الحرية للأسير العربي
وائل قنديل
لليوم الثامن لا تزال السلطات اللبنانية تحتفظ بالشاعر المصري (المعارض)، عبد الرحمن يوسف القرضاوي، معتقلاً من دون أن تتّخذ قراراً بشأنه، وسط تصاعد مخاوف عديدة من رضوخ الحكومة اللبنانية لرغبة إماراتية في الحصول عليه، صيداً ثميناً موضوعاً في لائحة الانتقام، عقاباً له على قصائد شعرية ضدّ الطغيان والتطبيع.
لا يعدم لبنان انشغالاتٍ بقضايا أخطر وأكثر أهميةً بكثير من قضية اصطياد شاعر مصري يحمل الجنسية التركية، والمقايضة عليه أمام مطالبة إماراتية تلحّ في طلب رأسه، التحقت بها مطالبةٌ مصريةٌ بتسليمه، ظهرت بعد أن بدا لوهلة أن الطلب الإماراتي لا حجّةَ قانونيةً له، فكان لا بدّ من استدعاء مذكّرة مصرية بالطلب نفسه، حتى فاجأ محامي الشاعر المتابعين بأن النائب العام اللبناني أوصى بتسليمه إلى الإمارات.
أمام لبنان عدو صهيوني يعلن، بكل وقاحة، عدم التزامه بتطبيق بنود اتفاق التهدئة الموقّع مع حكومة نجيب ميقاتي، ويقضي بانسحاب العدو من الأراضي اللبنانية بعد 60 يوماً من بدء سريان الاتفاق، غير أن تلّ أبيب عادت لتهدّد بضرب لبنان مجدّداً إن لم تُستأصَل المقاومة فيه بشكل كامل.
كما أن لدى لبنان استحقاقاً انتخابياً رئاسياً هذا الأسبوع، يسدّ فراغ منصب رئاسة الدولة الشاغر منذ سنوات، ولديه مسألة إعادة إعمار ما دمّره العدوان الاسرائيلي، الذي استهدف بيروت والجنوب والبقاع، ولا نظنّ أن ترك هذه الملفّات كلّها، والتركيز في الاستثمار في حرّية (وحياة) شاعر معارض كان ينتحب وينتفض حزناً مع كلّ قنبلة تستهدف قلب بيروت، يمكن أن يكون مفيداً في حلّ هذه المشكلات الجوهرية، فضلاً عن أنه لا يفيّد لبنان أن يتنازل عن لبنانيته ويتحوّل ترساً في آلة الاستبداد العربي الغشوم.
بقاء عبد الرحمن يوسف هذه الأيّام كلّها رهينةً للمساومات والمقايضات والمجاملات السياسية، يجعل من الأمر نوعاً من الانسلاخ من القيم الإنسانية، قبل أن يكون انتهاكاً لقوانين دوليةٍ في بلد لم يُعرَف عنه في السابق أنه كان أداةً طيّعةً بيد الطغيان العربي، وقد جرّب هذه البلد من قبل ظروف احتجاز رئيس حكومته رهينةً في عاصمة عربية من أجل إخضاع لبنان سياسياً، ولم يُحرَّر إلا بعد تدخّلات قوىً دولية ذات نفوذ، ومن ثمّ يصبح استمرار القرضاوي أسيراً لعدم قدرة لبنان الرسمي على اتخاذ قرارٍ بإرادته الحرّة في مسألة تتعلّق بحياة مواطن عربي، لم يرتكب جريمةً، ولم يرفع سلاحاً، ولا يملك سوى قلمه، أمراً غير مفهوم في ظلّ ظروف إقليمية تهدّد سيادة لبنان في أرضه.
والحال كذلك، لا يصحّ هذا الاحتشاد والتعسّف الرسمي كلّه ضدّ أسير عربي في دولة عربية، بينما يناضل العرب الرسميون من أجل حرّية (وحياة) مجموعة من أسرى الاحتلال الصهيوني في غزّة، ويمارسون أشكال الضغوط كلّها على المقاومة الفلسطينية لإطلاق سراحهم، فيما يهدّد رئيس الإمبراطورية التى تزعم أنها جنة الديمقراطية وحقوق الإنسان بحرق غزّة وفلسطين، والشرق الأوسط كلّه، إن لم تُجبَر حركة حماس على إعادة أسرى العدو.
كلّ يوم يمرّ على احتفاظ الحكومة اللبنانية بشاعر مصري معارض، والتلويح بتسليمه لمن يريدون قطع لسانه ورأسه، يضع النظام العربي والإقليمي كلّه أمام مجموعة من الأسئلة:
هل تنحصر وظيفة هذه الأنظمة في التوسّط من أجل استرداد الاحتلال الإسرائيلي أسراه من غزّة، نزولاً عند تهديدات دونالد ترامب، وقبلها رغبات جو بايدن؟
وهل استهداف شاعر عربيٍ معروفٍ بمواقفه ضدّ تيار التصهين العربي، وفرض التطبيع مع العدو ماءً وهواءً، يأتي في إطار الانحناء أمام رياح ترامب، ونتنياهو، وعرب التطبيع المنتظرين على أحرّ من الجمر افتتاح الشرق الأوسط الجديد وفقاً للمواصفات الأميركية والإسرائيلية؟
والسؤال الأكثر أهميةً: ما الذي سوف يكسبه نجيب ميقاتي لو سلّم رأس الشاعر إلى طالبيها بأيّ ثمن، ليكون تكراراً لتراجيديا القتل الشنيع للصحافي جمال خاشقجي؟
وأخيراً، ما موقف جماعة المثقّفين اللبنانيين التنويريين الإنسانيين من بقاء شاعر ومثقّف عربي رهينةَ مقايضة سياسية في بلادهم؟
وأخيراً، ما موقف جماعة المثقّفين اللبنانيين التنويريين الإنسانيين من بقاء شاعر ومثقّف عربي رهينةَ مقايضة سياسية في بلادهم؟
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق