الاثنين، 29 يناير 2024

الإسلاميون وثورة يناير.. هل صحيح أنهم الذين أفشلوها؟

 

الإسلاميون وثورة يناير.. هل صحيح أنهم الذين أفشلوها؟

د. عطية عدلان
مدير مركز (محكمات) للبحوث والدراسات – اسطنبول- أستاذ الفقه الإسلامي,


هل صحيحٌ أنّ الإسلاميين أفشلوا ثورة يناير وساعدوا على إجهاض الربيع العربيّ؟ سؤالٌ ليس له إلا إجابة واحدة صارت كالبدهيات التي تُسَلّم بها العقول؛ لفرط ظهور الحقيقة وتَبَدِّيها، نعم. لقد ساهم الإسلاميون في إفشال الثورة وإجهاض الربيع العربيّ، وإذا أردنا للصراحة أن تكون مطلقةً من قيود التحامل أو المجاملة فيجب أنْ نقرَّ -إلى جانب ذلك- بأنّ جميع أصحاب الأجندات المتصارعة والأيديولوجيات المتدافعة -على اختلاف توجهاتهم- شاركوا في الجريمة وغرقوا في مستنقع التآمر، وليس عيبًا أن يكون لفريق من الناس أجندة خاصة وأيديولوجية مميزة، لكنّ العيب يكمن في أن تتصارع الأجندات وتتبارى الأيديولوجيات قبل الإنجاز الثوري وحسم المعركة مع الطغيان.

كُلْفة تجاهل الدور الشعبي

بدايةً: لم يكن للإسلاميين أدنى فضل في إشعال فتيل الثورة ولا في ابتداء مسيرة الربيع العربيّ، صحيحٌ أنّهم قدَّموا -منذ بداية الصحوة الإسلامية- تضحيات كثيرة، وبذلوا وسعهم بمختلف الطرق لتحقيق التغيير، لكنَّهم لم يفكروا في إمكانية التغيير بثورة شعبية عامة، لذلك عندما جاءت اللحظة التي لم يكونوا يتوقعونها اضطربوا وحاروا، فلم يكن لهم مشاركة في لحظة الانطلاق، وعلى الرغم من أنّهم شاركوا بعد ذلك وكانوا أكبر عامل من عوامل نجاح الثورة في مراحلها الأولى إلى سقوط مبارك، فإنهم فشلوا في قيادة السفينة إلى غايتها المنشودة؛ لأنّ الثورة لم تُسْلِم لهم خطامها ولم تسلس لهم قيادها، وما ذلك إلا لأنّهم لم يشاركوا في لحظة الإطلاق الأولى، وترددوا في وصف الأحداث وتكييفها: أهي ثورة أم فورة؟! وهذه هي كلفة التجاهل للدور الشعبيّ في التغيير. صحيحٌ أنّه لا ينبغي التعويل الكامل على الحراك الشعبيّ، ولكن ليس صحيحًا أنّ الشعوب دائمًا غنمٌ تساق، وتجاهُلُ دورها في التغيير يدل على خلل كبير في الرؤية وفي مشروع التغيير، ويدل كذلك على اعتلال العلاقة مع الشارع، وهذه علة خطيرة.

الخطأ القاتل

كثيرة هي الأخطاء التي ارتكبها الإسلاميون، سواء شاركهم فيها غيرهم أو انفردوا بها، لكنّ الخطأ القاتل الذي فتح الباب لانزلاق الأخطاء إلى مسار التغيير هو انضمام الإسلاميين إلى العسكر وثقتهم بوعودهم بشكل شبه مطلق، مع التخلص شيئًا فشيئًا من العَقْد الثوري العام مع الشارع الثائر، والعجيب أنّ هذا الصنيع مخالف للمنهج الإسلاميّ في التغيير مخالفةً صريحة، فقد كان الواجب شرعًا هو خفض الجناح للمؤمنين الثائرين والإعراض عن الكبراء المجرمين المترفين، قال تعالى: {لا تَمُدَّنَّ عَيْنَيْكَ إِلَى مَا مَتَّعْنَا بِهِ أَزْوَاجًا مِنْهُمْ وَلا تَحْزَنْ عَلَيْهِمْ ‌وَاخْفِضْ ‌جَنَاحَكَ لِلْمُؤْمِنِينَ} ‌‌(الحجر: ٨٨)، وقال لرسوله صلى الله عليه وسلم معاتبًا: {‌أَمَّا ‌مَنِ ‌اسْتَغْنَى ‌‌(٥) فَأَنْتَ لَهُ تَصَدَّى (٦) وَمَا عَلَيْكَ أَلا يَزَّكَّى (٧) وَأَمَّا مَنْ جَاءَكَ يَسْعَى (٨) وَهُوَ يَخْشَى (٩) فَأَنْتَ عَنْهُ تَلَهَّى (١٠)} (عبس: 5-10)، وقد ترتب على هذا الخطأ الفادح بروزُ التشققات في الصفّ الثوريّ، ولعْنُ الشارع للإسلاميين ووضعُهم مع الخونة المجرمين في سلة واحدة.

ولأنّ الإخفاقات تراكمية -كما أنّ النجاحات تراكمية- وجدنا الإسلاميين يذهبون سريعًا إلى المسار السياسي قبل استكمال المسار الثوريّ؛ انطلاقًا من وعود من العسكر حسبوها صادقة، فازدادت بذلك الشُّقَّة بينهم وبين الحالة الثورية التي بدأت تتقلص ويخفت صوتُها ويخبو بريقُها، وفقدوا بذلك السلاح الوحيد الذي يُمَكِّنُهم من مواجهة العسكر الذين حازوا جميع أدوات الإكراه الماديّ؛ فانكشفوا واضطروا إلى خفض الراية أمام العسكر. صحيحٌ أنّ الشارع قد تغير مزاجه، وتعكر صفوه، وتكدرت منابعه، لكنّ خروج الإسلاميين منه وإعراضَهم عنه هو الذي أفضى إلى ذلك.

لقد كان بإمكان الإسلاميين أن ينضموا إلى أسر الشهداء في ميدان التحرير في صبيحة السبت الأسود حيث داهم العسكر بعنف وقسوة وجلافة خيام أسر الشهداء فأطاحوا بها ونكلوا بمن فيها في مشهد يشعر بأنّه انقلاب مبكر على الثورة بكل ما جنت من مكاسب! 

لقد كان بإمكانهم لو كانوا يملكون الجرأة والرؤية الصحيحة إن يحولوا الحدث إلى منصة انطلاقة لتجديد الثورة واستمداد وقودها لمرحلة جديدة، لكنّ الفرصة من طبيعتها أنّها لا تنتظر المبطئين ولا تسلس قيادها للمترددين.

الخطايا السياسية

يبدو أنّ الإخوان المسلمين تصوروا أنّه بإمكانهم إصلاح وترميم الأجهزة التي كانت تسومهم وكافّة المعارضين الخسف والهوان؛ فجاء تفسيرهم ثم تنفيذهم لما أطلق عليه “إعادة الهيكلة”؛ جاء على نحو لا يقطع من الثعبان إلا ذيله، إذْ بعد استقرار الشرعية لهم في المرتين البرلمان ثم الرئاسة امتطوا الأجهزة ذاتها التي كان يمتطيها مبارك لترسيخ سلطته، امتطوها لبلوغ أهداف الثورة التي قامت على مبارك، فكانوا كمن يركب سفينة ويمشي بداخلها في اتجاه الهدف، بينما السفينة تسير به في الاتجاه المعاكس، هذا إضافة إلى المخالفة الصريحة لقول الله تعالى: {‌وَلا ‌تَرْكَنُوا ‌إِلَى الَّذِينَ ظَلَمُوا فَتَمَسَّكُمُ النَّارُ وَمَا لَكُمْ مِنْ دُونِ اللَّهِ مِنْ أَوْلِيَاءَ ثُمَّ لا تُنْصَرُونَ} ‌‌(هود: ١١٣)، وقوله عزّ وجل: {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لا تَتَّخِذُوا بِطَانَةً مِنْ دُونِكُمْ لا يَأْلُونَكُمْ خَبَالا وَدُّوا مَا عَنِتُّمْ قَدۡ بَدَتِ ٱلۡبَغۡضَآءُ مِنۡ أَفۡوَٰهِهِمۡ وَمَا تُخۡفِي صُدُورُهُمۡ أَكۡبَرُۚ قَدۡ بَيَّنَّا لَكُمُ ٱلۡأٓيَٰتِۖ إِن كُنتُمۡ تَعۡقِلُونَ} (آل عمران: 811)، وهي مخالفة منهجية عواقبها وخيمة.

النتائج والآثار

بالقطع أثرت كل هذه الأخطاء التي وقعت؛ فكانت الانقلابات وما تلاها من عودة الاستبداد والظلم والقهر، وخفوت الأمل إلى حد يقترب من الأفول التام، ومع ذلك فإنّ الساحة لا تستغني عن الإسلاميين، فعليهم أن يرشدوا، وعليهم أن يعرفوا قيمة الشعوب المسلمة، وعليهم أن يؤخروا الحسابات الخاصة للجماعات والأحزاب، وأن يكونوا قدوة للخلق في إعلاء المصلحة العامة للأمة الإسلامية، فإن فعلوا ذلك فلن تجد الشعوب أفضل ولا أصدق منهم، وإن لم يفعلوا فقد صَعَّبوا على الناس طريق الخلاص، أقول هذا وأنا أنسب نفسي إليهم وأفتخر بذلك، لكنّها المصارحة الواجبة علينا جميعًا في مسيرة التصحيح، ولم أتعرض لبعض الفصائل المنسوبة إلى الإسلاميين ممن اتبعوا الدواعش أو اقتفوا أثر المداخلة؛ فكلا الفريقين ليسوا منّا ولسنا منهم، وليسوا من الحق في شيء، والله المستعان

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق