هل مشكلة مصر وزراؤها أم نظام حكمها؟
محمد الشبراوي
منذ تولي نوبار باشا أول نظارة للوزراء في مصر في الثامن والعشرين من شهر أغسطس/ آب 1878، مر على مصر منذ عهد الخديوي إسماعيل؛ 115 وزارة، بما فيها وزارة شريف إسماعيل الثانية في عهد السيسي.
وإذا استبعدنا تلك الفترة التي سبقت حرب أكتوبر/ تشرين الأول 1973، حيث كان اقتصاد الحرب هو الذي يسيطر على البلاد بعد 1967، وأخضعنا للتقييم فترة ما بعد الحرب، بداية من الحكومة رقم 85 والتي ترأسها الرئيس الراحل أنور السادات في 25 أبريل/ نيسان 1974، حيث شهدت مصر ما سُمي بالانفتاح، وتوالت وعود السمن والعسل والرفاهية على الشعب المصري، ثم وصولا إلى ثورة يناير/ كانون الثاني 2011 والوزارة رقم 107 برئاسة أحمد شفيق، والتي كانت قبل تنحي مبارك؛ فإننا سنجد أن مصر شهدت 23 مجموعة وزارية اقتصادية على مدار 37 عاما، أي بمعدل وزارة كل عام ونصف تقريبا، حتى ثورة يناير، لينطلق بعد ذلك قطار التغيير الوزاري ويمر بثمانِ محطاتٍ وزارية خلال ست سنوات (نستثني منها حكومة هشام قنديل في عهد الرئيس المنتخب الدكتور محمد مرسي)، ليصل قطار التغيير الوزاري محطته الحالية وزارة شريف إسماعيل الثانية.
إلى أين صارت مصر؟
لم يكن الاستعراض السابق لعدد الوزارات التي مرت على مصر سوى محاولة للإجابة عن سؤال: إلى أين صارت مصر، ولماذا صارت هكذا، ومن المسؤول عما صارت إليه الآن؟
مصر بعد الثالث والعشرين من يوليو/ تموز 1952، وسيطرة الضباط على الحكم أصبحت تعاني أمراضا مزمنة أشدها هو المرض الاقتصادي المزمن، والذي تبحث عن دواء له منذ عقود؛ فلم يجد معها دواء التغييرات الوزارية والتي توالت بشكلٍ هزلي، حتى أصبح يتولى الأقلُ كفاءة والأسوأ سمعة، كأنما يُراد ذلك عن عمد حتى لا ينتبه أحدٌ إلى السبب الحقيقي لمرض مصر العضال طوال أكثر من ستة عقود، والمتمثل في نظام حكمها.
لقد كان من حظ ضباط يوليو 1952 أن ورثوا اقتصادا عفيا للدولة المصرية، رغم وجود احتلال أجنبي في جزء من أراضيها، وحاول جمال عبد الناصر أن يحدث تنمية بشكل ما فكان مشروع كالسد العالي ومشاريع أخرى، لمحاولة بناء قاعدة صناعية وتم تأميم قناة السويس، وكل ذلك لا يمكن أن ننكر أنه كان محاولة لإنجاز شيء، لكن سياسات النظام وقتله للحياة السياسية واعتماده منهج الدولة البوليسية وهيمنته على شتى مناحي الحياة؛ كل ذلك وغيره أدى إلى تراجع مصر عما كانت عليه، حتى إبان الفترة الملكية، وتحولت مصر في فترة وجيزة إلى دولة توطن فيها الفساد بقوة، بل وشهدت تقنينا ومأسسة بمعنى الكلمة للفساد، ليتحول الأمر من فسادٍ في بعض مؤسسات الدولة إلى دولة للفساد كاملة الأركان.
مقارنة لا بد منها
بعقد مقارنات بسيطة مع دولٍ كانت في وضعيات شديدة السوء، منها ما كان مدمرا بالكامل بسبب الحروب، كاليابان على سبيل المثال، والتي دمرتها قنبلتان نوويتان وخرجت من الحرب العالمية الثانية أطلالا، إلا أنها استطاعت خلال فترة وجيزة أن تبني نهضتها، لتصبح واحدة من أقوى اقتصاديات العالم على الإطلاق. وللعلم فقد كانت اليابان ومصر من الدول التي رشحتها تقارير الأمم المتحدة في منتصف القرن الماضي لتصبح من أقوى عشرة اقتصاديات في العالم، واعتبرت التقارير فرصةَ مصر أفضل من اليابان نظرا لوضع اليابان الصعب بسبب الحرب العالمية الثانية.
ناهيك عن دول أخرى بدأت نهضتها في السبعينات وما بعدها (ماليزيا، وكوريا الجنوبية، ومعهما دول النمور الآسيوية والقائمة تطول بأسماء الدول في أوروبا وآسيا والأمريكتين، بل وحتى في أفريقيا)، وقد استفادت جميعها من متغيرات الأوضاع العالمية وحققت نموا مستداما، جنت شعوبها ثماره خلال سنوات وجيزة، وتحولت من دول تتلقى المعونات وتطلب القروض إلى دولٍ مانحة ومقرضة أو على الأقل دولا مكتفية.
أين الداء وما هو الدواء؟
إن داء مصر وداؤها في القرار السياسي ونظام الحكم، فهذا هو سبب أمراضها جميعا، والسبب الأول والأخير لمرضها الاقتصادي المزمن.
واحد وثلاثون مجموعة وزارية مرت على مصر بعد حرب أكتوبر/ تشرين الثاني، منذ 1974 خلال اثنين وأربعين سنة، تحت حكم نظام 23 يوليو، وفي ظل سيطرة حاكم فرد فشلت جميعها في تحقيق نمو حقيقي، بينما نجح غيرها في دول أخرى في تحقيق تنمية مستدامة.
في مصر ماذا عساه أن يفعل رئيس وزراء أو وزراء لا يملكون قرارا سياسيا وجاؤوا بإرادة منفردة لحاكم فرد - يمسك خيوط السلطة جميعها بين يديه - وليس لهم من دونه ولي ولا نصير.
لذلك فالتغييرات الوزارية في مصر لا تعدو أكثر من كونها تبريدا للأجواء الساخنة، والوزراء ليسوا سوى حملة مستأجرين لأوزار نظام الحكم وإخفاقاته، ومحلل لاستمراره، ووسيلته المفضلة لصرف الأنظار عن المسؤول الأول والأخير عما تعيشه البلاد من إخفاقات متتالية. فهم ليسوا أكثر من سكرتارية لحاكم فرد ومؤسسات صلبة؛ عيونهم جميعا معلقة نحو الخارج.
لذلك فمصر في ظل استمرار نظام حكم 23 يوليو 1952 على ما هو عليه، ومع نسخته الرابعة في عهد السيسي، لن يجدي لعلاج أمراضها المزمنة ومرضها الاقتصادي المعضل أي تغييرات وزراية؛ لأن المشكلة ليست مشكلة وزارة، ولكنها مشكلة نظام يعاني مشاكل بنوية، وبلغ مبلغا غير مسبوق من الشيخوخة، وصار ميتا موتا إكلينيكيا، وإن من إكرام الميت سرعة دفنه.
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق