الثلاثاء، 7 يناير 2025

هل يتعظ الأمريكيون من طرد فرنسا من إفريقيا؟

 

هل يتعظ الأمريكيون من طرد فرنسا من إفريقيا؟


رغم زلزال الثورة السورية يواصل الأمريكيون السير ضد رياح التغيير، ويصرون على الاستمرار في احتلال الشرق السوري، والإبقاء على قاعدة التنف العسكرية بالجنوب على الحدود مع الأردن والعراق، ويتجاهلون التحولات السياسية واتساع موجة الرفض للاحتلال الأجنبي بكل أشكاله المعلن والمستتر، ولا يبالي الأمريكيون بالصورة السلبية التي يظهرون بها كسارقين للنفط السوري ويدعمون مرتزقة من الأكراد يمارسون الإرهاب ضد السوريين.

لا يكتفي الأمريكيون باحتلال شرق الفرات؛ وإنما تشجع إدارة بايدن الاحتلال الإسرائيلي للتوغل في الأراضي السورية، لتطويق سوريا التي لم تتعاف بعد من الشرق والجنوب في عدوان صريح على القانون الدولي، لكن يبدو أن الأمريكيين لم يستوعبوا الدروس، ونسوا تجاربهم القريبة وفشلهم في احتلال العراق وهروبهم المذل من أفغانستان.

يبرر الأمريكيون وجودهم في سوريا بمحاربة الإرهاب والقضاء على تنظيم الدولة، ويبثون كل فترة وأخرى لقطات مصورة للقصف الجوي لأهداف مدنية يزعمون أنها للإرهابيين، معظمها في مناطق نائية بالبادية السورية، وهي تماثل الهجمات التي نفذوها من قبل في باكستان واليمن وفضح حقيقتها ضباط أمريكيون وقادة في البنتاغون خلال فترة حكم أوباما.

الأمريكيون يكررون في سوريا ذات الادعاءات التي رددها الفرنسيون في إفريقيا وثبت عدم صحتها؛ فالشعوب الإفريقية كشفت الخدعة، وتبين أن الإرهاب صناعة غربية، وهي ملازمة لوجود الاحتلال أينما وجد، فحيثما جاء الاحتلال ظهر الإرهاب، وإذا لم يجد المحتل شماعة الإرهاب يركز على صناعة طرفين: الحكم والمعارضة، وإشعال الصراع بينهما دون تمكين أحدهما من الآخر، ليكون كلاهما أداة للضغط والاستنزاف، ولكن مع ثورة المعلومات تعلمت الشعوب من أخطائها وعرفت طريقها للتحرر والاستقلال.

رسالة إفريقيا: لا مستقبل للهيمنة الغربية

لم يعد أمام الهيمنة الغربية في العالم الإسلامي الكثير من الوقت، فروح التحرر والرغبة في الاستقلال تحاصر ما تبقى من توابع الاحتلال الاستعماري؛ فقبل رحيل العام الميلادي الجديد أعلنت كل من تشاد وساحل العاج والسنغال طرد الجيش الفرنسي، وتقرر أن يكون العام 2025 هو نهاية حقبة الاحتلال الأجنبي ونهب الثروات، وتأتي هذه الخطوة بعد طرد الفرنسيين من مالي وبوركينا فاسو والنيجر، مما يؤكد أن الشعوب أقوى من جيوش المحتل.

التخلص من الوجود العسكري الفرنسي لم يكن سهلا إلا بعد تصاعد موجة الغضب ضد الاحتلال وحصار النخب التابعة للفرنسيين، وتشجيع الانقلابات العسكرية التي تجاوبت مع المطالب الشعبية، وقررت انتزاع السيادة ووضع نهاية للوجود الأجنبي، وكانت البداية من مالي عام 2021 التي قررت المواجهة، وانضمت إليها بوركينا فاسو في 2022 ثم النيجر في 2023، وكان للقادة  الشجعان لهذه الدول الثلاث الفضل في كسر ظهر فرنسا.

وقفت فرنسا عاجزة أمام التحالف الثلاثي “كونفدرالية دول الساحل” الذي أسسه قائد مالي عاصيمي غويتا وزعيم بوركينا فاسو الشاب إبراهيم تراوري ورئيس النيجر عبد الرحمن تياني، فالقادة الثلاث كانوا يعلمون أنهم لن يستطيعوا مواجهة فرنسا منفردين؛ ولهذا قرروا الاتحاد ووقعوا اتفاقيات للدفاع المشترك، وطوروا جيوشهم بشراء السلاح الروسي والتركي، مما أفشل خطط الغزو العسكري التي أعدتها فرنسا باستخدام جيوش إفريقية.

عندما فشلت حكومة ماكرون في هزيمة التمرد المتسارع في غرب إفريقيا، ولم تفلح محاولاتها في توجيه ضربة عسكرية واضطرت صاغرة ذليلة لسحب قواتها، تجرأت باقي الدول وانتصرت على الخوف وأعلنت قرارات الاستقلال والتحرر، وإعلان نهاية اتفاقات التعاون العسكري والتخلص من القواعد الفرنسية التي ترهب الحكومات وتفرض عليها سياسات الهيمنة الاستعمارية.


تشاد: انتزاع الاستقلال واسترداد السيادة

لم يتوقع الفرنسيون القرار الذي أصدره الرئيس التشادي محمد إدريس ديبي في  28 نوفمبر/تشرين الثاني بإنهاء اتفاقية الدفاع المشترك مع فرنسا، وأمهلهم حتى آخر يناير لخروج آخر جندي فرنسي؛ فالقرار المفاجيء صدر أثناء زيارة وزير الخارجية الفرنسي جان نويل بارو للعاصمة التشادية إنجامينا، وحاول الفرنسيون التمديد حتى آخر مارس لكن ديبي رفض.

ظن الرئيس الفرنسي ماكرون أن بقاء تشاد تحت المظلة الفرنسية مضمونا، وقد شارك بنفسه في تنصيب محمد ديبي بعد اغتيال والده إدريس عام 2021، لكن الاحتجاجات الطلابية ورفض الجمعيات الأهلية والفعاليات الشعبية وإجماع النخبة التشادية على التخلص من الاحتلال كانت دافعا لقرار طرد الفرنسيين، خاصة بعد فوز الرئيس الجديد بالانتخابات والحصول على الشرعية وانتهاء الفترة الانتقالية.

يعد قرار تشاد بتفكيك القواعد الفرنسية نقطة تحول كبرى في القارة الإفريقية، فهذه الدولة العربية سيطرت عليها فرنسا منذ أواخر القرن التاسع عشر، وحاربت الإسلام فيها، وألغت اللغة العربية وجعلت الفرنسية لغتها الرسمية، ومنعت  فرنسا انضمام تشاد للجامعة العربية، وأخضع الجيش الفرنسي التشاديين بالقتل والإبادة طوال القرن الماضي، ومن أشهر المذابح التي لم ينسها التشاديون “مذبحة كبكب” عام 1917 التي قتل فيها أكثر من 400 من علماء الدين والزعماء المحليين الرافضين للاحتلال حيث تم ذبحهم جميعا وقطع رءوسهم بالسواطير!


ساحل العاج والسنغال: حكام مدنيون ينتزعون استقلالهم

لم يكن أحد يتوقع أن ينضم الحسن واتارا رئيس ساحل العاج للمطالبين بطرد الجيش الفرنسي، ففرنسا هي التي تدخلت من قبل لتنصيبه بالقوة، واعتقل الجيش الفرنسي منافسه غباغبو في 2011 الذي أعلن البرلمان فوزه في الانتخابات، لكن يبدو أن رغبة واتارا في الترشح لفترة رابعة اضطره للتجاوب مع المطلب الشعبي الذي أصبح واقعا لا يمكن تجاهله؛ لتجنب الانقلاب العسكري عليه، ولحرمان المرشح المنافس من الورقة التي قد توصله إلى كرسي الحكم.

أما في السنغال التي حدث التغيير فيها بالصندوق الانتخابي في مارس الماضي فقد صرح الرئيس المنتخب بشير جوماي فاي بأن عام 2025 سيشهد نهاية كل الوجود العسكري الأجنبي في الدولة، وأعلن ذلك في خطاب ألقاه يوم الثلاثاء 31 ديسمبر/كانون الأول. وقال فاي: “لقد وجهت وزير القوات المسلحة بإعادة عقيدة جديدة للتعاون في مجال الدفاع والأمن، تتضمن إنهاء كل الوجود العسكري الأجنبي”.

ورغم أن قادة السنغال الجدد انتخبهم الشعب لموقفهم المعلن ضد فرنسا فإن عملية التخلص من الفرنسيين تأخرت بسبب النخب الموالية –خاصة في الجيش- التي مازالت تحتفظ ببعض النفوذ ويحركها الفرنسيون، وتعرقل القطيعة الكاملة التي تضر بمصالحهم، لكن الضغط الشعبي يحاصرهم ويجعل التحرر من فرنسا أمرا لا مفر منه، خاصة أن السنغاليين لم ينسوا المذابح التي ارتكبها الفرنسيون، ومنها مذبحة تياروي عام 1944 التي قتل فيها الفرنسيون المئات من الجنود السنغاليين والأفارقة الذين شاركوا في الدفاع عن فرنسا في الحرب العالمية الثانية بسبب مطالباتهم بأجورهم!

الغريب أنه في الوقت الذي يتخلص فيه الأفارقة من الهيمنة الغربية ويتبنون القرارات الخشنة لطرد الفرنسيين ومن جاء معهم من جيوش الأمريكيين والأوربيين ما زالت حكومات معظم الدول العربية غارقة في التبعية.

التحولات الجارية التي نرى مقدماتها في إفريقيا -ستصل قريبا للعالم العربي- تؤكد أن الشعوب لن ترضى بالعودة إلى الوراء، وترفض البقاء في عبودية الهيمنة التي تحمي إبادة الفلسطينيين في غزة، وتعطي الاحتلال الإسرائيلي سلطة ضرب أي دولة عربية بمزاعم الدفاع عن النفس!


ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق