الخميس، 20 أكتوبر 2016

ثورة الشك.. والشك في الثورة


ثورة الشك.. والشك في الثورة
                              بورسعيد تغضب                                  

وائل قنديل
اسأل نفسك: هل الوضع الكارثي المطبق على مصر يكفي لصناعة حالة غضب، تدفع قطاعات من الشعب إلى الانفجار؟
سؤال آخر: هل ترى في ما جرى في مدينة بورسعيد، من تظاهراتٍ حاشدة، قبل يومين، ملامح ثورة شعبيةٍ على مظالم اجتماعية، وفساد إداري، وسياسي؟
إذا كان ذلك كذلك، فلماذا تنظر باشمئناط، واستعلاء إلى تلك الدعوة التي تنمو وتنتشر، محفزة الجماهير للتظاهر في الحادي عشر من الشهر المقبل؟
  يأتيك الرد بأنها دعوةٌ مجهولة، أو أنها لم تسقط من عند سكان  "الثورة هايتس"، أي لا يتبناها، أو يتحدّث باسمها، "الثوار". 

هذه المفردة التي باتت تبعث على السخرية، كونها تحوّل الثورة من صيرورة شعبية ديناميكية، إلى حالة ثبات، أو تجمد استاتيكي مقدس، وبالتالي، فالثوار هم، فقط، الذين لمعوا كالنجوم في سماء يناير/ كانون الثاني 2011، ولم يأت أحد بعدهم، كأنهم "الأسباط" والرسل في القصص المقدس.

تعلم جيداً أن من هؤلاء من استقرّ به المقام ماسح أحذية في بلاط الحكم العسكري، ومنهم من انتهى به الحال خادماً ليلياً في الوكر التشريعي لسلطات الانقلاب، فيما بقي آخرون قابضين على جمر يناير، لكنهم بلغوا من اليأس عتياً، بالإضافة إلى "ينايريين بالوراثة" يعتقدون ألا ثورة إلا ما يصدر عنهم، وفي التوقيتات التي يختارونها، ويجلسون في وضعية المشاهد.

حسناً، يمكن لمن اختاروا هذه الوضعية أن يكتفوا بالفرجة فقط، ويتركوا هؤلاء المجانين الغلابة يجرّبون اختيارهم، ويكفّوا ألسنتهم عنهم، بدلاً من التجديف في اتجاه أنها دعوةٌ أمنيةٌ مخابراتية..
 إلى آخر هذه القائمة من الحجج التي تجعل من القعود فضيلةً، والمحاولة جنوناً وتهوراً.

شيء من هذا جرى في مناسباتٍ عديدةٍ منذ وقوع الانقلاب، فكانت السخرية والشماتة في المجموعات التي اختارت الصمود، عقب مجزرتي رابعة العدوية والنهضة، وتوابعهما من مجازر مختلفة الأحجام، فلم تتوقف العبارات المغلّفة بالازدراء والاستعلاء، وتحطيم المعنويات، حتى وجد المتظاهرون أنفسهم بمواجهة سلطةٍ قمعيةٍ دموية، فيما تكوي ظهورهم سياط السخرية والتشفّي ممن اختاروا القعود.

وفي ذكرى الخامس والعشرين من يناير، هذا العام، كان المشهد مشابهاً تماما لما يجري الآن، حيث التثبيط والتحبيط والتشكيك، وقلت وقتها إن الذين يلحّون، طوال الوقت، على أنهم في بيوتهم قاعدون، يتناولون "الفيشار"، ويتفرّجون على التظاهرات، يسيئون لأنفسهم ولتاريخهم، قبل أن يسفهوا من فكرة الخروج ضد السلطة، في ظل انعدام توازن القوى، أو غياب فرص النجاح في إحداث تغييرٍ كبيرٍ في معادلة الحراك.

وأكرّر أن الإصرار على تثبيت فكرة أن الثورة بلغت سن اليأس، واستراحت على أريكة العقم، وغطت في سبات اللاجدوى من التظاهر، وحرّي بها أن تتشح بالسواد، معلنة ثالوث الإحباط الكريه: لا فائدة.. لا أمل.. لا مستقبل، هو بحد ذاته مشاركة في الحرب النفسية على الذين ينحتون في الصخر، ويتشبثون باختيار المقاومة، من دون مللٍ أو كللٍ، غير ناظرين إلى النتائج، تأتي مهرولةً، والثمار تتساقط في التو واللحظة.

ومن العبث أن تترجم حالة الهستريا المتصاعدة في إعلام السلطة ضد هذه الدعوة إلى اعتبارها خدعةً سلطوية، وصناعةً مخابراتية، فالحاصل أن مثل هذه الهستريا، بل أشدّ منها، كانت مصاحبةً لفعاليات وأحداث أقل حجماً وأضيق نطاقاً، إذ يعيش النظام في خوفٍ مقيمٍ منذ استيلائه على الحكم بالقوة، إلى الحد الذي يعتبر معه أغنية لفريق "أطفال الشوارع" تقويضاً لنظام الحكم وهدماً لمقوّمات الدولة، ويجيّش الجيوش لمحاربة سائق التوك توك البليغ، وذلك الصعيدي الفصيح الذي انتشرت كلماته على مواقع التواصل الاجتماعي بسرعة البرق.
النظام الذي اعتبر نفسه في حربٍ مع فتاة صغيرة (إسراء الطويل)، ويسجن أطفالاً في عمر الزهور، من الطبيعي أن يرتعد وتنتابه لوثةٌ أمام دعوة للخروج ضده، حتى وإن كانت غامضة المصدر، بل أن هذا الغموض هو ما يفاقم حالة الفزع مما هو آتٍ.

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق