السبت، 26 أبريل 2014

أساطير يناير وسحرة فرعون

أساطير يناير وسحرة فرعون


اللواء عادل سليمان
في 25 من يناير/كانون الثاني 2011، هبّت على مصر رياح غضبٍ، لم تشهدها منذ زمن طويل. لم تكن رياحاً عاصفة في قوة الأعاصير، فتقتلع النظام الفاسد من جذوره. وأيضاً، لم تكن نسائم رقيقة، توقظ النظام من ثباته، لتدبَّ فيه الحركة والنشاط، لكنها كانت شيئاً ما بين الاثنين، فلا هي اقتلعت النظام، ولا بثّت في عروقه النشاط، لكنها كشفت عنه الغطاء، لتظهر كل سوءاته وعوراته، وليكتشف الناس، أبناء هذا الشعب البسطاء، أنهم يعيشون في دولةٍ، ليست ككل الدول، على رأسها طاغيةٌ في ثياب حاكمٍ، بيده صولجان، يحرّك به كل المؤسسات المهيمنة على مقدرات الوطن، أمنه واقتصاده وإعلامه، وكل مناحي الحياة. وعلى الرغم من ذلك، تسببت رياح يناير في اهتزاز ذلك الفرعون الطاغية، والذي سارع بتسليم صولجان السلطة إلى هامانه، قبل أن تسترده جماهير الشعب الثائرة.  
من تلك اللحظة، والناس البسطاء في مصر الذين احتفلوا برحيل الطاغية، واستقبلوا خبر تخليه عن منصب الرئاسة، بفرحةٍ غامرة، واعتبروا أنها لحظة انتصار تاريخي.
اعتقدوا أنهم حققوا أعظم إنجازاتهم التاريخية، ثم وجدوا أنفسهم، وقد حلّقوا بعيداً في عالم من الأوهام والأساطير، ما أن يفيقوا من أسطورةٍ، حتى يجدوا أنفسهم، وقد عاشوا أسطورةً جديدة، وكان لا بد من يوم معلومٍ يفيقُ فيه الشعب على حقيقة أنه يعيش في عالمٍ من الأساطير.
جاء هذا اليوم بالفعل في 3 يوليو/ تموز 2013، وكانت الصدمة عنيفة، لأن ثمن الإفاقة كان باهظاً، فقد بدأت المسيرة مع أساطير يناير مبكراً، وبالتحديد من يوم 28 يناير، أو جمعة الغضب، فما كادت صلاة الجمعة تنقضي، حتى تدفقت على ميادين التحرير جموعٌ من البشر مملوءةٌ بالحيوية والحماس والتحدي، في مواجهة قوات الشرطة التي كانت قد بلغت حداً من الإرهاق، على مدى الأيام الثلاثة السابقة، وأيضاً، نفاذ الصبر، فاستخدمت أقسى درجات العنف المتاح لها، من دون أي تمييز، أو هوادة. ولكن، أمام إصرار حشود البشر، وتحديهم، انهارت قوات الأمن بأنواعها المختلفة، وولت الأدبار بعيداً عن غضبة الجماهير في مشهد مثير. 
وشهدت مصر حالةً من انفلاتٍ أمني غير مسبوق، وكان قرار حسني مبارك، على الفور، تكليف القوات المسلحة بالنزول إلى الشارع، للسيطرة على الموقف، لتبدأ الأسطورة الأولى، وهي أسطورة حماية الجيش الثورة! واستمرت هذه الأسطورة تتردد في كل وسائل الإعلام، عامين ونصف العام، جرت في النهر خلالها مياه كثيرة، لعل أهم ما حملته لنا كان انتخاب أول رئيس مدني منذ حركة يوليو 1952، ووضع دستور جديدٍ تم الاستفتاء عليه، حتى بلغنا 6/30 ثم 7/3 /2013، عندما تم تعطيل الدستور، واعتقال الرئيس المنتخب، وسيطرت القوات المسلحة على السلطة، وفرضت خريطة طريق جديدة، تسير عليها البلاد، واكتملت الصورة بوضع دستور جديد، يجعل من القوات المسلحة دولةً فوق الدولة، ثم إعلان القائد العام للقوات المسلحة ترشحه للرئاسة!
هنا، فقط، أدركت الجماهير أن فكرة حماية الثورة لم تكن سوى أسطورة تم تسويقها للبسطاء! وارتبطت بهذه الأسطورة الرئيسية أساطير فرعية أخرى، لعل أهمها أسطورة أن المجلس العسكري هو من أجبر حسني مبارك على التخلي عن منصبه!
وأسطورة أن المجلس العسكري كان ضد التوريث، ثم جاء نفي كل تلك الأساطير بشكل قاطع، بواسطة رئيس المجلس العسكري الذي تولى السلطة في 11 فبراير/ شباط 2011، المشير حسين طنطاوي نفسه، وذلك في حديثه لجريدة اليوم السابع المصرية المنشور في 9 مارس/آذار 2014، عندما ذكر أن القوات المسلحة لم تنزل يوم 28 يناير لحماية الثورة، بل للسيطرة على الموقف، وإن القوات المسلحة لم تتدخل مطلقاً، للضغط على مبارك، لترك منصبه، ولم تجبره على ذلك، بل فوجئت بقراره!
كما أن القوات المسلحة لم يكن لها أي شأن بمسألة التوريث، ولم تكن محل اهتمامها!
هكذا وضع المشير طنطاوي حداً لتلك الأسطورة المتعلقة بالمجلس العسكري ودوره.


على الجانب الآخر، فور إعلان قرار مبارك تخليه عن منصب رئيس الجمهورية، وتسليم السلطة للمجلس العسكري، عمت الميادين فرحة هستيرية، وبدأت تتشكل أسطورة جديدة، مضمونها أن الثورة أسقطت النظام، وخلعت مبارك، وعلى الثوار أن يتقدموا الصفوف، ليجنوا الثمار، وتشكلت عشرات الائتلافات والمجالس والاتحادات التي حملت أسماء، مثل شباب الثورة وأمناء الثورة، وتعددت الأسماء، لكن المهم أن ينتهي الاسم بكلمة "الثورة". 
وبدأ الجميع يتحدث باسم الثورة والتحرير وأيام الميدان، ولم يلتفت أحد إلى أن القابض على زمام الأمور في البلاد، وهو المجلس العسكري له رأي مختلف، وهو الذي بدأ على الفور إدارة أكبر عملية احتواء في تاريخ الثورات والانتفاضات الشعبية في أي مكان. وللحق، فإن هذه العملية تمت بمهارة شديدةٍ، وتخطيط محكم، وتم استخدام كل وسائل الترغيب والترهيب والتقسيم والتفريق في إدارتها، فمن كان يريد الظهور الإعلامي من شباب الميدان، فتحت له القنوات الفضائية على مصراعيها، ومن كان يريد رفع الرايات السوداء والحديث باسم الشريعة السمحاء، منحت له تراخيص القنوات ووسائل الإعلام، ومن كان هدفه الوصول إلى السلطة عبر صناديق الانتخابات، تم تصميم عملية سياسية، محكمة خصيصاً له، وأتيحت له الفرصة كاملةً، للترشح والتنافس والانتخاب، ومن كان يطالب بالعدل والقصاص، تمت تهدئته بنصب المحاكم لمبارك وأركان حكمه، في مشاهد مسرحية محبوكة، وغير ذلك كثير.  
ولكن، كانت عصا السلطة الغليظة حاضرةً دائماً في المشهد في شارع محمد محمود وقرب ماسبيرو ومجلس الوزراء وغيرها. وأيضاً، جرت في النهر مياه كثيرة حتى بلغنا 30 يونيو/ حزيران و3 يوليو/ تموز، لينكشف الغطاء، ونكتشف أن سقوط النظام ومبارك كان أيضا مجرد أسطورة، أحاطت بها مجموعة أساطير فرعية، مثل ظهور أيقونات للثورة ونخب ثورية وجبهات للإنقاذ وجماعات للتمرد.
وكان أبناء الشعب المصري البسطاء يتلقون كل تلك الأساطير، وكأنها عصي سحرة فرعون، يلقونها واحدة تلو الأخرى، لتسعى، وكأنها حيات حقيقية، والناس مأخوذة من الدهشة. والآن، نحن مقبلون على أسطورة جديدة، تحمل عنواناً فخيماً هو الانتخابات الرئاسية، فهل ستكون آخر عصا في جراب سحرة فرعون؟ أم علينا أن نتوقع المزيد، قبل أن تأتي عصا موسى، لتلتهم كل تلك الأساطير؟    
                



 

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق