الخميس، 2 يناير 2025

سوريا ساحة اختبار ديمقراطي

 سوريا ساحة اختبار ديمقراطي





سوريا تعيد طرح السؤال المعضلة، لماذا لم يندثر الإسلام السياسي؟ فنحن نراه واقفا على أبواب حكم سوريا بعد أن ظن العالم أن مجزرة حماة 1982 ومجازر الثورة السورية قد قضت عليه. لقد قضت المجازر على مرتكبيها وبقي الضحايا بل عادوا أقوياء. يمتد هذا السؤال ليشمل مصر وتونس وكل الرقعة العربية حتى بلاد شنقيط. إنه سؤال يتجاوز الإجرائي إلى الفلسفي.

لقد عشنا تحت حكم القوميين العرب حتى رأيناهم يندثرون ملطخي الأيدي بدماء شعوبهم. وعشنا تحت حكم الليبراليين العرب (وهو تعبير مجازي توصيفي فقط) ورأيناهم يفشلون في بناء دول متقدمة وقوية. وقد اشترك القوميون والليبراليون واليسار متعلق بأذيالهم تعلق القراد بذيل دابة في مذابح ممنهجة تخصصت في قتل الإسلاميين وبقي الإسلاميون والعالم يفاوضهم مباشرة أو من وراء ستار. وهنا يلح السؤال عن القوة الكامنة فيهم.


الدولة المستحيلة.

لقد قرأنا كتاب وائل حلاق (الدولة المستحيلة 2011) ووجدنا أنه يستعمل مستقبلا لم يتحقق فيبني عليه خلاصات الحاضر، فيجزم أن لن يبني الإسلاميون دولتهم الإسلامية لأن الدولة الحديثة لا تقوم على الحنين إلى الماضي الجميل بل على مقتضيات الحداثة السياسية الغربية التي وضعت أسس الدولة الحديثة وحولتها إلى حتمية ومصير، والإسلاميون يرفضون ذلك في أطروحاتهم عائدين فقط إلى ماضي الدولة الإسلامية. لكن الكتاب بنى على فرضية أن حكم الإسلاميين قد قام فعلا وأثبت فشله فهل حكم الإسلاميون فعلا؟

السؤال يستدعي مقارنة ضرورية بين حكم الأنظمة القومية (مصر والعراق وسوريا وليبيا وحتى اليمن والجزائر) وبين تجارب حكم الإسلاميين. لا مجال للمقارنة من حيث طول مدة الحكم وتملك وسائله. إنها مقارنة جائرة لا تسمح بخلاصة علمية موضوعية. هنا يُطرح سؤال جدالي آخر هل أن بقاء الإسلاميين في المشهد ناتج عن أن تجارب الحكم لم تأكل من أرصدتهم فظلوا يعودون مع كل (تنفيسة) حرية؟ وبالتالي فإنهم مهددون بالاندثار بمجرد ممارسة الحكم ليلتحقوا بالقوميين العرب؟ إن الإجابة بنعم توقعنا في خلاصات وائل حلاق، أي استدعاء المستقبل الذي لم يتحقق للحكم به على حاضر متحرك. إن القليل من الموضوعية يقتضي أن نجرب الإسلاميين قبل كتابة خلاصات يقينية عن فشلهم. وهي التجربة التي لم يسمح لها بالتحقق حتى الآن لذلك فإن المصادرات على المستقبل تبدو لنا أيديولوجية وإن تخفت بلباس الاستشراف المعرفي.


من يعادي الإسلاميين؟

معطى تاريخي لا يمكن إنكاره. لقد التقت مصالح الأنظمة العربية والقومية في مقدمتها مع مصالح الغرب في نقطة مركزية هي محاربة الإسلاميين ومنعهم من المشاركة في إدارة بلدانهم. وقد حظيت الأنظمة بكل الدعم المالي والسياسي رغم فضائح الفساد والإجرام وصناعة الإرهاب ورعايته، كما يتبين لنا بعد سقوط نظام البعث. لقد كان إقصاء الإسلاميين مطلبا غربيا وليس مطلبا شعبيا عربيا لبته الأنظمة بحماس عجيب وهذا زاد في أرصدة الإسلاميين بقدر ما زاد في معاناتهم ومنحهم وضع الضحية. فهم في الذاكرة الجماعية حركة تحرر وطني، وهذا يُذكر بميلادهم الأول في مصر كما يُذكر أيضا بالثورة الإيرانية (إسلام سياسي شيعي) وبحماس الإسلاميين لها دون القوميين العرب حتى تحولت إلى دولة عرقية وطائفية فصادقها القوميون وحاربوا بها الإسلاميين. لقد ولدوا كحركة تحرر وطني ولأن التحرر لم ينجز بعد فإن وجودهم الحالي يستمد منه قوة بعد، رغم أن خطابهم السياسي لا يوضح هذا المفصل المهم في وجودهم.

لقد صوت لهم الناس (من غير المنتمين لهم) كلما أتيحت فرصة انتخابات ونعتقد جازمين أن الناس كانت تربط بين التنمية والتحرر بلا لغو نخبوي. وقد فشلوا في تحقيق هذا المطلب الشعبي. فضعفت أرصدتهم لكنهم لم يندثروا لأن جزءا من فشلهم لم يكن من تقصير أو جهل (ولهم منه الكثير وإن أنكروه) بل من عداء وتخريب خارجي حيث عادت الأنظمة إلى لقاء المصالح مع الغرب في تخريب الديمقراطية المفضية إلى مشاركة الإسلاميين وهذا أعاد للإسلاميين الكثير من الأرصدة. (وجب التذكير أن العداء الغربي يشمل كل ذي نفس وطني تحرري من مصدق إيران إلى لوممبا الإفريقي لذلك فهؤلاء رموز لكل ذاكرة تحرر).


الساحة العربية مفتوحة لاختبار تاريخي

نجاح الثورة السورية وظهور الإسلاميين في المشهد من جديد، أعاد وضع الساحات السياسية العربية أمام اختبار تاريخي من جهتين: أولا، اختبار الإسلاميين في الحكم فعلا لا قولا. وثانيا، اختبار قبول النخب غير الإسلامية في تحمل الديمقراطية بما تعنيه من مشاركة الإسلاميين في حكم بلدانهم. نتائج هذه الاختبارات هي المستقبل الذي قد يؤكد استشرافات وائل حلاق أو ينفيها.

في الطريق إلى الديمقراطية سقط القوميون العرب نهائيا، وسيبقى لهم حق اللطم في الحانات. وقد سقط اليسار قبلهم فتحول إلى مخبرين. وسيقيس صندوق الانتخاب مهما تأخر زمنه حجم كل مكون في كل مشهد. بقي لنا الآن مشهد به تيارات إسلامية وبه نخب ديمقراطية من غير اليسار ومن غير القوميين. وتسلط عليه كل الأضواء وتمارس عليه كل أنواع الضغوط الخارجية. هنا فقط سنعثر على جواب سؤالنا عن سر بقاء الإسلاميين وسنجزم بإجابة ولو بعد حين.

مازال خطاب الهوية أي من نحن؟ وبالتدقيق من نحن إزاء الغرب؟ يجلب أنصارا كثرا لشعوب معذبة بهويتها وقد فشل القوميون والليبراليون في الإجابة عليه (وهو لم يكن أبدا شاغلا يساريا). لكن سؤال الهوية الثقافية معزولا لا يملأ جيوب الناس بالمال.

في الإسلاميين تيارات التقت تحت مظلة واسعة (الإسلام دون تفصيل) لذلك نراها غير منسجمة حول المستقبل.

التيارات التي تجذب نحو غطاء رأس المرأة في الشارع (المطوعة البائسة) ليست في وارد تحقيق التحرر السياسي والاقتصادي وهو في تقديرنا قوة جذب إلى الوراء ونظنها غالبة على الكتلة الإسلامية في كل قطر عربي. أما التيارات التي ستضع تحقيق الحريات الفردية والقبول بالتنوع الثقافي والسياسي باعتباره قاعدة تحرر شاملة فهي المؤهلة للقيادة ونراها أقلية. هذا الاختبار الحقيقي لمستقبل الإسلاميين. من ينتصر منهم داخل الطيف الإسلامي الواسع سيحدد مستقبل الإسلاميين.

والوجه الثاني للاختبار هو اختبار صبر النخب الوطنية (المسلمة هوية) غير الإسلامية (سياسة) على تحمل العمل مع الإسلاميين في إدارة شؤون بلدانهم بحسب أحكام صندوق انتخابي. تجربة الربيع العربي القصيرة الأمد كشفت أن هذه النخب بها عجز فكري أيضا فهي تظن بنفسها الكمال الديمقراطي وقد منت على الإسلاميين وعاملتهم بتفضل المالك على الضيف، دون أن تكون لها أرصدة نضالية تعادل أرصدتهم. وقد رفضت أن تنقد نفسها في تفضلها. لقد عاملت الإسلاميين كقوة انتخابية عليها واجب التصويت وليس لها حق الحكم.

من هذه الزاوية فإن نجاح الإسلاميين سيكون بسبب قوة فعلية فيهم (تفسر عدم اندثارهم رغم المذابح) وبسبب قبول الآخرين لهم (تفسر الاستعداد الجماعي لبناء الديمقراطية). بما ينهي طرح السؤال إلى الأبد.

سوريا الثائرة على أبواب فتح قاعة الامتحانات للإسلاميين وللنخب مع جرعة سورية زائدة من التنوع المذهبي والإثني والطائفي تجعل الاختبار صعبا. فإما تحقيق التعايش الديمقراطي بدءا من سوريا إلى بقية العرب أو إعادة إنتاج الفشل. ثلاثة أسابيع مبشرة في سوريا لننتظر قليلا فالتاريخ الأستاذ لم يلق سؤال الامتحان بعد.

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق