الحج توحيد ووحدة
الأحد 13 ذو الحجة 1428هـ
د. سلمان بن فهد العودة
إن الحج مرتبط بالتوحيد، فحين تقرأ آيات الحج تجدها متصلة بالتوحيد، يقول الله سبحانه وتعالى: (( حُنَفَاءَ لِلَّهِ غَيْرَ مُشْرِكِينَ بِهِ وَمَنْ يُشْرِكْ بِاللَّهِ فَكَأَنَّمَا خَرَّ مِنَ السَّمَاءِ فَتَخْطَفُهُ الطَّيْرُ أَوْ تَهْوِي بِهِ الرِّيحُ فِي مَكَانٍ سَحِيقٍ ))[الحج:31]، وإبراهيم عليه الصلاة والسلام هو إمام الموحدين، ولهذا سميت بالحنيفية، فالحنيفية هي ملة إبراهيم عليه الصلاة والسلام؛ لأنه دعا إليها، وأوذي من أجلها، وجاهد في سبيلها، وهكذا كل الأنبياء عليهم الصلاة والسلام بعثوا بالتوحيد، يقول جل وعلا: (( اعْبُدُوا اللَّهَ مَا لَكُمْ مِنْ إِلَهٍ غَيْرُهُ ))[الأعراف:65]،
ومما أثر عن عمر رضي الله عنه وهو الخليفة الراشد الملهم قوله حين قبل الحجر: [ إني أعلم أنك حجر لا تضر ولا تنفع، ولولا أني رأيت النبي صلى الله عليه وسلم يقبلك ما قبلتك ].
وقال عمرو بن زيد بن نفيل، وهو أحد الحنيفيين في الجاهلية، وكان يقف قبالة الكعبة، ويستعيذ بالله تعالى، ويسأله ويتحنث ويتعبد:عذت بمن عاذ به إبراهم مستقبل الكعبة وهو قائميقول أبقى لك عان راغم مهما تجشمني فإني جاشمأي: مهما تحملني فأنا أتحمل.
ويقول أيضاً:هجرت اللات والعزى جميعاً كذلك يفعل الجلد الصبورفلا العزى أدين ولا ابنتيها ولا صنمي بني عمرو أزورولكن أعبد الرحمن ربي ليغفر ذنبي الرب الغفورفهذه المعاني ينبغي أن تقدم للناس بلطف، وقد رأيت بعض الإخوة الدعاة كثيراً ما يتحدثون للمسلمين الحجاج عن الشرك ويبدون فيه ويعيدون، دون أن يحددوا موضوع التوحيد، فالأصل هو الدعوة للتوحيد دون أن تفهم الحاج أنه مشرك وعليه أن ينتقل للتوحيد.
إن الناس يحتاجون إلى أن تغرس هذه المعاني في قلوبهم بلطف وهدوء، فلا يقدم لهم شيء على أنه جديد عليهم، وأنهم يجهلونه، فالقضية تتطلب أناة وحكمة، والحكمة هي كيف تصل إلى قلب المخاطب بهدوء، بعيداً عن المحاكمة والعسف، أو الإطاحة بإنسانيته واعتزازه.
إن كثيراً من الجهالات تحتاج إلى تلطف في الوصول إلى موضعها في القلب ومعالجتها بمبضع الرحمة والشفقة، وبيد الطبيب الماهر.
كما أن الحج وحدة في الزمان والمكان، وأيضاً في الآليات التنفيذية في العبادة في كل مشعر، فاللباس موحد، والنداء والشعار موحد، والجموع كلها تردد ملبيةً: لبيك اللهم لبيك، لبيك لا شريك لك لبيك، إن الحمد والنعمة لك والملك، لا شريك لك.
فأي معنى من الوحدة أعظم من هذا المعنى؟! فالله سبحانه وتعالى يربينا عليه، ثم مع ذلك تجد هؤلاء الناس الذين تزدحم بهم الأودية وتضيق بهم الشعاب بينهم من المشاكل والخلاف ما الله به عليم، فالشعوب متباعدة، والنفوس متنافرة، والجماعات متخالفة.
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق