الثلاثاء، 15 أبريل 2014

رعب الإصلاح المكلف والعبثي في آن

رعب الإصلاح المكلف والعبثي في آن
ياسر الزعاترة

محزن ذلك الذي جرى بين دول الخليج فيما يتصل بسحب ثلاثة من دولة لسفرائهم من الدوحة، وهو ما يشي بتهديد آخر تجربة وحدوية في المجال العربي، مع أنها لم تكن على ما يرام، وما زالت تتعثر لاعتبارات كثيرة ليس هذا مجال الخوض فيها.
ولا شك أن نتمنى أن يُصار إلى تغليب العقل والرشد، وتجاوز هذه الأزمة، فحجم الخلافات بين دول الخليج، بخاصة في السياسة الخارجية، لم تمنع بقاء المجلس من قبل، ولا ينبغي أن تهدد وجوده الآن.
ولأن ما جرى ويجري بين دول الخليج، وعموم الارتباك في السياسة الخارجية له صلة بالموقف من ربيع العرب أكثر من أي شيء آخر، فإن سؤال هذا الموقف يبدو الأكثر إلحاحا، لاسيَّما أن ما دُفع في دعم الانقلاب في مصر، ومن ثم مساعي تثبيته كان هائلا إلى حد كبير، ولا يبدو أن النزيف سيتوقف، لاسيَّما أن ثبات هذا الموقف المتعلق بمحاربة ربيع العرب يعني أن الدفع سيتواصل في أكثر من بلد لن يلبث الناس أن يطالبوا فيه بالتغيير أو الإصلاح، كل بحسب ظروفه.
لم تكن كلفة المواجهة مع ربيع العرب متعلقة فقط بالبعد المالي الذي لا يبدو صعبا في ظل وفرة مالية لا بأس بها لدى بعض الدول، وإنما تجاوز الأمر ذلك إلى فشل سياسي في مواجهة الغطرسة الإيرانية، فضلا عن المكاسب التي جناها الصهاينة من هذا الذي يجري، وما سيجنونه لاحقا في حال استمر البؤس على ما هو عليه، الأمر الذي يهدد بأن يتمكنوا من تعويض ما فشلوا في تحقيقه؛ أولا عبر مسار أوسلو، وفكرة الشرق الأوسط الجديد، وثانيا عبر احتلال العراق، وفكرة إعادة تشكيل المنطقة، أو الشرق الأوسط الكبير.
قد يحدث ذلك لأن استنزاف سوريا، ومن ثم تيه الوضع العربي بسبب الحرب على ربيع العرب والصراع مع إيران، لن يلبث أن يدفع الأخيرة إلى حضن الغرب، ومن ثم تحولها إلى دولة مذهب تدخل في صراعات أكثر كلفة مع جوارها العربي، وهي صراعات ستصب كلها في صالح الصهاينة، فيما ستكون مدمرة للطرفين الإيراني والعربي في آن. لماذا حدث كل ذلك؟
الجواب ببساطة هو أن مخاوف امتداد الربيع العربي إلى بقية الدول العربية قد سيطرت على العقل السياسي في كثير منها، وصارت محاربة ذلك الربيع هي الأولوية التي لا تتقدم عليها أولوية أخرى، وأضيفت مواجهة الإسلاميين إلى اللعبة، بوصفهم القوة السياسية الأكبر في المنطقة.
هل كانت هذه الحرب ضرورية، وهل كان على بعض أنظمة الخليج أن تدخل في هذا الكم من التناقض مع شعوبها ومع جماهير الأمة بسبب تلك المواقف التي تتصدى بأي ثمن لربيع العرب؟
لا نعتقد ذلك، فشعوب الخليج التي يعيش أكثرها وفرة اقتصادية تتفاوت بين الواحدة والأخرى، لم تكن تريد أكثر من عمليات إصلاح سياسي لا صلة لها ببعض الثورات التي حدثت في عدد من الدول، ولم نسمع في واقع الحال أية قوة سياسية أو أية نخب ذات قيمة في تلك المجتمعات تطالب بتعييرات جذرية في الوضع السياسي في بلادها.
الكل يتحدث عن إصلاح، وعن حرص على الوحدة، بل يتحدث عن احترام «ولاة الأمر»، ما يعني أن الثمن الذي كان على النخب الحاكمة أن تدفعه ليس كبيرا بحال، وستغدو هذه النظرية أكثر إقناعا إذا تذكرنا أن مواجهة الربيع العربي، والنجاح هنا وهناك لا يعني بحال أن كل شيء قد استقر تماما، وعادت الأوضاع إلى ما كانت عليه قبل ذلك.
ومن يتابع وسائل التواصل الاجتماعي يدرك أن هذه الشعوب لن تبقى خارج سياق التاريخ الحديث الذي لم يعد يقبل الأنظمة الشمولية التي تمتلك الأرض ومن عليها، وتتحكم في كل شيء دون تعددية ولا مشاركة سياسية.
والخلاصة أن على هذه الأنظمة أن تعيد النظر فيما تفعله، لأن التلكؤ لن يؤدي إلا إلى رفع سقف المطالب بالتدريج، مع خلق مزيد من الفجوات بين الأنظمة والشعوب. عليها إلا تجدّف عكس تيار التاريخ، والعاقل من اتعظ بغيره.

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق