصر وجيل، كما جاء في الحديث الصحيح: (لا تزال طائفة من أمتي ظاهرين على الحق يقاتلون)!
وظل الروم منذ ظهور الإسلام في حال صراع دائم مع الإسلام؛ فتارة تكون الدولة لهم، وتارة للأمة عليهم، منذ مؤتة في السنة 8 من الهجرة، وحتى يومنا هذا، وتحقق ما أخبر به رسول الله من استمرار حالة الصراع مع الروم كما في الحديث: (تصالحون الروم صلحا آمنا وتغزون أنتم وهم عدوا من ورائهم فتسلمون وتغنمون، ثم تنزلون بمرج ذي تلول فيقوم إليه رجل من الروم فيرفع الصليب ويقول ألا غلب الصليب! فيقوم إليه رجل من المسلمين فيقتله، فعند ذلك تغدر الروم، وتكون الملاحم، فيجتمعون إليكم فيأتونكم في ثمانين غاية مع كل غاية عشرة آلاف).
وفي رواية ابن حبان في صحيحه: (ويثور المسلمون إلى أسلحتهم فيقتتلون، فيكرم الله تلك العصابة من المسلمين بالشهادة، فتقول الروم لصاحب الروم: كفيناك العرب، فيجتمعون للملحمة).
وكما في حديث: (إنما فارس نطحة أو نطحتان ثم لا فارس بعدها أبدا، والروم ذات القرون، كلما ذهب قرن خلفهم قرن مكانه، أصحاب صخر وبحر، هيهات هيهات إلى آخر الدهر، هم أصحابكم ما كان في العيش خير).
وقد ظهر في هذه الملاحم التاريخية المعاصرة من آيات النبوة كما أخبر النبي ما يزيد المؤمنين إيمانا، ولا يزيد الظالمين إلا خسارا، وانقسمت الأمة فيها إلى ثلاث فرق كما هي أحوالها في الفتن:
1- فرقة اصطفت مع العدو في خندقه وقاتلت معه وتأولت لنفسها، ككثير من الحكومات والجماعات.
2- وفرقة اعتزلت الصراع خشية الفتنة ،ككثير من العلماء والدعاة!
3- وفرقة تصدت له وجاهدته بالنفس والمال، وهم عامة شعوب الأمة!
وهذا ما أخبر عنه النبي عند حدوث الملاحم، كما في الأثر عن عبد الله بن مسعود رضي الله عنه وقد ذكر عنده الدجال، فقال عبد الله بن مسعود: (تفترقون أيها الناس لخروجه على ثلاث فرق: فرقة تتبعه، وفرقة تلحق بأرض آبائها بمنابت الشيح، وفرقة تأخذ شط الفرات يقاتلهم ويقاتلونه، حتى يجتمع المؤمنون بقرى الشام فيبعثون إليهم طليعة فيهم فارس: فيقتتلون فلا يرجع منهم بشر).
وكما في فتنة يأجوج ومأجوج في حديث أبي بكرة عن النبي قال: (فإذا كان في آخر الزمان جاء بنو قنطوراء أقوام عراض الوجوه حتى ينزلوا على شاطئ النهر فيفترق أهلها على ثلاث فرق، فأما فرقة فتأخذ أذناب الإبل والبرية فيهلكون، وأما فرقة فيأخذون لأنفسهم - أي الأمان - ويكفرون، وأما فرقة فيجعلون ذراريهم خلف ظهورهم ويقاتلونهم وهم الشهداء).
وما يجري اليوم للأمة من تداعي الأمم وحربها عليها، وعجزها عن الدفع عن نفسها مع كثرة عددها، إنما هو من الملاحم الكبرى التي لم يحدث مثلها في تاريخها قط، فلم تزل الخلافة عن الأرض كلية منذ ظهور الإسلام، إلا في هذا العصر، حيث جعل النبي وجودها عصمة من الفتن العامة، كما في الحديث الصحيح: (إن كان لله في الأرض خليفة فالزمه)!
ولم تقم لليهود دولة في فلسطين منذ ظهور الإسلام بل ومنذ ما قبل المسيح إلا في هذا العصر!
ولم يجتمع اليهود والعرب بجيوشهم وأموالهم على حرب الأمة وحرب الإسلام منذ غزوة الأحزاب وحصار اليهود والعرب للإسلام في الخندق في سنة 5 للهجرة إلا في هذا العصر، حتى صرحت ليفني وزيرة خارجية إسرائيل - وهي تشن حربها على غزة سنة 2008م، والأنظمة العربية الوظيفية تحاصر غزة وشعبها وتقطع المدد عنها - (بأن إسرائيل وحلفاءها العرب في خندق واحد في مكافحة الإرهاب)!
فوقع ما أخبر عنه النبي في الحديث الصحيح وما حذر منه، وهم الطغاة الذين قال عنهم: (دعاة على أبواب جهنم من أطاعهم قذفوه فيها، هم من بني جلدتنا ويتكلمون بألسنتنا)!
فمنذ ظهور الإسلام في جزيرة العرب، وإجلاء اليهود منها بعد خيانتهم في الخندق، لم تقم لهم قائمة، إلا في هذا العصر، حتى بلغ نفوذهم حدا لم يحدث في تاريخهم كله مثله إلا في عهد النبي سليمان!
ولم يحدث للمسلمين من الضعف منذ الهجرة وفتح مكة واستخلافهم في الأرض ما جرى لهم في هذا العصر، حتى تحقق قوله : (بدأ الإسلام غريبا وسيعود غريبا كما بدأ؛ فطوبى للغرباء)!
ولم يحدث في تاريخ الأمة أن احتل الصليبيون دار الإسلام كلها إلا في هذا العصر، حتى لا تكاد تخرج دولة في العالم الإسلامي عن سيطرتهم ونفوذهم!
وفي هذا العصر تداعى طغاة الروس والروم والفرس في الشام أرض الملاحم والرباط والجهاد لحكمة ربانية تتجلى فيها عدالة السماء حين غابت عدالة الارض، عن معاوية رضي الله عنه، قال سمعت النبي ، يقول: «لا يزال من أمتي أمة قائمة بأمر الله، لا يضرهم من خذلهم، ولا من خالفهم، حتى يأتيهم أمر الله وهم على ذلك» قال عمير: فقال مالك بن يخامر: قال معاذ: وهم بالشأم، فقال معاوية: هذا مالك يزعم أنه سمع معاذا يقول: وهم بالشأم. البخاري
وتحقق ما أخبر عنه النبي ، كما في صحيح مسلم: (يوشك أهل العراق ألا يجبى إليهم قفيز ولا درهم، قلنا: من أين ذاك؟ قال من قبل العجم يمنعون ذاك! ثم قال: يوشك أهل الشام أن لا يجبى إليهم دينار ولا مدي قلنا: من أين ذاك؟ قال: من قبل الروم! ثم أسكت هنية ثم قال: قال رسول الله : يكون في آخر أمتي خليفة يحثي المال حثيا لا يعده عددا).
وملحمة الغوطة تثبت أن نبوءاته ما زالت تتجدد شاهدة على أنه لا ينطق عن الهوى إن هو إلا وحي يوحى !
قال : "فسطاط المسلمين يوم الملحمة بالغوطة إلى جانب مدينة يقال لها دمشق، من خير مدائن الشام"، وفي رواية قال : «يوم الملحمة الكبرى فسطاط المسلمين، بأرض يقال لها الغوطة، فيها مدينة يقال لها دمشق، خير منازل المسلمين يومئذ».
-والملاحم، بفتح الميم وكسر الحاء، كما في النهاية: هي الحرب وموضع القتال، والجمع: الملاحم، مأخوذ من اشتباك الناس واختلاطهم فيها، كاشتباك لحمة الثوب بالسدى. وقيل: هو اللحم؛ لكثرة لحوم القتلى فيها!-
فمن لم يستحضر هذه الحقائق الإيمانية والتاريخية لن يستطيع معرفة حقيقة الصراع وأبعاده وغايته ومآلاته!
ومع كل هذا الصراع الأممي لن يستطيع فصيل أو جماعة مواجهة الحملة الصليبية؛ ففي كل معاركها التاريخية مع الغزو الخارجي لم تحقق الأمة نصرا إلا بوحدتها بكل قومياتها وشعوبها، فقد فشلت الحملة الصليبية في مواجهة الأمة في الحرب العالمية ما بين سنة 1914 إلى 1916م حتى استطاعت فك الارتباط بين العرب والترك؛ فانهاروا جميعا!

واليوم تحشد الحرب العالمية الثالثة والحملة الصليبية على أرض الشام والعراق لمواجهة الثورة العربية والنهضة التركية وعلى الأمة كلها رص صفوفها.

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق