الاثنين، 30 يونيو 2025

الكيمياء السورية بين أدوار المعادين وسطحية الساعين وهموم المصلحين!

 الكيمياء السورية بين أدوار المعادين وسطحية الساعين وهموم المصلحين!

إضاءات منهجية عمرانية سننية

مضر أبو الهيجاء

قد يتساءل المرء ما سبب كل هذا الاهتمام بالشأن السوري؟

الجواب:

إن أرض الشام ومصر والعراق ترسم مسار التاريخ العربي والإسلامي من حيث نهضته أو انحطاطه، وفي ظل قتل العراق وتقطيعه جيوسيا لدرجة إفشاله ومحاولة إخراجه من التاريخ والفعل الحضاري كنتيجة للتعاون اللعين بين المشروع الإيراني والشيطان الأكبر، فإن حراك الشام الحيوي بات أمل الأمة المقيدة بسلاسل الذل منذ قرن.

وفي حال نجاح التجربة الإسلامية السورية بانعتاقها السياسي من الهيمنة الأمريكية، فإن خزان الأمة المختطف كرهينة في مصر سيكسر القيد ليخرج المارد العربي والإسلامي من القاهرة، التي ستقهر الشرق والغرب، بعد أن تدوس بأقدامها خونة القوم والمنافقين الذين أذلوا شعبها وقهروا كرامها.

أمتنا أمام قرن التمكين أو غربة ومأساة الرحيل!

لا خيار أمام الأمة إلا أن تضع كل خبراتها وطاقاتها العقلية والتنظيمية في الساحة السورية، لاسيما بعد هلاك فلسطين، واقصاء مصر، وتفتيت العراق، ومصادرة كل الخليج، وتحجيم تركيا وباكستان.

إن نجاح سورية وشعبها وحكامها في الانعتاق من هيمنة الإدارة الأمريكية سينقذ الجميع وتبدأ عملية الترميم العاجلة لجروح الأمة النازفة، وهو ما يجسد حقيقة التمكين بمضمونه الواقعي وليس بشعاراته الزائفة وألوانه المخادعة.

أما إن استطاعت ونجحت الإدارة الأمريكية بابتلاع سورية والهيمنة عليها، والعبث بمسارها السياسي والاصلاحي، وتقزيم وتشويه مشروعها الدعوي والعلمي، فإن شعوب المنطقة ستدخل في غربة تأخذها لقرن قادم في مسار مجهول ومؤلم.

الكيمياء مؤشر جاد وخطير!

تشير الكيمياء الحالية في المسألة السورية لحلول أمريكي قبيح فيها، فيما تقف الذئاب الصهيونية على التلال المحيطة بسورية، وتتأهب الضباع الطائفية لتنال من فريستها في لحظات غفلتها وضعفها.

من الفاجع أن يكون حراك المشروع الصليبي المتصهين حول سورية فاعل لا يهدأ كجيش من الجراد والدبابير التي تغزو أرض الشام، ولا يكون الحراك العربي والإسلامي كجيش من النحل الذي يغذي الشام ويرفدها بكل خير، والشعب السوري كجيش من النمل الذي لا يمل ولا يكل من البناء المتواصل!

فكيف يمكن أن نتكامل لتحقيق واجب الوقت نحو سورية؟

موضوعيا لا يمكن للأمة انجاز منعرج حقيقي في سورية إلا من خلال علمائها وشعبها وحكامها، الأمر الذي يوجب على أصحاب المستويات الثلاثة الانفتاح بشكل مؤطر على إخوانهم العرب والمسلمين لحصد النتائج وتراكمها، فما المانع أن يشكل العلماء السوريون إطارا عمليا إداريا يحصد خيرية علماء العرب والمسلمين لصالح البناء في سورية؟ وكذلك تفعل الأطر الشعبية السورية التي ستنتعق من نكد الدنيا وتخفف من أثقال الواقع من خلال صناعة أطر شعبية تستوعب كل نشاط مثمر عند إخوانهم خارج الحدود القطرية، عداك عن الفعل الأوجب المتعلق بحكام سورية سواء أكانوا مؤقتين أم انتقاليين؟

سورة عبس .. منهج ينجي من الغرق في مثلث برمودا الأمريكي؟

من الطبيعي أن كل حاكم وسلطة سيتفاعل مع المؤثرين في واقع الدنيا، وهو ما يفسر إقبال حكام سورية على الإدارة الأمريكية المتغطرسة والصبر عليها.

لكن ما الذي يمنع حكام سورية الجدد من تشكيل أطر سياسية جديدة خارج الإطار الأمريكي وتوجيهاته مستعينة ومتكاملة مع الأطر العلمائية والشعبية السورية، وذلك حتى لا تختطف سورية شيئا فشيئا وتغرق في مثلث برمودا الأمريكي الذي يستهدف خنقها وتحجيمها؟

النجاة نتيجة تقررها الكيمياء السورية الداخلية!

إن التكامل بين الشعب السوري ونخبه العلمية وحكامه شرط أساس لتحقيق التمكين بشكل تراكمي عبر النجاح في مواجهة المخاطر القائمة والتحديات القادمة.

وكما أن من واجب الشعب السوري أن يتحشد خلف حكامه ليزيدهم صلابة وعزيمة وقوة، فمن واجب الحكام الجدد أن يدركوا أن تعزيز القوى الشعبية من خلال أطرها التنظيمية -المستقلة عن الدولة- يزيد من قوتها في مواجهة التحديات الخارجية والمشاريع المعادية، وهو لا يضعفها أو يقلل من هيبتها ومكانتها، وانطلاقا من هذا الفهم فقد أدنت واستنكرت حل المجلس الإسلامي السوري -أيا كانت الملاحظات عليه، فالملاحظات على الحكومة الحالية وأداؤها أضعافا مضاعفة-، وكذلك أدين تفكيك القوى الشعبية المنسجمة مع الهوية الثقافية للحكام الجدد وأهدافهم المعلنة!

القيمة المتقدمة للغاية وليست للوسيلة.

إن الدولة وسيلة لغاية تمكين العدل والصلاح المجتمعي، وهي مهما كانت أساسية وشوكة لأي مشروع نهضوي، إلا أنها معرضة للضعف الداخلي -بفساد القائمين عليها واستبدادهم الذي يجر المفاسد-، أو لإضعافها من الخارج عبر النيل منها عسكريا أمنيا واقتصاديا، الأمر الذي يجعل من الشعب الحصن الأخير، وأما عنوان جدرانه المنيعة فهم العلماء وأطرهم الجامعة المعبرة عن الوحدة الثقافية صمام الأمام لحفظ الدين ومصالح العباد.

فهل وصلت الفكرة؟

مضر أبو الهيجاء جنين-فلسطين 30/6/2025

بعد انقشاع الدخان.. إيران والكيان في الميزان!

  بعد انقشاع الدخان.. إيران والكيان في الميزان!

داعية كويتي ومفكر إسلامي



كيف نُفسّر سعادة الملايين من سكان هذا الكوكب المنكوب بالظالمين، وهم يشاهدون انهمار الصواريخ على الكيان الصهيوني؟!

ولماذا تتمنّى عامة البشرية المزيد من الرشقات التدميرية لهذا الكيان الآثم؟!

الجواب ببساطة ودون تنطع فلسفي:

أن الفطرة الإنسانية بطبيعتها السوية تكره الطغيان وتنفر من الطغاة، وتتلذذ؛ نعم تتلذذ؛ برؤية جبابرة الأرض وهم يُقصَفون.

نعم، كلنا ننتشي عندما نرى الضربات تتوالى على ذلك الكيان الباغي، الذي لم يترك جريمة إلا وفعلها، بل زاد:

  • عنصرية الاستعمار،
  • ووحشية النازية،
  • وهمجية الفاشية،

ثم تراه يتباهى بإباداته، ويتبختر في المحافل الدولية، يُلوّح أنه فوق القانون، بل وفوق الإنسانية جمعاء.

فحين تُقصف حصونه، ويختبئ جنرالاته في الملاجئ، ويرتجف شعبه المدجج بالسلاح في أقبية الأرض، فذلك يمثل لحظة استعادة لفطرة الإنسان المكلومة، لحظة يستنشق فيها التاريخ نَفَسًا من عدالةٍ مُنتَهكة.

وقد كتب الإمام الفخر الرازي قبل تسعة قرون كتابه “أقسام اللذات” فعدّ منها:

– لذة جسمانية: وهي لذة الغرائز.. والتي يشترك فيها مع البهائم.

– ولذة وهمية: وهي لذة المناصب والنفوذ.

– ولذة روحية: هي لذة الانتماء إلى القيم العليا.

فلو كان الرازي بيننا اليوم لربما ردد معنا:

يا لذة العيون حين يُقصف الظالمون..

ويا قرة العيون حين يُزلزل طغيان صهيون!

في هذا السياق نتساءل:

هل يوجد في العالم كله -غير الأميركيين وبعض حلفائهم- من حَزن على ما أصاب الكيان من حرائق وتدمير؟!

الجواب: نعم!

هناك قادة عنصريون في أحزاب مارقة في الهند وأوروبا، وأشباههم من مصّاصي الدماء ممن أسعدتهم محرقة غزة وآلمهم احتراق أحبّائهم من قتلة الأطفال!

لكنَّ الأخطر من هؤلاء هم: من افقو هذه الأمة من المتصهينين العرب، الذين سقطت أقنعتهم بعد 7 أكتوبر، ثم تجردوا تمامًا من كل مواربة، ووقفوا عراةً من كل خجل، يندبون احتراق “أحبابهم” من المحتلين، وربما تواروا بحزنهم خلف التنديد بمَن قصفهم!

هؤلاء ليسوا خصومًا للحق، بل هم أخسّ من العدو نفسه، لأن العدو لا يدّعي القرابة، أو يتظاهر بتعاطف بارد مضلل، أما هؤلاء فمن جلدتنا، ولكنهم يتلذذون بطعن الأمة في الخاصرة… ثم يهتفون: “اللهم انصر الإسلام”!

ولذا، فكل من فيه ذرة من ضمير، فإنه يفرح ويتهلل بما يصيب هذا الكيان من ويلات، سواء أتت الصواريخ من إيران، أو من كوريا الشمالية، أو من غزة المحاصرة، أو من أي منصة كانت.

***

لكن، هنا يبرز سؤالٌ آخر لا يقل أهمية:

لماذا لم تحظَ إيران في هذه المواجهة مع الكيان الصهيوني بتأييدٍ شعبيٍّ عربيٍّ واسع؟!

لماذا أصبح شعار “اللهم اضرب الظالمين بالظالمين” هو الأكثر شيوعًا؟!

لماذا نشهد هذا الانقسام العربي الوجداني تجاه مشهد كان يُفترض أن يوحّدنا؟!

الإجابة باختصار:

لأن الجراح المفتوحة في الجسد العربي كثيرة.. وكان أغلبها بسكين إيراني غادر!

 – في العراق: ميليشيات مدعومة من إيران هجّرت، وأحرقت المدن، وكرّست الطائفية حتى النخاع.

 – في سوريا: وقفت إيران بكل وضوح مع النظام المجرم، وساهمت في حصار وتجويع وتهجير السوريين وشاركت بجرائم قتل المدنيين والعُزّل دون تفرقة بين رجل وامرأة وشيخ وطفل باسم “المقاومة”!

 – في اليمن: دعمت انقلابًا دمويًا مزّق النسيج اليمني، وأشعل صراعًا لا نهاية له.

– في لبنان دعمها لإجرام “حزب نصر الله” الذي اختطف لبنان أمنيا واقتصاديا وعسكريا وكان مخلب القط سيىء الصيت الذي استخدمته إيران لبث الطائفية والاصطفاف الفئوي والتخندق المذهبي وتصفية المخالف مما أعاد لبنان سنوات إلى الوراء وارتكاب أفظع الجرائم الطائفية في سوريا.

ثم؛ كيف يمكننا أن نفهم تبني إيران القضية الفلسطينية ودعم المقاومة بالمقارنة مع ما حصل من تنكيل وتشريد لفلسطينيي المهجر على يد ميليشياتها وأنظمة دول مدعومة منها كما في مخيم اليرموك بسوريا بعد الثورة وفلسطينيي العراق بعد سقوط صدام؟!

ويضاف لها اليوم سقوط غزة تماما من حساباتها وإهمال ذكرها -وهي في ذروة الإبادة الصهيونية- من شروط وقف الحرب بينها وبين الكيان المحتل؟!

لقد رأى العرب –لا من خلال الإعلام، بل رأي العين في الواقع– أن إيران ترفع شعار فلسطين، لكنها تبني مشروعها على أنقاض العواصم العربية، لا على أبواب القدس!

وهكذا، تفكّك المعنى الأخلاقي لدعمها “للمقاومة”، حين رآه الناس ملطخًا بدمائهم، ومشروطًا بخضوعهم.

***

وهنا لن نقع في فخ تبرئة العرب وإلقاء اللوم على إيران وحدها، فالخذلان العربي الرسمي –لا الشعبي– هو من هيّأ الأرض لكل تمددٍ خارجي، فحين غابت الأنظمة العربية عن ملف فلسطين، وحين تم اختزال الفعل العربي في بيانات موسمية، وحين أُخليت الساحة من أي مشروع عربي موحد… كان من الطبيعي أن يملأ الفراغ آخرون من أصحاب المشاريع والأجندات والمصالح.

إيران –مثل غيرها– دخلت من بوابة الغياب العربي، ووجدت في شتاتنا فرصة، وفي الشعارات الجوفاء غطاءً، وفي الاكتفاء بالبيانات الرسمية فرصة لا تُعوَض، بل إن الشعوب العربية نفسها، في مرحلة ما، تعلقت بالأمل الإيراني، وظنت أن فيه بديلاً، حتى إذا انكشفت الأجندات وسقطت الأقنعة، بدأت المراجعات.

أخيرا..

إن فرحتنا بقصف “صهيون” هو استراحةَ روحٍ أنهكها الظلم، ولقطة نادرة للعدالة حين ترفع رأسها ولو مؤقتًا.

لكن بين أيدينا الآن سؤال أكبر:

هل نريد مقاومة نظيفة، لا توظّف الظلم لمكافحة الظالمين؟!

هل نريد مشروعًا عربيا صادقا ومستقلا؟ مشروعًا يُسقط الحجة من يد كل دخيل، ويغلق الباب في وجه كل متسلل بشعار المقاومة؟

الجواب…

ليس في “ضعف” العرب، ولا في “خبث” إيران، ولا في “أحلام” واشنطن وتل أبيب!

بل في الضمير الحي لهذه الأمة، إن نفض عن كاهله غبار التبعية، وانعتق من قبضة الوكلاء الذين باعوه باسم التنمية والاستقرار أو باسم ثورة طائفية عنصرية خادعة!

د. محمد العوضي

داعية كويتي ومفكر إسلامي

تقليم الأظافر السورية.. لمصلحة من؟ كلمات في الصميم

 تقليم الأظافر السورية.. لمصلحة من؟

كلمات في الصميم

مضر أبو الهيجاء


لم يمنع إسرائيل من بسط سيطرتها على دمشق في يوم 8/12/2024 إلا وجود تفاهمات دولية إقليمية حول سورية، ومع ذلك فإن إسرائيل – وفي سياق الرؤية الأمريكية – حطمت وأحرقت كل مواقع القوة التابعة للدولة السورية.

وبكلمة يمكن القول دون مواربة:

تقليم أظافر الدولة السورية!

إن ما قامت به إسرائيل -المنفذة الحقيرة للسياسة الأمريكية- من تقليم أظافر الدولة السورية الجديدة أمر متوقع يستوعبه كل عاقل خبير بالصراعات بين المشاريع الغازية والتوسعية، وهو يأتي في سياق الإرادة الدولية والإدارة الأمريكية الساعية لبناء سورية الثانية، وتفويت الفرصة على أحرار الشام لبناء سورية الجديدة.

ملاحظة: أشرت لهذا في مقالي قبل التحرير بعام ونصف، وهو بعنوان بناء سورية الثانية وتحديات المرحلة.

تقليم أظافر المجتمع السوري المسلم!

إن ما لا يمكن فهمه -أو بشكل أدق ما لا نحب أن نعقله وندركه- هو مشروع تقليم أظافر المجتمع السوري المسلم عبر خطوات متلاحقة بسرعة البرق، ويمكن الإشارة إلى ثلاث خطوات متعاقبة -على سبيل الذكر لا الحصر- جميعها تشير إلى استكمال مشروع جز العشب السوري قبل أن يشتد عوده ويقوى نباته، وهي:

أولا:

نزع السلاح من أيدي المسلمين والثوار، وذلك تحت عنوان صحيح هو بسط نفوذ الدولة، ولكن مضمونه غير عاقل في ظل توازنات القوى في المنطقة، حيث تتصل جميع الطوائف والقوى الجاهلية (قسد وداعش) بقنوات إقليمية ودولية قوية عريقة وقديمة، وهي تشكل رئة وشريان حياة لها، وتستطيع في لمحة بصر أن تعيد تسليحها وتذخيرها بسرعة البرق وقوة الرعد، فيما يبقى المسلمون عزل يذبحون كالأرانب ويسلقون كالدجاج -لا سمح الله-.  (لبنان نموذجا)

إن المسارعة في نزع السلاح الثوري من أيدي الشعب السوري الحر، في ظل دولة سورية هشة ومخصية القوة ومقصية عن التطوير والتصنيع، أمر غير موفق ويطرح علامات استفهام على الرموز الثورية، والتي عاشت الصراع وأدركت كنهه الحقيقي!


ثانيا:

حلول ومزاحمة شياطين سورية -من الشخصيات المعادية للدين والشعب والثورة والمفارقة لهويته الثقافية الجامعة- في أركان الدولة السورية الجديدة وبدل أن يضيق على أمثال هؤلاء، باتوا هم من يكتم أنفاس السوريين ويجثم على صدورهم، وذلك في سياق تراكمي حكومي لا يوقف هذا المسار رغم اعتراضات الشعب الكريم!


ثالثا:

الضغوط المتواصلة لحل المجلس الإسلامي السوري والأطر الشرعية 

التي تشكلت من الثورة!

العبرة بتفكيك عموم الكيانات الشعبية المؤثرة لا بخصوص حل المجلس الإسلامي السوري.

وبغض النظر عن المعترك المتعلق بتجربة المجلس الإسلامي السوري وأداؤه، فإن المعتبر هو في قيمته وفاعليته في حسم الخيارات الكبرى والمواقف المطلوبة في المحن القادمة، حيث سيكون معبرا دون سواه عن واجب الوقت لما يتمتع به من مواصفات ذاتية، وأقلها سويته الشرعية والسياسية إضافة لتجسيده فسيفساء الاتجاهات الإسلامية للمدارس في عموم الشام وخصوص سورية.


الخلاصة

لا يؤاخذ حكام سورية وعلماء الشام وأهلها الكرام فيما لا يطيقونه، حيث أفضى الإختلال المريع في موازين القوة المحلية السورية والإقليمية الإسرائيلية والدولية الأمريكية، لتقليم أظافر الدولة السورية، حتى أصبحت فاشلة في إحداث الردع المطلوب في حدوده الدنيا تجاه المحتل الإسرائيلي الذي بات يفتش منازل السوريين ويستحييهم في بيوتهم في الجنوب السوري متى أراد وكيفما شاء!

إن المؤاخذة التي تستحق التوقف والنظر والمراجعة ثم الحساب والتقويم، هي في خطوات تقليم أظافر المجتمع السوري المسلم، وذلك من خلال سياسة تفكيك أطره المقدرة والفاعلة، بدل الإسراع الواجب في تعزيز الأطر المجتمعية المستقلة عن الدولة، وذلك في كل منحى بهدف تعزيز مسار التغيير، وسد العجز المشهود في مؤسسة الدولة الجديدة!

فهل يمكن القول إن الدولة السورية باتت مرتهنة للخارج من خلال غياب الإرادة السياسية المستقلة عند حكام سورية الجدد، أم أن هناك مشروعا عظيما خفيا لدى حكام سورية الجدد، لم يلتقطه أحد من الحكماء السوريين ودهاقنة السياسة وخبراؤها؟

سورية كالأقصى في خطر!

في ظل حالة الضعف العربي العام والسوري الخاص، وفي ظل الانكسار والتراجع الكبير في القضية الفلسطينية يمكن القول إن سورية الجديدة ستعيش ظروفا بالغة الحساسية، لما ستشهده من استباحة إسرائيلية.

ولعل حال الأقصى المبارك هو أقرب صورة متصورة لسورية في ظل التعامل الإسرائيلي معها في المدى المتوسط، حيث تهيمن إسرائيل على الأقصى بعد أن سرقت منه حائط البراق، فيما يصلي المسلمون في الأقصى بأوقات وتواجد يقرره المحتل، كما تشهد ساحات الأقصى اقتحامات متكررة ومواقف وتصريحات مستفزة.

وفي ظل ضعف مؤسسة الدولة فإن الدور الوحيد القادر على الصمود في وجه تلك المعادلة حتى تمر العواصف في تلك الحقبة الحالكة، هم العلماء والشعب الذي يتحشد خلفهم، فلماذا يتم تفكيك أطرهم اليوم وهل من مراجعة؟

مضر أبو الهيجاء جنين-فلسطين 29/6/2025

إنه قد شَهِدَ بدراً!

 إنه قد شَهِدَ بدراً!




كانتْ مكَّةُ على موعدٍ قريبٍ مع الفتح، رسولُ اللهِ صلى الله عليه وسلم قد حسم أمره بالسيرِ إليها، وأخبرَ الجيش بالاستعداد، ولأنَّ الحرب خِدعة، ولأنَّ من يملك عنصر المفاجأة نادراً ما يُهزم، أمر النبي صلى الله عليه وسلم الصحابة بكتمان أمر المسير إلى مكة.

كان كل شيء يسير كما هو مُخطط له، الصحابة من أهل مكة يحلمون باللحظة التي سيُقبِّلون فيها ترابها، والصحابة من أهل المدينة ما زالوا يحلمون بعُمرةٍ رُدُّوا عنها يوم الحُديبية! وبقية الصحابة من جزيرة العرب يحلمون باللحظة التي سيرتفع فيها أذان مكة مُعلِناً أنَّ الله أكبر!

غير أنَّ شيئاً لم يكن بالحسبان قد وقع… يستدعي النبيُّ صلى الله عليه وسلم الفرسان الثلاثة علي والزبير والمقداد ويأمرهم بالتوجه على الفور إلى “روضة خاخ” حيث هناك امرأة تحملُ رسالةً عليهم إحضارها إليه مهما كلَّف الأمر!

توجَّه الثلاثة مُسرعين فوجدوا المرأة هناك، فطلبوا منها أن تُعطيهم الرسالة، فأنكرتْ وجودها، فقالوا لها: إما أن تُخرجي الكِتاب أو لنضعنَّ الثياب!

فلما علمتْ أنهم عازمون على تفتيشها، أعطتهم الرسالة وعادوا بها إلى المدينة، وهناك فتح النبيُّ صلى الله عليه وسلم الرسالة فإذا هي من حاطب بن أبي بلتعة إلى قريش يُعلِمهم فيها بعزم النبي صلى الله عليه وسلم السير إلى مكة لفتحها!

خرقٌ أمني خطير!

وإن شئتَ فقُلْ: خيانة عُظمى!

ويُبرر حاطبٌ فعلته بأنَّ له أهلاً ضعفاء في مكة، وأنه ما أراد برسالته غير أن تكُفَّ قريش أذاها عنهم!

ويقبلُ النبيُّ صلى الله عليه وسلم عُذره… غير أن عمر بن الخطاب بحزمه المعتاد، وشراسته المتوقعة إذا ما تعلَّق الأمر بهذا الدين يقول: يا رسول الله ائذن لي أن أضربَ عنق هذا المنافق!

فقال له رسول الله صلى الله عليه وسلم: لا يا عمر، إنه قد شهد بدراً، وما أدراك لعلَّ الله قد اطلعَ على أهل بدر فقال: اعملوا ما شئتم فقد غفرتُ لكم!

إنه قد شهد بدراً!

يا تُرى هل نتذكر ماضي الناس المشرق عندما يقعُ منهم خطأ، أم أننا ننسى كل المعروف، واللحظات الحلوة، والمشاعر الجميلة التي عشناها عند أول زلة قدم؟!

في حياة كل إنسان “بدر قد شهدها” فلماذا لا نمحو الخطأ ببدر تلك بدل أن نمحو بدراً بهذا الخطأ!

لماذا نُريد من الناس أن يكونوا ملائكة على الدوام؟! أليس لكل جواد كبوة، ولكل قدم زلة، ولا بد للنبيل أحياناً أن يخونه نُبله، وقد قال علي بن الجهم:

ومن ذا الذي تُرجى سجاياه كلها

كفى المرءُ نُبلاً أن تُعدَّ معايبه!

تجد الزوجة تخوضُ كل يومٍ بدراً، تربيةً للأولاد، وطبخاً ونفخاً، وتدريساً واهتماماً، وعند أول خطأ ينسى الزوج ذلك كله وكان بإمكانه أن يقفز عنه!

وتجدُ الزوجَ محباً حنوناً رحيماً فإذا أخطأ قامت الدنيا ولم تقعد، تنسى الزوجة عُمراً من المعروف بموقف كان بإمكانها التغاضي عنه!

لماذا على المدير أن ينسى كل ماضي الموظف المشرق عند خطأ عابر، وعلى الموظف أن ينسى لُطف المدير السابق عند أول موقف حزم!

لماذا ينسى الوالدان سنوات ابن في البِر لموقف عقوق واحد، وينسى الأولاد إحسان الدهر من الوالدين للحظة ضعف إنساني واحد!

احفظوا لكل أَحدٍ “بدره” ولا تمحوا كل المعروف بموقف واحد!

معجزة العطف: ماذا تعلمت من شباب فلسطين والعالم العربي؟

 معجزة العطف: ماذا تعلمت من شباب فلسطين والعالم العربي؟

كاتب ومراسل عسكري أميركي
مدير مكتب نيويورك تايمز في الشرق الأوسط سابق



كنت أدرس اللغة العربية أربع ساعات يوميًا، خمسة أيام في الأسبوع، مع أستاذي الفلسطيني عمر عثمان في القدس. 

كنا نلتقي في منزلي على جبل المشارف المطل على البلدة القديمة كل صباح. 

كان يأتي بكتبه وشيء من حديقته، زيتون أو خوخ أو مشمش أو كيس من الفستق الحلبي الذي كان يفك قشره بصبر أثناء عملنا ثم يضعه أمامي. 

يوم مشمش مشمش، كنا نقولها ونحن نأكل مشمشه، وتعني حرفيًا غدًا سيكون غدًا جميلًا و سنأكل المشمش، ولكن نظرًا للمأساة الطويلة التي حلت بالفلسطينيين، تحولت هذه العبارة إلى غدٍ حزين لن يأتي أبدًا.

كان عمر، متعدد اللغات الذي كان يتحدث الألمانية والعبرية والإنجليزية بطلاقة، والذي عمل مدرسًا في بلاط الملك حسين في الأردن، مصممًا على أن أتعلم ليس فقط اللغة العربية، بل أيضًا آداب ورسميات المجتمع الفلسطيني. 

كان يلقنني ما يجب أن أقوله عندما يقدم لي أحدهم الطعام: “سلام عليك، بارك الله فيك”، أو عندما تدخل امرأة إلى الغرفة: – “نورت البيت – أنت تضيء البيت” أو عندما يحضر لي أحدهم فنجانًا صغيرًا من القهوة العربية السميكة والسكرية: “بعيدًا دايم” عبارة كانت تعني ليتنا نشرب القهوة معًا دائمًا في مناسبة كهذه.

في مارس من عام 1991 كنت في البصرة بالعراق كمراسل لصحيفة نيويورك تايمز. 

كنت قد دخلت الكويت مع قوات المارينز ثم تركتهم لتغطية القتال في البصرة. 

تم أسري من قبل الحرس الجمهوري العراقي، الذين كانوا قد مزقوا الرقع المميزة لهم من زيهم العسكري حتى لا يتم التعرف عليهم مع نظام صدام حسين. 

كنت أتعامل بأدب شديد، بسبب عمر، مع المحققين الذين كانوا يستجوبونني وسرعان ماتبادلت أطراف الحديث مع حراسي. 

جعلتني براعتي في اللغة العربية إنسانًا، وعندما لم يكن لديّ ما أقوله كنت ألقي النكات الطويلة التي علمني إياها عمر ربما كانت لهجتي العربية هي السبب في ذلك، لكن حراسي وجدوا هذه النكات مسلية للغاية.

قضيت أسبوعًا كسجين، كنت أنام وآكل مع الجنود العراقيين، وكوّنت صداقات مع بعضهم، بما في ذلك الرائد الذي كان يقود الوحدة، وكانت هناك لحظات عديدة عندما كنت محاصرًا في قتال عنيف مع المتمردين، كانوا يحمونني ويحمونني ، كنت أسمعهم يتهامسون في الليل حول ما سيحدث لي عندما يتم تسليمي إلى الشرطة السرية أو المخابرات، وهو أمر كنا نعلم أنا وهم أنه لا مفر منه ونخشاه.

جاء ذلك اليوم؛ تم نقلي على متن طائرة مروحية إلى بغداد وتسليمي إلى المخابرات، التي ذكرتني عيونها الميتة وسلوكها البارد بالشرطة السرية في ألمانيا الشرقية. لم يكن هناك مزاح، تم تعذيبي ودُفِعتُ بالقوة إلى غرفة وتركوني هناك دون طعام أو ماء لمدة 24 ساعة.

استيقظت في اليوم التالي على صوت الأذان الخافت، الأذان مع أول ضوء شاحب يتسلل إلى المدينة. 

“الله أكبر. لا إله إلا الله، محمد رسول الله”. 

ذهبتُ إلى النافذة ورأيتُ الحراس المدججين بالسلاح في الفناء السفلي. لم أكن أعرف ما إذا كنت سأعيش أو أموت.
عند الفجر، كانت النساء وغالبًا الأطفال يصعدون إلى الأفران المسطحة في بغداد ليخبزوا الخبز في أفران الطين المدورة، كنت أشعر بالجوع، ناديت بالعربية على هؤلاء النساء “أنا صحفي أمريكي. أناأسير. لم آكل”. 

ناولت إحدى الأمهات خبزًا طازجًا لابنها الصغير الذي هرع عبر الأسطح لإطعامي، بعد ساعات قليلة، تم تسليمي إلى اللجنة الدولية للصليب الأحمر وتم نقلي إلى الأردن حيث الحرية.

أين هم الآن؟ 

هؤلاء الرجال والنساء الذين أظهروا لي مثل هذا التعاطف، وتجاهلوا الدور الذي لعبه بلدي في اضطهادهم، ليروني واحداً منهم؟ 

 كيف يمكنني أن أكرر هذا التضامن والتعاطف؟ 

 كيف يمكنني أن أعيش لأكون مثلهم؟  

أنا مدين لعمر، أنا مدين لكل هؤلاء الناس، الذين لم أكن أعرف بعضهم، بمعجزة العطف الإنساني، وبحياتي.

نحو مشروع جامع ..لأهل السنةوالجماعة [١]

 نحو مشروع جامع ..لأهل السنةوالجماعة [١]

د.عبد للعزيزكامل


انتهت - إلى حين - المواجهة بين قوى الشر الشرقية والغربية وذيولها، بنوع من التعادل المحسوب بينها .. فما حدث خلال حرب الأسبوعين؛ كان جولة في معركة..أو معركة في حرب..او حربا زمنية وقتية، ضمن صراع مصيري مزمن، بين مشاريع معادية لنا ومتداعية علينا، وإلا ..فإن غالب أسباب صدام تلك المشروعات القادمة لا تزال قائمة..
●.. لم ينتصر كيان العدوان، ولم تنهزم إيران، وإنما أنهك الله كلا منهما بالآخر إلى حين.. ولايزال كل منهما يتربص بالآخر.. أيهما يقتنص أكثر من فرائسنا .. ويحوز النصيب الأكبر من قصعتنا..قبل أن يقدم تنين الصين فيطرد الفريقين..
فالتربص سيد الموقف، وكأن الأمريكان كانوا يختبرون مسرح الأحداث الصغرى، لأحداث قادمة كبرى..!
●.. ولأن الصراع سيمتد ويطول بين أجنحة الشر في المشروعات المعادية شرقية كانت أو وغربية؛ فلا ينبغي أن تظل مواقف أمة الإسلام تجاهها متمادية في السلبية، فذاك الصراع بين الشركاء المتشاكسين عرفته أمتنا في الماضي، وعاشته أجيال منها في الحاضر، وستحيا أجيال معه في المستقبل غير البعيد، ولذا لا يليق بخير أمة أن تظل وحدها واقفة في موقع المتفرجين على عراك المعادين المتعادين على أرضها، طمعا في إذلالها واستغلال خيراتها..
● .. لابد أن تكون أمتنا طرفا في إدارة صراع المشاريع حولها .. بمشروع يخصها وحدها، ضد خصومها الذين يخصونها بخطط عداء قريبة ومتوسطة وبعيدة، تستهدف هويتها و عقيدتها وشريعتها وحضارتها وأصل وجودها..
وإن تكتل الأعداء رغم عداوتهم لنا.. ليستدعي ويستوجب - وفق الشرع والعقل - أن نصحح وجهتنا المنهجية، ونوحد مرجعيتنا العلمية، ونرتب صفوفنا وفق فقه الوفاق الذي كاد غيابه يغيبنا عن النظر في حاضرنا ومستقبل أجيالنا..
●.. والله تعالى يقول : { وَالَّذِينَ كَفَرُوا بَعْضُهُمْ أَوْلِيَاءُ بَعْضٍ ۚ إِلَّا تَفْعَلُوهُ تَكُن فِتْنَةٌ فِي الْأَرْضِ وَفَسَادٌ كَبِيرٌ } ( الأنفال/٧٣)
إن هذا لهو جوهر الصراع القادم تجاههنا من المشاريع المتصارعة حولنا، حيث إننا -أهل السنة - وحدنا دون غيرنا؛ لا مشروع لنا جامع منذ إسقاط كياننا الجامع ، قبل مائة عام ..!
وحول هذا المشروع المرجو..سيكون لنا لقاء تلو لقاء..ان شاءالله..
فإلى لقاء آخر ..بإذن الله.

إلى آخر جنديّ في جيش النبيّ!

 إلى آخر جنديّ في جيش النبيّ!

يوسف الدموكي
صحفي، وطالب بقسم التلفزيون والسينما في كلية الإعلام بجامعة مرمرة

وحدك في نفق، أو وحدك في كمين، أو وحدك في جبهة تتحيّن لحظة مناسبة، أو وحدك في خط الدفاع تذود عن عرض البلاد وأهلها، أو وحدك في مواجهة المدفع والبرج والأباتشي والقناصة، أو وحدك حاملا تمرتين وعمرين وحياة ما بين موتين، أو وحدك في مقارعة مارد يقارعك، أو وحدك وحدك مسجى في دمك، مغسلًا في دمع إخوتك، مكفنًا في قماش جعبتك، معطرًا بمسك الآخرة، أو وحدك وحدك في قبضة قاتلك، يأكل لحمك حيا، ويشرب دمك مصفَّى، أو وحدك وحدك في القفز بين جبهتين، وعلى كل شبر حقل ألغام محتمل، تتغير الجبهات والصفات والمهمات، تتبدّل العبارات والحروف والحركات، يستحيل كل شيء ويتحول شيئًا آخر، عدا “وحدك”، هي الثابت الوحيد بين كل هؤلاء.

لا أحد معك سواك، ومن كثرة ما يشبه بعضكم بعضًا، فإن اجتماعكم لا يضيف فردًا إضافيًا، وإنما يضفي روحًا على المجموع في هيئة إنسان واحد، ضخم، هائل، نحيل رغم عملَقته، محدود رغم سعة عينيه، مكبل رغم سخاء يديه، وليس من آخر في المكان، المكان كله أنت، والآخر كله من يريد فناءك، من ينشد خلوده على بقايا عظامك، من يظن بقاءه قدرًا محتوما على حِس خيانة الآخرين حولك، ولكن حسبك أن قدميك مغروستان في الأرض، تتبوأ منها شرفًا حيث تشاء، يصيب برحمته من يشاء، ولا يُضيع أجر المحسنين.

لا أحد يعني لا أحد، لا نصير دنيوي، ولا مؤازر إلا من قلة صادقة لا تساوي الكثير في تعداد الغثاء، ولا داعم يقوّي ظهرك مع كثرة الضربات عليه، وتناثر الشظايا فيه، ولا مبايع على الموت إلا من مات رغم أنفه من حيث لم يُرِد، ولا أحد مستمرًا للنهاية، ولكل حجته، ويكفي البعض ما قدم، ولا يكفي البعض أنه أخر ما أخر، فدفعتَ الثمن يا أخي مضاعفًا، وحدك تتكفل بمستحقات كرامة أمة كاملة، أنت الوحيد المليوني تجد نفسك لحظة الدفع مطالبًا بسداد ديون المليار الكثيف، ولا أحد سيدفع حساب أحد، إنما تدفع كل ذلك حسابك وحدك، وكل ما زاد عنه فهي ديون معلقة في رقاب الجميع سواك، وسيسددونها، ولو في الفناء، أو في الخلود، كل حسب موقعه من الخيانة أو الخذلان أو العجز، أو الاستعمال من جديد.

وحدك يابن أمي، تناطح من حاصروك وحدك، وقطعوك عن كل من حولك، ليس بتسييج حدودك، ولا بحبس مياهك، ولا بطعن أراضيك، وإنما بإلجام جمع غفير، بتقييض خفير على كل شعب، يمنعه المناصرة ولو بالهتاف، والخروج ولو إلى مسير، بل ويقمع الحاجين إليك من كل فج عميق، فيوقف رحالهم، ويبدلهم عنهم ترحيلا إلى بلادهم، وكأن لسان حاله يقول: “مفيش حد هيناصر هنا”، لأنهم لا يفهمون ذلك المعنى، ولا يعرفون كيف يطوي الإنسان الأراضين لأن به دمًا يفور.

وحدك يا أخَيَّ، وحسيبك الله، تسوق طوفانا بأكلمه إلى حيث أمره الله، تخيل كيف يروَّض محيطٌ هائج من على متن خشبة عائمة، وتهزم جيشا كاملا مدججا بالسلاح غزاك على متن دباباته وجرافاته وطائراته وبوارجه وغواصاته من على متن قدميك، حافيا تجري، فتجريهم حفاة، يحاصرونك فتحسرهم، ويجتمعون عليك فتفرقهم بقذيفة أشتاتا، كل شلو في زاوية، وكل رفيقين منهما يتبادلان الأيدي والأقدام، وكل كتيبة تجر خلفها ذيول الخيبة، وخردة النيمر والميركافاه.

وحدك يا حبيبي، ولستَ خارقا، ولست أسطورةً، ولسة رواية من خيال، ولكنك معجزة، وثمة فارق كبير بين الأسطورة والمعجزة، فالأولى ينسجها البشر ليركنوا إلى عجزهم، أما الثانية فيصنعها الله لتكون حجةً على ركونهم، وأنت أنت، لكن اختلف الناظرون إليك بين هذا وذاك، بين من يريدك مسلسلا لا ينتهي، وفيلم سهرة يطول، ورواية مسليةً ينتقي بين فصولها، وقائمة واسعة من المشاهد يتفاعل معها دون أن يحرك سوى رسغه يقلّب “الريموت”، وبين من يستشعر أنه خذلك فيكتوي بنار ذلك كل يوم، حتى تستحيل الحرارة في جوفه إلى حركة في عمله، فيبلغك نصره إياك، ويبلغه عفوك عنه، والله من فوق سبع سماوات يعلم المفسد من المصلح، ويعلم المنافق ممن تولى وعيناه تفيض من الدمع.

وحدك وحدك، يأتيك البعض ويخليك البعض، ينضمون دهرا وينفضون دهرا، ووحدك أنت في مكانك، لا تغادر ثغرا ولا تحرك قيد أنملة، ولو أقنعك أي من كان أنه سيتولى الجبهة مكانك، فإنك لا تدعها لأحد، تمضي كأنك آخر جندي في جيش النبي، تذود كأنك لو فنيت فنت الأمة من ورائك، وما يضيرك أن تطلب الأمة فناءها، لكنها أمانة وليتها، وليس يشغلك أن لا يعرف المؤتَمنون ثقَلهم، لكنك تعرف من ائتمنك عليهم، وفي ذلك كفاية.. 
ترى بروحك آخر ثلة تنافح عن دين الله وأرضه وعباده المقهورين، آخر من تبقى بين الخليقة، تزرع الفسيلة في ماسورة بندقيتك، ثم تطلق فتطرح الأرض شهداءً منك، وتتقيأ قتلى من المعتدين، لتواصل نضالك قابضا على الجمر، يمضي العمر ولا تمضي معه، تظل طفلا، تظل شابا، تظل كهلا، تظل شيخًا، تظل صورة، تظل شعارا، تظل عظاما، تظل قبرا، تظل حجرا، تظل سرا، ولا تغادر إلا حين تعود البلاد، حين ستكون إقامتك في قطعة من فلسطين على أرض السماء!