الثلاثاء، 6 أكتوبر 2015

مكاسب إسرائيلية بالجملة

مكاسب إسرائيلية بالجملة



صالح النعامي

لولا أنه سيكون حقيقة واقعة، لكان يمكن نعت مشهد لقاء نائب رئيس هيئة أركان الجيش الروسي، نيكالو بكدونسكي، ونظيره الإسرائيلي، يائير جولان، في إحدى قواعد الجيش الإسرائيلي في تل أبيب، أمس الثلاثاء، بأنه مشهد سُوريالي.
فبكدونسكي سيقطع آلاف الكيلومترات من أجل الاتفاق مع جولان على قواعد لتنظيم التدخل الروسي في سورية؛ بما لا يمس مصالح إسرائيل الاستراتيجية، كما التزم بذلك الرئيس الروسي، فلاديمير بوتين، في كلمته في الأمم المتحدة. يذكّرنا هذا المشهد بحقب مظلمة من التاريخ العربي، عندما كان ممثلو الدول الأجنبية يلتقون، في هذا المكان أو ذاك، للتباحث بشأن سبل حسم مصير هذا القطر العربي أو ذاك، لكن المفارقة أن هذا يحدث في ظل احتفاء من يدّعون أنهم يمثلون "المقاومة والممانعة".
بات من الواضح أن تكثيف التدخل الروسي في سورية لا يحقق فقط المصالح الإسرائيلية في هذا البلد، بل يسهم أيضاً، بشكل مؤكد، في تحسين البيئتين، الإقليمية والاستراتيجية، للكيان الصهيوني. لقد فتح التدخل الروسي في سورية نافذة فرص مهمة أمام إسرائيل، لتحقيق خريطة مصالحها، من دون تبديد أي قدر من إمكاناتها العسكرية ومواردها الذاتية.
فحسب المنطق الإسرائيلي، يسهم تكثيف التدخل العسكري الروسي في سورية في تحقيق أهم مصالح تل أبيب، والمتمثلة في إطالة أمد الحرب هناك إلى أبعد مدى؛ الأمر الذي يفضي إلى إرهاق كل الأطراف واستنزافها، سواء قوى المعارضة السورية المسلحة، أو داعمي نظام الأسد الرئيسيين: إيران وحزب الله.
 فإسهام روسيا في الجهد الحربي ضد قوى المعارضة السورية المسلحة، وتقليص قدرتها على تقويض نظام الأسد، مهم لإسرائيل التي تتخوف من تبعات فوضى قد تسود في حال سيطرت هذه القوى على مقاليد الأمور.
في الوقت نفسه، تمثل إطالة أمد المواجهة الطاحنة وصفة لاستنزاف حزب الله وإيران، ما يقلّص من إمكانية تفرغهما لمشاغلة إسرائيل، من سورية أو لبنان.
وتنطلق محافل التقدير الاستراتيجي في تل أبيب من افتراضٍ مفاده بأنه كلما كان حزب الله متورطاً في الوحل السوري، تؤول فرص اندلاع مواجهة قاسية معه إلى الصفر.
كما أن إسرائيل تعي أن خريطة المصالح الروسية تتضمن تأمين مناطق نفوذ موسكو الحيوية في الساحل السوري، ما يدفع صناع القرار في تل أبيب إلى الاعتقاد بأن الروس سيقبلون، في النهاية، بتقسيم سورية، وهذا يمثل مرحلة متقدمة في تحقيق خريطة المصالح الإسرائيلية، فقد أسرفت القيادات والنخب الإسرائيلية، أخيراً، كثيراً في صياغة مخططات لتقسيم سورية، وأخذت تحاول تسويقها على أنها تلبي مصالح الأطراف الإقليمية والدولية.
فلم يفت وزير الداخلية السابق والقيادي الليكودي البارز، جدعون ساعر، أن يشير في التوطئة لمشروعه الخاص بتقسيم سورية إلى أن هذه الصيغة لا تخدم مصالح إسرائيل فحسب، بل أيضاً مصالح روسيا وإيران وحزب الله والغرب (موقع يديعوت أحرنوت، 19-9).
المفارقة أن صيغة ساعر وصيغا إسرائيلية أخرى لا تفترض أن هناك التقاء مصالح مع روسيا وإيران وحزب الله فقط في مبدأ تقسيم سورية، بل تفترض، أيضاً، أن من مصلحة الجميع أن يتم حرمان "الكيان السني" الذي يمكن أن يبرز نتاج التقسيم، شأنه شأن دويلات عرقية ومذهبية أخرى، من أي موطئ قدم على أطراف سورية الغربية أو الشمالية أو الجنوبية. ومن الواضح أن رفض إسرائيل "الكيان السني" على حدودها الشرقية يأتي بسبب الاعتقاد أن مثل هذا الكيان سيكون ساحة لانطلاق العمليات ضد إسرائيل 
مستقبلاً. 
وحتى لو لم يفض التدخل الروسي إلى تقسيم سورية، وضمن فقط بقاء نظام الأسد في المناطق التي يحتفظ بها حالياً، فإن هذا أيضاً يلتقي مع المصالح الإسرائيلية.
فقد كشفت صحيفة معاريف في 25-9 أن هناك إجماعاً داخل دوائر صنع القرار السياسي والمؤسسة الأمنية الإسرائيلية على أن بقاء نظام الأسد، على الرغم من دعم الإيرانيين وحزب الله أفضل بكثير بالنسبة لإسرائيل من سقوطه وصعود قوى المعارضة السورية المسلحة. فحسب هذا المنطق، يعفي بقاء النظام ضعيفاً منهكاً إسرائيل من التدخل المباشر في الوحل السوري.
ولا حاجة، هنا، للتذكير بأن نخباً أمنية وإعلامية إسرائيلية لم تتردد في دعوة حكومة نتنياهو إلى إمداد نظام الأسد بالسلاح، من أجل ضمان دحره قوى المعارضة السورية، كما فعل الجنرال إليعازر سفرير، من قادة الاستخبارات السابقين (هآرتس، 4-7).
لكن الرهانات على التدخل الروسي في سورية لا تقف عند هذا الحد، بل إن قيادات إسرائيلية لا تتردد في الدعوة إلى استغلال هذا التدخل في إضفاء شرعية على اندماج الكيان الصهيوني في النظام الإقليمي الجديد المتبلور. وقد وصل الأمر بوزيرة الخارجية الأسبق، تسيفي ليفني، أن دعت حتى للتعاون غير المباشر مع إيران وحزب الله، لتحسين قدرة تل أبيب على التأثير على موازين القوى في المنطقة، وفي سورية تحديداً، بما يخدم المصالح الإسرائيلية، على اعتبار أن العالم يرى فيهما جزءاً من الحل، وليسا مركبين من مركبات المشكلة (ميكور ريشون، 29-9).
إلى جانب ذلك، يفتح التعاون والتنسيق مع الروس الباب لتوسيع الشراكة الاستراتيجية مع روسيا، في مجالات تتعدّى نطاق سورية والمنطقة، ولا سيما في ظل انكفاء الولايات المتحدة في عهد أوباما، وميلها إلى عدم التدخل العسكري في بؤر التوتر في العالم. فقد كشفت قناة التلفزة الإسرائيلية العاشرة بتاريخ 27-9 أن هيئة التنسيق المشتركة الروسية الإسرائيلية ستتناول التعاون في مجال مواجهة "حركات الإسلام الجهادي"، مع العلم أن الإسرائيليين يتحدثون، منذ فترة طويلة، عن أن الأجهزة الاستخبارية في روسيا وإسرائيل تتبادل المعلومات الاستخبارية حول هذه الحركات. وهناك في إسرائيل من يراهن على أن يسهم التقارب مع موسكو في تعاون استراتيجي في مجال تسويق الغاز الطبيعي، ولا سيما بعدما تحولت إسرائيل إلى كيان مصدّر للغاز

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق