الاثنين، 31 أكتوبر 2016

قبل تدمير مصر بشركات المرتزقة

قبل تدمير مصر بشركات المرتزقة

عامر عبد المنعم
في سلوك مفاجئ قررت الحكومة المصرية تسليم مطار شرم الشيخ لشركة فالكون، تمهيدا لتسليم الشركة مطار القاهرة وباقي المطارات، وإبعاد وزارة الداخلية عن ممارسة دورها وطردها خارج حدود المطارات، ويكمل هذا التوجه الجديد ما بدأه مبارك وهو تفكيك الدولة المركزية المصرية وخصخصة كل شيء حتى ولو كان تسليم الأمن الداخلي لشركات أمنية خاصة يمتلكها الأجانب!
شركة فالكون التي استلمت من قبل تأمين الجامعات ومباريات كرة القدم هي إحدى شركات البنك التجاري الدوليCIB  وهو أكبر بنك خاص في مصر، تشارك في ملكية أسهمه شركات أجنبية، ورغم أن الشركة توظف مصريين كحراس وموظفي أمن بعضهم من الشخصيات التي خدمت في الجيش والشرطة فإن الإدارة تنفذ استراتيجية الملاك ولا تخضع لأي توجيه من الحكومة المصرية.
ومن المعروف أن الاستثمارات العابرة للقوميات التي تعمل في مجالات الأمن الخاص تحظى بحماية أمريكية، ورعاية من الأمم المتحدة؛ نظرا للدور المرسوم لها كأداة عسكرية جديدة، لديها قدرة على الحركة والانتشار بدون القيود التي تؤخر حركة الجيوش النظامية، ولذلك لم يكن غريبا أن يعلن البنك التجاري الدولي في التعريف بالشركة أن هيئة الأمم المتحدة اعتمدت  فالكون باعتبارها الشركة الوحيدة التي تقدم خدمات أمنيه في مصر(عام 2009).
المحافظون الجدد
بدأت عملية خصخصة الأمن على أيدي المحافظين الجدد في الولايات المتحدة كاستراتيجية جديدة لأمريكا، للهروب من البيروقراطية التي تحكم البنتاجون لتجاوز القوانين والإجراءات الرسمية التي تعوق عملية الانتشار العسكري السريع للجيش الأمريكي، وعدم انتظار المفاوضات مع الدول الحليفة لأمريكا لإرسال جيوشها إلى مناطق الحروب، وكانت البداية في حرب الخليج 1991 عندما استعان وزير الدفاع الأمريكي الأسبق ديك تشيني بشركة هاليبرتون، ثم بلغت الذروة بعد احتلال العراق في حروب بوش في 2003 على يد وزير الدفاع الأسبق رامسفيلد الذي فتح الباب أمام شركة بلاكووتر التي أحدثت نقلة كبرى في عمل المرتزقة ونشرت قواتها في عدد من الدول. 
استطاع تشيني ورامسفيلد إحداث تغيير جوهري في توظيف المرتزقة لتحقيق الأحلام الإمبراطورية التي ارتبطت بمشروع القرن الأمريكي مع بداية الألفية الثالثة، وأدخلوا شركات الأمن الخاصة كمكون أساسي في العمل العسكري باسم المتعاقدين والمقاولين، وتصاعد منحنى استخدام شركات الأمن الخاصة بسرعة خلال 10 سنوات، فبينما كانت نسبة الأشخاص المتعاقدين إلى العسكريين النظاميين في حرب الخليج 1: 10 ارتفعت بعد غزو العراق لتصبح النسبة 1: 1 بعد أن عين رامسفيلد رؤساء الشركات الأمنية نوابا له في وزارة الدفاع لإحداث التغيير داخل البنتاجون.
الاستراتيجية الجديدة
بالإضافة إلى مساندة الجيش الأمريكي في حروب الولايات المتحدة كان الهدف من الاعتماد على شركات الأمن الخاصة هو تشكيل جيش كوكبي من المرتزقة ونشره في العالم لتنفيذ الاستراتيجية العسكرية للإمبراطورية الأمريكية التي تضعها غرف العمليات السرية، وتم تغيير المسميات لتحسين الصورة فأطلقوا علي المرتزقة شركات الأمن الخاصة والمقاولين والمتعاقدين، وأخيرا وصفوها بأنها تقدم "المساعدات الإنسانية" بعد أن تم استخدامها من قبل المنظمات الدولية مثل الناتو والأمم المتحدة والاتحاد الإفريقي والاتحاد الأوربي.
لقد أصبحت شركات المرتزقة هي الواجهة الجديدة بدلا من الاحتلال العسكري، فالشركات تنشر قواتها لحماية الاستثمارات وحقول البترول والمصالح الغربية في دول العالم دون محاسبة قانونية، فمن يقف خلفها قوى خفية متنفذة تفرض حصانة دولية لهذه الشركات وتمنع صدور أي قوانين تحاسب التابعين لها، ففي أمريكا تصدر المحاكم العقوبات ضد العسكريين الذين يرتكبون مخالفات ولا يمكن محاسبة العاملين في شركات الأمن الخاصة!
الخلفية الدينية
خصخصة الأمن ليست مجرد بيزنس يبحث عن الأرباح؛ وإنما هي تنفيذ لاستراتيجيات وضعتها دوائر صليبية تعمل على تفكيك الجيوش الوطنية والسيطرة الأمنية على المناطق والدول المستهدفة، والسيطرة على الأمن الداخلي فيها بتسليم الشركات الخاصة المهام التي تقوم بها الجيوش النظامية والأجهزة الأمنية الوطنية، ويعد العالم الإسلامي هو الهدف الرئيسي في هذا التخطيط، وقد شرح الكاتب الأمريكي جيرمي سكيل في كتابه " المرتزقة قادمون: بلاكووتر" الخلفية الصليبية لخصخصة الأمن، وأشار إلى التحالف العسكري الذي جمع بين البروتستانت والكاثوليك لمواجهة المد الإسلامي المتصاعد، الذي ينتمي إليه مؤسس بلاكووتر إريك برينس.
 صدرت عن التحالف البروتستانتي الكاثوليكي وثيقة بعنوان "البروتستانت الصليبيون والكاثوليك معا: المهمة المسيحية في الألفية الثالثة"  هذه الوثيقة عبرت عن الرؤية التي أصبحت الدافع الحيوي لاستراتيجية شركة بلاكووتر وهي زواج بين المرجعية التاريخية للكنيسة الكاثوليكية والجاذبية القاعدية للحركة البروتستانتية الصهيونية الصليبية الحديثة في الولايات المتحدة، ودعم من تعاون المحافظين الجدد ذوي الغالبية العلمانية واليهودية.
جاء في الوثيقة التي سرعان ما خدمها ومولها إريك برينس أن  القرن الذي انتهى كان أعظم قرن للتوسع التبشيري في التاريخ المسيحي، وأن هذا التوسع قد مهد الطريق لجهود تبشيرية أعظم في القرن الأول للألفية الثالثة، ودعا الموقعون إلى التوحد بين البروتستانت والكاثوليك في هدف تبشيري مشترك "كي يأتي الناس أجمعون إلى الإيمان بيسوع المسيح كرب ومخلص".
ومن الملفت – كما يقول جيرمي سكيل- أن معظم القيادات التنفيذية في بلاكووتر يتفاخرون بعضويتهم في أخوية فرسان مالطا العسكرية وهي ميليشا مسيحية صليبية تشكلت في القرن الحادي عشر لمحاربة المسلمين، وهي الآن دولة بلا أرض، لها سفارات معترف بها في معظم دول العالم!
خطورة خصخصة الأمن
يؤدي فتح الباب أمام شركات الأمن الخاصة إلى تسليم الدولة للمرتزقة لتخريبها من الداخل، فالدول الاستعمارية تتنافس الآن في تأسيس هذه الشركات بما فيها إسرائيل، لتقوم بأدوار عسكرية في الدول المستهدفة وتحقيق استراتيجيات هذه القوى الدولية على حساب أمن دولنا وشعوبنا، ويمكن تلخيص أهم المخاطر من التسليم بخصخصة الأمن على النحو التالي:
- اختراق الأمن الداخلي للدولة وإنهاء فكرة السيادة والأمن القومي بتسليم الشركات التي يملكها أجانب مهام أجهزة الدولة العسكرية والأمنية.
- طرد الأجهزة الأمنية من مساحات تتسع يوما بعد يوم داخل الوطن، وعودة الامتيازات الأجنبية والمناطق المحمية، المحرمة على الأمن الوطني والمواطنين، كالمنطقة الخضراء في العراق.
- الميليشيا التابعة للشركات أكثر قوة وأفضل تدريبا وتسليحا من الأجهزة الأمنية للدولة وهذا يعطيها وضعا أقوى في التوازنات الداخلية ويفرض نفوذا متناميا للاستثمارات الخارجية والأشخاص المحليين المتعاقدين مع هذه الشركات. 
- الشركات ستفسد الأجهزة الأمنية لما فيها من مزايا وإغراءات ستؤدي إلى تسرب الكفاءات في الدولة، وتفتح أبواب التعاون مع من في الخدمة الرسمية لحجز أماكن لهم في حال خروجهم، بل وفتح أبواب الإغراء بكل الصور لسيطرة الشركات على أجهزة الدولة وإفسادها.
- صناعة امتداد شعبي واختراق قاعدة المجتمع باستغلال حالة البطالة والانهيار الاقتصادي في توظيف جيش ضخم من الشباب الباحث عن العمل وتجنيده.
- ازدواج النظام الأمني، ورجحان النظام الشركاتي الذي تقف خلفه الدول الكبرى.
- إثارة الصراعات الطائفية والسياسية من خلال التعاقدات التي يحكمها الربح والحسابات المرتبطة بأجندات خارجية (في الكونغو تعاقد الرئيس مع شركات مرتزقة فرنسية لتدريب الحرس وتعاقد معارضه مع شركات البيض في جنوب إفريقيا لتدريب مليشياته وتعاقد منافس ثالث مع شركات بلجيكية).
- الشركات غطاء لتجنيد الجواسيس، من خلال توظيف الضباط السابقين في الأجهزة الأمنية والاستفادة مما لديهم من معلومات وتوظيف ما لديهم من خبرات واستثمار علاقاتهم داخل السلطة.
- نفوذ الشركات الأمني يتحول إلى قوة سياسية تعمل لصالح الشخصيات والأحزاب والأعراق المرتبطة بالقوى الخارجية التي تمثلها ( محاولة انقلاب شركة للمرتزقة في غينيا الاستوائية عام 2004 لصالح شركة بريطانية)
- لا تستطيع الدول فرض قوانين تقيد شركات الأمن الخاصة بسبب الحماية الدولية، بل تسهل القوانين عمليات الاستحواذ التي تقوم بها الاستثمارات والشركات الأجنبية وخاصة الصهيونية والصليبية على الشركات التي أسسها آخرون.
- تمهيد الطريق لخطط التقسيم بالاعتماد على الشركات الأمنية في فرض واقع عسكري جديد في المناطق المستهدفة وإدارة عملية التغيير على الأرض بالقوة المسلحة عبر طبيعة الشركة المستخدمة ونوعية أفراد الحراسة المحليين والمرتزقة المستقدمين من دول أخرى.
لا يوجد أي مبرر لفتح الطريق أمام شركات الأمن الخاصة وتمكين الاستثمارات الأجنبية ووكلاء الشركات المتعددة الجنسية من ممارسة دور الدولة، ولا نعرف أي مصلحة في طرد أجهزة الدولة الأمنية لصالح الشركات المرتبطة بالخارج تدريبا وتمويلا وتسليحا وإدارة، ولا نفهم كيف تفكك الدولة نفسها وتسلم أمنها لغرف عمليات سرية لها أجندات معادية لا تخفى عن العقلاء والمخلصين.
إن إدخال شركات الأمن الخاصة في مصر لن يكون أبدا لحفظ الأمن وإنما سيؤدي إلى تفجير الوضع الداخلي؛ فهذه الكيانات تعيش على نشر الخوف وإشعال الحرائق وتنفيذ الاغتيالات وممارسة الإرهاب، وتحرك أدواتها الإعلامية والسياسية للمبالغة في التخويف وافتعال الحروب الأهلية والمعارك لتعمل وتتوسع، وإذا كان هدفها الرئيس هو الربح فإنها في مصر لها أدوار أخرى تعمل على تدمير الدولة المركزية لتفتيتها، ولذلك ستعمل هذه الشركات لاستمرار الصراع الداخلي والإبقاء عليه مشتعلا إلى الأبد وستقاوم أي محاولة لتحقيق الاستقرار لأنهينهي وجودها وينفي الحاجة إليها

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق