ترامب وإمبراطور إسرائيل السري
شريف عبدالعزيز
7 مايو
أصبح دونالد ترامب، الثلاثاء 4 مايو 2016، رسميا المرشح الوحيد للحزب الجمهوري للانتخابات الرئاسية الأميركية في نوفمبر المقبل، وذلك بعد فوزه بالانتخابات التمهيدية في ولاية إنديانا وانسحاب منافسه الرئيسي تيد كروز . وأنديانا كانت إحدى آخر فرص كروز والأمل الأخير لحركة مناهضي ترامب، لإثبات جدارته. ونزل كروز بكل ثقله في هذه الولاية لكن الناخبين الجمهوريين خذلوه. وبرغم أو بفضل شخصيته الصدامية تزايدت شعبية ترامب بين الجمهوريين، على الرغم من أنه يظل شخصية ينقسم الأميركيون بشأنها بشكل عميق. وإزاء نجاح ترامب يبدو أن هياكل الحزب الجمهوري بدأت تستسلم أكثر فأكثر لفكرة أن يمثل ترامب الحزب في الانتخابات الرئاسية . وفي أقل من عام من بدء حملته أنهى رجل الأعمال الشعبوي عديم التجربة السياسية التيار المناهض له داخل الحزب، ولم يعد هناك ما يحول بينه وبين الترشح باسم الحزب الجمهوري ليواجه على الأرجح هيلاري كلينتون .
البعض يراهن على أن الرئاسة الأمريكية قد أصبحت مضمونة للديمقراطيين وممثلتهم هيلاري كلينتون بسبب عنصرية ترامب وخطابه الاستفزازي الواضح وانقلابه الدراماتيكي على ثوابت السياسة الأمريكية منذ عقود ، إلا إن المهمة ليست بهذه السهولة كما عبر عن ذلك السيناتور الأميركي بوب كيسي، وهو ديموقراطي من بنسلفانيا ، وأحد أكثر أعضاء الكونجرس شعبية ، عندما قال : " إنني قلق لأن هزيمة ترامب ليست مهمة سهلة كما يتراءى " . فلماذا أصبح ترامب رقما صعبا في السباق الانتخابي ؟ ولماذا ارتفعت شعبيته إلى هذا المستوى في غضون شهور قليلة ، على الرغم من تنامي مستوى الردايكالية في خطابه ، واعتماده ديماجوجية فجة شديدة الشبه بديماجوجية هتلر وموسوليني من قبل ؟!
ترامب فكرة ليست جديدة:
تبدو ظاهرة ترامب وكأنها ظاهرة استثنائية ظهرت بصورة فجائية على الساحة السياسية الأمريكية ، فخطابه الصريح إلى حد الوقاحة والفجاجة يبدو غير مألوفا على ساسة وصلوا إلى هذا المستوى من الأهمية والحساسية ، لكن الواقع هو أن الظاهرة التي يجسدها والواقفين خلفها من القواعد الشعبية للحزب الجمهوري ما هي إلا تعبيرا سوسيولوجيا عن هواجس وتطلعات طبقة واسعة بالفعل من الطبقة الوسطى البيضاء والمحافظة، وهي هواجس ليست بجديدة على التاريخ الأمريكي . ففي أوائل القرن العشرين كان الخطاب السياسي العام في أمريكا مشابها إلى حد كبير لخطاب ترامب ، حيث كانت الرغبة في الانكفاء على الذات ، والتركيز داخل الحدود ، هي الفكرة الأكثر رواجا وقبولا لدى المجتمع الأمريكي ، وشهد الرأي العام الأمريكي جنوحًا قويًا ناحية "الانعزالية" ،وتكريس الموارد الأمريكية كلها للولايات المتحدة وأمنها ورفاهيتها فقط ، بعيدا عن الانخراط في الشؤون الأوروبية والأسيوية والصراعات الدامية الجارية في هاتين القارتين المنفصلتين عن أمريكا بمحيطين كبيرين.
وأبرز تجليات هذا التيار السياسي الاجتماعي تمثل في رفض أمريكا الانضمام لعصبة الأمم المتحدة عام 1919 بعد الحرب العالمية الأولى،وزيادة الجمارك بوجه السلع المستوردة من الخارج، وتخفيف الروابط التجارية الخارجية، وتخفيض الإنفاق على الميزانية العسكرية، وهو توجه عززه اعتقاد الرأي العام بأن المشاركة في الحرب العالمية الأولى كانت خطئًا، لا سيما وأن الصراع في أوروبا عاد من جديد مع انتخاب هتلر في ألمانيا، وهو ما يظهره استطلاع رأي أجري في يناير 1937، والذي قال فيه ثلاثة أرباع المشاركين بأن دخول بلادهم الحرب العالمية الأولى لم يكن صائبًا. أيضا كان الرأي العام الأمريكي رافضًا تمامًا لفتح الباب للاجئين الأوروبيين دون قيود، بسبب اعقاده الجازم بأنهم ربما يعيدون العجلة للوراء بالنسبة للاقتصاد الأمريكي المتنامي بقوة بسبب الانعزال ، وهو ما أدى لظهور أشكال مختلفة من العنصرية ، إذ أن استطلاعًا للرأي أجرى عام 1938 أشار إلى أن 71% إلى 85% من الأمريكيين يرفضون رفع أعداد اللاجئين المسموح لها بالوصول إلى أمريكا، وما زال صدى العنصرية يتردد بقوة في المجتمع الأمريكي ونشهد ارتدادته بصورة شبه سنوية هناك .
أدى ذلك الانعزال عما يجري وراء المحيطات إلى ازدهار الاقتصاد الأمريكي ، وارتفعت مؤشراته بقوة ، كما أتاح العزوف عن الانخراط في الشأن الأوروبي والأسيوي للولايات المتحدة التركيز على جيرانها الأقرب والأكثر أهمية بالنسبة لأمنها القومي، في أمريكا اللاتينية، والتي توسعت فيها واشنطن اقتصاديًا وعززت من مصالحها فيها . فلا ريب إذا أن تنمو أفكار ترامب وتجد رواجا هذه الأيام بسبب التشابه الحادث على جانبي الأطلنطي – أمريكا وأوروبا – في الوضع الاقتصادي والسياسي .
فتش عن إمبراطور إسرائيل السري:
هل تعرفون " شيلدون أديلسون " ؟ سؤال لو طرح على كثير من المهتمين بالشأن الإقليمي لن يستطيعوا الاجابة عليه . فشيلدون هو الحاكم الحقيقي للكيان الصهيوني الغاصب لأرض فلسطين ، يهودي أمريكي طاعن في السن ، عسا في الكراهية والبغض لكل عربي ومسلم ، وهو أحد أغنياء العالم وصاحب أكبر الكازينوهات في الولايات المتحدة الأمريكية، معروف في أمريكا باسم ملك الكازينوهات، ويعتبر عاشر أغنى رجل في العالم، حيث تبلغ قيمة ممتلكاته 37.2 مليارا وفق الإحصاء الأخير ، وتضم ثروته كازينوهات بالمئات في لاس فيجاس وولاية بنسلفانيا، في ماكاو وسنغافورة، وبجانب ثروته الضخمة والتي سخرها لخدمة إسرائيل يعتبر شيلدون المهيمن الفعلي على الحزب الجمهوري، فهو الذي أقنعهم بدعوة نتنياهو لالقاء كلمة في الكونجرس دون علم الرئيس الأمريكي أوباما مما جعله يستشيط غضبا وتتوتر علاقته مع نتنياهو بشدة ، وفوق ذلك كله هو الراعي الرسمي لبنيامين نتنياهو ، حيث تولى تقديمه لعالم السياسة في إسرائيل منذ عشرين سنة ، وما زال يدعمه ماليا وسياسيا بكل قوة . وشيلدون من المناصرين المتعصبين لإسرائيل بكل قبحها وعنصريتهاووجه الحقيقي ، إسرائيل المتسلطة، المتعجرفة، العنيفة، المتمددة، الاستعمارية .
وقد قام أديلسون قبيل الانتخابات الرئاسية التي ستجرى في 2016، بدعوة جميع المرشحين الجمهوريين البارزين، في مقره الامبراطوري في لاس فيجاس – عاصمة القمار والكازينوهات في العالم - من أجل التحقيق معهم على ولائهم له ولإسرائيل.ولم يجرؤ شخص منهم على التغيب. وبعد هذا المؤتمر أعلن شيلدون تأييده العلني لترامب مرشحا جمهوريا للانتخابات الأمريكية في نوفمبر 2016 ، قائلا : أنه الشخص الأنسب لصالح إسرائيل في المرحلة المقبلة ، وفي المقابل أعلن ترامب فى مقابلة مع صحيفة "همشبحا" الإسرائيلية الخاصة بالمتطرفين اليهود، أنه يدعو يهود الولايات المتحدة لتأييده دون أى مرشح آخر فى إشارة منه إلى المرشحة عن الحزب الديمقراطى هيلارى كلينتون، موضحا أن أى موجة عنف تجاه إسرائيل تعنى أنها تجاه الولايات المتحدة ، وأوضح " ترامب" أنه لا يتفهم لماذا تدعم الجالية اليهودية الرئيس الأمريكى باراك أوباما، رغم أنه لم يفعل شيئا من أجل إسرائيل، مضيفا أن أوباما يحب إيران أكثر من حبه لإسرائيل والدليل الاتفاق النووى الإيرانى الذى تم بلورته مؤخرا ، وأكد "ترامب" أنه سيكون الرئيس الأمريكى الأكثر حبا وولاءً لتل أبيب، وأن الإسرائيليين سيكونون فى غاية الرضا عنه.
ترامب الرئيس المحتمل لأمريكا:
غير الدعم الإسرائيلي الكبير لترامب ، وتغير النظرة التقليدية لقيادات الحزب الجمهوري ، وغلبة تيار حفلة الشاي العنصري داخل الحزب ، فإن هناك أسباب أخرى قد تجعل من مسألة فوز ترامب بالانتخابات أمرا محتملا جدا من أهمها:
انقسام الديموقراطيين: فما زال السيناتور بيرني ساندرز عازماً على مواصلة مشواره حتى الرمق الأخير في التجمع الديموقراطي المزمع عقده في يوليو بفيلادلفيا، لكنه بذلك يكرر سيناريو عام 1980 في نيويورك الذي كان بطله السيناتور تيد كينيدي والذي خسر ترشحه أمام جيمي كارتر رئيس البلاد آنذاك، وألقى خطبة وداع درامية سرقت الأضواء بقوة من نجاح جيمي كارتر بالترشح عن الحزب، بيد أنها كانت نذير شؤم تنبأ بخسارة كارتر أمام رونالد ريجان في انتخابات ذاك العام . وهذا السيناريو مرشح للتكرار بقوة خاصة في ظل ضعف الولاء الحزبي في هذه الأيام التي تشكل فيه وسائل التواصل الاجتماعي أحد أهم وسائل التأثير وتشكيل الرأي العام.
التهويل الاعلامي : فكلما ارتفعت شعبية ترامب ، وتوالت انتصاراته ، كلما اقترب من البيت الأبيض ، وكلما بدا في أنظار الإعلام والناس وحشاً كاسراً كالبعبع، فيصاب أعداؤه بالهلع، وبالتالي تتسلّط أنظار الكل عليه وتتسمّر بشاشات الهواتف الذكية والتلفزيون. والنتيجة؟ ضجة وحملة إعلامية قوامها مليارات الدولارات يهبها الإعلام الحر"مجاناً" ويضعها عند قدمي ترامب ، وأنصارا جددا تضاف إلى رصيده الانتخابي.
قولبة هيلاري : مهما تحدثت هيلاري عن أفكار جديدة وفتح صفحات جديدة، يظل أمامها تحد صعب هو الإبقاء على البيت الأبيض في قبضة الحزب إياه للمرة الثالثة على التوالي. مهمة صعبة رأيناها آخر مرة عام 1988 ، والأهم من ذلك كسر القالب الذي يصورها فيه الكثيرون على أنها ليست إلا ولية عهد أوباما، وريثة اقتصاده وحاملة لواء سياساته وأفكاره ، لا بل أن مهمتها في الخروج من ذاك القالب التصويري قد تصبح مستحيلة تماما.فالزوجين بيل وهيلاري كلينتون يمثلان هرماً أو محوراً ضمن الحزب الديموقراطي أشبه بولاية عهد ضمن ولاية عهد؛ مركز ومكانةٌ ليست محمودة أبداً، بل تكتنفه المخاطر في هذا العصر الذي ينقم فيه الكل على واشنطن ومؤسساتها. يقول تاد ديفاين المستشار الإعلامي والصديق المقرب من ساندرز لعقود خلت "هناك سبب وجيه وراء نجاح مرشح اشتراكي من بروكلين في الـ74 من العمر، وما هذا السبب إلا نقمة شديدة على المؤسسة الحاكمة، وهي [كلينتون] تعد رمزاً لهذه المؤسسة ".
فكر ترامب السياسي حول العالم يفيض بالسوداوية والتظلم؛ فالصين واليابان والمكسيك وأوروبا وجميع البلدان يجب أن تتوقف عن استغلال الاقتصاد الأميركي، كما يقول، ويجب أن يتم إجبار الحلفاء لدفع المزيد من الأموال مقابل الحماية الأمريكية، وحدود الدولة يجب أن تضحي محكمة الغلق حيال مرور تجار المخدرات والمغتصبين والمجرمين من الهسبانيين وأمثالهم ، أما باقي دوامة تصريحات ترامب السياسية، فناجمة عن ردود فعل غريزية وفطرية؛ فهو يرحب بالتدخل العسكري الروسي في سوريا، سيقصف داعش بالعراق بلا هوادة، سيستأنف أساليب التعذيب من خلال الإغراق بالماء، وسيبقي معتقل غوانتانامو مُشرّع الأبواب . فهل ينجح ترامب في قلب كل التوقعات والموازين ، ويجد العالم نفسه في صبيحة يوم 21 نوفمبر أمام شخصية مهووسة صدامية فاشية مثل ترامب تجلس في بهو المكتب البيضاوي بالبيت الأبيض.
وارد جدا
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق