الأحد، 21 يناير 2024

السؤال عن فلسطين والإجابة عن الصومال

 

السؤال عن فلسطين والإجابة عن الصومال


وائل قنديل






لا دولة فلسطينية.. غير مسموح ببقاء مقاومة فلسطينية.. لا جلاء عن غزّة، باختصار: لا فلسطينيين في غزّة، تلك هي محدّدات السياسة الصهيونية فيما يخصّ القضية الفلسطينية، تسمعها على لسان نتنياهو وأعضاء حكومته من اليمين المتطرّف، كما تسمعها من الجنرالات والحاخامات في الوقت ذاته.

تهبط إسرائيل بسقف التفاوض إلى حدّ أن يصبح الفلسطينيون محض بقايا مجموعاتٍ       عرقيةٍ منقرضة، داخل دولة يهودية صهيونية على كامل أراضي فلسطين التاريخية، تسمح لهم بالبقاء بوصفهم أقرب إلى قطع ديكورٍ في تكوين اجتماعي صهيوني من أوله  إلى آخره، ليتحولوا مع الوقت إلى فولكلور غابر يشبه حالة الهنود الحمر في الولايات       المتحدّة.
في موازاة هذه الانخفاض الرهيب في لعبة السقوف، تنخفض مقاربات العرب الرسميين من القضية الفلسطينية إلى مرتبة الوساطات بين الاحتلال وأصحاب الأرض، مع اهتمامهم الشديد بإنجاز مسألة التطبيع مع الكيان الصهيوني، الذي كان عدوّاً تاريخيّاً للجميع، ثم صار مشروع شريك وصديق وحليف أحيانًا للحاضر والمستقبل، وإنْ بدرجاتٍ متفاوتةٍ بين إخوة فلسطين، الذين يمضي بعضهم إلى التطبيع بخطوات بطيئة، فيما يتعجل آخرون تحقيق الإنجاز، فضلًا عن فريق ثالث من قدماء المطبعين يترقب الخلاص من صداع المقاومة الذي يعطل مشاريعه مع الصديق.

إذن، فقد وافق النظام العربي على معادلة الحركة تحت السقف الإسرائيلي، فيما تمضي عملية الإبادة الجماعية للشعب الفلسطيني في غزّة بسرعتها القصوى، حيث لا شيء لدى "الأشقاء" سوى مبادرات وصفقات ترفضها تل أبيب تباعًا، أو تعيد صياغتها بما يناسب رغباتها وأهدافها، من دون أن يخاطر شقيق واحد من الذين يسمون "الأشقاء" بالتعاطي مع الصراع باعتباره شقيقًا فعليًا، فيحذر المعتدي من الاستمرار في جرائمه، على اعتبار أن في ابتلاع فلسطين وإبادة شعبها تهديدًا لأمنه القومي، أو يضع أي نوع من أنواع الخطوط الحمراء بمواجهة وحشية الاحتلال الذي يريد أن يعيد رسم خرائط كل دولة عربية من دول الجوار الفلسطيني بما يلائم أحلامه بالهيمنة على المنطقة.

وهنا تحضر الشقيقة الكبرى، مصر التي يصفعها الاحتلال بتصريحاتٍ يوميةٍ مهينةٍ لكرامة شعبها، إذ يتحدث ويتحرك باعتبارها المنطقة الرخوة التي لا يمكن أن يصدر عنها ما يربك حساباته أو يعطل مخطّطاته أو يكبح اندفاعه المجنون، إذ تارة يعلن أن الحل في تهجير الفلسطينيين من غزّة لتوطينهم في سيناء، وأخرى يريد من القاهرة الإسهام في خنق غزة وشعبها أكثر حتى يتسنى لهما القضاء على المقاومة وإنهاء وجود "حماس" في غزّة، بل ويعلن عن موافقة رأس النظام في مصر على أفكاره وخططه، من دون أن يصدُر رد من القاهرة على ما تضعه تل أبيب من سيناريوهات خاصة بالمعابر وغيرها.

وسط ذلك كله، تنفّس المصريون الصعداء حينما قرأوا عنوانًا يقول على لسان الجنرال الذي يحكم: لن نسمح لأحد بتهديد أشقائنا خاصة إذا طلبوا منا التدخل، غير أنهم سرعان ما اكتشفوا أن الشقيقة هي الصومال، وليست فلسطين، وأن المعني بهذا التهديد الحاسم إثيوبيا وليست إسرائيل، وهكذا تتكرر ملهاة الحرب التي دقّت طبولها من دون أن تقع في ليبيا قبل نحو أربع سنوات، حينما دارت ماكينات التعبئة الشعبية استعدادًا للذهاب إلى محاربة تركيا على الأراضي الليبية، ثم انتهى الأمر إلى اللاشيء.

وقتها كان الاستحقاق الوطني الواجب هو العربدة الإثيوبية في مياه نهر النيل، من دون أيِّ اعتبار للمطالب المصرية، وعوضاً عن أن تحشد كل القوى للدفاع عن النهر ضد الخطر الإثيوبي، اخترعوا حدوتة الحرب على تركيا في ليبيا، وها هي القصة تتكرّر، هناك احتلالٌ إجرامي يفتك بفلسطين وينتهك السيادة المصرية على المعابر، فيكون الرد اختراع القضية الصومالية، مهرباً آمناً من استحقاقات القضية الفلسطينية.. وهكذا دائمًا يكون السؤال عن قضية فتأتي الإجابة عن موضوع آخر تمامًا.

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق