الأحد، 18 أكتوبر 2015

ما رأيك في انتخابات الجيش؟


ما رأيك في انتخابات الجيش؟
  من صور الاستعداد للانتخابات المصرية التي وزعتها القوات المسلحة 

وائل قنديل


لم يخف محافظ القاهرة، وهو يتفقد ما تسمى "لجنة انتخابية" سعادته بكثافة الوجود الأمني، الجيش والشرطة، لكنه لم يبد انزعاجاً كثيراً من شح الحضور الجماهيري.. أيضاً، وقف رئيس أركان حرب القوات المسلحة في لجنة أخرى في صعيد مصر، يزهو بأن 185 ألفاً من الجنود والضباط المدججين بالسلاح حاضرون، لإدارة العملية الانتخابية، فيما غاب المواطنون، أصحاب الشأن الحقيقيون، عن المشهد. منذ صباح يوم أمس، كانت وسائل الإعلام الرسمية تمن على مشاهديها بأنباء تفقد القيادات العسكرية اللجان، والاطمئنان على سير العملية، وتنقل صور جنرالات وجنود يحتلون مراكز الاقتراع، ويقومون بكل شيء من الألف إلى الياء، يوجهون الناخبين، ويراقبونهم، ويبتزونهم بمعركة أكتوبر 1973، ليقولوا لهم إنهم يخوضون حرب انتخابات البرلمان، كما فعلوا قبل 42 عاماً. في أسيوط، أعلن رئيس أركان القوات المسلحة، الفريق محمود حجازي، أنه "تنفيذاً لتوجيهات الرئيس عبدالفتاح السيسي، رئيس الجمهورية القائد الأعلى للقوات المسلحة، فإن 185 ألفاً من رجال القوات المسلحة يشاركون في ما سماه "العرس الديمقراطي" باكتمال مؤسسات الدولة يواكب ذكرى انتصارات أكتوبر".
هل كان الـ 185 ألف عسكري يؤمّنون العرس حقاً، أم يديرون ويتحكمون في كل تفاصيله، من اختيار العروسين، وحتى اغتيار الأغاني والراقصات؟
على مقربة من المكان الذي كان يتحدث فيه صاحب العرس، رئيس الأركان، وعلى مسافة أبعد قليلاً في عمق صعيد مصر، كان المشهد التالي الذي نقلته صحيفة سيسية بامتياز: نشبت مشادة كلامية بين رئيس لجنة انتخابات عزبة دنقل في نجع حمادي ومجند في القوات المسلحة، أدى إلى توقف العمل داخل اللجنة. وقال مصدر أمني إن توقف العمل داخل اللجنة رقم 126، ومقرها الجمعية الزراعية في عزبة دنقل في نجع حمادي، كان بسبب مشادةٍ كلاميةٍ بين رئيس اللجنة ومجند في القوات المسلحة، بسبب رفض المجند فتح الباب بأمر من رئيس اللجنة الذي رد عليه "أنا باخد أوامري من الضابط".
يلخص هذا الخبر القصة كلها: الضابط قبل القاضي، في عمليةٍ من المفترض أنها عرس ديمقراطي لاستكمال بناء دولة مدنية حديثة. 
في الدنيا كلها، لا يمكن أن ترى عسكرياً، أو شرطياً، متحكماً في دقائق الاقتراع على هذا النحو، إلا في مصر وأخواتها من الواقعات بين براثن أنظمة أمنية عسكرية، حيث يمرح حملة الكلاشينكوف داخل اللجان، غير مبالين بالقضاة الذين من المفترض أنهم أصحاب الكلمة الأولى والأخيرة فيها. 
ومن الصعيد إلى القاهرة والإسكندرية، كانت القيادات العسكرية تتفقد وتتابع وتدير وتصرح، وتختار الأغنيات التي تحرك أوساط الناخبات والناخبين، وكما نقلت صحف السيسي، أيضاً، من العجوزة وحلوان والإسكندرية، فإن أسطولاً من السيارات العسكرية تنقل بين اللجان بطول مصر وعرضها، لتوصيل خدمة الرقص إلى مستحقيها، من خلال ميكروفونات عملاقة، تتدفق منها موسيقى "تسلم الأيادي وبشرة خير"، وكما جاء في الخبر الذي نشرته "اليوم السابع" و"بوابة العاصمة" ومواقع أخرى، "طافت سيارات الشرطة العسكرية شوارع العجوزة اليوم الأحد، وشغلت أغاني بشرة خير وسيادة المواطن وذلك لتشجيع المواطنين على النزول والمشاركة في الانتخابات البرلمانية. 
كما قامت قوات الشرطة العسكرية في شوارع وميادين حلوان بثماني مدرعات وعشر سيارات جيب شرطة عسكرية، تصدر منها أغانٍ وطنية وبشرة خير، وذلك لطمأنة سكان حلوان للنزول والمشاركة". حضر الجيش والشرطة، وغاب المدنيون، الناخبون، وجاء الماضي ممثلاً في كبار السن، فيما امتنع المستقبل الذي يمثله الشباب.
ومع ذلك، يصرون على وصفها بالعملية الديمقراطية من أجل بناء المستقبل في دولة مدنية حديثة، إلى آخر هذه المحفوظات التي يرددها الجنرالات، بما يجعلها، في حقيقة الأمر، "انتخابات الجيش" الذي يفاخر قادته دوماً بأنهم مانحو الديمقراطية وواهبوها، تماماً كما أعلنوا، بعد الانتخابات الرئاسية في صيف 2012، وبعد أقل من عام كانوا ينقضون على الديمقراطية ويفترسون وليدها، قبل أن يتهجى الأبجدية، ويتعلم المشي.
غاب الناخبون، وبالأخص الشباب، لأنهم فهموا اللعبة جيداً، وأدركوا أنه لا يمكن لمن قتلوا الديمقراطية بصناديق الذخيرة أن يعيدوها إلى الحياة بصناديق الاقتراع المعسكرة.

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق