فض رابعة.. وفض "داعش"
لماذا لا يعتبر السيسي احتشاد "داعش" في سيناء، مثل تجمع المعتصمين ضد انقلابه في ميدان رابعة العدوية، ويستخدم ذلك التفويض البائس في فض التواجد "الداعشي" على أرض الفيروز؟
ولماذا لا تضغط عليه تلك النخب السياسية "الطيبة" لكي يفض احتشاد "داعش"، باستخدام القوة المفرطة في شراستها، بالحماس ذاته الذي ضغطت به لكي ينقض على المعتصمين في رابعة العدوية والنهضة؟!
لن أتساءل مع المتسائلين، لمناسبة الأنين العارم لمأساة ذبح المسيحيين في سيناء، على أيدي "الدواعش"، أين كان هذا الحزن النخبوي الهادر وعمليات الإبادة والتهجير القسري تطاول أكثر من 150 ألف مواطن مصري من سيناء، خلال ثلاث سنوات من الحرب السيسية/ الداعشية ضدها..
فقط، ألفت عناية السادة المنتحبين، عن حق، إلى أن امتداد ألسنة الجحيم الإرهابي إلى الأقباط، يأتي لاحقاً لانفجار فضيحة سيناريو التهجير والتوطين في سيناء.. وسابقاً على زيارات دبلوماسية غربية إلى القاهرة، تتوجها زيارة المستشارة الألمانية أنجيلا ميركل، الخميس المقبل، وتتموضع حول "الحرب على الإرهاب".
كل المعطيات تنطق بأن "داعش" هو الفانوس السحري للسيسي، يحكه عند اللزوم، فيأتي المارد، يفعل له ما يريد، ولا شك في أنه كان مرتبكاً وهو يتأهب للمثول بين يدي ميركل، التي تزور القاهرة، نهاية الأسبوع الجاري، بعد أن انتهت من استضافة قمة منظمة الأمن والتعاون في بون، وهي القمة التي كان من المفترض أن يحضرها السيسي، لولا أن المستشارة التي تستعد لانتخابات الولاية الرابعة، لم تكن لتخاطر باستقبال صاحب السجل الأسود في الحريات وحقوق الإنسان، وفي الأذهان ما جرى في زيارته برلين قبل عامين.
هذا الفيض من الهدايا، يقدمه "داعش" لعبد الفتاح السيسي، وفي توقيتات شديدة الأهمية، يجعل جنرال "الحرب على الإرهاب" مديناً بالشكر لهذا الإرهاب الصديق، الذي يتألق دائما في اللحظات الصعبة، لينتشله من فضيحة سياسية، أو امتحان صعب.
غير أن هدايا "داعش" للسيسي، تتجاوز موقفه الخارجي، إلى مأزقه في الداخل، ذلك أنه داخل سرادقات الحزن على مأساة أقباط سيناء، يغطي النحيب على كوارث وعذابات، ليست أقل مأساوية، ويخفت الكلام عن جرائم نظام السيسي، لتسود نغمة أن "تنظيم الدولة" هو العدو للنظام وللشعب، معاً، من دون تفرقة في درجة العداء، وبما يعني، ضمناً، أننا في لحظة "لا صوت يعلو فوق صوت المعركة" ليصبح النظام، الذي يمارس داعشيته ضد الجميع، حليفاً للقوى السياسية، يداً بيد، ضد الإرهاب الذي رباه النظام في مزارعه، وغذاه وسمّنه، وأطلقه يعربد، واستثمر عربداته في التفلت من جرائمه.
قلت بعد مشاهد الحداد الرسمي الماجن على ضحايا تفجير الكنيسة البطرسية إنه ليس من المستبعد أن يكون مسجلاً على هاتف السيسي الرقم الشخصي لزعماء التنظيم الإرهابي، والعكس أيضاً صحيح، على طريقة "الصديق وقت الضيق" فتبادل المنافع والخدمات والمجاملات لم ينقطع يوماً، منذ قدم السيسي أوراق اعتماده للجمهور، من الباب الداعشي الكبير، باعتباره المحارب ضد العنف والإرهاب المحتمل.
لكن الفضل الأكبر لداعش على نظام السيسي أنه أعفاه من امتحان مادة الحقوق والحريات، داخلياً وخارجياً.
وفي هذا المناخ المعبأ بألوان من الحزن التجاري، الذي يلعب فيه النظام دور النائحة المستثمرة، إلى جانب النائحة الثكلى، والنائحة المستأجرة، يحتفظ بيان يجري التوقيع عليه، صدر عن منظمات مجتمع مدني وأحزاب وشخصيات عامة، بكثير من الرجاحة والموضوعية، للعقل الجمعي، بعيداً عن الهستريا السائدة، وتختطف فريقاً بعيداً عن خط الاستواء الإنساني، فينهال بالتقريع والاتهام بالعمالة للنظام، لكل من يعبر عن حزنه لما لحق بمسيحيي سيناء، ويتعاطف معهم، وتذهب بفريق آخر إلى آخر تخوم الجنون، باسم الوطنية المزيفة، فيطالب أصحابه بتعليق المشانق لكل من يعارض السلطة.
للمرة الألف: "داعش" والسلطة يد واحدة ضد الجميع.
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق