"تهابر السيسي" و"تخابر مرسي"
وائل قنديل
حتى التراث الشعبي لم يسلم من ركاكة الجنرال زعيم المقبرة، فقرر أن "يهبر" قطعة من العامية المصرية، لبناء رؤيته العبقرية لبناء الأوطان.
يقول السيسي "كل مواطن لازم يهابر مع بلده، وينحت في الصخر عشان تقوم".
الرجل يبدو غريبا على العامية المصرية الصحيحة، إن اعتبرنا أنه جاهل بما يقول، وهو يستخدم الفعل" يهابر" في سياق الدعوة إلى النهوض بالوطن.
أما إذا كان يعني المفردة بمنطوقها الذي ورد في خطبته لعمال الترسانة، فأنت أمام حاكم يطلب من شعبه أن يسلكوا كالكلاب حباً في الوطن، فالمصطلح "يهابر" و"مهابرة" في العامية المصرية القديمة يستخدم للتعبير عن تلك الحالة التي تنتاب الجراء الصغيرة، فتمعن في النباح، وتبالغ في محاولات الاقتناص والخطف. لذا، كان أبناء القرى حين ينهرون أطفالهم ويعنفونهم، إذا صنعوا ضجيجا وشغبا، يقولون "كفاية مهابرة".
في العامية المصرية أيضاً، تسمع مصطلح "الهبرة الكبيرة" لابد أنك سمعته إذا كنت من متابعي الدراما، خصوصاً ما يعالج منها عالم الجريمة والفساد وأنشطة العصابات، وفي المعاجم اللغوية تجد "هبَرَ يَهبُر ، هَبْرًا ، فهو هابِر ، والمفعول مَهْبور وهبَر اللَّحمَ قطَعهُ قِطَعًا كبارًا :- هبَر الجزّارُ فَخِذَ الشَّاة .
إنهم "يهبرون" الوطن بكل إخلاص وتفان، إذن صارت "المهابرة" أو "التهابر" معيارا للوطنية، ووحدة قياس المواطن الشريف، ولأن "المهابرة" فعل تراكمي ممتد، فمن الطبيعي أن "يهبر" المجتمع بعضه بعضا، تهابر في الجامعة وفي المدرسة وفي الشارع، وفي المصنع، فيتحول الكل إلى عيون على الكل، وينتعش البصاصون من "المهابرين" أمنيا في حب الوطن، ويتحول كاتب رصين من أكاديمي رصين إلى "مهبر" في حب مصر.
في أجواء كهذه، من المنطقي أن ينشط عتاة "المهبرين والمتهابرين" في نهش أيوب السجون، الشهيد الحي محمد سلطان، بعد أن خيروه بين حياته والاحتفاظ بجنسية دولة بمواصفات خرابة، وأبعاد مقبرة، فاختار الحفاظ على حياته.
تسمعهم "يهابرون" على الشاشات، وصفحات الجرائد، ومواقع التواصل الاجتماعي، بحديث مهترئ عن وطنية فاسدة، تتأسس على منطق فاشي مؤداه إن من يرفض الموت تعذيبا على أرض بلده، ليس وطنيا، وهو منطق تتحول معه الجنسية، على أيدي القتلة والسفاحين، إلى مشنقة ومقصلة، ومن يرفض أن يضع رأسه فيها، يتهم بالخيانة والتخلي عن الوطن.
هذه الوطنية الفاسدة لها رعاة رسميون وآباء شرعيون، منذ حكم المجلس العسكري، وحتى حكم العسكري نفسه، حين فرضوا "الطريقة الزندية العكاشية" مذهباً وحيداً في حب الوطن، ولعلك تذكر أن "عكاشة القضاة" الذي عينوه وزيراً للعدل الآن، كان أول من نادى على باراك أوباما، لكي يتدخل لتغيير نظام الحكم المنتخب في مصر، في الوقت الذي كان فيه "زند الإعلام العسكري" يستغيث بزعماء الكيان الصهيوني، ويفاخر، على الهواء مباشرة، بعلاقته بهم، فيتحدث إليه أحد قادة المجلس العسكري، في مداخلة يصفه فيها "بنموذج الإعلامي الوطني".
لا غرابة، إذن، حين تجد هؤلاء الذين اعتبروا معانقة إسرائيل، ومعاقبة حماس، قمة الوطنية، يحاكمون الرئيس محمد مرسي بتهمة "التخابر" مع المقاومة الفلسطينية والدول العربية، ويعتبرون أميركا ربهم الأعلى، وفي الوقت نفسه، يخونون سلطان لأنه ذهب إليها هرباً من الهلاك.
إن الوطن هو المكان الذي تتحقق فيه إنسانيتك، وليس مقر تعذيبك، أو سرداب التخلص من جثتك، الوطن الحقيقي ليس سيارة ترحيلات تحترق على من فيها من سجناء.
إن الذين يأخذون على محمد سلطان استخدام جنسيته الأميركية فرارا من قتله بالجنسية المصرية، ويهرفون بكلام سقيم عن تفضيلهم أن يدفنوا في تراب الوطن، على الحياة خارجه، هم أنفسهم الذين رفضوا السماح لجثمان العميد طارق الجوهري بالعودة، لكي يوارى الثرى في مصر.
ويثير السخرية أن قطعان الوطنية الفاسدة تركت كل شيء في قصة التنكيل والتعذيب التي عاشها محمد سلطان أكثر من أربعمائة يوم، وتعلقت بلقطة سجوده لله شكراً على نجاته من بين براثن مصاصي دماء الشعوب.
أما إذا كان يعني المفردة بمنطوقها الذي ورد في خطبته لعمال الترسانة، فأنت أمام حاكم يطلب من شعبه أن يسلكوا كالكلاب حباً في الوطن، فالمصطلح "يهابر" و"مهابرة" في العامية المصرية القديمة يستخدم للتعبير عن تلك الحالة التي تنتاب الجراء الصغيرة، فتمعن في النباح، وتبالغ في محاولات الاقتناص والخطف. لذا، كان أبناء القرى حين ينهرون أطفالهم ويعنفونهم، إذا صنعوا ضجيجا وشغبا، يقولون "كفاية مهابرة".
في العامية المصرية أيضاً، تسمع مصطلح "الهبرة الكبيرة" لابد أنك سمعته إذا كنت من متابعي الدراما، خصوصاً ما يعالج منها عالم الجريمة والفساد وأنشطة العصابات، وفي المعاجم اللغوية تجد "هبَرَ يَهبُر ، هَبْرًا ، فهو هابِر ، والمفعول مَهْبور وهبَر اللَّحمَ قطَعهُ قِطَعًا كبارًا :- هبَر الجزّارُ فَخِذَ الشَّاة .
إنهم "يهبرون" الوطن بكل إخلاص وتفان، إذن صارت "المهابرة" أو "التهابر" معيارا للوطنية، ووحدة قياس المواطن الشريف، ولأن "المهابرة" فعل تراكمي ممتد، فمن الطبيعي أن "يهبر" المجتمع بعضه بعضا، تهابر في الجامعة وفي المدرسة وفي الشارع، وفي المصنع، فيتحول الكل إلى عيون على الكل، وينتعش البصاصون من "المهابرين" أمنيا في حب الوطن، ويتحول كاتب رصين من أكاديمي رصين إلى "مهبر" في حب مصر.
في أجواء كهذه، من المنطقي أن ينشط عتاة "المهبرين والمتهابرين" في نهش أيوب السجون، الشهيد الحي محمد سلطان، بعد أن خيروه بين حياته والاحتفاظ بجنسية دولة بمواصفات خرابة، وأبعاد مقبرة، فاختار الحفاظ على حياته.
تسمعهم "يهابرون" على الشاشات، وصفحات الجرائد، ومواقع التواصل الاجتماعي، بحديث مهترئ عن وطنية فاسدة، تتأسس على منطق فاشي مؤداه إن من يرفض الموت تعذيبا على أرض بلده، ليس وطنيا، وهو منطق تتحول معه الجنسية، على أيدي القتلة والسفاحين، إلى مشنقة ومقصلة، ومن يرفض أن يضع رأسه فيها، يتهم بالخيانة والتخلي عن الوطن.
هذه الوطنية الفاسدة لها رعاة رسميون وآباء شرعيون، منذ حكم المجلس العسكري، وحتى حكم العسكري نفسه، حين فرضوا "الطريقة الزندية العكاشية" مذهباً وحيداً في حب الوطن، ولعلك تذكر أن "عكاشة القضاة" الذي عينوه وزيراً للعدل الآن، كان أول من نادى على باراك أوباما، لكي يتدخل لتغيير نظام الحكم المنتخب في مصر، في الوقت الذي كان فيه "زند الإعلام العسكري" يستغيث بزعماء الكيان الصهيوني، ويفاخر، على الهواء مباشرة، بعلاقته بهم، فيتحدث إليه أحد قادة المجلس العسكري، في مداخلة يصفه فيها "بنموذج الإعلامي الوطني".
لا غرابة، إذن، حين تجد هؤلاء الذين اعتبروا معانقة إسرائيل، ومعاقبة حماس، قمة الوطنية، يحاكمون الرئيس محمد مرسي بتهمة "التخابر" مع المقاومة الفلسطينية والدول العربية، ويعتبرون أميركا ربهم الأعلى، وفي الوقت نفسه، يخونون سلطان لأنه ذهب إليها هرباً من الهلاك.
إن الوطن هو المكان الذي تتحقق فيه إنسانيتك، وليس مقر تعذيبك، أو سرداب التخلص من جثتك، الوطن الحقيقي ليس سيارة ترحيلات تحترق على من فيها من سجناء.
إن الذين يأخذون على محمد سلطان استخدام جنسيته الأميركية فرارا من قتله بالجنسية المصرية، ويهرفون بكلام سقيم عن تفضيلهم أن يدفنوا في تراب الوطن، على الحياة خارجه، هم أنفسهم الذين رفضوا السماح لجثمان العميد طارق الجوهري بالعودة، لكي يوارى الثرى في مصر.
ويثير السخرية أن قطعان الوطنية الفاسدة تركت كل شيء في قصة التنكيل والتعذيب التي عاشها محمد سلطان أكثر من أربعمائة يوم، وتعلقت بلقطة سجوده لله شكراً على نجاته من بين براثن مصاصي دماء الشعوب.
بعضهم، بمنتهى الوقاحة والقدرة على التدليس، اعتبرها سجوداً لأميركا، وكأن شكر الله لا يكون إلا على أرض مقبرة عبد الفتاح السيسي فقط.