الأحد، 21 يناير 2024

الإنذار الروسي الذي غاب عن غزة

 

الإنذار الروسي الذي غاب عن غزة

تشتعل قلوب الإنسانية في العالم بفعل الحريق الدائم الذي يجتاح فلسطين وأراضيها بفعل العصابات الصهيونية، أكثر من 105 أيام والجيش الصهيوني لا يتوانى عن ارتكاب المجازر البشرية أمام أعين النظام العالمي ومؤسساته الدولية وأنظمته الحاكمة في كل دول العالم، بل لا يزال الكيان الصهيوني يدمر كل ما له علاقة بالحياة والمستقبل، فضلا عما يقومون به من سرقات عصابية وتاريخية كان آخرها سرقة ما يقارب 3000 قطعة أثرية من جامعة الإسراء في غزة ثم تدميرها بعد ذلك بنسف مقر الجامعة.

المناورات السياسية لا تكفي

الآلاف من الشهداء، وعشرات الآلاف من الجرحى، تدمير كامل للمنازل والمدارس، وأكثر من 240 مسجدا بين مدمر كليا وجزئيا، كل هذا والعالم يشاهد ما يحدث في غزة والضفة الغربية المحتلة ولا يحرك فعلا حقيقيا تجاه وقف المجازر التي تتعرض لها غزة وفلسطين، الأسوأ أن نجد دولة مثل ألمانيا تستعيد روح نازيتها وتساند الكيان الصهيوني في جرائم الحرب التي يرتكبها، مما يجعل رئيس وزراء الكيان الصهيوني يتبجح في تصريحاته عن تدمير فلسطين كاملا.

لم تعد تجدي تصريحات هنا وهناك، مناورات سياسية يقوم بها وزير الخارجية الأمريكي في جولاته التي يقوم بها في الشرق الأوسط ومع الكيان الصهيوني، ولا هذا التعاطف الإنساني المتمثل في المظاهرات في مدن العالم الكبرى ضد الحرب على غزة، ولا تصريحات على ألسنة بعض الرؤساء في العالم عن إدانتهم للكيان الصهيوني وجرائمه، أيضا لا تكفي الأخبار عن خلافات داخل الكيان بين مجلس الحرب والحكومة والمعارضة، فالأيام تمضي وما زالت المحرقة الجديدة للإنسانية قائمة.

الحاجة إلى فعل حقيقي

لم يعد كل ما سبق قادرا على إيقاف الكيان الصهيوني عن جرائمه التي يقوم بها على مدار الساعة، نعم ما زال أهلنا في غزة يقدمون ملحمة في الصمود والبسالة، ولا يزال أبطالنا من كتائب المقاومة الفلسطينية يعيدون كتابة تاريخ فلسطين والمنطقة العربية من جديد بالملامح البطولية اليومية.

لكن هذا الصمود وهذه البسالة لا يمكنهما محو عار الدول والمؤسسات الدولية في عجزها، ولا يمكن أن تظل آلة الحرب الصهيونية دائرة بدعم لا يتوقف من الولايات المتحدة وحليفاتها الغربية، ألمانيا وبريطانيا وفرنسا وهولندا وإيطاليا، نحن بحاجة إلى عمل أقوى يوقف الكيان الصهيوني عند حده، وإيقاف الحرب على شعبنا في غزة وفلسطين.

بعد سقوط الاتحاد السوفيتي وتفتته في ثمانينيات القرن العشرين، صارت الولايات المتحدة تتحكم في العالم، وأُنهي النظام القطبي في العالم الذي يتكون من قطبين كبيرين يقودان العالم، كان هذا النظام يقوم بعمل توازن عالمي إلى حد ما، ولا يسمح بتوغلات شرقية أو غربية على العالم.

أُطلق على تلك الفترة الحرب الباردة، وشهدت سكونا عالميا في استخدام القوة، وقد حاولت الدول المستقلة عن الاستعمار في النصف الثاني من القرن العشرين تكوين كتلة ثالثة، وهي ما أطلق عليها دول عدم الانحياز بقيادة مصر والهند ويوغوسلافيا، استطاع الثلاثي “ناصر ونهرو وتيتو” تكوين كتلة كبيرة في العالم وداخل الأمم المتحدة ضد السياسات الاستعمارية، وكان هذا بانحياز الاتحاد السوفيتي إلى حركات التحرر الوطني ومساعدته للدول الساعية للنهوض.

كل هذا أيضا انتهي بسقوط دول الاتحاد السوفيتي وأوروبا الشرقية في الربع الأخير للقرن العشرين، وبدأ عصر الهيمنة الأمريكية والصهيونية، صارت أمريكا هي الدولة الوحيدة التي تتحكم في العالم.

مع بدايات القرن الحادي والعشرين، نما في العالم إحساس باستحالة الاستمرار في هذا النظام الأحادي، وبدأ صعود بعض الدول بجانب الولايات المتحدة الأمريكية، مثل الصين وألمانيا ودول الاتحاد الأوروبي، إضافة إلى استعادة روسيا جزءا كبيرا من قوتها مع وجود بوتين وسنوات حكمه، وبدأ العالم يتطلع إلى عالم متعدد القطبية يسهم في السلام العالمي، ولا يسمح بهيمنة أحادية عليه.

كان الاختبار الأول لبدايات العصر الجديد في أوكرانيا منذ عامين، واكتشف العالم أنه لا يزال يُحكم بقوتين، الكبرى هي الولايات المتحدة التي عادت تقود العالم الغربي كاملا، وتوارى خلفه القوة الألمانية الصاعدة، والاتحاد الأوروبي الذي تشكل، وفي الطرف الآخر كانت روسيا والصين، ويمكن إضافة إيران إليهما، وظل باقي العالم هوامش، واستطاعت روسيا حتى الآن الوقوف نسبيا أمام العالم الأمريكي والغربي، ويمكن أن نقول إن العالم الشرقي لم يتحرك بالكيفية التي يمكن أن ندعي فيها ميلاد العالم ذي القطبية الثنائية أو المتعددة.

إنذار روسي غائب

الحرب التي يشنها الكيان الصهيوني على غزة أعادت امتحان الإنسانية إلى العالم، وكذلك قضية العالم الأحادي والمتعدد القطبية، ولا أخفي أنني ممن توقعوا دورا بارزا لروسيا بوتين في تلك الحرب، يتجاوز الإدانات والشجب والرفض خاصة مع تصاعد الرفض العالمي للعدوان الصهيوني على قطاع غزة، وما ترتكبه العصابات الصهيونية من جرائم.

ومع بدايات العدوان البري على غزة، توقعت أن يكون للأقطاب الصاعدة في الشرق دور أكبر في إيقاف المذبحة الإنسانية، وتذكرت التدخل الروسي في العدوان الثلاثي على مصر عام 1956، حينما هاجمت بريطانيا وفرنسا ومعهما الكيان الصهيوني مصر، واحتلت إسرائيل سيناء كلها.

الظرف العالمي الإنساني في العدوان الثلاثي مشابه لما يحدث الآن في غزة، تعاطف الرأي العام العالمي كبير جدا، مظاهرات في معظم دول العالم ربما أقلها في الوطن العربي! مقالات الرأي تنتشر في كبريات الصحف والمجلات، العالم الغربي يموج بالغضب والتظاهر.

إذَن الموقف مناسب لعمل سياسي كبير من القوى الشرقية الصاعدة لوقف نزيف الدم والمجازر البشرية، فلماذا لا يوجد فعل حقيقي يوقف العدوان من جانب روسيا والصين؟ أين يقع الخلل؟ هل هناك في الشرق أم داخل المنطقة العربية في الأنظمة؟ هل تغيرت من النصف الثاني من القرن العشرين إلى الآن؟ أم إن تصاعد قوى التحرر العالمي حينها كان سببا في قوة الإنذار الروسي وتراجع الموقف الأمريكي فتوقفت الحرب؟

نعم هناك مواقف إيجابية لروسيا والصين في الأمم المتحدة في القرارات الثلاثة التي اتُّخذت بشأن الحرب على غزة، نعم كانت هناك موافقات في الجمعية العامة للأمم المتحدة من 120 دولة صوتت لصالح إيقاف العدوان، ولكن لم يتم.

كانت مواقف روسيا والصين جيدة أيضا في قرارات مجلس الأمن، ولكن كل ما استطاعا عمله مجرد تسهيل دخول المساعدات الإنسانية إلى غزة وهي لا تكفي، وكل ما قامت به روسيا والصين والـ120 دولة التي تساند الحق الفلسطيني وتطالب بإيقاف الحرب لم يُجدِ أمام الغطرسة الصهيونية، ولا الهيمنة الأمريكية حتى الآن، فلماذا غاب الإنذار الروسي الذي يوقف الحرب على غزة؟


ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق