الأربعاء، 28 أكتوبر 2015

خطورة تفريغ سوريا من السوريين

خطورة تفريغ سوريا من السوريين
عامر عبد المنعم

أخطر ما تمر به سوريا هذه الأيام هو عملية الإخلاء الإجباري للسكان وترحيلهم خارج البلاد، وتفكيك الكتلة السكانية التي وقفت عبر التاريخ أمام الغزاة. وللأسف لم تحظ عملية تفريغ سوريا من سكانها المسلمين السنة بالاهتمام الكافي، بل هناك من يساهم في عملية التهجير بدوافع إنسانية دون الوقوف ضد عملية التدمير الممنهج والإبادة اليومية التي تشارك فيها الدول الكبرى لإجبار السوريين على ترك أراضيهم.
طوابير اللاجئين التي انطلقت إلى دول أوربا، وتنتقل من دولة إلى أخرى وسط اهتمام إعلامي كبير تعكس حجم المعاناة الإنسانية، وتوضح كيف تم تدمير مجتمع بسبب استبداد حاكم يريد أن يحكم على جماجم الملايين، وتسانده القوى الدولية وتشارك معه في قتل هذا الشعب، ولكن هروب السوريين من سوريا يبدو أن فيه مصلحة استراتيجية للقوى الدولية الغربية رغم ما بينها من خلافات، فتفريغ سوريا وإخلاء هذه البقعة المهمة من العالم الإسلامي من السكان يحدث لأول مرة وبهذه الطريقة وسط صمت عربي وإسلامي ودولي مريب.
عملية إخلاء سوريا تجري بشكل مخطط ومدروس، وباتفاق المحاور المتنافسة على النفوذ، والطامعة في إعادة تقسيم المنطقة على حساب العرب السنة، وهي أمريكا وحلف الناتو وروسيا, وإيران، فهذه المحاور الثلاثة متورطة في المحرقة السورية، ولكل محور شعاراته ومبرراته، فأمريكا وتحالفها تقتل باسم محاربة "داعش"، وإيران تقتل بدوافع طائفية لإقامة إمبراطورية شيعية فارسية، وروسيا تقتل الآن في مناطق حلفاء الغرب لرسم سوريا العلوية كنقطة ارتكاز في قلب العالم العربي ولتوسيع منطقة نفوذها.
بشار الأسد استخدم عملية تدمير المدن وتهجير سكانها باستخدام البراميل المتفجرة، والدبابات والصواريخ، بدافع انتقامي ضد الشعب الرافض له، مما زاد من عمليات النزوح داخليا وهجرة سكان المدن والقرى المدمرة للخارج، إلا أن حركة إخلاء المدن وخروج اللاجئين كانت تتجه إلى دول الجوار العربي والإسلامي، في تركيا والأردن ولبنان ومصر، ولم يكن هناك دور دولي بارز في تقديم المعونات للاجئين، وكان عبء ذلك يقع على عاتق تركيا والدول العربية.
ما قامت به الولايات المتحدة منذ البداية كان يدور حول عدم حسم القضية السورية ومنع سقوط الأسد، لاستنزاف الطرفين إلى مالا نهاية لما في ذلك من فوائد لمصلحة "إسرائيل" وحافظت أمريكا على استمرار التوزان بين بشار والثوار ومنعت تسليح الجيش الحر والحركات الثورية، وأيضا غضت الطرف عن جرائم بشار وعدم إدانته بشكل حقيقي دوليا، ولكن مع الإعلان عن مواجهة "داعش" تورطت الولايات المتحدة ودول الغرب في القتل والتدمير، وزادت الغارات الجوية للتحالف من دائرة التدمير والذي انعكس على زيادة نسبة النزوح واللجوء.
ومع الانتكاسات التي تعرض لها جيش الأسد والانسحاب نحو الساحل بدأت قوات إيران وحزب الله تعمل على خطة تقسيم سوريا ورسم حدود للدولة العلوية على الساحل وتشمل دمشق وطرطوس واللاذقية، فبدأ التدمير يأخذ شكلا ممنهجا ومدروسا باستهداف المناطق في حلب وفي محيط دمشق لطرد الشعب السوري السني لتفريغ الأرض من أهلها وفرض التقسيم الجديد.
عندما تدخلت روسيا واحتل الجيش الروسي سوريا مارس الروس سياسة التدمير والتهجير بأكثر ضراوة، حيث جرب الجيش الروسي أسلحته الحديثة في تدمير المدن والقرى لتفريغ المنطقة من السنة لتشكيل حدود الدولة العلوية التي تضمن توسيع الوجود العسكري وعدم الاكتفاء بالقاعدة البحرية في طرطوس، لتكون منطقة انطلاق لروسيا الامبراطورية.
الضربات العسكرية لكل هذه الجيوش في سوريا موجهة ضد طرف واحد وهو الشعب السوري السني، فكل الجيوش تقصفه وتسوي المدن والقري بالأرض، ومع زيادة القصف كما وكيفا واتساع دائرة وحجم الدمار انفجرت قضية اللاجئين الذين تدفقوا على أوربا يبحثون عن الملاذات الآمنة وهربا من الموت متعدد الطبقات الذي يلاحقهم في مجمل الأرض السورية.
وجاء التعامل الغربي مع قضية اللاجئين السوريين، والسعي لتوزيعهم بنظام الحصص، ليؤكد رغبة كل الأطراف في إخلاء سوريا، وهذا يؤدي في النهاية ليس فقط لتدمير الشام وإنما لفتح الطريق إلى السعودية ودول الخليج، وليكشف عنها خطوط الحماية من كل الاتجاهات، فقد سبق تدمير العراق الذي يعد البوابة الشرقية للأمة العربية وحائط الصد أمام الفرس وتم تسليمه لإيران والشيعة فأثار الشيعة الفتن في الإقليم كله، وبتفكيك سوريا وإخلائها من سكانها السنة والتأسيس لدولة علوية طائفية يهدم حائط الصد الثاني الذي كان دوما حماية للأمة من الروم الأوربيين والصليبيين.
من المعروف أن نقاط قوة الأمة عسكريا تتركز في 3 مناطق جغرافية هي العراق والشام ومصر، وعبر التاريخ منذ ظهور الإسلام كانت الخلافة متركزة في هذه الدول الثلاث قبل أن تذهب إلى الأتراك العثمانيين عندما ضعف قلب العالم الإسلامي، فالدولة الأموية كانت في الشام ثم جاءت الدولة العباسية في العراق وعندما انهارت أمام التتار انتقلت الخلافة إلى المماليك في مصر، وقوة هذه الدول الثلاث في الكثافة السكانية والعنصر البشري، وهذا ما تعمل القوى المعادية على التخلص منه بالتقسيم والتفتيت واستخدام التدمير كوسيلة للتهجير الإجباري.
إذا تم إخلاء سوريا وتفكيكها وتقسيمها على النحو المراد له ستكون الأمة قد خسرت الحاجز الثاني بعد العراق أمام جيوش يأجوج ومأجوج التي تأتي من كل حدب ينسلون، وستكون مصر هي الهدف الثالث للإجهاز على كل الأمة، ولن تكون هناك دولة قوية بكتلة سكانية كبيرة قادرة على وقف الانهيار واستعادة زمام المبادرة والتصدي لأعداء الأمة، وسيفتح الطريق إلى مكة حيث تطمع شياطين الأرض في الوصول إليها.
ما يحدث في سوريا سيترتب عليه مستقبل الأمة، فهل يدرك صناع القرار في العالم العربي خطورة ما يجري، وهل سيتصرفون ولو لمرة واحدة بشكل صحيح ويساندون السوريين بالسلاح وليس بالكلام فقط، لإنقاذ سوريا ولإنقاذ الأمة وإعادة بناء السد الذي يوقف مصاصي الدماء الذين لا يشبعون، ويحمي الأمة من يأجوج ومأجوج العصر؟

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق